185 – فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
185_قال أبوداودج 8ص306:حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْهَوْزَنِيُّ قَالَ لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلَبَ فَقُلْتُ يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا فَرَأَىهُ عَارِيًا يَامُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي لَهُ الْبُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ يَا بِلَالُ إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي فَفَعَلْتُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّاتُ ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا الْمُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ التُّجَّارِ فَلَمَّا أَنْ رَأَىنِي قَالَ يَا حَبَشِيُّ قُلْتُ يَا لَبَّاهُ فَتَجَهَّمَنِي وَقَالَ لِي قَوْلًا غَلِيظًا وَقَالَ لِي أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ قَالَ قُلْتُ قَرِيبٌ قَالَ إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ فَآخُذُكَ بِالَّذِي عَلَيْكَ فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَاخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَاذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَالَ لِي
كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدِي وَهُوَ فَاضِحِي فَاذَنْ لِي أَنْ آبَقَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقْضِي عَنِّي فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلِي فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَنَعْلِي وَمِجَنِّي عِنْدَ رَاسِي حَتَّى إِذَا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو يَا بِلَالُ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٌ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ فَاسْتَاذَنْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ ثُمَّ قَالَ أَلَمْ تَرَ الرَّكَائِبَ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعَ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ وَاقْضِ دَيْنَكَ فَفَعَلْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ قُلْتُ قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ قَالَ أَفَضَلَ شَيْءٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُ فَإِنِّي لَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ دَعَانِي فَقَالَ مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ قَالَ
قُلْتُ هُوَ مَعِي لَمْ يَاتِنَا أَحَدٌ فَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَصَّ الْحَدِيثَ حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ يَعْنِي مِنْ الْغَدِ دَعَانِي قَالَ مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ قَالَ قُلْتُ قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَزْوَاجَهُ فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ فَهَذَا الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بِمَعْنَى إِسْنَادِ أَبِي تَوْبَةَ وَحَدِيثِهِ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ مَا يَقْضِي عَنِّي فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَمَزْتُهَا.
…………………………..
بوب أبو داود في سننه: [باب في الإمام يقبل هدايا المشركين]
قال الشيخ عبد المحسن العباد: يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في قبول الإمام هدايا المشركين) أي: حكم ذلك، والحكم في هذا أنه يجوز إذا كان في قبول الهدية من المشرك مصلحة كترغيبه في الإسلام وتألفه على الإسلام، وإذا لم يكن هناك مصلحة فالأولى عدم قبولها. وقد أورد أبو داود حديث بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله عبد الله الهوزني بحلب في الشام عن نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه هو الذي كان يتولاها منذ بعثه الله عز وجل إلى أن توفاه الله، وذكر أنه لم يكن عنده شيء مدخر، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يدخر لأهله من خيبر قوت السنة، ولكنه كان ينفد في وقت قريب؛ لكرمه صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، وكونه يبذل فينتهي ذلك الذي جعله لأهله في وقت قريب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأنه كان أجود الناس كما جاء في حديث ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس).
وأخبر بلال بأنه كان إذا جاءه أحد من المسلمين عارياً يعني: ليس عليه ثياب كافية، فإنه يأمره أن يستدين ويشتري له لباساً ويطعمه، ثم إن رجلاً من المشركين قال لبلال: إن عندي سعة فلا تقترض إلا مني، فكان يقترض منه، وفي يوم من الأيام قبل نهاية الشهر بأربعة أيام قال له: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ فقال: قريب، فقال: أربعة أيام، ولقيه ووجهه مكفهر يظهر عليه الغضب، وقال له: إذا جاء الوقت ولم تقضني فستعود على ما كنت عليه، آخذك بالذي عليك فترجع ترعى الغنم كما كنت من قبل ذلك، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره هذا الخبر، وقال: إنك ليس عندك ما أقضي به وليس عندي، فأذن لي أن أذهب إلى بعض الأحياء فأبقى عندهم حتى يأتي شيء يحصل به السداد، وعزم على الذهاب، فهيأ عند نومه نعليه وسيفه وجرابه والأشياء التي سيذهب بها، وكان يريد أن يطلع الفجر الأول الذي هو الكاذب ثم يذهب في جنح الليل وفي الظلام حتى يخفي نفسه عن ذلك المشرك الذي تهدده بهذا التهديد، ثم جاء رجل ينادي: يا بلال! أجب الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وإذا ركائب أربع من الإبل مناخة وعليها أحمال، فأخبره أن هذه الركائب وأحمالها من كسوة وطعام ليقضي بها الدين، وأخبره أنه أهداها إليه عظيم فدك، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ففيه قبول الإمام هدايا المشركين.
ثم بعد ذلك قضى ذلك الدين الذي عليه وبقيت بقية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفق البقية، وأخبره أنه لن يدخل على أهله حتى ينتهي من توزيعه، وبات رسول الله عليه الصلاة والسلام في المسجد ولم يدخل على أهله، وفي الليلة الآتية أتاه وأخبره أنه قد وزع الشيء الذي بحوزته، وأخبر أنه كان يخشى أن يموت وعنده شيء من ذلك المال الذي بقي دون أن يصل إلى من يستحقه من المسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم بعد ذلك دخل إلى نسائه وسلم على كل واحدة منهن حتى وصل إلى التي لها النوبة في المبيت عندها، وبات عندها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعندما أكمل بلال رضي الله عنه القصة قال لعبد الله الهوزني: فهذا الذي سألتني عنه. والحاصل: أن الحديث فيه دلالة على قبول الهدية من أهل الكتاب، قال بعض أهل العلم: هذا يدل على قبول الهدايا من أهل الكتاب دون غيرهم، وسيأتي حديث فيه امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قبول هدية رجل مشرك، والراجح أن الأمر يرجع إلى المصلحة والفائدة من وراء قبول الهدية، فإن كان سيترتب على قبولها مصلحة وفائدة من التألف على الإسلام، فإن الهدية ينبغي قبولها، أو كان في قبولها فائدة للمسلمين فإنه لا بأس بذلك، وإذا لم يكن هناك شيء من هذا فإنها لا تقبل الهدية، وعلى هذا يكون التوفيق بين ما جاء من قبول الهدية وما جاء من الامتناع من قبول الهدية، فتقبل في حال ولا تقبل في حال. قوله: [عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلب فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]. هذا كان بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبلال ما ذهب إلى الشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [(ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي)]. يعني: أنه ينبئه عن نفقته عن خبرة ومعرفة بهذا الشيء الذي سأل عنه.
قوله: [(وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه)]. البردة نوع من اللباس. قوله: [(حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال! إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت)]. هذا يدل على جواز التعامل مع الكافر والاقتراض منه. قوله: [(فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار)]. أي: جماعة من التجار من جنسه. [(فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت: يا لباه)]. يا لباه كلمة يجاب بها مثل: يا لبيك أو يا لباك، وهو جواب حسن يجيب به من دعاه. قوله: [(فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً)]. يعني: ظهر في وجهه الاستياء والشدة والغلظة والقسوة والكراهية. قوله: [(وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك)]. هذا تهديد له بأن يجعله عبداً يرعى الغنم كما كان قبل ذلك. قوله: [(فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه)]. قوله: حتى صلوا العتمة أي: صلاة العشاء. قوله: [(فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي)]. يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، وليس هذا قسماً، وإنما هو افتداء. قوله: [(إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما يقضي عني)]. يعني: يريد أن يختفي من وجه هذا المشرك حتى يأتي شيء يكون به السداد. قوله: [(فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي)].
الجراب: هو الوعاء من جلد، يكون فيه المتاع، والقراب هو قراب السيف، والمجن هو الترس الذي يتقى به السلاح في الحرب، وهو مأخوذ من الجنة وهي السترة والوقاية. ” شرح سنن أبي داود ” للعباد
قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: (البردة) وهي الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع، وفيه صغر تلبسه الأعراب وبه كني أبو بردة (فأكسوه) بها (وأطعمه) مما استقرضه.
فيه فضيلة الاستقراض في الذمة عند رؤية المصرور من جوع وعطش وحر وبرد ونحو ذلك، وهذا فيمن له عنده مال، وبهذا أخذ جماعة من الصوفية الاستقراض على ذمة الله ليكرم به الضيوف الواردين عليه ويطعمون منه التلامذة المنقطعون عندهم للذكر والقراءة والعبادة، لكن لا أرى الاستقراض لهذا إلا من تطيب نفسه بالقرض منه، وربما استبشر بذلك، ولقد كنت أرى فيمن تقدم من يقول للشيخ: إذا احتجت إلى شيء فخذ مني، فإن وجدت وفاء وإلا فأنت بريء منه. ولما لم أجد من يعطي بهذِه الصفة أمسكت عن ذلك، فإن حصل شيء واسيت ووسعت على الفقراء وإلا فلا.
(حتى إذا صليت) صلاة (العتمة) فيه دليل على بيان جواز تسمية العشاء عتمة مع الكراهة، ودليل الكراهة ما رواه مسلم عن ابن عمر: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم معتمون بالإبل” والعتمة في اللغة: شدة الظلمة.
(فاستأذنت عليه) فيه استحباب الاستئذان وإن كان من أخصاء المستأذن وأهله لاسيما وهو بعد العشاء وهو الثلاث التي يستأذن فيها الذين ملكت أيمانهم والذين لم يبلغوا الحلم.
(وليس عندك ما تقضي عني) دينه (ولا عندي) ما يقضي في ديني.
وفي الحديث دليل على صحة الوكالة في الاستقراض عنه، وأن للوكيل في القرض القبض والدفع إلى من وكله في الدفع إليه، وأن له دفع المقبوض في ثمن ما اشتراه، وأن المقرض له مطالبة المقترض إن قبض منه.
(فأذن لي بأن آبق أي: أذهب) والتقدير: ائذن لي أن أذهب إلى بعض هؤلاء الذين أسلموا، لكي يرزق الله تعالى رسوله من هؤلاء المسلمين (ما يقضي عني) ديني، زاد المصنف: فسكت عني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي. وسكوته – صلى الله عليه وسلم – دليل على جواز ذهابه إليهم، ولما علم ذلك بلال جهز سيفه وجرابه ونعله للسفر، ويحتمل أن يكون هذا الرزق الذي يأخذه هبة منهم له لكونه خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويجوز له أن يقضي دينه من الزكاة من سهم الغارمين، فإنه استدانه لكسوة المحتاجين المضرورين للكسوة والإطعام، ومن استدان لمثل هذا يجوز أن يقضيه سهم الغارمين كمن استدان لإصلاح ذات البين؛ فإنه يعطى ما يوفي به دينه ذلك وإن كان غنيًّا من جهة غيره.
(فخرجت حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي) بكسر الجيم (ونعلي) النعل مؤنثة وهي الحذاء، ويطلق على التاسومة (ومجني) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو: الترس، جمعه: مجان بفتح الميم سمي مجنًّا؛ لأنه يستجن به، أي: يستتر. فيه: استحباب تجهيز الة السفر قبل وقته، والأولى أن يعدها (عند رأسي) عند النوم كما فعل بلال -رضي الله عنه-، وفيه أنه يستحب للمسافر أن لا يسافر إلا بعدة السلاح جهادًا كان السفر أو غيره من حج ونحوه، ولا فرق في استحباب عدة السلاح بين أن يكون السفر مخوفًا أو غيره؛ فإن الظاهر أن سفر بلال هذا لم يكن مخوفًا.
وفي الحديث أن المقيم يكون له آلة السلاح لاحتمال طرآن جهاد ونحوه، واحتمال عدو يفجؤه في الليل.
(فدك) بفتح الفاء والدال المهملة اسم قرية بخيبر بينها وبين المدينة يومان.
وفي الحديث دليل على جواز قبول الإمام هدايا أهل الكتاب، وقد قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – هدية المقوقس مارية والبغلة، وأهدى له أكيدر دومة فقبل منه
(قال: أفضل) بفتح الضاد وكسرها (شيء؟) يعني من الركائب الأربع وما عليهن (قلت: نعم) يا رسول الله (قال: انظر) في أمره فعساك (أن تريحني منه) فأقام – صلى الله عليه وسلم – بقاء المال المنسوب إليه ودوامه بغير احتياج مقام ما يحمله عليه ويجد ثقله كما يجد للشيء الحامل له ثقلًا وتكلفًا (فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلما صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) صلاة (العتمة) بفتح التاء، وقد تقدم ذكر الكراهة في هذِه التسمية (دعاني فقال: ما فعل الذي) هو (قبلك؟ قال: قلت:) الذي بقي منه (هو معي) لأنه (لم يأتنا أحد) مستحق له يأخذه (فبات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) تلك الليلة (في المسجد) فيه جواز مبيت من له زوجة ومسكن في المسجد إذا حدث له مانع من المبيت في بيته.
(ما فعل الذي قبلك؟) بكسر القاف وفتح الباء كما تقدم (قال: قلت: قد أراحك الله) تعالى (منه) فيه نسبة الأفعال إلى الله تعالى؛ فإنه هو الفاعل حقيقة وإن كان العبد هو المباشر للفعل، وهذا من آداب المخاطبة للأكابر إذا لم يقل: أرحتك منه (يا رسول الله، فكبر) أي: قال: الله أكبر. وفيه تكبير الله.
تعالى وتعظيمه شكرًا لما أنعم به عليه من إراحته من هذا المال وتيسير إخراجه عنه.
(ثم اتبعته) بتشديد التاء مع الوصل وسكونها مخففة مع فتح الهمزة (حتى جاء أزواجه) جميعهن (فسلم على) كل امرأة منهن (امرأة امرأة) فيه أن من لم يبت عند أهله ونسائه أو غاب عنهن ليلة فأكثر أن يدور عليهن في بيوتهن ويسلم على كل واحدة منهن ويلاطفهن بالسؤال عن حالهن، وهذا من حسن المعاشرة المأمور به في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وفيه أن الغائب عنهن إذا دار عليهن بالسلام لا يدخل عليهن بل يسلم دون دخول، ولا يدخل نهارًا إلا لحاجة كوضع متاع ونحوه، وإذا دخل فينبغي أن لا يطول مكثه (حتى أتى مبيته) حتى أتيت مبيت امرأته التي يستحق المبيت عندها أدخل عندها وجلس. انتهى شرح ابن رسلان على سنن أبي داود
فتاوى العلماء
[حكم إطالة المأموم السجود بعد رفع الإمام]
[ما حكم إطالة السجود خلف الإمام؟]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المشروع للمأموم متابعة الإمام، وأن يأتي بأفعال الصلاة عقب إتيان الإمام بها مباشرة لما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جُعِل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا. الحديث.
قال النووي رحمه الله: وفيه وجوب متابعة المأموم لإمامه في التكبير والقيام والقعود والركوع والسجود وأنه يفعلها بعد الإمام. اهـ
والتخلف عن الإمام وإطالة السجود بعد رفعه منه خلاف السنة الواضحة بلا شك، بل قد يؤدي ذلك إلى بطلان الصلاة عند بعض العلماء الذين يرون أن المأموم إن تخلف عن الإمام لغير عذر حتى سبقه بالركن بطلت صلاته وهو ترجيح الشيخ العيثيمين.
وقد بين العلامة العثيمين أنواع التخلف عن الإمام وحكم كل منها ثم قال بعدما تكلم عن التخلف للعذر: النوع الثاني: التخلف لغير عذر، إما أن يكون تخلفا في الركن أو تخلفا بركن فالتخلف في الركن معناه أن تتأخر عن المتابعة لكن تدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه مثل أن يركع الإمام وقد بقي عليك آية أو آيتان من السورة وبقيت قائما تكمل ما بقي عليك لكنك ركعت وأدركت الإمام في الركوع فالركعة هنا صحيحة لكن الفعل مخالف للسنة لأن المشروع أن تشرع في الركوع من حين أن يصل إمامك إلى الركوع ولا تتخلف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا ركع فاركعوا. والتخلف بالركن معناه أن الإمام يسبقك بركن أي: أن يركع ويرفع قبل أن تركع، فالفقهاء رحمهم الله يقولون: إن التخلف كالسبق فإذا تخلفت بالركوع فصلاتك باطلة كما لو سبقته به وإن تخلفت بالسجود فصلاتك على ما قال الفقهاء صحيحة، لأنه تخلف بركن غير الركوع ولكن القول الراجح حسبما رجحنا في السبق أنه إذا تخلف عنه بركن لغير عذر فصلاته باطلة سواء كان الركن ركوعا أم غير ركوع. انتهى من الشرح الممتع.
ومنه يتبين لك أن إطالة السجود خلف الإمام إما أن يكون مبطلا للصلاة أو أنه مخالف للسنة، وبالتالي، والواجب تجنبه على كلا القولين