18.فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——–‘——-‘——
سنتكلم بإذن الله عن أصول الإيمان:
الفصل الأول
المبحث الأول: تعريفه وأدلته.
أولا: تعريفه.
يعني: تعريف توحيد الأسماء والصفات
ثانيا: المنهج الحق في إثباته.
يقوم المنهج الحق قي باب الأسماء والصفات على الإيمان الكامل والتصديق الجازم بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
والتحريف: هو التغيير وإمالة الشيء عن وجهه. وهو قسمان:
1 – تحريف لفظي.
2 – تحريف معنوي
والتعطيل:
والتكييف:
والتمثيل:
وينتظم المنهج الحق في باب الأسماء والصفات في ثلاثة أصول من حققها سلم من الإنحراف في هذا الباب. وهي:
الأصل الأول: تنزيه الله عز وجل عن أن يشبه شيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين.
الأصل الثاني: الإيمان بما سمى ووصف الله به نفسه وبما سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته.
الأصل الثالث: قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات الله تعالى؛ لأن إدراك المخلوق لذلك مستحيل.
فمن حقق هذه الأصول الثلاثة فقد حقق الإيمان الواجب في باب الأسماء والصفات على ما قرره الأئمة المحققون في هذا الباب.
ثالثا: أدلة هذا المنهج.
دلت الأدلة من الكتاب والسنة على تقرير هذا المنهج.
فمن الأدلة على:
الإصل الأول: وهو تنزيه الرب عزوجل عن مشابهة المخلوقين.
ومن الأدلة على الأصل الثاني: وهو الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته.
ومن الأدلة على قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله عز وجل.
——–‘——-‘——–‘
فتح المنان في شرح أصول الإيمان:
التعريف:
قال العلامة السعدي رحمه الله في تعريف جامع مانع:
توحيد الأسماء والصفات , وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشاركة بوجه من الوجوه , وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله , من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل , ونفي ما نفاه عن نفسه , أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب , وعن كل ما ينافي كماله. ” القول السديد في مقاصد التوحيد” (ص 6).
أدلته:
قال العلامة المفسر الشنقيطي رحمه الله: إنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تلتزموا بثلاث آيات في كتاب الله.
الأولى: (ليس كمثله شيء). فتنزهوا رب السموات والأرض عن مشابهة الخلق.
الثانية: (وهو السميع البصير). فتؤمنوا بصفات الجلال والكمال الثابتة بالكتاب والسنة على أساس التنزيه كما جاء (وهو السميع البصير) بعد قوله: (ليس كمثله شيء).
الثالثة: أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل وهذا نص الله عليه في سورة (طه) حيث قال: (يعلم مما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما). فقوله: يحيطون به فعل مضارع والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن كما قال ابن مالك في الخلاصة:
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن وقد حرر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية أنه ينحل عن مصدر وزمن ونسبة، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعا. فـ (يحيطون) في مفهومها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون كالنكرة المبنية على الفتح، فيصبر المعنى لا إحاطة للعلم البشرى برب السموات والأرض، فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها. فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن رب العالمين. فلا يشكل عليكم بعد هدا صفة نزول ولا مجيء ولا صفة يد و لا أصابع ولا عجب ولا ضحك. لان هذه الصفات كلها من باب واحد فما وصف الله به نفسه منها فهو حق وهو لائق بكماله وجلاله لا يشبه شيئا من صفات المخلوقين وما وصف به المخلوقون منها فهو حق مناسب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم وهذا الكلام الكثير أوضحه الله في كلمتين (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). (ليس كمثله شيء) تنزيه بلا تعطيل. (وهو السميع البصير) إيمان بلا تمثيل. فيجب من أول الآية (ليس كمثله شيء) التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل ويلزم من قوله (وهو السميع البصير) الإيمان بجميع الصفات التي ليس فيها تمثيل. فأول الآية تنزيه وآخرها إيمان، ومن عمل بالتنزيه الذي في (ليس كمثله شيء) والإيمان الذي في (وهو السميع البصير) وقطع النظر عن إدراك الكنه والكيفية المنصوص في قوله (ولا يحيطون به علما) خرج سالما. [الأسماء و الصفات نقلا و عقلا].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى: {ليس كمثله شيء} (1) فهذا رد على الممثلة {وهو السميع البصير} (2) رد على المعطلة.
وقولهم في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص مطلقا كالسنة، والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.
والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات” منهاج السنة ((2) / (523)).
قال ابن عطار الشافعي رحمه الله: فتعين القول بتنزيه الباري – عز وجل – عن التشبيه والتعطيل، [وعدم] التحريف والتكييف والتمثيل، والأخذ بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: (11)]، منا من الله – سبحانه وتعالى – بالتفهيم والتعريف لسلوك التوحيد والتنزيه، وكذا القول في جميع ما ثبت من ذلك، والله يعلم المفسد من المصلح. ” الإعتقاد الخالص من الشك و الإنتقاد” ((131)).
والتحريف:
قال ابن القيم: العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره. ” الصواعق المرسلة” (1/ 217).
والتحريف نوعان: تحريف اللفظ وهو تبديله وتحريف المعنى وهو صرف اللفظ عنه إلى غيره مع بقاء صورة اللفظ. ” الصواعق المرسلة” (1/ 358).
وفي الاصطلاح: تغيير النص لفظا، أو معنى. والتغيير اللفظي قد يتغير معه المعنى وقد لا يتغير فهذه ثلاثة أقسام:
1 – تحريف لفظي يتغير معه المعنى، كتحريف بعضهم قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. إلى نصب الجلالة ليكون التكليم من موسى.
2 – وتحريف لفظي لا يتغير معه المعنى، كفتح الدال من قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهذا في الغالب لا يقع إلا من جاهل إذ ليس فيه غرض مقصود لفعله غالبا.
3 – تحريف معنوي وهو صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل، كتحريف معنى اليدين المضافتين إلى الله إلى القوة والنعمة ونحو ذلك. أنظر: ” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (4/ 21).
[و النوعان مأخوذان من الأصل عن اليهود ودرج على آثارهم الرافضة]
قال ابن القيم رحمه الله: والنوعان مأخوذان من الأصل عن اليهود فهم الراسخون فيهما وهم شيوخ المحرفين وسلفهم فإنهم حرفوا كثيرا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم ودرج على آثارهم الرافضة فهم أشبه بهم من القذة بالقذة والجهمية فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرفوا معانيه وسطوا عليها وفتحوا باب التأويل لكل ملحد يكيد الدين فإنه جاء فوجد بابا مفتوحا وطريقا مسلوكة ولم يمكنهم أن يخرجوه من باب أو يردوه من طريق قد شاركوه فيها وإن كان الملحد قد وسع بابا هم فتحوه وطريقا هم اشتقوه فهما بمنزلة رجلين ائتمنا على مال فتأول أحدهما وأكل منه دينارا فتأول الآخر وأكل منه عشرة فإذا أنكر عليه صاحبه قال إن حل أكل الدينار بالتأويل حل أكل العشرة به ولا سيما إذا زعم آكل الدينار أن الذي ائتمنه إنما أراد منه التأويل وأن المتأول أعلم بمراده من المالك فيقول له صاحبه أنا أسعد منك وأولى بأكل هذا المال. ” الصواعق المرسلة” (1/ 215 – 216).
قال العلامة ابن باز رحمه الله:
(1)) التحريف معناه تغيير ألفاظ الأسماء والصفات أو تغيير معانيها، كقول الجهمية في “استوى”: استولى، وكقول بعض المبتدعة: إن معنى الغضب في حق الله إرادة الانتقام، وأن معنى “الرحمة” كذلك إرادة الإنعام، وكل هذا تحريف. فقولهم في “استوى” استولى من تحريف اللفظ. وقولهم: “الرحمة” إرادة الإنعام و”الغضب” إرادة الإنتقام من تحريف المعنى. والقول الحق أن معنى الإستواء الإرتفاع والعلو كما هو صريح لغة العرب، وجاء به القرآن ليدل على أن معناه الإرتفاع شوالعلو على العرش على وجه يليق بجلال الله وعظمته، وكذا الغضب والرحمة صفتان حقيقيتان تليقان بجلال الله وعظمته كسائر الصفات الواردة في القرآن والسنة.
((2)) التعطيل معناه سلب الصفات ونفيها عن الله تعالى، وهو مأخوذ من قولهم (جيد معطل) أي خال من الحلي، فالجهمية وأشباههم قد عطلوا الله عن صفاته؛ فلذلك سموا بالمعطلة، وقولهم هذا من أبطل الباطل؛ إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات، والقرآن والسنة متظافران على إثبات هذه الصفات على وجه يليق بجلال الله وعظمته.
(1)) التكييف معناه: بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات، فلا يقال: كيف استوى؟ كيف يده؟ كيف وجهه؟ ونحو ذلك؛ لأن القول في الصفات كالقول في الذات، يحتذى حذوه ويقاس عليه، فكما أن له ذاتا ولا نعلم كيفيتها، فكذلك له صفات ولا نعلم كيفيتها؛ إذ لا يعلم ذلك إلا هو مع إيماننا بحقيقة فعناها.
((2)) أما التمثيل فمعناه: التشبيه، فلا يقال: ذات الله مثل ذواتنا أو شبه ذواتنا، وهكذا فلا يقال في صفاته: إنها مثل صفاتنا أو شبه صفاتنا، بل على المؤمن أن يلتزم قوله تعالى: “ليس كمثله شيء “، و ” هل تعلم له سميا ” والمعنى: لا أحد يساميه؛ أي يشابهه.
فائدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال: إذا قال لك المؤول: معنى الغضب إرادة الانتقام، والرحمة إرادة الإنعام، فقل له: وهل هذه الإرادة تشبه إرادة المخلوق، أم أنها إرادة تليق بجلاله وعظمته، فإن قال الأول: فقد شبه، وإن قال الثاني فقل: ولم لا تقول: رحمة وغضب يليقان بجلاله وعظمته، وبذلك تحجه وتخصمه.
[التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة]
قالا محققي الكتاب: تظافر عليه ثلاثة من أئمتنا وهم: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية -رحمه الله- صاحب المتن، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله -مؤلف الشرح، وسماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -حفظه الله وأمد في عمره -الذي علق على الكتاب تعليقات نفيسة ترفع من قيمة الكتاب.
وقد عرضت على سماحته في عام (1412) هـ نسخة من الطبعة الأولى لهذا الكتاب، فراجعها، وصححها، وأضاف عليها تعليقات جيدة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ..
—
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف، ومن عليهم بالتفهيم والتعريف، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واكتفوا في نفي النقائص بقوله عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (1)، وبقوله: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}. ” مجموع الفتاوى” (ج (4) / (5)).
الفرق بين التعطيل والتحريف؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
قلنا: التحريف في الدليل والتعطيل في المدلول، فمثلاً:
إذا قال قائل: معنى قوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، أي بل قوتاه هذا محرف للدليل، ومعطل للمراد الصحيح، لأن المراد اليد الحقيقية، فقد عطل المعنى المراد، وأثبت معنى غير المراد. وإذا قال: بل يداه مبسوطتان، لا أدري! أفوض الأمر إلى الله، لا أثبت اليد الحقيقية، ولا اليد المحرف إليها اللفظ. نقول: هذا معطل، وليس بمحرف، لأنه لم يغير معنى اللفظ، ولم يفسره بغير مراده، لكن عطل معناه الذي يراد به، وهو إثبات اليد لله عز وجل.
أهل السنة والجماعة يتبرؤون من الطريقتين: الطريقة الأولى: التي هي تحريف اللفظ بتعطيل معناه الحقيقي المراد إلى معنى غير مراد. والطريقة الثانية: وهي طريقة أهل التفويض، فهم لا يفوضون المعنى كما يقول المفوضة بل يقولون: نحن نقول: {بَلْ يَدَاهُ}، أي: يداه الحقيقيتان {مَبْسُوطَتَانِ}، وهما غير القوة والنعمة. ” شرح العقيدة الواسطية” (1/ 92).
مسألة: أهل التحريف: (هم) الذين يسمون أنفسهم: (أهل التأويل)
قال ابن القيم رحمه الله: فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا
فمن تأويل التحريف والإلحاد تأويل الجهمية قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليما) النساء. ” الصواعق المرسلة” (1/ 217).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: فكل تأويل ليس له أصل فإنه ينبغي أن نسميه تحريفاً كما نطق به القرآن {يُحَرِّفونَ الكلم عن مواضعه} (النساء 46). فكل من أوّل الكلم عن موضعه وحمله على معنىً آخر فقد حرّف. (شرح السفارينية).
[مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس]
قال العلامة الشنقيطي المفسر رحمه الله:
اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الإعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها القرآن العظيم.
أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
الثاني من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} , والإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يوصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وينزه ربه جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة الخلق وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة الضلال لأن من تنطع بين يدي رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه الجرأة العظيمة ونفى عن ربه وصفاً أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه من النقص كذا وكذا فأنا أأوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي من غير استناد إلى كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم ومن ظن أن صفة خالق السموات والأرض تشبه شيئاً من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل ملحد ضال ومن آمن بصفات ربه جل وعلا منزهاً ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل وهذا التحقيق هو مضمون: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فهذه الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. …..
3 – وقطع الطمع عن إدراك الكيفية.
لو (متّم يا إخوان) وأنتم على هذا المعتقد، أترون الله يوم القيامة يقول لكم لم نزهتمونني عن مشابهة الخلق ويلومكم على ذلك لا وكلا والله لا يلومكم على ذلك، أترون أنه يلومكم على أنكم آمنتم بصفاته وصدقتموه فيما أثنى به على نفسه ويقول لكم لم أثبتم لي ما أثبته لنفسي أو أثبته لي رسولي؟ لا والله لا يلومكم على ذلك ولا يأتيكم عاقبة سيئة من ذلك، كذلك لا يلومكم الله يوم القيامة ويقول لكم: لم قطعتم الطمع عن إدراك الكيفية ولم تحددونني بكيفية مدركة. ثم إنا نقول: لو تنطّع متنطّع. وقال: نحن لا ندرك كيفية (نزول) منزهة عن نزول الخلق ولا ندرك كيفية (يد) منزهة عن أيدي الخلق ولا ندرك كيفية (استواء) منزهة عن استواءات الخلق فبينوا لنا كيفية معقولة منزهة تدركها عقولنا فنقول: أولاً هذا السؤال الذي قال فيه مالك بن أنس:” والسؤال عن هذا بدعة ” ولكن نجيب ونقول أعرف أيها المتنطّع السائل الضال كيفية الذات المقدسة الكريمة المتصفة بصفة النزول وصفة اليد وصفة الإستواء وصفة السمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم فلا بد أن نقول: لا، فنقول: معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات إذ الصفات تختلف اختلاف موصوفاتها ونضرب مثلاً ولله المثل الأعلى. فإن الأمثال لا تضرب لله ولكن الأخرويات لا مانع منها كما جاء بها القرآن فنقول مثلاً كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله لفظة (رأس) الراء والهمزة والسين رأس هذه الكلمة أضفها إلى المال وأضفها إلى الوادي وأضفها إلى الجبل فانظر ما صار من الإختلاف بين هذه المعاني بحسب هذه الإضافات وهذا مخلوق ضعيف مسكين فما بالك بالبون الشاسع الذي بين صفة الخالق جل وعلا وصفة المخلوق. [الأسماء و الصفات نقلا و عقلا].