182 جامع الأجوبة الفقهية ص 221
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
وشارك عبدالله البلوشي أبو عيسى
بإشراف سيف بن دوره الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
———-‘——–‘——–‘
باب نواقض الوضوء
مسألة 3: صاحب سلس البول
————-
– السلس في اللغة: السهولة والليونة والانقياد والاسترسال وعدم الاستمساك، قال في المصباح: سلس سلسا، من باب تعب: سهل ولان فهو سلس، ورجل سلس بالكسر: بين السلس بالفتح، والسلاسة أيضا: سهولة الخلق، وسلس البول: استرساله وعدم استمساكه؛ لحدوث مرض بصاحبه، وصاحبه سلس، بالكسر.
والسلس عند الفقهاء: استرسال الخارج بدون اختيار من بول أو مذي أو مني أو ودي أو غائط أو ريح، وقد يطلق السلس على الخارج نفسه.
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (25/ 187)
– صاحب سلس البول هو من أصحاب الأعذار فيعامل في وضوئه وعبادته معاملة خاصة تختلف عن معاملة غيره من الأصحاء.
وقد عرف الحنفية المعذور فقالوا: هو كل من به عذر دائم كالمستحاضة، ومن به سلس بول، أو استطلاق بطن، أو جرح ينز، أو رعاف دائم. وطهارة هؤلاء ضرورية أي ليست حقيقية لمقارنة الحدث.
ومن الأدلة على ذلك، ما رواه البيهقي: (1/ 357): عن خارجة بن زيد قال: “كبر زيد حتى سلسل منه البول فكان يداويه ما استطاع فإذا غلبه توضأ وصلى”. انظر: فقه العبادات على المذهب الحنفي (ص: 66)
قلت سيف بن دوره: أثر زيد أخرجه عبدالرزاق 582 عن معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد به وبوب عليه باب قطر البول ونضح الفرج إذا وجد بللا.
وأورد عبدالرزاق كذلك في هذا الباب:
583 – عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير وغيره، عن ابن عباس قال: شكا إليه رجل فقال: إني أكون في الصلاة فيخيل إلي أن بذكري بللا قال: ” قاتل الله الشيطان إنه يمس ذكر الإنسان في صلاته ليريه أنه قد أحدث، فإذا توضأت فانضح فرجك بالماء، فإن وجدت قلت: هو من الماء “، ففعل الرجل ذلك فذهب
وقال البيهقي بعد إخراجه 1690 للأثر: وقد روي في معناه حديثٌ بإسناد فيه ضعف. وأورده
وبوب على الآثار باب الرجل يبتلى بالمذي أو البول.
وذكر فيه حديث المقداد في سؤاله لعلي بن أبي طالب عن المذي فقال صلى الله عليه وسلم يغسل ذكره ويتوضأ. وأثر عن عمر بن الخطاب قال: إني لأجده يتحدر مني مثل الخريزة، فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل فرجه وليتوضأ للصلاة وأخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فذكره
الخريزة واحدة الخرز وبعضهم ضبطه الحريرة راجع مشارق الأنوار
– وقد اتفق الفقهاء على أن من به مثل هذه الأعذار أنه لا يضره ما خرج منه بعد الوضوء، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (21/ 221):
“فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة، فإنه يتوضأ ويصلي، ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة”.
وقال أيضًا: “وأما ما يخرج في الصلاة دائمًا، فهذا لا ينقض الوضوء باتفاق العلماء”. انتهى
– وقد استدلوا على قولهم هذا بالقياس على المستحاضة التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء والصلاة كما في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: “إن دم الحيض دمٌ أسود يعرف، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق”.
اخرجه أبو داود (286)، والنسائي (215)، وحسنه الألباني في “مشكاة المصابيح” (ح 558).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمرها بإعادة الوضوء فيما لو نزل دم الاستحاضة بعد الوضوء، والسلس يقاس عليه.
– وجاء في فتاوى “اللجنة الدائمة” (4/ 245): ” من أصيب بسلس البول الدائم فإنه إذا دخل وقت الصلاة يستنجي ويضع على ذكره شيئا يمنع تقاطر البول ثم يتوضأ ويصلي، وهكذا عند كل صلاة، والدليل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر المستحاضة أن تلتجم وتتوضأ لكل صلاة. ويجوز لمن به سلس البول المذكور إذا توضأ أن يلبس الخفين وأن يمسح عليهما إلى تمام المدة؛ لعموم الأدلة. والله أعلم.
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
– قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الصوتي لزاد المستقنع (1/ 1960):
“سلس البول أن يكون البول يخرج باستمرار لا يستطيع الإنسان منعه، فماذا يصنع هذا الذي ابتلي بهذا المرض؟
نقول: إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، فكل الدين ولله الحمد يُسْر، وطريق صلاة هذا أن نقول له: إذا دخل الوقت فاغسل فرجك وتحفَّظ؛ يعني: اجعل حفاظة تمنع من تسرب البول وانتشاره في جسده وفي ثيابه، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم صلِّ ما شئت فروضًا ونوافل، إلى متى؟ إلى أن يَدْخُل وقت الصلاة الثانية؛ يعني: تستمر تصلي حتى وإن خرج الوقت؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل على أن خروج الوقت يُبْطِل الوضوء فيمن حدثه دائم، ليس هناك دليل. نعم، لو أنه دخل وقت صلاة موقتة فإننا نقول: إذا دخل وقت الصلاة الموقتة فتوضأ لها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام للمستحاضة: «تَوَضِّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»، أما خروج الوقت فليس في السنة ما يدل على أنه يبطل الوضوء”.
وقال في موضع أخر: “قوله: «ونحوها»، أي: مثلها. والمُراد به من كان حدثُه دائماً، كمن به سَلَسُ بولٍ أو غائط فحكمه حكم المستحاضة”. انتهى
——
نقل ابن عبدالبر أن ذلك على الاستحباب عند مالك:
قال في التمهيد أيضًا ((22) / (109)): (عروة كان يفتي بأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وذلك عند مالك على الاستحباب لا على الإيجاب)
– وقال في الاستذكار ((1) / (243)): (اختلفوا في إيجاب الوضوء عليه – أي من به سلس بول – للصلاة مع حاله تلك فذهب مالك أنه لا يجب له الوضوء لكل صلاة ولكنه يستحب له ذلك اعتبارا بالمستحاضة والوضوء عنده لها استحباب أيضا)
وينظر أيضًا الاستذكار ((1) / (342))
لكن وجه باحث اختيار مالك للاستحباب؛ لا لكونه يراه ناقضا بل هو ناقض عنده فقال:
على أن الاستحباب أصلا مشروع لكل صلاة للمستحاضة ولغيرها لكن الذي يظهر أن مالكًا يؤكد استحبابه هنا.
ثانيًا: أما كون المستحاضة ومن به سلس بول غير طاهرين بالإجماع فمن أوجه:
الوجه الأول: الإجماع على أن الخارج من السبيلين كالغائط والبول والريح والمني والمذي والودي ينقض الوضوء. الإجماع لابن المنذر (ص (3)) الإفصاح لابن هبيرة ((1) / (78))
و المستحاضة ومن به سلس به يدخلون في هذا الإجماع، ومن يخرجهم يحتاج إلى دليل
الوجه الثاني: الإجماع على أن قليل الحدث مثل كثيره إلا في النوم فاختلفوا فيه: التمهيد لابن عبد البر ((22) / (233))
وهذا يشمل من خرج منه بول كثير ومن به سلس بول وكذا المستحاضة.
الوجه الثالث: قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن دم الاستحاضة ينقض الطهارة وانفرد ربيعة وقال لا ينقض الطهارة) الإجماع (ص (3)) وينظر: المغني لابن قدامة ((1) / (191))
الوجه الرابع: أنهما محدثان عند الجميع – خلافا لابن حزم فيمن كان به سلس بول – أما الجمهور فلأنهم أوجبوا الوضوء ولا إيجاب بدون حدث، وأما مالك فلأنه علل عدم الوجوب بكونه لا يرفع الحدث فالحدث عنده باق لكنه رخصة.
الوجه الخامس: أن الكل أوجب عليها طهرًا واحدًا حتى الإمام مالك ثم حصل الاختلاف فيما زاد هل يجب لكل صلاة كما هو قول الجمهور أو يستحب ذلك كما هو قول مالك. بداية المجتد ((1) / (84))
وهذا يدل على أنهم متفقون على أنه حدث وإلا فلمَ أوجبوا جميعا الوضوء مرة، وهذا يناقض ما ينقل عن مالك رحمه الله من كونه لا يرى ناقضا للوضوء إلا الخارج المعتاد، ولعل السبب هو في ظن البعض ان عدم إيجاب الوضوء عنده يلزم منه عدم النقض فنقلوا عنه عدم القول بكونه ناقضًا، ولا تلازم فربما يكون السبب في عدم الإيجاب ما ذكره ابن عبد البر من كونه لا يرفع الحدث فلا فائدة من فعله.
الوجه السادس: قال ابن حزم في المحلى ((1) / (234)): (وإسقاط مالك الوضوء مما قد أوجبه الله تعالى منه ورسوله (صلى الله عليه وسلم) منه بالإجماع وبالنصوص الثابتة خطأ لا يحل) ذكر ذلك في معرض الرد على قياس الجمهور سلس البول على المستحاضة، إذ ابن حزم يوافق الجمهور على وجوب الوضوء على المستحاضة لكنه لا يوجبه على من به سلس بول ويمنع القياس. المحلى ((1) / (233)، (251))
وأما قياس من به سلس بول على المستحاضة فمتفق عليه بين الأئمة الأربعة فالجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة قاسوه على المستحاضة في وجوب الوضوء ومالك قاسه على المستحاضة في استحباب الوضوء.
قال ابن عبد البر في الاستذكار ((1) / (243)): (اختلفوا في إيجاب الوضوء عليه – أي من به سلس بول – للصلاة مع حاله تلك فذهب مالك أنه لا يجب له الوضوء لكل صلاة ولكنه يستحب له ذلك اعتبارا بالمستحاضة والوضوء عنده لها استحباب أيضا)
ووجه القياس أن كلا منهما حدث دائم لا ينقطع، والعلة هنا مستنبطة من الحديث وقد اتفق الأئمة الأربعة على العلة كما سبق، ويبقى القياس ظنيًا ليس ملزمًا، وإن كان الأصل العام لوجوب الطهارة من الحدث يشمل من به سلس بول؛ لأن البول ناقض للوضوء باتفاق أهل العلم فمتى حصل فالأصل وجوب الوضوء وإنما يكتفي بالوضوء مرة لكل صلاة لرفع الحرج والله أعلم
قلت سيف بن دوره:
وفي باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف في الاستذكار في شرح أثر جرح عمر بن الخطاب وأنه صلى بالناس وجرحه يثعب
قال ابن عبدالبر:
وحديث عمر هذا هو أصل هذا الباب عند العلماء فيمن لا يرقأ دمه ولا ينقطع رعافه أنه لا بد له من الصلاة في وقتها إذا أيقين أنه لا ينقطع قبل خروج الوقت
وليس حال من وصفنا حاله بأكثر من سلس البول والمذي لأن البول والمذي متفق على أن خروجهما في الصحة حدث
وكذلك اختلفوا في البول والمذي الخارجين لعلة مرض أو فساد هل يوجب خروجهما الوضوء كخروجهما في الصحة
وسنذكر هذا في بابه في هذا الكتاب إن شاء الله. انتهى
فصرح أن البول في حال المرض كالسلس ليس فيه اتفاق أنه حدث. وإليك تبويب أبي داود ونقله مذهب مالك.
فبوب أبوداود عدة تبويبات على المستحاضة؛ باب ما روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً، …… ، باب من قال توضأ لكل صلاة
وعلل ابوداود الرواية وأنها من قول أبي جعفر.
ومسلم قال إنه حذف لفظة (الوضوء لكل صلاة) عمدا. وضعفها ابن عبدالبر بالاضطراب سواء لفظ الغسل لكل صلاة أو الوضوء لكل صلاة. و ابن رجب كذلك علل الوضوء لكل صلاة قال: قد رويت من وجوه متعددة وهي مضطربه.
وقال ابن رجب مرة: أن لفظ توضئي لكل صلاة هي في البخاري لكنها مدرجة من كلام عروة ففي البخاري: قال أبي يعني عروة: ثم توضئي لكل صلاة. … الفتح 2/ 72
خلافا لما يوهمه صنيع ابن حجر في البلوغ 64 أنها في البخاري مرفوعه. مع أنه ذكر أن مسلما حذفها عمدا.
وبوب أبوداود:
119 – باب مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوُضُوءَ إِلاَّ عِنْدَ الْحَدَثِ.
305 – حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّى فَإِنْ رَأَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ.
306 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وُضُوءًا عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ إِلاَّ أَنْ يُصِيبَهَا حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ فَتَوَضَّأُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ يَعْنِى ابْنَ أَنَسٍ. انتهى
وحديث أم حبيبة؛ منقطع عكرمة لم يسمع من أم حبيبة (عون المعبود)
فأبوداود نقل عن مالك على أنه لا يلزمها الوضوء إلا عند الحدث.
المهم الأفضل الوضوء لفتيا الصحابة للمستحاضة بالوضوء مثل عائشة بل ابن عباس كان يفتي بالغسل والجمع بين الصلاتين.
فلو توضأت المستحاضة وصاحب سلس البول لكان أفضل خروجا من الخلاف واتباعا لفتيا عائشة.
تنبيه: لو علم أن سلس البول يتوقف:
فتاوى اللجنة الدائمة، رقم الفتوى (8136):
رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة، لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة، ما ذا يكون الحكم؟
ج: إذا عرف أن السلس ينتهي: فلا يجوز له أن يصلي وهو معه، طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي، ويستنجي بعده، ويتوضأ، ويصلي صلاته، ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة “