17 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد 1837 حدثنا هشيم، أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن العباس، قال: جاءت الغميصاء أو الرميصاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها، فما كان إلا يسيرا. حتى جاء زوجها، فزعم أنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره ”
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله بن العباس فقد روى له النسائي، وهو من صغار الصحابة، ونقله الحافظ في “الإصابة” 2/ 430 عن المسند بهذا الإسناد وقال: ورجاله ثقات إلا أنه ليس بصريح أن عبيد الله شهد القصة، قال أحمد شاكر: يعني فيكون من مراسيل الصحابة. وأخرجه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (402)، والنسائي في “المجتبى” 6/ 48، وفي “الكبرى” (5606)، وأبو يعلى (6718) من طريق هشيم، بهذا الاسناد.
وقد تحرف في المطبوع من “المجتبى” من سنن النسائي “يحيى بن أبي إسحاق” إلى: يحيى عن أبي إسحاق، وعبيد الله إلى: عبد الله.
والغميصاء أو الرميصاء، قال ابن حجر في”الإصابة” 4/ 361: زوج عمرو بن حزم، أخرج أبو نعيم من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائة: أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء، فنكحها رجل، فطلقها قبل أن يمسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال: حتى يذوق الآخر من عسيلتها … ” الحديث.
والعسيلة، قال ابن الأثير في “النهاية” 3/ 361: شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا، وإنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل … وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل.
شو رايك شيخ هذا على الشرط حقك
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وراجع الارواء 6/ 300
كذا قلنا ثم اوقفنا عليه بعض الأخوة وأنه في الصحيح المسند 902 لكن لا بأس أن نعتبره على شرط الذيل حيث في الصحيح المسند (ليس لك ذلك حتى تذوقي عسيلته) وهنا (ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره)
____
الزجر عن تزويج المطلقة البائنة بعد تزويجها زوجا آخر الزوج الأول قبل أن يذوق عسيلتها الزوج الثاني
عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يدخل بها أترجع إلى زوجها الأول؟ قال: (لا حتى يذوق عسيلتها ما ذاق صاحبها)
[تعليق الشيخ الألباني] صحيح ((الإرواء)) (6/ 298)
(مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته ألبتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها) أن يتزوجها (فقال القاسم بن محمد: لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها) لأن الثاني مات ولم يمسها، ولا فرق بين الموت والطلاق إذ المدار على مغيب الحشفة (قال مالك في المحلل) أي المتزوج مبتوتة بقصد إحلالها لباتها (إنه لا يقيم على نكاحه ذلك) لفساده (حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك) الفاسد (فلها مهرها) عليه.
شرح الزرقاني على الموطأ (3/ 210)
قال الحافظ في الفتح (9/ 465): واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إن كان حال وطئه منتشرا فلو كان ذكره أشل أو كان هو عنينا أو طفلا لم يكف على أصح قولي العلماء وهو الأصح عند الشافعية.
قال الأزهري الصواب أن معنى العسيلة حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وأنث تشبيها بقطعة من عسل وقال الداودي صغرت لشدة شبهها بالعسل وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة وزاد الحسن البصري حصول الإنزال وهذا الشرط انفرد به.
قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه قال يقول الناس لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني وأنا أقول إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول. الفتح (9/ 467).
و بوب الامام ابو داود [باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره]
قال ابن قدامة: ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط
أحدها: أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وهذا ليس بزوج ولو وطئت بشبهة لم تبح لما ذكرنا
الشرط الثاني: أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه وبهذا قال الحسن و الشعبي و حماد و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها ذلك وهو الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه
ولنا قول الله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزويج الفاسد ولأن أكثر أحكام الزواج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي صلى الله عليه و سلم: [ما آمن بالقرآن من استحل محارمه] وقال الله تعالى: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} ولأنه وطء في غير نكاح صحيح أشبه وطء الشبهة
الشرط الثالث: أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها لأن النبي صلى الله عليه و سلم علق الحل على ذواق العسيلة منهما ولا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي. (المغني / 8/ 471).
قال ابن تيمية: فإذا تزوجها رجل بنية أن يطلقها لتحل لزوجها الأول كان هذا النكاح حراما باطلا، سواء عزم بعد ذلك على إمساكها، أو فارقها، وسواء شرط عليه ذلك في عقد النكاح، أو شرط عليه قبل العقد، أو لم يشرط عليه لفظا بل كان ما بينهما من الخطبة وحال الرجل والمرأة والمهر نازلا بينهم منزلة اللفظ بالشروط، أو لم يكن شيء من ذلك بل أراد الرجل أن يتزوجها، ثم يطلقها لتحل للمطلق ثلاثا من غير أن تعلم المرأة ولا وليها شيئا من ذلك، سواء علم الزوج المطلق ثلاثا، أو لم يعلم، مثل أن يظن المحلل أن هذا فعل خير ومعروف مع المطلق وامرأته بإعادتها إليه لما أن الطلاق أضر بهما وبأولادهما وعشيرتهما ونحو ذلك. بل لا يحل للمطلق ثلاثا أن يتزوجها حتى ينكحها رجل مرتغبا لنفسه نكاح رغبة لا نكاح دلسة، ويدخل بها بحيث تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها. ثم بعد هذا إذا حدث بينهما فرقة بموت، وطلاق أو فسخ، جاز للأول أن يتزوجها، ولو أراد هذا المحلل أن يقيم معها بعد ذلك استأنف النكاح، فإن ما مضى عقد فاسد لا يباح المقام به معها هذا هو الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وهو المأثور عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة التابعين لهم بإحسان، وعامة فقهاء الإسلام، مثل: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وهؤلاء الأربعة أركان التابعين. ومثل: أبي الشعثاء جابر بن زيد، والشعبي، وقتادة، وبكر بن عبد الله المزني، وهو مذهب مالك بن أنس، وجميع أصحابه، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وهؤلاء الأربعة أركان تابعي التابعين، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل في فقهاء الحديث، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وسليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني وغيرهم. الفتاوى الكبرى (6/ 9). انتهى
ومسألة الهدم في الطلاق على ثلاث صور:
1 أن الزوجة إذا طلقت ثلاثاً؛ ثم تزوجت برجل آخر زواج رغبة، فدخل بها وعاش معها ما كتب الله له أن يعيش؛ ثم طلقها أو مات عنها، ثم أراد الزوج الأول أن يتزوجها.
2 طلق زوجته مرة أو مرتين ثم انقضت عدتها، فبانت منه بينونة صغرى، ثم أراد أن يتزوجها بعقد ومهر جديد.
3 إذا طلق الرجل زوجته مرة أو مرتين فبانت بينونة صغرى بانقضاء عدتها؛ ثم تزوجها آخر فمات عنها أو طلقها؛ فأراد الزوج الأول أن يتزوجها ثانية بعقد ومهر جديدين.
أما الصورة الأولى: قال القرطبي في تفسيره (3/ 153): قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ.
الصورة الثانية: قال ابن قدامة في المغني: أَنْ يُطَلِّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَعُودَ إلَيْهِ بِرَجْعَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ جَدِيدٍ قَبْلَ زَوْجٍ ثَانٍ فَهَذِهِ تَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
الصورة الثالثة: قال ابن عبد البر في الإستذكار (6/ 200): اختلف السلف والخلف في هذه المسألة (على قولين) إلا أن الجمهور على ما ذهب إليه مالك في ذلك، وممن قال إنها تعود على ما بقي من طلاقها وأن الزوج لا يهدم إلا الثلاث التي له معنى في هدمها لتحل بذلك المطلقة التي بت طلاقها أو توفي عنها الناكح لها أو طلقها وأما ما دون الثلاث فلا مدخل للزوج الثاني في هدمه لأن ذلك لم يحظر رجوعها إلى الأول مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وبن أبي ليلى ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد
وهو قول الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن حصين وبه قال كبار التابعين أيضا عبيدة السلماني وسعيد بن المسيب والحسن البصري.
والرواية الثانية: عن أحمد أنها ترجع إِليه على طلاق ثلاث، وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن وطء الزوج الثاني مثبت للحل، فيثبت حلاً يتّسعُ لثلاث تطليقات؛ كما بعد الثلاث لأن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث، فأولى أن يهدم ما دونها. وذكرها أيضا ابن قدامة في المغني.
فائدة: قال ابن عبد البر في الإستذكار (6/ 200): وأما الرواية عن عمر فأصح شيء وأثبته من رواية مالك وغيره، قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه قال سمعت سعيد بن المسيب وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار كلهم يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها ثم ينكحها زوجها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها.
جاء في “السيل الجرَّار” (2/ 374): “قوله: ولا ينهدم الا ثلاثة. أقول: وجه تخصيص الانهدام بالثلاث لا بما دونها؛ أنها مورد النص فإِنَّ الله سبحانهقال: {فإِنْ طلَّقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره} (1) أي: فإِن طَلَّقَ مرةً ثانيةً مَنْ طلقها مرتين؛ فلا تحل له بعد هذا التثليث؛ حتى تنكح زوجاً غيره، فإِنْ نكحت زوجاً غيره حَلَّتْ له. والظاهر أنها تحل له حِلاً مُطلَقاً فيملك عليها من الطلاق ما يملكه لو نكحها ابتداءً.
وإذا عرفت أن التثليث هو مورد النص؛ فاعلم أنه لم يرد في شيء من الكتاب والسّنة ما يدل على أنها إِذا نكحت زوجاً غيره بعد طلقة أو تطليقتين أن الطلقة أو الطلقتين يكون لها حُكم الثلاث في الانهدام.
لكن ها هنا قياس قويٌّ هو القياس الذي يسمُّونه قياس الأولى وتارة يسمونه فحوى الخطابفإِنه يدل على أن انهدام ما دون الثلاث مأخوذ من الآية بطريق الأولى، ويعضد هذا أن الاحتساب بما وقع من طلاق الزوج عليها بعد أن نكحت زوجاً غيره؛ خلاف ما يوجبه الحل المفهوم من قوله: {فلا تحل له} فإن ظاهره أنها تحل له الحلّ الذي يكون للزوج على زوجته لو تزوجها ابتداءً”.اه
واستدلوا بأن الزوج الثاني مثبت للحل، فيثبت حلاً يتسع لثلاث تطليقات، كما بعد الثلاث، لأن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث، فأولى أن يهدم ما دونها.
وللموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله رد على هذا الاستدلال من وجهين:
أحدهما: منع كونه مثبتا للحل أصلاً، وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية للتحريم، بدليل قوله تعالى ((فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)) وحتى للغاية، وإنما سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الذي قصد الحلِّية محللا تجوزاً، بدليل أنه لعنه، ومن أثبت حلاًلا يستحق لعنا!
والثاني: أن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم، وهي المطلقة ثلاثاً وها هنا هي حلال له، فلا يثبت فيها حل، وقولهم: إنه يهدم الطلاق، قلنا بل هو غاية لتحريمه، وما دون الثلاث لا تحريم فيها، فلا يكون غاية له. ذكره المغني (الشاملة)،فالذي أميل اليه عدم الهدم، والله أعلم.
قلت سيف: كلام ابن قدامة 10/ 533 في المغني ط. دار عالم الكتب.