182 – عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
21 – باب التعاون عَلَى البر والتقوى
قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
[المائدة: 2] وَقالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْر. ِإِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْر. ٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [العصر:1،3].قَالَ الإمام الشافعي رَحِمَهُ الله كلاماً معناه: إن الناس أوأكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة.
182 – عن أَبي عبدِ الرحمن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَنْ جهَّزَ غَازِياً في سَبِيلِ اللَّه فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا” متفقٌ عليه
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف رحمه الله تعالى-: “باب التعاون على البر والتقوى” التعاون معناه: التساعد، وأن يعين الناس بعضهم بعضاً على البر والتقوى فالبر: فعل الخير، والتقوى: اتقاء الشر وذلك أن الناس يعملون على وجهين: على ما فيه الخير، وعلى ما فيه الشر، فأما ما فيه الخير فالتعاون عليه أن تساعد صاحبك على هذا الفعل وتيسر له الأمر؛ سواء كان هذا مما يتعلق بك أو مما يتعلق بغيرك، وأما الشر فالتعاون فيه بأن تحذر منه، وأن تمنع منه ما استطعت، وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه وهكذا، فالبر فعل الخير، والتعاون عليه والتساعد على فعله، وتيسيره للناس، والتقوى اتقاء الشر والتعاون عليه بأن تحول بين الناس وبين فعل الشر وأن تحذرهم منه؛ حتى تكون الأمة أمة واحدة.” (شرح رياض الصالحين)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]
قال الطبري:” قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى) وليعن بعضكم أيها المؤمنون بعضا على البر , وهو العمل بما أمر الله بالعمل به (والتقوى) هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه” (تفسير الطبري)
قال البغوي:” (على البر والتقوى) قيل: البر متابعة الأمر، والتقوى مجانبة النهي، وقيل: البر: الإسلام، والتقوى: السنة،” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” (قيل: البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكرر باختلاف اللفظ تأكيدا ومبالغة، إذ كل بر تقوى وكل تقوى بر. قال ابن عطية: وفي هذا تسامح ما، والعرف في دلالة هذين اللفظين أن البر يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوز. وقال الماوردي: ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له ; لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته، وقال ابن خويز منداد في أحكامه: والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ; فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ويجب الإعراض عن المتعدي وترك النصرة له ورده عما هو عليه” (تفسير القرطبي)
قال ابن جزي: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وصية عامة، والفرق بين البرّ والتقوى أن البرّ عام في فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات، وفي كل ما يقرب إلى الله، والتقوى في الواجبات وترك المحرمات دون فعل المندوبات؛ فالبرّ أعمّ من التقوى” (تفسير ابن جزي)
قال السعدي:” البر. وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين. والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك.” (تفسير السعدي)
قال أيضا:” لفظ ” البر والتقوى ” فحيث أفرد البر دخل فيه امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكذلك إذا أفردت التقوى. ولهذا يرتب الله على البر وعلى التقوى عند الإطلاق: الثواب المطلق والنجاة المطلقة كما يرتبه على الإيمان.
وتارة يُفسِّر أعمال البر بما يتناول أفعال الخير وترك المعاصي، وكذلك في بعض الآيات تفسير خصال التقوى، كما في قوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 133، 134] إلى آخر ما ذكره من الأوصاف التي تتم بها التقوى، وإذا جمع بين البر والتقوى مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] كان البر اسماً جامعاً لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وكانت التقوى اسماً جامعاً يتناول ترك جميع المحرمات.” (القواعد الحسان)
قال ابن عثيمين:” الأمر في قوله (وتَعَاوَنُوا) أمر أيجاب فيما يجب، واستحباب فيما يستحب، وكذلك في التقوى أمر إيجاب فيما يحرم، وأمر استحباب فيما يكره.” (شرح الرياض)
وَقالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْر. ِإِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْر. ٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [العصر:1،3].قَالَ الإمام الشافعي رَحِمَهُ الله كلاماً معناه: إن الناس أوأكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة.
سورة العصر سورة مكية من أجمع سور القرآن.
أخرج الطبراني عن أبي مدينة الدارمي، وكانت له صحبة قال: كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر: * (والعصر إن الإنسان لفي خسر) *، ثم يسلم أحدهما على الآخر “. (الصحيحة 2648) قال الألباني (الفائدة) الأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، ولم لا وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَد ا ذَ ا لِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
[سورة التوبة 100]. وقال ابن مسعود والحسن البصري: ” من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم ” (الصحيحة)
قوله: ((وَالْعَصْر)) قال الطبري:” اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (وَالْعَصْرِ) فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر، فقال: العصر: هو الدهر، و … عن ابن عباس، في قوله: (وَالْعَصْرِ) قال: العصر: ساعة من ساعات النهار. … وعن الحسن (وَالْعَصْرِ) قال: هو العشيّ. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر (وَالْعَصْرِ) اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.” (تفسير الطبري)
قال البغوي:” قال ابن عباس: والدهر. قيل: أقسم به لأن فيه عبرة للناظر. وقيل: معناه ورب العصر، وكذلك في أمثاله. وقال ابن كيسان: أراد بالعصر الليل والنهار، يقال لهما العصران. وقال الحسن: من بعد زوال الشمس إلى غروبها. وقال قتادة: آخر ساعة من ساعات النهار. وقال مقاتل: أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى” (تفسير البغوي)
قال القرطبي رحمه الله:” لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يُعلم وجه الحكمة في ذلك “. (الجامع لأحكام القرآن)
قال شيخ الإسلام رحمه الله:” إِنَّ اللَّهَ يُقْسِمُ بِمَا يُقْسِمُ بِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لِأَنَّهَا آيَاتُهُ وَمَخْلُوقَاتُهُ. فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَظْمَتِهِ وَعِزَّتِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُقْسِمُ بِهَا؛ لِأَنَّ إقْسَامَهُ بِهَا تَعْظِيمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ. وَنَحْنُ الْمَخْلُوقُونَ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِمَ بِهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ “. (مجموع الفتاوى)
قال ابن علان:” وقال تعالى: {والعصر}) الدهر؛ أو ما بعد الزوال، أو صلاة العصر، أو زمان رسول الله، أقسم به كما أقسم بمكانه تنبيهاً بذلك على أن زمانه أفضل الأزمان وأشرفها ” (دليل الفالحين)
قوله ((إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْر)) قال البغوي:” أي خسران ونقصان، قيل: أراد به الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين، و ” الخسران “: ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي، وهما أكبر رأس ماله ” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” هذا جواب القسم. والمراد به الكافر … ، وقيل: يعني بالإنسان جنس الناس … ، قال إبراهيم: إن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم، لفي نقص وضعف وتراجع ; إلا المؤمنين، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم ; نظيره قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ” (تفسير القرطبي)
قال ابن عثيمين:” هذه الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات، الأول: القسم، والثاني: (إنّ) والثالث: (اللام) وأتى بقوله {لفي خسر} ليكون أبلغ من قوله: (لخاسر) وذلك أن «في» للظرفية فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب” (تفسير جزء عم)
قال أيضا:” فأقسم الله – تعالى- بالعصر الذي هو الزمن، والناس فيه منهم من يملؤه خيراً ومنهم من يملؤه شراً، فاقسم بالعصر لمناسبة المقسم به للمقسم عليه، وهو من أعمال العباد فقال (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) الإنسان عام؛ يشمل كل إنسان، من مؤمن وكافر، وعدل وفاسق، وذكر وأنثى، كل الإنسان في خسر، خاسر كل عمله، خسران عليه، تعبٌ في الدنيا وعدم فائدة في الآخرة، إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) ” (شرح رياض الصالحين)
قوله ((إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر))
قال الطبري:” (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: إلا الذين صدّقوا الله ووحَّدوه، وأقرّوا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا الصالحات، وأدّوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا من الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد، وقوله: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) يقول: وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه، من أمره، واجتناب ما نهى عنه فيه.” (تفسير الطبري)
قال ابن كثير:” فَاسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ عَنِ الْخُسْرَانِ الَّذِينَ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِجَوَارِحِهِمْ، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} وَهُوَ أَدَاءُ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَلَى الْمَصَائِبِ وَالْأَقْدَارِ، وَأَذَى مَنْ يُؤْذِي مِمَّنْ يَامُرُونَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ”. (تفسير ابن كثير)
قال السعدي:” عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. (تفسير السعدي)
قال ابن باز:” التواصي بالحق من الإيمان والعمل الصالح وهكذا التواصي بالصبر لكن الله نبه عنه لعظم شأنه” (شرح الرياض)
قَالَ الإمام الشافعي رَحِمَهُ الله كلاماً معناه: إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة.
قال ابن القيم:” قال الشافعى لو فكر الناس كلهم في هذه الاية لوسعتهم وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل وهما الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره وهو التواصى بالحق والتواصى بالصبر وأخية ذلك وقاعدته وساقه الذى يقوم عليه انما هو الصبر” (عدة الصابرين)
وقال أيضا في موضع آخر:” قال الشافعي رضى الله عنه لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم وبيان ذلك ان المراتب اربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله احداها معرفة الحق الثانية عمله به الثالثة تعليمه من لا يحسنه الرابعة صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه فذكر تعالى المراتب الاربعة في هذه السورة واقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر ان كل احد في خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به فهذه مرتبة وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه مرتبة اخرى وتواصوا بالحق وصى به بعضهم بعضا تعليما وارشادا فهذه مرتبة ثالثة وتواصوا بالصبر صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات فهذه مرتبة رابعة وهذانهاية الكمال فإن الكمال ان يكون الشخص كاملا في نفسه مكملا لغيره وكماله باصلاح قوتيه العلمية والعملية فصلاح القوة العلمية بالايمان وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات وتكميله غيره بتعليمه اياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل فهذه السورة على اختصارها هي من اجمع سور القرآن للخير بحذافيره والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه شافيا من كل داء هاديا الى كل خير” (مفتاح دار السعادة)
قال ابن باز:” لو فكر الناس في هذه السورة لكفتهم “؛ أي لو نظروا فيها وتأملوا فيها لكانت كافية في إلزامهم بالحق، وقيامهم بما أوجب الله عليهم، وترك ما حرمه عليهم؛ لأن الله بين أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر هم الرابحون، ومن سواهم خاسر، وهذه حجة قائمة على وجوب التواصي، والتناصح، والإيمان والصبر، والصدق، وأنه لا طريق للسعادة والربح إلا بهذه الصفات الأربع: إيمان صادق بالله ورسوله، وعمل صالح، وتواص بالحق، وتواص بالصبر. (شرح أصول الثلاثة)
182 – عن أَبي عبدِ الرحمن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَنْ جهَّزَ غَازِياً في سَبِيلِ اللَّه فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا” متفقٌ عليه
قوله (من جهز غازيا)؛ قال الأتيوبي:” أي: هيأ له أسباب سفره، أو أعطاه عدة الغزو، ومنه تجهيز العروس” (البحر المحيط الثجاج)
(ومن خلفه في أهله) بتخفيف اللام، يقال: خلفت الرجل في أهله، من باب نصر: إذا قمت بعده فيهم، وقمت عنه بما كان يفعله (النهاية لابن الأثير)
قال الأتيوبي:” قال البيضاوي: يقال: خلفه في أهله: إذا قام مقامه في إصلاح حالهم، ومحافظة أمرهم؛ أي: من تولى أمر الغازي، وناب منابه في مراعاة أهله زمان غيبته، شاركه في الثواب؛ لأن تفرغ الغازي لغزوه، واشتغاله به بسبب قيامه بأمر عياله، فكأنه مسبب من فعله” (البحر المحيط الثجاج)
قوله (فقد غزا) قال النووي:” حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته. وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين، أو قام بأمر من مهماتهم. (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” قال ابن حبان: معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة.” (فتح الباري)
قال ابن باز في كلام عن هذا الحديث:” هذا كله من التعاون على البر والتقوى ومن التواصي بالحق” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
قال ابن عثيمين:” وهذا من التعاون على البر والتقوى، فإذا جهز الإنسان غازياً، يعني براحلته ومتاعه وسلاحه، ثلاثة أشياء: الراحلة، والمتاع، والسلاح، إذا جهزه بذلك فقد غزا، أي كتب له أجر الغازي، لأنه أعانه على الخير.
وكذلك من خلفه في أهله بخير فقد غزا، يعني لو أن الغازي أراد أن يغزو ولكنه أشكل عليه أهله من يكون عند حاجاتهم، فانتدب رجلاً من المسلمين وقال: أخلفني في أهلي بخير، فإن هذا الذي خلفه يكون له أجر الغازي؛ لأنه أعانه.” (شرح رياض الصالحين)
وقال أيضا ” من ذلك ما جرى لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه- حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، اتدعني مع النساء والصبيان، فقال له: ” أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي” يعني أن أخلفك في أهلي، كما خلف موسى هارون في قومه، حينما ذهب إلى ميقات ربه.” (شرح الرياض)
وقال أيضا: ” ويؤخذ من مثال الغازي أن كل من أعان شخصاً في طاعة الله فله مثل أجره، فإذا أعنت طالب علم في شراء الكتب له، أو تأمين السكن، أو النفقة، أو ما أشبه ذلك، فإن لكل أجراً مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً، وهكذا – أيضاً لو أعنت مصلياً على تسهيل مهمته في صلاته في مكانه وثيابه، أو في وضوئه، أو في أي شيء فإنه يكتب لك في ذلك أجر.
فالقاعدة العامة: أن من أعان شخصاً في طاعة من طاعة الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً” (شرح الرياض)