18 – بَابُ السُّمِّ
45 – (2190) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ» قَالَ: – أَوْ قَالَ – «عَلَيَّ» قَالَ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: «فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
45 – وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً جَعَلَتْ سَمًّا فِي لَحْمٍ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ خَالِدٍ
معاني الكلمات الغريبة:
اللهوات جمع لهات وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك.
(ما زلت أعرفها) أي: العلامة؛ كأنه بقى للسم علامة وأثر من سواد أو غيره أو مرض يعتريه أو ألم؛ لذا كان يحتجم كما سيأتي، وفي رواية معلقة عند البخاري بصيغة الجزم (ألم الطعام).
الفوائد؛
– ورد في مسند أحمد (2784) عن ابن عباس: أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأرسل إليها، فقال: ” ما حملك على ما صنعت؟ ” قالت: أحببت – أو أردت – إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه، وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا وجد من ذلك شيئا احتجم “، قال: ” فسافر مرة، فلما أحرم، وجد من ذلك شيئا، فاحتجم “.
وفيه هلال بن خباب اختلط في آخر عمره ولم يتميز؛ لكن الظاهر ان تغيره يسير واشار الشيخ الالباني ان البيهقي ذكر له شواهد
وبَوب البخاري؛ باب مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ
وهذا الحديث؛ أعله بعض الباحثين
والأبهر عرق؛ مرتبط بالقلب والآن يسمى (الأورط)، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن موته بسبب انقطاع الأبهر فهذه معجزة؛ قال بعض الأطباء المتخصصين بالباطنية؛ العلامات التي ظهرت عليه هي علامات تظهر من الزرنيخ والقصدير فهما يسببان تغير في الحلق وصداع ووعك شديد.
– لا يعارض هذا الحديث قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) لأن المقصود الحفظ من الموت قبل تبليغ الرسالة؛ أما الشتم والسب ومحاولة القتل؛ فلا يدخل في معنى العصمة، وبعض الباحثين ضعف حديث عائشة الذي ذكرناه معلقا عند البخاري؛ لكن يشهد لمعناه حديث أنس (فما زلت أعرفها في لهوات النبي صلى الله عليه وسلم) وإن كان في حديث عائشة معنى زائد؛ وهو أن موته صلى الله عليه وسلم؛ كان بسبب السم؛ لكن عصمه الله حتى أن السم لم يقتله كل هذه المدة حتى أنزل الله عز وجل (اليوم أكملت لكم دينكم) الآية.
وقد حاولوا قتله بما هو أشد من السم عدة مرات؛ لكن الله حفظه. ومنه حديث الرجل الذي أخذ سيف النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال: من يمنعك مني، قال: الله … ) الحديث وهذا ما قرره النووي وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير وابن حجر.
وبعضهم ذكر معنا لطيفا؛ وهو أن الله أراد أن يجمع لنبيه بين النبوة والشهادة.
– وقد اختلفت الروايات هل قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية أم عفا عنها فقال البيهقي في السنن الكبرى 8/ 47: ورواية أنس بن مالك أصحها. يعني؛ أنه عفا عنها
ويحتمل أن البخاري كذلك يرى أن الراجح؛ أنه عفا عنها؛ لأنه بوب في الأدب المفرد؛ باب العفو والصفح، وذكر الحديث، وذكر البيهقي في آخرين؛ أنه صلى الله عليه وسلم؛ في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من أصحابه ممن أكل فلما مات بشر بن البراء بن معرور أمر بقتلها فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد، ولعل البخاري يقصد هذا أيضا.
قلت: مما يؤيد؛ أنه لم يقتلها؛ أن الصحابة ما كان أحد يمد يده للطعام حتى يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن هذا احتمال؛ فقد يكون بدأ النبي صلى الله عليه وسلم فأكل الصحابة؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مضغ اللقمة، ولم يكملها؛ لكن السم معروف بمجرد المضغ يدخل في الجوف.
– أما مسألة القتل بالسم؛ فإن علمنا أنه مات بالسم فإنه يقاد منه ونقل العيني في عمدة القاري الخلاف لكن هذا مذهب مالك؛ بل ذكر الشيخ عبدالمحسن العباد؛ أنه يقاد منه بأن يحسى سما، ويجوز أن يقتل بشيء آخر.
– فيه جواز معاملة الكفار، وأهل الكتاب، وبوب البخاري؛ باب أكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام بعض المشركين، ومنه حديث؛ (مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في صاع شعير أخذه لأهله) بمعناه، ومنه قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم … )؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: (صلي أمك). ومعاملتهم؛ لا تعني محبتهم ومودتهم.
-قبول هدية المشركين وفيه أحاديث؛ أما حديث (نهيت عن زبد المشركين) فذكر ابن حجر؛ أن البخاري كأنه يشير إلى عدم صحتها عنده، قلت: وعلى فرض صحتها ممكن يقال لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمل إسلامه؛ فيحمل النهي على الكراهية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم؛ يكره الهدايا التي يعطيها أصحابها؛ يريدون بها الدنيا، ولو كانوا مسلمين.
وقد تكلم شيخ الإسلام عن مسألة قبول الهدايا في الأعياد الخاصة بالكفار سواء من الهدية من الكفار أو من المسلمين وننقل بعضه؛
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالِفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه
” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (1/ 227). ثم تكلم بعد ذلك عن دخول السوق في أعيادهم الاقتضاء (1/ 228)
و نبه رحمه الله على أن ذبيحة الكتابي وإن كانت حلالا إلا أن ما ذبحه لأجل عيده: لا يجوز أكله. قال رحمه الله: ” وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم، بابتياعٍ أو هديةٍ أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد. فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة، وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر … ” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (1/ 251).
قلت: ولا بد من الربط بين هذه الفقرة والتي قبلها.
– اليهود أهل غدر.
-الحذر من الأكل من طعام الحاقدين.
-تأليف قلوب الكفار.
– حفظ الله لنبيه.
-لا يجوز تناول ما يضر البدن، وبوب البخاري؛ باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه والخبيث؛ وذكر فيه حديث ( … من تحسى سما … )
-العفو عن المسيء؛ خاصة مع وجود مصلحة وقد عفى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبيد بن الأعصم وأبي بن سلول وذا الخويصرة؛ لوجود مصالح.
– بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يسقم ويموت؛ وأنه لا يعلم الغيب؛ خلافا لما تدعيه بعض فرق الضلال؛ أنه يعلم الغيب مطلقا؛ وأهل السنة يقولون: لا يعلم إلا ما أعلمه الله إياه.
– ذبائح أهل الكتاب حلال.
-يجوز الأكل من الطعام ولو كان صاحبه لا يتورع من الربا؛ ولا يلزمك سؤاله من أين أحضره. إلا إذا علمت أن عين هذا الطعام حرام، وبهذا نوفق بين النصوص التي تجيز الأكل كقول الله عزوجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وكذلك قول ابن مسعود وسلمان رضي الله عنهما (مهنأه لك وإثمه عليه) وبين النصوص المانعة من الأكل ك (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيب) و (لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) وحديث (هذه شاه ذبحت بغير إذن أهلها) وقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة: (أما الإسلام أقبل وأما المال فلست منه في شيء) وقاء أبوبكر طعاما كان ثمنه من كهانه.
لكن بقي أثر عمر؛ وأنه قبل الجزية وكان ثمن خمر؛ قال (ولوهم بيعها وخذوا منهم أثمانها)
وقد قال ابن تيمية: وهذا ثابت عن عمر …
ونقل بعض الباحثين: أن التحريم إما يكون لحق الله تعالى كالربا والميسر أو لحق مخلوق مثل السرقة. فما كان لحق مخلوق لا يأخذ منه أما ما كان لحق الله فلا ينال المتعامل وزره؛ إنما كرهه بعض أهل العلم لما فيه من إقرار المنكر فإذا كان الترك لا يردع صاحب المنكر كما هي الحال مع غير المسلمين؛ فيجوز التعامل معهم وفتوى سلمان وابن مسعود تحمل على أنه غلب على ظنهم أنه لا يرتدع. وراجع مجموع الفتاوى (29/ 265).
– فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
– فيه حمل الأمور على السلامة حتى يتبين خلافها.
– فيه أن الشر والقتل قد يقع من النساء.
-فيه أن السم لا يؤثر بذاته بل بمشيئة الله.
-استعمال أواني الكفار؛ إذا غلب على الظن أنهم لا يطبخون فيها الخنزير ولا الخمر؛ وفيه حديث.