: 176 ( أ) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
19 – باب في مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسنة أَوْ سيئة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وقال تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]
قال ابن عثيمين:” ذكر المؤلف ـ رحمه اله تعالى ـ هذا الباب (باب فيمن سن سنة حسنة أو سنة سيئة) ليبين أن من الأشياء ما يكون أصله ثابتاً، فإذا فعله الإنسان وكان أول من يفعله كان كمن سنه وصار له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وقد سبق لنا أن الدين الإسلامي ولله الحمد كامل، لا يحتاج إلى تكميل، ولا إلى بدع؛ لأن الله تعالى قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) ” (شرح الرياض)
قال ابن باز:” المؤمن متى دعا إلى السنة وأحياها وأظهرها كان له أجرها وأجر من عمل من بعده؛ يعني: كان له أجره كاملا ومثل أجور من هداه الله على يديه وعمل بها من بعد والعكس بالعكس، متى سن سنة سيئة ودعا إلى باطل كان عليه إثم ذلك ومثل آثام من تابعه في ذلك (شرح الرياض)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
الشاهد من الآية {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
قال البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقَوْلِ اللَّهِ تَعالى: {واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا} [الفرقان (74)] «قالَ: أئمَّةً نَقْتَدِي بِمَن قَبْلَنا، ويَقْتَدِي بِنا مَن بَعْدَنا» (صحيح البخاري)
قال ابن حجر: كذا للجميع بإبهام القائل، وقد ثبت ذلك من قول مجاهد
قال ابن كثير:” وقوله: (واجعلنا للمتقين إماما) قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس: أئمة يقتدى بنا في الخير.
وقال غيرهم: هداة مهتدين ودعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابا، وأحسن مآبا; ولهذا ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية “. (تفسير ابن كثير)
قال ابن القيم:” قَالَ ابْن عَبَّاس يهتدى بِنَا فِي الْخَيْر وَقَالَ أَبُو صَالح يقْتَدى بهدانا وَقَالَ مَكْحُول أَئِمَّة فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا المتقون وَقَالَ مُجَاهِد: اجْعَلْنَا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم وأشكل هَذَا التَّفْسِير على من لم يعرف قدر فهم السّلف وعمق علمهمْ وَقَالَ يجب أَن تكون الْآيَة على هَذَا القَوْل من بَاب المقلوب على تَقْدِير وَاجعَل الْمُتَّقِينَ لنا أَئِمَّة ومعاذ الله أَن يكون شَيْء مقلوبا على وَجهه وَهَذَا من تَمام فهم مُجَاهِد رَحمَه الله فَإِنَّهُ لَا يكون الرجل إِمَامًا لِلْمُتقين حَتَّى يأتم بالمتقين فنبه مُجَاهِد على هَذَا الْوَجْه الَّذِي ينالون بِهِ هَذَا الْمَطْلُوب وَهُوَ اقتداؤهم بالسلف الْمُتَّقِينَ من قبلهم فيجعلهم الله أَئِمَّة لِلْمُتقين من بعدهمْ وَهَذَا من أحسن الْفَهم فِي الْقُرْآن وألطفه لَيْسَ من بَاب الْقلب فِي شَيْء فَمن ائتم بِأَهْل السّنة قبله ائتم بِهِ من بعده وَمن مَعَه … (رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه)
وقال أيضا:” قَالَ الْفراء إِنَّمَا قَالَ {إِمَامًا} وَلم يقل أَئِمَّة على نَحْو قَوْله {إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين} وَلم يقل رَسُولا وَهُوَ من الْوَاحِد المُرَاد بِهِ الْجمع … وَهَذَا أحسن الْأَقْوَال غير أَنه يحْتَاج إِلَى مزِيد بَيَان وَهُوَ أَن الْمُتَّقِينَ كلهم على طَرِيق وَاحِد ومعبودهم وَاحِد وَأَتْبَاع كتاب وَاحِد وَنَبِي وَاحِد وَعبيد رب وَاحِد فدينهم وَاحِد ونبيهم وَاحِد وكتابهم وَاحِد ومعبودهم وَاحِد فكأنهم كلهم إِمَام وَاحِد لمن بعدهمْ ليسو كالأئمة الْمُخْتَلِفين الَّذين قد اخْتلفت طرائقهم ومذاهبهم وعقائدهم فالائتمام إِنَّمَا هُوَ بماهم عَلَيْهِ وَهُوَ شَيْء وَاحِد وَهُوَ الإِمَام فِي الْحَقِيقَة” (رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه)
قال السعدي:” {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.
ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) هي الشاهد لهذا الباب، يعني اجعلنا للمتقين أئمة، يقتدى بنا المتقون في أفعالنا وأقوالنا، فيما نفعل وفيما نترك، فإن المؤمن ولا سيما أهل العلم يقتدى بهم؛ بأقوالهم وأفعالهم، ولهذا تجد العامة إذا أمرتهم بشيء أو نهيتهم عن شيء، قالوا: هذا فلان يفعل كذا وكذا، ممن جعلوه إماماً لهم.” (شرح رياض الصالحين)
وقال تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]
قال الطبري:” قوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة يؤتمّ بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه، ويقتدى بهم، ويُتَّبَعون عليه.” (تفسير الطبري)
قال القرطبي:” قوله تعالى: وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا أي رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات. ومعنى بأمرنا أي بما أنزلنا عليهم من الوحي والأمر والنهي؛ فكأنه قال يهدون بكتابنا وقيل: المعنى يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق، ودعائهم إلى التوحيد.” (تفسير القرطبي)
قال ابن كثير ” قَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: قَرَأَ أَبِي عَلَى عَمِّي أَوْ عَمِّي عَلَى أَبِي: سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّاسِ مِنَ الْجَسَدِ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا برأس الأمر صاروا رؤساء” (تفسير ابن كثير)
قال الألوسي:” {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف؛ وهو الصبر على مشاق العبادات، وأنواع البليات، وحبس النفس عن ملاذ الشهوات، والإيقان بالآيات، فمن يدعي الإرشاد وهو غير متصف بما ذكر فهو ضال” (تفسير الألوسي)
قال السعدي:” و من صلاحهم، أنه جعلهم أئمة يهدون بأمره، وهذا من أكبر نعم الله على عبده أن يكون إماما يهتدي به المهتدون، ويمشي خلفه السالكون، وذلك لما صبروا، وكانوا بآيات الله يوقنون.
وقوله: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ْ} أي: يهدون الناس بديننا، لا يأمرون بأهواء أنفسهم، بل بأمر الله ودينه، واتباع مرضاته، ولا يكون العبد إماما حتى يدعو إلى أمر الله.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” ليت المؤلف ذكر آخر الآية؛ لأن الله بين أنه جعلهم أئمة بسبب (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24)، لما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصية الله، وصبروا على أقدار الله؛ صبروا على طاعة الله ففعلوا ما أمر، وصبروا عن معصية الله فتركوا ما نهى عنه، وصبروا على أقدار الله التي تأتيهم من أجل دعوتهم إلى الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ لأن الإنسان إذا نصب نفسه داعية للحق آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، فلابد أن يصيبه من الأذى ما يصيبه، لأن أكثر الذين يكرهون الحق سوف يكونون أعداء له فليصبر، وكذلك أقدار الله التي تأتي بدون هذا أيضاً يصبرون عليها.
(وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) يوقنون بما أخبرهم الله به، ويوقنون بالجزاء الذي يحصل لهم في فعل الأوامر، وترك النواهي، وفي الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنهم يعملون وهم يوقنون بالجزاء، وهذه نقطة ينبغي لنا أن ننتبه لها، أن نعمل ونحن نوقن بالجزاء، كثير من الناس يعملون، يصلون ويصومون ويتصدقون بناء على أن هذا أمر الله، وهذا طيب ولا شك أنه خير، لكن ينبغي أن تدرك وأن تستحضر بأنك إنما تفعل هذا رجاء الثواب وخوف العقاب، حتى تكون موقناً بالآخرة.
وقد أخذ شيخ الإسلام ـ رحمه الله من هذه الآية عبارة طيبة، فقال: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) أخذها من قوله تعالى: (لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24)، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.” (شرح الرياض)
قال ابن تيمية” إن الناس عليهم أن يجعلوا كلام الله ورسوله، هو الأصل المتبع، والإمام المقتدى به، سواء علموا معناه أو لم يعلموه، فيؤمنون بلفظ النصوص ولو لم يعرفوا حقيقة معناها” (التسعينية)