: 182 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
مسند بَصْرَةَ بن أبي بَصْرَةَ
(182) – قال الإمام مالك (ج (1) ص (131)) مع «تنوير الحوالك»: عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: خَرَجْتُ إلى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الأحْبارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْراةِ وحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَكانَ فِيما حَدَّثْتُهُ أنْ قُلْتُ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وفِيهِ أُهْبِطَ مِن الجَنَّةِ وفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وفِيهِ ماتَ وفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ وما مِن دابَّةٍ إلّا وهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِن حِينِ تُصْبِحُ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِن السّاعَةِ إلّا الجِنَّ والإنْسَ وفِيهِ ساعَةٌ لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي يَسْألُ اللهَ شَيْئًا إلّا أعْطاهُ إيّاهُ» قالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأ كَعْبٌ التَّوْراةَ فَقالَ صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ.
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أبِي بَصْرَةَ الغِفارِيَّ فَقالَ مِن أيْنَ أقْبَلْتَ فَقُلْتُ مِن الطُّورِ فَقالَ لَوْ أدْرَكْتُكَ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ ما خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ «لا تُعْمَلُ المَطِيُّ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ إلى المَسْجِدِ الحَرامِ وإلى مَسْجِدِي هَذا وإلى مَسْجِدِ إيلِياءَ -أوْ بَيْتِ المَقْدِسِ يَشُكُّ-».
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ [ص (151)] الأحْبارِ وما حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ فَقُلْتُ قالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ قالَ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ كَذَبَ كَعْبٌ فَقُلْتُ ثُمَّ قَرَأ كَعْبٌ التَّوْراةَ فَقالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ قَدْ عَلِمْتُ أيَّةَ ساعَةٍ هِيَ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ أخْبِرْنِي بِها ولا تَضِنَّ عَلَيَّ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ هِيَ آخِرُ ساعَةٍ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ وكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ ساعَةٍ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ وقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي» وتِلْكَ السّاعَةُ ساعَةٌ لا يُصَلّى فِيها فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ ألَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «مَن جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتّى يُصَلِّيَ» قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ بَلى قالَ فَهُوَ ذَلِكَ.
هذا حديث صحيحٌ، وصدره في «الصحيح» ولكني كتبته من أجل حديث بصرة وعبد الله بن سلام.
الحديث أخرجه النسائي (ج (3) ص (113)) فقال – رحمه الله -: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا بكر يعني ابن مضر، عن ابن الهادِ، عن محمد بن إبراهيم به.
وأخرجه الإمام أحمد – رحمه الله – (ج (5) ص (453)) فقال: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن محمد بن إبراهيم به.
وأخرجه الطبراني في «الدعاء» (ج (2) ص (862)) فقال – رحمه الله -: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن مِنهالٍ، ثنا حماد بن سلمة به.
وليس عند الإمام أحمد والطبراني قصة بصرة بن أبي بصرة، وهي عند الإمام أحمد في موضع آخر، قد كتبتها والحمد لله:
* قال الإمام أحمد – رحمه الله – (ج (6) ص (7)): قرأت على عبد الرحمن [ص (152)] مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -فذكر الحديث- قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري قال من أين أقبلت فقلت من الطور فقال أما لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي وإلى مسجد إيلياء -أو بيت المقدس، يشك-».
هذا حديث صحيحٌ.
وقد أخرجه الحُمَيْدِيُّ (ج (2) ص (421)) فقال – رحمه الله -: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، قال: ثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد به.
بوب عليه الشيخ مقبل في الجامع:
قولهم: كذب فلان
فضل المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى
قال ابن عبدالبر:
قال أبو عُمر: لا أعلمُ أحدًا ساقَ هذا الحديثَ أحسنَ سِياقةً من مالكٍ عن يزيدَ بن الهادِ، ولا أتمَّ معنًى منه فيه، إلّا أنه قال فيه: “بَصْرَةَ بنَ أبي بَصْرَةَ” ولم يُتابعْهُ أحد عليه، وإنّما الحديثُ معروفٌ لأبي هريرة: “فلَقِيتُ أبا بَصْرَةَ الغِفاريَّ”، كذلك رواه يحيى بنُ أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة (1)، وكذلك رواه سعيدُ بنُ المسيِّبِ وسعيد المقبُريُّ عن أبي هريرة – كلُّهم يقولُ فيه: “فلَقِيتُ أبا بَصْرَةَ الغِفاريَّ” لم يقُلْ واحد منهم: “فلَقِيتُ بَصْرَةَ بنَ أبي بَصْرَةَ” (2) كما في حديث مالكٍ عن يزيدَ بنِ الهادِ، وأظُنُّ الوهمَ فيه جاء مِنْ قِبَل مالك، أو من قِبَلِ يزيدَ بنِ الهادِ، واللهُ أعلم.
وفيه من الفقهِ والعلم ضُروبٌ:
فأمّا قوله: “خرجتُ إلى الطُّور” فقد بانَ في الحديث أنّه لم يخرُجْ إليه إلا تبرُّكًا به ليُصلِّيَ فيه، ولهذا المعنى لا يجبُ الخروجُ إلّا إلى الثلاثةِ المساجدِ المذكورةِ في هذا الحديث، وعلى هذا جماعةُ العُلماء فيمَن نذَرَ الصلاةَ في هذه الثلاثةِ المساجد، أو في أحدها أنه يلْزَمه قصْدُها لذلك، ومن نذَرَ صلاةً في مسجدٍ سِواها صلّى في موضِعِه ومسجِدِه ولا شيءَ عليه، ولا يعرفُ العلماءُ غيرَ الثلاثةِ المساجدِ المذكورةِ في هذا الحديث: المسجدِ الحرام، ومسجدِ الرّسول، ومسجدِ بيتِ المقدس لا يجري عندَهم مجراها شيءٌ من المساجدِ سواها.
من كانت له حاجةٌ من حوائج دُنياهُ إلى ناحية الطُّور، فليس خروجُه إلى ذلك من هذا في شيء
وفيه الإباحةُ في الحديثِ عن التَّوراة لأهلِ العلم بها، وسماعُ ذلك مُباحٌ ممّن لا يُتَّهمُ بالكذب، إلا أنّ الحُكمَ في الحديثِ عن أهل الكتابِ ما قد ذكَرناهُ في آخِر كتاب العلم (2). فمَن تأمَّل هذا المعنى هناك اكتَفَى إن شاءَ الله.
وفيه أنّ خيرَ الأيام يومُ الجُمُعة، وهذا على الإطلاق والعُموم، وفي ذلك دليل على أنّ الأيامَ بعضُها أفضَلُ من بَعْض، ولكنِ الفضائلُ في ذلك لا تُعلَمُ إلا بتَوقيف، ولا تُدرَكُ بقياس
وفيه الخَبرُ عن خلْقِ آدم وهُبُوطِه إلى الأرض، وإنه قد تِيْبَ عليه من خَطيئتِه، وذلك والحمدُ لله ثابتٌ بنَصِّ التّنزيل الذي لا يجوزُ عليه التّحريفُ والتّبديلُ، ولكن ليس في القرآنِ أنّ ذلك كان يومَ جُمُعة.
وفيه دليلٌ على إباحةِ الحديثِ عمّا يأتي ويكون، وهذا من عِلْم الغَيب، فما كان منه عن الأنبياءِ الذين يجوزُ عليهم إدراكُ بعضِه من جهةِ الرِّسالةِ أو عمَّن أضافَ إلى الله ذلك بخبرِ كُتُبِه أو رُسُلِه، فذلك جائزٌ؛ وقيامُ الساعةِ منَ الغيبِ الذي لم يطَّلعْ عليه أحدٌ على حقيقة، ونحن – وإن علِمْنا أنها تقومُ يومَ جُمعةٍ بهذا الحديث – فلَسْنا نَدْرِي أيَّ جُمُعةٍ هي؟
وفي هذا الحديث دليلٌ على أنّ الإنسَ والجِنَّ لا يعلمونَ من معنى الساعةِ ما يعرِفُ غيرُهم من الدوابِّ، وهذا أمرٌ تقصُر عنه أفهامُنا، ومن هذا الجنسِ من العِلْم لم يُؤْتَ الناسُ منه إلا قليلًا
وأما قوله: “وفيه ساعةٌ لا يُصادِفُها عبدٌ مسلمٌ، وهو يُصلِّي يسألُ الله شيئًا إلا آتاهُ اللهُ إيّاه” فقد اختُلِفَ في تلك الساعةِ على حَسَبِ ما قدَّمنا ذِكْرَه في باب أبي الزِّناد (1) من هذا الكتاب، وقولُ عبدِ الله بنِ سَلَام فيها أثبتُ شيء، إن شاءَ الله، ألا ترى إلى رجوع أبي هُريرةَ إلى قولِه وسُكوتِه عندما ألزَمَهُ من الإدخالِ والمُعارَضة، بأنّ مُنتظِرَ الصّلاةِ في صلاة، وهو قولُ أبي هريرةَ وكَعْب …
فهذا ما بلَغَنا من الأخبارِ في معنى قولِ عبدِ الله بنِ سَلَام في ساعةِ يوم الجُمُعة، وذلك أثبتُ ما قيلَ في ذلك، إن شاءَ الله
فيه دليلٌ على أنّ العالِمَ قد يُخطئُ، وأنّه ربّما قال على أكْبَر ظنِّه فأخطأ ظنُّه
وفيه إنْ سمِعَ الخطأ وجَبَ عليه إنكارُه وردُّه على كلِّ مَنْ سَمِعَه منه إذا كان عندَه في ردِّه أصلٌ صحيحٌ
وفيه أنَّ على العالم إذا رُدَّ عليه قولُه طَلَبَ التثبُّتَ فيه والوُقوفَ على صِحَّتِه حيثُ رجاهُ من مواضِعِه حتَّى تصِحَّ له أو يصِحَّ قولُ مُنكِرِه فينصَرِفَ إليه.
وفيه دليلٌ على أنَّ الواجبَ على كلِّ مَن عَرَفَ الحقَّ أن يذْعَنَ إليه
وفي قول عبدِ الله بنِ سَلَام: “كذَبَ كَعْبٌ” (3) ثم قوله: “صدَقَ كَعْبٌ” دليلٌ على ما كان القومُ عليه من إنكارِ ما يجبُ إنكارُه، والإذعانُ إلى الحقِّ والرُّجوع إليه إذا بانَ لهم
ومعنى قوله: “كذَبَ كَعْبٌ”، يريد: غَلِطَ كَعْبٌ، وقد تضعُ العربُ أحيانًا هذه اللَّفظةَ بمعنى الغَلَط
وفي قول عبدِ الله بنِ سَلَام: “قد عَلِمْتُ أيَّ ساعةٍ هي” دليلٌ على أنّ للعالِم أن يقول: أنا أعلمُ كذا، وقد علمتُ كذا، وأنا أعلمُ بكذا إذا لم يكنْ ذلك على سبيل الفخْرِ والسُّمْعة.
وفي قول أبي هريرة: “أخبِرْني بها ولا تَضِنَّ عليَّ” أي: لا تبْخَلْ عليَّ، دليلٌ على ما كان القومُ عليه منَ الحِرْص على العِلْم والبحثِ عنه
وفيه دليل على إثباتِ المُناظَرةِ والمُعارَضَةِ وطلَبِ الحُجَّة ومواضِع الصّواب
وفيه دليلٌ بيِّنٌ على ما كان القومُ عليه منَ البَصَر بالاحتجاجِ والاعتراضاتِ والإدخالِ والإلزاماتِ في المُناظرةِ، وهذا سبيلُ أهل الفقهِ أجمع، إلّا طائفةً لا تُعَدُّ في العلماء أغْرَقُوا في التَّقليد، وأراحُوا أنفُسَهُم منَ المُناظَرةِ والتفهُّم، وسمُّوا المُذاكَرةَ مُناظرةً جَهْلًا منهم بالأُصول التي منها ينزعُ أهلُ النَّظَر، وإليها يفزَعُ أولُو البَصَر، واللهُ المُستعان
التمهيد – ابن عبد البر (14/ 401 ت بشار)
قال ابن القيم:
وأما من قال: إنها من حين يفتتح (3) الخطبةَ إلى فراغه من الصلاة، فاحتجَّ بما روى مسلم في «صحيحه» (4) عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال عبد الله بن عمر: أسمعتَ أباك يحدِّث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الإمام الصلاة».
وأما من قال: هي ساعة الصلاة، فاحتجُّوا بما رواه الترمذي وابن ماجه (1) من حديث عمرو بن عوف المزَني قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إن في الجمعة ساعةً لا يسأل الله العبد فيها شيئًا إلا آتاه الله إياه». قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: «حين تقام الصلاة إلى انصرافٍ منها». ولكن هذا الحديث ضعيف، قال أبو عمر بن عبد البر (2): هو حديث لم يروه فيما علمتُ إلا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جدِّه، وليس هو ممن يُحتجُّ به (3).
وقد روى رَوح بن عبادة (4)، عن عوف، عن معاوية بن قرة، عن أبي بردة بن (5) أبي موسى أنه قال لعبد الله بن عمر: هي الساعة التي يخرج فيها الإمام إلى أن تُقضى الصلاة. فقال ابن عمر: أصاب الله بك!
وروى عبد الرحمن بن حُجَيرة (6) عن أبي ذرٍّ أنَّ امرأته سألته عن الساعة التي يستجاب فيها يوم الجمعة للعبد المؤمن، فقال لها: مع زَيغ (1) الشمس بيسير (2). فإن سألتني (3) بعدها فأنت طالق!
واحتجَّ هؤلاء أيضًا بقوله في حديث أبي هريرة: «وهو قائم يصلِّي»، وبعد العصر لا صلاة في ذلك الوقت، والأخذُ بظاهر الحديث أولى.
قال أبو عمر (4): ويحتجُّ أيضًا مَن ذهب إلى هذا بحديث عليٍّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا زالت الشمس، وفاءت الأفياء، وراحت الأرواح؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكم، فإنها ساعة الأوابين». ثم تلا: {إِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25].
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الساعة التي تُذكَر يوم الجمعة: ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وكان سعيد بن جبير إذا صلَّى العصر لم يكلِّم أحدًا حتى تغرب الشمس (5).
وهذا القول هو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث. ويليه القول بأنها ساعة الصلاة. وبقية الأقوال لا دليل عليها.
وعندي أنَّ ساعةَ الصلاة ساعةٌ ترجى فيها الإجابة أيضًا، فكلاهما ساعة إجابة. وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخرَ ساعة بعد العصر، فهي ساعة معيَّنة من اليوم، لا تتقدَّم ولا تتأخَّر. وأمَّا ساعة الصلاة فتابعة للصلاة، تقدَّمت أو تأخَّرت، لأنَّ لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرُّعهم وابتهالهم إلى الله تأثيرًا في الإجابة، فساعةُ اجتماعهم ساعةٌ ترجى فيها الإجابة. وعلى هذا، فتتفق الأحاديث كلُّها، ويكون النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – قد حضَّ أمَّتَه على الدعاء والابتهال إلى الله في هاتين الساعتين …
وأما من قال بتنقُّلها، فرامَ الجمعَ بذلك بين الأحاديث، كما قيل ذلك في ليلة القدر. وهذا ليس بقوي، فإنَّ ليلة القدر قد قال فيها النبي – صلى الله عليه وسلم -: «فالتمِسُوها في خامسةٍ تبقى، في سابعة تبقى، في تاسعة تبقى» (5)، ولم يجئ مثل ذلك في ساعة الجمعة. وأيضًا فالأحاديث التي في ليلة القدر ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا، بخلاف أحاديث ساعة الجمعة، فظهر الفرق بينهما.
وأما قول من قال: رُفِعت (1)، فهو نظير قول من قال: رُفِعت ليلة القدر. وهذا القائل إن أراد أنها كانت معلومةً، فرُفِع علمُها عن الأمة؛ فيقال له: لم يُرفَع علمُها عن كلِّ الأمة، وإن رُفِع عن بعضهم. وإن أراد أنَّ حقيقتها وكونَها ساعةَ إجابة رُفِعت، فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة، فلا يعوَّل عليه. والله أعلم
زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم (1/ 485)
قال ابن رجب بعدما تكلم عن روايات الحديث:
ولا أعلم في التماسها في أول النهار عن أحد من السلف غير هذا.
والمشهور عنهم قولان:
أحدهما: أنها تلتمس بعد العصر إلى غروب الشمس، وقد سبق عن أبي هريرة وعبد الله بن سلام.
وروى سعيد بن منصور بإسناده، عن أبي سلمة، قال: اجتمع ناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سئل عن تلك الساعة التي في الجمعة، فقال: خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة، وخلقه من أديم الأرض كلها، فأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته فلله ما أمسى ذلك اليوم حتى عصاه، فأخرجه منها.
خرجه عبد الرزاق وغيره.
وهذا يدل على ترجيح ابن عباس لما بعد العصر في وقت هذه الساعة؛ لخلق آدم فيها، وإدخاله الجنة، وإخراجه منها، وهو يشبه استنباطه في ليلة القدر، أنها ليلة سابعة.
وكذلك كان طاوس يتحرى الساعة التي في يوم الجمعة بعد العصر.
وعنه، أنه قال: الساعة من يوم الجمعة التي تقوم فيها الساعة، والتي أنزل فيها آدم، والتي لا يدعو الله فيها المسلم بدعوة صالحة إلا استجيب له: من حين تصفر الشمس إلى أن تغرب.
وهذا يشبه قول عبد الله بن سلام، أنها آخر ساعة من نهار الجمعة.
وروي مثله عن كعب -أيضا.
أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سئل عن تلك الساعة التي في الجمعة، فقال: خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة، وخلقه من أديم الأرض كلها، فأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته فلله ما أمسى ذلك اليوم حتى عصاه، فأخرجه منها.
خرجه عبد الرزاق وغيره.
فأهل هذا القول، منهم من جعل وقت التماسها ما بين العصر وغروب الشمس، ومنهم من خصه بآخر ساعة من الساعات.
وقال أحمد -في رواية ابن منصور -: أكثر الأحاديث بعد العصر.
وقال – في رواية الميموني -كذلك، وزاد: قيل له: قبل أن تطفل.
الشمس للغروب؟ قال: لا أدري، إلا أنها بعد العصر.
وظاهر هذا: أن ما بعد العصر إلى غروب الشمس كله في التماسها سواء.
والقول الثاني: أنها بعد زوال الشمس.
وقد تقدم عن ابن عمر وأبي بردة، أنها ساعة صلاة الجمعة.
وروى عبد الله بن حجيرة عن أبي ذر، أنها من حين تزيغ الشمس بشبر إلى
ذراع.
وعن عائشة، أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة.
وقال عوف بن مالك: اطلبوا ساعة الجمعة في إحدى ثلاث ساعات: عند تأذين الجمعة، أو ما دام الإمام على المنبر، أو عند الاقامة.
خرجه محمد بن يحيى الهمداني في ((صحيحه)).
وعن الحسن وأبي العالية، قالا: عند زوال الشمس.
وعن الحسن، قال: هي إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ.
وعن أبي السوار العدوي، قال: كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين أن تزول الشمس إلى أن تدركك كل صلاة.
وعن ابن سيرين، قال: هي الساعة التي كان يصلي فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وعن الشعبي، قال: هي ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل.
وعنه، قال: مابين خروج الإمام إلى انقضاء الصلاة.
وعن الشعبي، عن عوف بن حصيرة، قال: هي من حين تقام الصلاة إلى انصراف الإمام.
وروي، أن عمر سأل ابن عباس عنها؟ فقال: أرجو أنها الساعة التي يخرج لها الإمام.
خرجه الإسماعيلي في ((مسند عمر)) بإسناد ضعيف.
وذكر عن أبي القاسم البغوي، أنه قال: هذا واه، وقد روي عن ابن عباس خلافه.
يشير إلى أن المعروف عنه أنها بعد العصر، كما رواه عنه سعيد بن جبير، وقد تقدم.
فهذه الاقوال متفقة على أنها بعد زوال الشمس، ومختلفة في الظاهر في قدر امتدادها.
فمنهم من يقول: وقت الأذان.
ومنهم من يقول: ما دام الإمام على المنبر.
ومنهم من يقول: عند الاقامة.
ومنهم من يقول: من حين تقام الصلاة إلى انصراف الإمام فيها.
ومنهم من يقول: ما بين أن يحرم البيع بالنداء أو تزول الشمس -على اختلاف لهم فيما يحرم به البيع – إلى أن يحل بانقضاء الصلاة.
وهذا القول -أعني: أنها بعد زوال الشمس إلى انقضاء الصلاة، أو أنها ما بين أن تقام الصلاة إلى أن يفرغ منها -أشبه بظاهر قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه))، فإنه أن أريد به صلاة الجمعة كانت من حين إقامتها إلى الفراغ منها، وإن أريد به صلاة التطوع كانت من زوال الشمس إلى خروج الإمام؛ فإن هذا وقت صلاة تطوع، وإن أريد بها أعم من ذلك -وهو الأظهر – دخل فيه صلاة التطوع بعد زوال الشمس، وصلاة الجمعة إلى انقضائها.
وليس في سائر الأوقات التي قالها أهل القول الأول وقت صلاة؛ فإن بعد العصر إلى غروب الشمس، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس وقت نهي عن الصلاة فيه، اللهم إلا أن يراد بقولهم: بعد العصر: دخول وقت العصر والتطوع قبلها.
ومرسل يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة يشهد له.
من قال: إن منتظر الصلاة في صلاة صحيح، لكن لا يقال فيه قائم.
وقول يصلي؛ فإن ظاهر هذا اللفظ حمله على القيام الحقيقي في الصلاة الحقيقية.
وقد روى عبد الرزاق في ((كتابه)) نا يحيى بن زمعة: سمعت عطاء يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد وهو يصلي، أو ينتظر الصلاة، يدعو الله فيها بشيء إلا استجاب له)).
وهذا غريب.
ويحيى بن زمعة هذا، غير مشهور، ولم يعرفه ابن أبي حاتم باكثر من روايته عن عطاء، ورواية عبد الرزاق عنه.
وهذه الرواية تدل على أن المراد بالصلاة حقيقة الصلاة؛ لأنه فرق بين المصلي ومنتظر الصلاة، وجعلهما قسمين.
وتدل على أن ساعة الجمعة يمكن فيها وقوع الصلاة وانتظارها، وهذا بما بعد الزوال أشبه؛ لأن أول تلك الساعة ينتظر فيها الصلاة ويتنفل فيها بالصلاة، وآخرها يصلى فيه الجمعة.
وخرج ابن أبي شيبة بإسناده، عن هلال بن يساف، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجمعة لساعة، لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله فيها خيرا، إلا أعطاه)) فقال رجل: يا رسول الله، فماذا اسال؟ فقال: ((سل الله العافية في الدنيا والآخرة)).
وهذا مرسل.
قال العباد:
ولا يقال: إن الساعة ستقوم في يوم آخر، فمنذ ثلاثين سنة أو نحوها جاءت الأخبار في الإذاعات والصحف عن امرأة رأت رؤيا أن الساعة ستقوم يوم الأحد، وخاف الناس في أماكن متعددة من ذلك، ولكن من يعرف الحكم الشرعي، ويعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا لا حقيقة له ولا أصل؛ لأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة.
قوله: [(وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة)].
أي: مصغية تخشى أن تقوم الساعة، فقد ألهمها الله عز وجل ذلك، ولا يحصل ذلك للجن والإنس؛ لأنهم مكلفون وشاء الله عز وجل أن يحصل للبهائم ما لا يحصل لهم، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ حتى تظهر حكمة التشريع وحكمة الإيمان بالغيب؛ لأنه لو ظهر الغيب للناس علانية لم يتميز أولياء الله من أعدائه الله، ومن يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به.
ثم هذا الحديث يدلنا على أن الساعة تقوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه قال: [(من حين تصبح إلى أن تطلع الشمس)].
قوله: [(وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها)].
أي: أن من فضائل يوم الجمعة وخصائصه: أن فيه ساعة للإجابة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله حاجته
شرح سنن أبي داود للعباد (133/ 3 بترقيم الشاملة آليا)
قال الشنقيطي:
فهذا نص صريح في أنه خير يوم طلعت عليه الشمس، ثم بيان أن الخيرية فيه لما وقع به من أحداث، وإلا فجميع الأيام حركة فلكية لا مزية فيها إلا ما خصها الله دون غيرها من الوقائع.
وقد تعددت هنا في حق أبينا آدم – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – ولذا قيل: يوم الجمعة يوم آدم، ويوم الاثنين يوم محمد – صلى الله عليه وسلم – أي لقوله – صلى الله عليه وسلم – لما سئل عن كثرة صيامه يوم الاثنين قال: «ذلك يوم ولدت فيه، وعلي فيه أنزل» الحديث.
ولما كان يوم الجمعة هو يوم آدم فيه خلق، وفيه أسكن الجنة، وفيه أنزل إلى الأرض، وفيه تاب الله عليه، وفيه قيام الساعة، فكان يوم العالم من بدء أبيهم إلى منتهى حياتهم، فكأنه في الإسلام يوم تزودهم إلى ذلك المصير
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/ 163 ط الفكر)
ثم وجدت الحديث عن ساعة الاستجابة في 170 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
مسند أحمد:
10465 – حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ” وَقَالَ بِيَدِهِ، فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثَ أَصَابِعَ، قُلْنَا: يُزَهِّدُهَا يُزَهِّدُهَا
وهو على شرط المتمم على الذيل
هو في البخاري 935، 5294،6400 وفي مسلم 852 لكن هنا زيادة (وقال بيده فقبض أصابعه اليمنى ثلاث أصابع، قلنا: يزهدها يزهدها)