177 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
177_ قال الإمام أحمد رحمه الله ج5ص347:حد ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين ثنا عبد الله بن بريدة قال صلى الله عليه وسلم دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال معاوية كنت أجمل شباب قريش وأجوده ثغرا وما شيء كنت أجد له لذة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدثني.
…………………..
قال محققو المسند (38/26) : إسناده قوي ، وقاله الالباني في سلسلة الهدى والنور 1091
اتهم بعضهم معاوية رضي الله عنه بشرب الخمر مستدلا بهذا الحديث وهذا مندفع بأمور :
أولها : أن لفظ الشراب لا يقتضي أن يكون المشروب خمراً .
ثانيها : مناولته لبريدة بن الحصيب الشراب ، فلو كان خمراً لما أخذه بريدة ، ولأنكر عليه ذلك .
ثالثهما : أن قوله : (( ما شربته منذ حرمه رسول الله …. )) هو من قول معاوية وليس من قول بريدة ، ولعله قال ذلك لما رأى من الكراهة والإنكار في وجه بريدة، لظنه أنه شراب محرم .
قال الشيخ الالباني في سلسلة الهدى والنور (1091) : الذي يتبادر إلى الذهن غير مراد قطعا وإنما يراد به شرابا مختلفا فيه منذ القديم وهو النبيذ الذي اختلف الأحناف مع جماهير العلماء في جواز شربه فممكن أن يكون هذا الشراب هو نبيذ والنبيذ إنما وقع الاختلاف فيه لأنه سبيل لشرب المسكر لأنه لا يخفاك أن هذا المنبوذ من التمر أو زبيب مثلا في الماء له مدة معينة يبقى حلوا وحلالا ثم يبدأ يتفاعل ويتخمر فالفرق بين حالة الإباحة وحالة التحريم وبينهما أمر مشتبه فيه لذلك قد يتورع بعض العلماء أن يشربوا النبيذ الحلال الذي طال مكثه خشية أن يكون من الشراب المحرم فالذي شربه معاوية ممكن أن يكون من النوع الذي هو لا يسكر لكن صاحبنا بريدة اللي هو أبو عبد الله في الحديث يقول ( أنه ما شربه منذ ) إيش قال؟.
السائل : منذ حرمه رسول الله.
الشيخ : آه فهو فهم أنه هذا الشراب محرم لكن معاوية لم يفهم أنه شراب محرم فمن هنا جاء هذا السؤال الذي ذكرته آنفا فأنا أعتقد أن هذا الخلاف المفهوم من هذه الرواية هو عينه الخلاف القائم بين الحنفية وبين الجمهور إي نعم.
قال بعض الباحثين :
وهي رواية منكرة متناً كما حكم عليها بذلك الإمام أحمد نفسه، “وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال وكيع: يقولون سليمان أصحهما حديثاً. قال عبد الله: قال أبي عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقد ما أنكرها وأبو المنيب أيضاً يقول كأنها من قبل هؤلاء” [تهذيب الكمال14/331].
وهذه الزيادة المشكلة في المتن والتي نجدها في مسند أحمد لا نجدها في مصنف ابن أبي شيبة، وهي مروية عنده بنفس الطريق، ولهذا نجد الهيثمي أبدى استغرابه من هذه النكارة في المتن [مجمع الزوائد (5/42)].
وأما من حيث إسنادها فإنه بالرغم من تحسين البعض لها كالشيخ مقبل الوادعي [الصحيح المسند (ص185)]، ولكن في كلا السند والمتن خطأ؛ فإن في السند زيد بن الحباب وهو كما قال الشيخ الألباني “ضعيف. لم يوثقه غير ابن حبان” [معجم أسامي الرواة (2/75) نقلاً عن ضعيف الأدب المفرد (77)].
الحديث يرويه الحسين بن واقد، ورواه عنه اثنان ابنه علي وزيد بن الحباب فرواه ابو زرعة الدمشقي [في تاريخه 2/677]، ومن طريقه ابن عساكر [27/127] من طريق علي بن الحسين عن أبيه حدثني عبد الله بن بريدة قال: دخلت مع أبي على معاوية.. انتهى.
الحديث فيه خطأ ظاهر ويمكن عزو الخطأ فيه إلى زيد بن الحباب فإنه صدوق كثير الخطأ.
أما من حيث السند فسنده رجاله ثقات في الظاهر إلا أنه بهذا السياق معلول بل هو منكر؛ إذ ليس بالإمكان أن يتفرد راوٍ بحديث مرفوع من طبقة زيد بن الحباب ولو كان أوثق الناس فضلاً عمن بعد ذلك، ولا سيما أن ابن الحسين بن واقد لم يروِ الحديث المرفوع ولا رواه عن زيد بن أبي شيبة، وأغلب الظن أن زيداً قد وهم فيه. وقد ذكرت له أوهام وكذلك شيخه.
وزيد بن الحباب من طبقة تابعي التابعين، ولا يقبل تفرده عن معاوية لأنه مرفوع، ومن يقبل تفرده يشترط أن يكون تابعي التابعي من كبار الحفاظ إذا تفردوا مثل مالك وشعبة الثوري من واسعي الرواية وجبال الحفاظ، أما بعد هذه الطبقة فلا يقبل تفرده أبداً بأي حديث مرفوع.
وقد اختل في زيد شرطان:
الأول: هو من الطبقة التي تلي تابعي التابعين.
الثاني: أنه ليس من جبال الحفاظ، فضلاً عن أنه من طبقة بعد أتباع التابعين، ناهيك عن أنه ثبت أنه مع ثقته كثير الأخطاء.
ومن الواضح أن سياق القصة هكذا ناقص. وهو محذوف الله أعلم به.
أما الرواية عند ابن أبي شيبة في المصنف فلا إشكال ولا خطأ فيها.
“حدثنا زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد قال: حدثنا عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلس أبي على السرير وأتى بالطعام فأطعمنا وأتى بشراب فشرب، فقال معاوية: ما شيء كنت أستلذه وأنا شاب فآخذه إلا اللبن فإني آخذه كما كنت آخذه قبل اليوم، والحديث الحسن” (11/94-9).
دراية الأثر:
قوله: “ما شربته منذ..” هذا من كلام معاوية وليس من كلام عبد الله بن بريدة، وهكذا جعله جميع الحفاظ في مسند معاوية مثل ابن كثير في جامع المسانيد، والإمام أحمد في المسند في مسند معاوية.
وقوله: “ما شربته” يعني المسكر. قلت: وهذا استطراد من معاوية لا علاقة له بما قبله وما بعده. مما يدل على سقوط كلام متعلق بالشراب المحرم.
ويستفاد من الخبر: بيان إكرام معاوية لإخوانه الصحابة ووفادتهم عليه رضي الله عنهم أجمعين، كما قصدت دفع الإيهام الذي قد يثيره بعض أهل الهوى ممن تنقلب الفضائل في مخيلتهم إلى مثالب، وأطلت قليلاً في هذا لأني وجدت بعض محدثي الرافضة النوكى يحرف معنى الخبر ويحمله ما لا يحتمل مما هو ومشايخه أولى به.
قال المعلق على المسند [(38/26) طبعة الرسالة]: “ولعله قال ذلك لما رأى من الكراهة والإنكار في وجه بريدة؛ لظنه أنه شراب محرم. والله أعلم.
قلت: هذا تجويز من قائله ولم يرد في شيء من مصادر الخبر نقل كراهية بريدة أو إنكاره، فضلاً عن رده وامتناعه عما ناوله معاوية، ولو كان بريدة رضي الله عنه يظن ذلك لما جلس هذا المجلس ولنقل ابنه استفهامه على أقل تقدير. وقد قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر».
ثم إن مما يتبادر للذهن أن الشراب هو اللبن، بدليل أن معاوية في سنه هذه لا يفضل عليه غيره كما في آخر الخبر. والله أعلم
ولا يعقل أن لا تتضمن الرواية عدم كراهية بريدة أو إنكاره ذلك لو كان خمراً كما يزعمون. وإن آخر ما يمكن أن يفهم هو أن معاوية شرب الخمر، كيف وهو ينص في الخبر ذاته على أنه لم يشربها قط منذ أن حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ومعاوية هو راوي حديث جلد الشارب ثلاثاً ثم قتله في الرابعة، ومن شدته في مسألة المسكر أنه أمر بقتل السكران إذا قتل مع أن بعضهم لا يوقعه.
والإشكال هو أن معاوية لما ناول بريدة الشراب، قال: “ما شربته منذ حرمه النبي صلى الله عليه وسلم”.
فظن بعضهم أن الضمير هنا يعود على الشراب الذي ناوله لبريدة، وهذا غلط شديد جداً؛ لأن الضمير هنا لا يعود على ذلك الشراب بل هو ضمير في مكان شيء ظاهر يقول فيه النحويون: أضمر في مقام الإظهار، أي: أنه جاء بالضمير عوضاً أن يأتي بالاسم الظاهر، والعرب تستعمل هذا كثيراً، إذا أرادت أن تتكلم عن شيء تستشنعه وتستقذره وتستحيي من التلفظ به، تأتي بالضمير ولا تأتي بالظاهر، وهذا من جمال لغة العرب.
وضع معاوية الشراب في يد بريدة ثم قال: ما شربته، أي الخمر منذ حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حقه أن يقول: ما شربت الخمر منذ حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه جاء بالضمير عوض الظاهر استشناعاً للنطق باسم الخمر.
وهذا دليل على فضله ومبالغته في التحرز من الخمر، فالذي يستشنع مجرد النطق باسم الخمر، كيف يشربه؟!
وقد أبلغ في الغلط من تصور أن الضمير في قوله: (ما شربته) يرجع إلى الشراب الذي بين أيديهم.
ويقال هنا: كيف ذكر الخمر؟ وما وجه الحديث عنه؟
فالجواب: أن هذا من باب الاستطراد، وهذا جارٍ على عادة العرب، فالاستطراد: هو ذكر الشيء في غير محله لمناسبة داعية إلى ذلك.
مثاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن طهارة ماء البحر فأجاب عن ذلك، واستطرد لذكر حكم الميتة التي لم يسأل عنها. وهذا من الاستطراد المحمود. ولذلك يقولون: الشيء بالشيء يذكر.
فمعاوية لما رأى شراباً على مائدته، ذكره ذلك بالشراب الذي كانوا عليه في الجاهلية لا يفارق موائدهم ألا وهو الخمر، وكيف أنهم استبدلوه باللبن، فالمناسبة قوية للغاية، وهذا هو الدليل من مصنف ابن أبي شيبة (6/188):
حدثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد قال: حدثنا عبد الله بن بريدة قال: قال دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلس أبي على السرير وأتى بالطعام فأطعمنا وأتى بشراب فشرب، فقال معاوية: ما شيء وأنا شاب فآخذه اليوم إلا اللبن؛ فإني آخذه كما كنت آخذه قبل النوم، والحديث الحسن.
هذه الرواية لا تترك شكاً لأحد؛ فإن معاوية يقول إنه لا يشرب في يومه ذاك إلا اللبن، فالشراب كان لبناً لا غير، فلو نظر الناظر في الروايتين، تبين له صدق ما قلت.