180 جامع الأجوبة الفقهية ص 220
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
باب نواقض الوضوء
عن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي. (متفق عليه)
وللبخاري: “ثم توضئي لكل صلاة ” وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً.
——–‘——-‘——
مسألة 1: حكم الوضوء للمستحاضة
♢- جواب ناصر الريسي:
♢- المستحاضة: هي التي ترى الدم من قبلها في زمان لا يعتبر من الحيض والنفاس، مستغرقًا وقت صلاة في الابتداء، ولا يخلو وقت صلاة عنه في البقاء. انظر: التعريفات للجرجاني (ص: 212)
♢- وقد اختلف العلماء في حكم الوضوء للمستحاضة على قولين:
الأول: : يستحب الوضوء للمستحاضة ولا يجب عليها، وهو مذهب عكرمة وربيعة وابن المنذر ومذهب المالكية.
القول الثاني: أنه يجب على المستحاضة الوضوء لكل صلاة، وهذا قول الجمهور، إلا أنهم اختلفوا بعد أن قالوا بالوجوب على ثلاثة أقوال:
أ- الوضوء واجب لكل صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً، خرج الوقت أو لم يخرج. وهذا اختيار ابن حزم.
ب- يجب أن تتوضأ لكل فريضة، مؤداة أو مقضية، وأما النوافل فتصلي بطهارتها ما شاءت. وهو مذهب الشافعية.
ت- يجب أن تتوضأ لوقت كل صلاة وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
♢- قال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – في الاستذكار:
(والفقهاء بالحجاز والعراق مجمعون على أن المستحاضة تؤمر بالوضوء لكل صلاة، منهم من رأى ذلك عليها واجبا، ومنهم من استحبه .. ) اهـ.
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 504)، بدائع الصنائع (1/ 28)، المغني (1/ 421)، الإنصاف (1/ 377)، المجموع (1/ 543، 363)، مغني المحتاج (1/ 111)، مواهب الجليل (1/ 291)، حاشية الدسوقي (1/ 116)، المحلى (مسألة: 168).
♢- أدلة المالكية ومن معهم على استحباب الوضوء للمستحاضة وأنه غير واجب.
الدليل الأول:
قالوا: إن من كان به حدث دائم لو تطهر فلن يرتفع حدثه، وإذا كان كذلك، كان طهارته استحباباً لا وجوباً.
الدليل الثاني:
إذا كان دم الاستحاضة لا يبطل الطهارة بعد الوضوء، وقبل الصلاة، لم يكن حدثاً يوجب الوضوء عند تجدد الصلاة أو خروج الوقت، ولذا حملنا الأمر على الاستحباب.
الدليل الثالث:
دم العرق لا ينقض الوضوء، فلو خرج دم من عرق اليد، أو الرجل لم ينتقض وضوءه على الصحيح، فكذلك دم الاستحاضة، فإنه دم عرق كما في أحاديث الصحيحين، ولا يقال: إن خروجه من الفرج جعل حكمه يختلف؛ لأن المني يخرج من الفرج، ومع ذلك هو طاهر.
الدليل الرابع:
الشارع حكيم، لا يؤاخذ الإنسان إلا بما فعل، فإذا كان خروج الدم ليس من فعل الإنسان، ولا من قصده، لم تفسد عبادته، ولهذا لا يؤاخذ الإنسان باللغو في اليمين لعدم توفر القصد.
♢- قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 164): “والنظر دال على ما قال ربيعة – يعني: في عدم وجوب الوضوء – إلا أنه قول لا أعلم أحداً سبقه إليه. وإنما قلت: النظر يدل عليه؛ لأنه لا فرق بين الدم الذي يخرج من المستحاضة قبل الوضوء، والذي يخرج في أضعاف الوضوء، والدم الخارج بعد الوضوء؛ لأن دم الاستحاضة إن كان يوجب الوضوء فقليل ذلك وكثيره في أي وقت كان يوجب الوضوء، فإذا كان هكذا، وابتدأت المستحاضة في الوضوء، فخرج منها دم بعد غسلها بعض أعضاء الوضوء، وجب أن ينتقض ما غسلت من أعضاء الوضوء، لأن الدم الذي يوجب الطهارة في قول من أوجب على المستحاضة الطهارة قائم.
وإن كان ما يخرج منها بين أضعاف الوضوء، وما خرج منها قبل أن تدخل الصلاة، وما حدث في الصلاة منه لا ينقض طهارة، وجب كذلك أن ما خرج منها بعد فراغها من الصلاة لا تنقض طهارة إلا بحدث غير دم الاستحاضة هذا الذي يدل عليه النظر”. اهـ
♢- أدلة القائلين بالوجوب لكل صلاة:
الأول: عن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.
قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. أخرجه البخاري (228)
قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة (8/ 129):”سبب اختلاف العلماء في دم الاستحاضة، هل هو حدث أم لا؟ اختلافهم في قول هشام: “وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت” هل هذه الزيادة موقوفة أو مرفوعة؟ وهل هي متصلة أو معلقة؟ وعلى تقدير كونها مرفوعة، هل هي محفوظة أو شاذة؟”. وقال: زيادة قال هشام قال أبي الراجح أنها موقوفة على عروة، ورفعها غير محفوظ.
وقد حكم بضعف هذه الزيادة الإمام مسلم والنسائي والبيهقي، وأبو داود، وضعفه ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري قال (2/ 72): والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث من قول عروة: فقد روى مالك، عن هشام، عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة ” اهـ كلام ابن رجب.
الثاني: عن عائشة، جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي، وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير. رواه أحمد في المسند (6/ 204).
الثالث: عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها في كل شهر، فإذا كان عند انقضائها اغتسلت وصلت، وصامت، وتوضأت عند كل صلاة. رواه الدارمي في سننه (793)
الرابع: عن جابر: عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة.
رواه الطبراني في الأوسط (1620). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي أيوب الأفريقي، وهو عبد الله بن علي، إلا أبو يوسف
الخامس: عن سودة بنت زمعة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها، ثم تغتسل غسلاً واحداً ثم تتوضأ لكل صلاة. رواه الطبراني في الأوسط (1984)
♢- وقال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري (2/ 73): ” أحاديث الوضوء لكل صلاة قد رويت من وجوه متعددة، وهي مضطربة ومعلله “. انتهى
♢- دليل الشافعية على وجوب الوضوء لكل فريضة دون النافلة:
حمل الشافعية أحاديث الأمر بالوضوء لكل صلاة على الفريضة دون النافلة، فأوجبوا الصلاة لكل فريضة مؤداة أو مقضية، بخلاف النافلة، فإنهم يجيزون لها أن تصلي ما شاءت من النوافل.
وعورض:
بأن هذا التفريق بين الفريضة والنافلة، لا دليلاً مسوغاً له، وكلمة “كل” في قوله: “وتوضئي لكل صلاة” من ألفاظ العموم، فأين الدليل على إخراج النوافل.
قال ابن حزم في المحلى: “ومن المحال الممتنع في الدين، الذي لم يأت به قط نص، ولا دليل، أن يكون إنسان طاهراً إن أراد أن يصلي تطوعاً، ومحدثاً غير طاهر في ذلك الوقت بعينه إن أراد أن يصلي فريضة، هذا ما لا خفاء به، وليس إلا طاهر أو محدث”. اهـ.
♢- دليل من قال تتوضئ لكل وقت صلاة وهم الحنفية والحنابلة:
وهؤلاء حملوا الأحاديث الواردة بالوضوء لكل صلاة، بأن المراد بكل صلاة، بوقت كل صلاة، قالوا: وإطلاق الصلاة على الوقت جاء الدليل على صحته من القرآن والسنة:
الدليل الأول:
من القرآن قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ} سورة الإسراء، آية (78)..
فقوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي: لوقت دلوكها.
الدليل الثاني:
عن جابر بن عبد الله، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. صحيح البخاري (335)، ومسلم (521).
وجه الاستدلال:
قوله: “أدركته الصلاة” أي أدركه وقت الصلاة.
الدليل الثالث:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن للصلاة أولاً وآخراً، وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس. رواه أحمد في المسند (6/ 332).
وجه الاستدلال:
قوله: “إن للصلاة أولاً وآخراً”. أي إن لوقت الصلاة، فأطلقت الصلاة وأريد بها الوقت.
♢- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاةٍ إن خرج شيءٌ، فإن لم يخرج منها شيءٌ بقيت على وضوئها الأول.” ثم رجع عنه للاستحباب كما في تعليق محقِّقي الشرح الممتع لابن عثيمين: (هذا ما كان يراه شيخنا رحمه الله سابقًا، ثم إنَّه رجع عن ذلك، وقال: إنَّ المستحاضة ونحوها ممَّن حدَثُه دائم لا يجب عليه الوضوء لكلِّ صلاة، بل يُستحب…). (الشرح الممتع (1/ 503)
والله أعلم..