186 جامع الأجوبة الفقهية ص 226
قام به ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة: المذي إذا أصاب الثوب
♢- جواب ناصر الريسي:
بعد أن نقلنا إجماع العلماء على نجاسة المذي في المسألة السابقة، فكيف يزال هذا المذي فيما إذا أصاب الثوب؟ هذه هي صورة المسألة.
وعليه فإن العلماء رحمهم الله عز وجل اختلف في المذي يصيب الثوب، على قولين:
الأول: لا يجزئ إلا الغسل وهو مذهب الجمهور من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية، وقول في مذهب الحنابلة.
والقول الثاني: يكفي فيه النضح، وهو رواية عن أحمد، وأحد القولين للإمام إسحاق، واختاره ابن حزم، ورجحه ابن تيمية، وابن القيم، والألباني، وابن عثيمين.
انظر: شرح معاني الآثار (1/ 48)، المبسوط (1/ 67)، حاشية الدسوقي (1/ 112)، المجموع (2/ 164)، الكافي في فقه أحمد (1/ 56)، المغني 2/63 ، الإنصاف (1/ 330)، تهذيب السنن (1/ 148 – 149)، المحلى بالآثار (1/ 118).
♢- حجة الجمهور الذين قالوا بأنه لا يجزئ إلا الغسل:
القياس على البدن، فإذا كان البدن يجب غسل المذي منه، فكذلك يجب في الثوب، واستدلوا بحديث علي رضي الله عنه المتفق عليه، قال: كنت رجلا مذاء، وكنت أستحيي أن أسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ. اخرجه البخاري في صحيح (269)، ومسلم (303) واللفظ له.
♢- دليل أصحاب القول الثاني من قال: يكفي فيه النضح:
عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الغسل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال إنما يجزئك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحق في المذي مثل هذا. وحسنه الألباني في ابن ماجة (506)
قلت سيف بن دوره : وردت لفظة النضح في المذي في غسل الفرج قال ابن رجب 1/307 : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : – في المذي – ( توضأ ، وانضح فرجك ) . وحملت على الغسل لورود لفظ غسل الفرج . أما نضح الثوب فكأنهم لم يحملوها لعدم ورود غسل الثوب من المذي .
وسيأتي في جوابي آخر هذا البحث الحكم على حديث سهل بن حنيف
وأجاب الجمهور عن ذلك:
بأن المراد بالنضح هو الغسل؛ لأن النضح لفظ مشترك بين الغسل وبين الرش، وإذا كان يجب غسل المذي من الذكر، وتَعَرُض الذكر للمذي أكثر من تعرض الثياب؛ لأنه يخرج أصلاً منه، ومع ذلك نص على غسله، فكذلك الثوب يجب فيه الغسل، لأن البلوى بالبدن أكثر منه بالثوب.
وقالوا الدليل على أن النضح يراد به الغسل:
ما رواه مسلم في صحيحه (303)، قال: عن علي بن أبي طالب أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: توضأ، وانضح فرجك.
وقد رواه البخاري (269) بلفظ: توضأ، واغسل ذكرك.
وفي رواية لمسلم: ” يغسل ذكره ويتوضأ “.
فأطلق النضح على الغسل.
وروى البخاري من طريق هشام، قال: حدثتني فاطمة عن أسماء، قالت: جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع. قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه، وتصلي فيه. ورواه مسلم.
قال الحافظ: (تنضحه) قال الخطابي: أي تغسله.
وقال القرطبي: المراد به الرش؛ لأن غسل الدم استفيد من قوله: “تقرصه بالماء “. وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
قال الحافظ: فعلى هذا فالضمير في قوله: تنضحه يعود على الثوب، بخلاف تحته فإنه يعود على الدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر، وهو على خلاف الأصل، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئاً؛ لأنه إن كان طاهراً فلا حاجة إليه، وإن كان متنجساً لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابي. انظر: الفتح بتصرف يسير (1/ 439).
♢- وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (5/ 70): قد يَرِد النضح بمعنى الغسل والإزالة، ومنه الحديث: نضح الدم عن جبينه. انتهى
♢- وقال العيني في نخب الأفكار (1/ 429):
“وأما المذي إذا أصاب الثوب فحكمه ما قال الترمذي في “جامعه”: وقد اختلف أهل العلم في المذي يُصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلَّا الغسل -وهو قول الشافعي وإسحاق- وقال بعضهم: يجزئه النضح. وقال أحمد: أرجو أن يجزئ النضح بالماء. قلت: مذهب أبي حنيفة أنه لا يجزئ إلَّا الغسل”. انتهى
♢- قال صاحب عون المعبود (1/ 247):
“واعلم أن أهل العلم اختلفوا في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزئ إلا الغسل وهو قول الشافعي وإسحاق وقال بعضهم يجزئه النضح، وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء قاله الترمذي
وقال الشوكاني في النيل اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما لا يجزيه إلا الغسل أخذا برواية الغسل. وفيه ما سلف على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجز انتهى. قلت ما قال الشوكاني هو الحق ولا ريب في أن المذي نجس يغسل الذكر منه وينضح بالماء ما مسه من الثوب وأن الرش مجزئ كالغسل. انتهى
♢- قال ابن حزم في المحلى بالآثار (1/ 118):
“والمذي تطهيره بالماء، يغسل مخرجه من الذكر وينضح بالماء ما مس منه الثوب”. انتهى
♢- وسأل الشيخ الألباني رحمه الله كما في سلسلة الهدى والنور (11/ 53):
هل يرش بالماء الثوب الذي أصابه المذي؟
الشيخ: الرش لم يرد إلا في بول الصبي وإلا في ما يكون قد يكون في الثوب من مذي فيكفي فيه النضح، أما النجاسات بعامة فلا يجزئ فيها النضح، بل لا بد من الغسل حتى تزول عين النجاسة إن كانت ظاهرة أو إن كانت غير ظاهرة فيغسلها ثلاثا الرش في مثل هذا السؤال لا يجوز، بل لا بد من الغسل، نعم. انتهى
♢- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء الشهري (12/ 14):
وأما المذي: فهو الذي يخرج بسبب الشهوة، لكنه يخرج من غير شعور به وعند برودة الشهوة، أي: أنه إذا بردت شهوة الإنسان وجد هذا البلل دون أن يشعر به، وهذا يوجب غسل الذكر والأنثيين؛ كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ويوجب الوضوء أيضاً، وما أصاب الثوب منه فإنه ينضح كما ينضح بول الغلام الصغير، أي: أنه يصب عليه الماء حتى يعمه، وبذلك يكون طاهراً”. انتهى
—
جواب سيف بن دوره :
الحكم على حديث سهل بن حنيف :
ورد في مسند عبد بن حميد
467 – حدثنا محمد بن الفضل، ثنا حماد بن زيد، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف، أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي؟ فقال: “يكفيك منه الوضوء”، فقال: وكيف أصنع بما أصاب ثوبي؟ قال: “تأخذ كفا من ماء, فتنضح من ثوبك حيث ترى أنه أصابه”.
وذكر ابن القيم في تهذيب السنن والذهبي في الميزان أن هذا الحكم تفرد به ابن إسحاق. وقد رد ابن القيم على من اغتر بأن ابن إسحاق كذب. ودافع عنه وكون هشام بن عروة كذبه إنما هي من طريق الشاذكوني وهو متهم بالكذب ثم هو كذبه لأنه حدث عن امرأته. فلعله سمع منها ولم يرها وهشام ينفي الرؤية. وبين أن سياق القصة يدل أنها كذب.
وقال الترمذي: حسن صحيح
وذكره ابن حبان في صحيحه وكذلك ابن خزيمة
و ذكره الشيخ مقبل في ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر. وقال في تخريجه بعد ذلك: حديث حسن إن علم سماع عبيد بن السباق من سهل.
وابن إسحاق مدلس وعنعن لكنه صرح عند أبي داود حديث 210 وسعيد بن السباق هو سعيد بن عبيد بن السباق
ونقل مغلطاي تصحيح ابن حزم للحديث.
وقال ابن المنذر في الأوسط: لا يجزي عندي في المذي إلا الغسل ونقل أنه قول الجمهور الشافعي في آخرين غير أحمد فإن إسحاق بن منصور حكى عنه في المذي أنه قال: ارجو ان النضح يجزيه، والغسل أعجب إلي. وحكى الاثرم عنه أنه قال حديث سهل بن حنيف لا أعلم شيئا يخالفه.
وقال مرة؛ لو كان عن غير ابن إسحاق. نقله مغلطاي قال: وأخبر به محمد بن شداد أنه سمع أبا عبدالله يقول: لو كان غير ابن إسحاق. وقال صالح: قال أبي: حدثنا ابن إسحاق، لا أعرفه عن غيره ولا أحكم لابن إسحاق. وفي كتاب الخلال: سئل ابوعبدالله عن المذي يصيب الثوب كيف العمل به؟ قال: الغسل. ليس في القلب منه شئ. حدثنا محمد بن إسحاق. انتهى كلامه
ثم ناقش مسألة الغسل وراجع نخب الأفكار للعيني.
واحد الباحثين ذهب لطهارة المذي لأنه مثل المني وقال ابن إسحاق لا يقبل تفرده في الأحكام.
لكن كما سبق الأئمة منهم من حسنه ومنهم من حمله على الغسل.
والبيهقي حمل النضح هنا على معنى الغسل (السنن 2/ 575) وكذلك ابن عبدالبر حمله على الغسل كما في التمهيد.