169 جامع الأجوبة الفقهية ص 204
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
باب المسح على الخفين
مسألة 3: إذا انتهت مدة المسح، فهل تنتقض الطهارة، وكذا لو خلع خفيه قبل انتهاء المدة؟
من انتهت مدة مسحه للخف وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، فما حكم وضؤءه؟
كذلك إذا كان قد مسح على خفيه ونزعهما قبل انتهاء المدة، فماذا يترتب على هذا النزع بالنسبة لحكم وضؤءه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
– الأول: أنه يكفيه غسل رجليه، وهذا القول قال به عطاء وعلقمة والأسود، وحكي عن النخعي، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور والمزني ورواية عن أحمد، والراجح في مذهب الشافعية.
– الثاني: تبطل طهارته وعليه أن يستأنف الوضوء، وهو المشهور في مذهب الحنابلة، والقول القديم في مذهب الشافعية. وبه قال مكحول والنخعي والزهري وابن أبي ليلى والأوزاعي والحسن ابن صالح وإسحاق.
– الثالث: لا شيء عليه، بل طهارته باقية صحيحة، مالم يحدث، وهذا القول حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره، وقال النووي: وهو المختار الأقوى، ورجحه ابن حزم، وابن تيمية، الشيخ ابن عثيمين.
– الرابع: إن غسل قدميه مباشرة، كفاه، وإن أخر حتى طال الفصل، استأنف الوضوء، وهذا لأنهم يشترطون الموالاة، وهو مذهب المالكية وقال به الليث. وقد مر معنا في المسألة رقم (167) أن الإمام مالك لا يرى التوقيت أصلاً وقوله هذا فيما إذا نزع الخف وليس لانتهاء مدة المسح.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 12)، المبسوط (1/ 102،103)، الإنصاف (1/ 190)، المغني (1/ 177)، المجموع (1/ 553)، روضة الطالبين (1/ 132)، المحلى (1/ 321)، الاختيارات (ص: 15)، التاج والإكليل (1/ 467)، حاشية الدسوقي (1/ 145). وبحوث وفتاوى في المسح على الخفين (ص: 13) لابن عثيمين.
– وقد استدل من قال بالاكتفاء بغسل القدمين دون إعادة الوضوء بالمعقول.
قال السرخسي في المبسوط (1/ 103): إذا انقضى مدة مسحه، ولم يحدث، فعليه نزع خفيه، وغسل القدمين؛ لأن الاستتار كان مانعا في المدة، فإذا انقضى سرى ذلك الحدث إلى القدمين، فعليه غسلهما، وليس عليه إعادة الوضوء، كما لو كانت السراية بخلع الخفين ” اهـ.
– ودليل من قال بوجوب استئناف الوضوء.
قالوا: إن المسح أقيم مقام الغسل في المدة، فإذا انقضت المدة بطلت الطهارة في الممسوح، وإذا بطلت الطهارة في الممسوح، بطلت في سائر الأعضاء؛ لأن الحدث لا يتبعض.
– وأما أصحاب القول الثالث الذين قالوا: أنه لا تبطل طهارته وليس عليه شيء، استدلوا بعدة أدله منها:
الأول:
عن أبي ظبيان، قال: رأيت عليا بال قائما، ثم توضأ، ومسح على نعليه، ثم أقام المؤذن، فخلعهما. زاد البيهقي: ثم تقدم، فأم الناس.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 201) وابن أبي شيبة (1/ 189) والبيهقي (1/ 288) من طريق الأعمش عن أبي ظبيان به. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (1/ 189) من طريق عبد العزيز بن رفيع عن أبي ظبيان به.
قال الألباني في تحقيق المسح على الجوربين (47) سنده صحيح. أهـ.
قالوا: هذا فيمن خلع خفه لا تنتقض طهارته، فكذلك إذا خلع الخف لانتهاء مدة المسح، ولا فرق.
قلت سيف بن دورة: أثر علي بن أبي طالب وجهه العلماء بأن المسح على النعل بمعنى الرش يعني غسلها وهي في النعال.
وسيأتي تفصيل ذلك في مسألة المسح على النعلين
الدليل الثاني:
قالوا: أحاديث التوقيت للمقيم والمسافر تضمنت ابتداء وانتهاء مدة المسح، لا الطهارة، فهي تنهى أن يمسح أحدنا أكثر من يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، فمن قال: بأنها تدل على انتهاء مدة الطهارة، فقد قال في الحديث ما ليس فيه.
الدليل الثالث: اصطحاب الأصل وذلك من وجهين:
الوجه الأول: وهو أن هذا الرجل قد تطهر بمقتضى الكتاب والسنة، فلا تنقض طهارته إلا بدليل من كتاب أو سنة، أو إجماع، ولا دليل هنا.
الوجه الثاني: أن الطهارة لا ينقضها إلا حدث، وهذا قد صحت طهارته، ولم يحدث، فهو طاهر، وانتهاء مدة المسح ليس حدثا حتى يحكم ببطلان طهارته، والأصل بقاء الطهارة.
– قال ابن رجب في قواعده (ص: 314) في القاعدة الثالثة والأربعين بعد المائة: “ومنها إذا مسح على الخف، ثم خلعه، فإنه يجزئه غسل قدميه على إحدى الروايتين، ولو فاتت الموالاة؛ لأن المسح كمل الوضوء وأتمه، وقام مقام غسل الرجلين إلى حين الخلع، فإذا وجد الخلع وتعقبه غسل القدمين، فالوضوء كالمتواصل، وعلى هذا لو وجد ما يكفي لغسل بعض أعضاء الحدث الأصغر، فاستعمله فيها، ثم تيمم للباقي، ثم وجد الماء بعد فوات الموالاة لم يلزمه إلا غسل باقي الأعضاء، وهو ظاهر ما ذكره الشيخ مجد الدين في شرح الهداية، لكنه بناه على سقوط الموالاة بالعذر” اهـ.
– جاء في المدونة (1/ 144): ” وقال مالك في الرجل يتوضأ، ويمسح على خفيه، ثم يمكث إلى نصف النهار، ثم ينزع خفيه، قال: إن غسل رجليه مكانه حين ينزع خفيه أجزأ، وإن أخر غسل رجليه، ولم يغسلهما حين ينزع الخفين أعاد الوضوء كله “اهـ.
– قال ابن تيمية كما في الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية (ص: 26): ” ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ” اهـ.
– جاء في مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 16) رقم 54 قال: قلت لأحمد: إذا مسح على خفيه ثم نزعهما؟ قال: يعيد الوضوء، ثم قال: الذي يغسل قدميه بأي شيء يحتج، أليس حين مسح على خفيه قد طهرتا رجلاه، فحين نزعهما نقض طهور رجليه، ولم ينقض غير ذلك، إن كان نقض بعض طهوره، فقد نقض كله، وإلا لم ينقض شيئا “. انتهى
– وقال النووي في المجموع (1/ 557): ” في مذهبنا قولان: أصحهما يكفيه غسل القدمين “.
– وقال في التاج والإكليل (1/ 467): ” المسح جائز من غير توقيت لمدة من الزمان، لا يقطعه إلا الخلع، أو حدوث ما يوجب الغسل “.
– قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 265):
“والنبي صلى الله عليه وسلم وقت مدة المسح، ليعرف بذلك انتهاء مدة المسح، لا انتهاء الطهارة. فالصحيح أنه إذا تمت المدة، والإنسان على طهارة، فلا تبطل، لأنها ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي، فلا ينتقض إلا بدليل شرعي آخر، ولا دليل على ذلك في هذه المسألة، والأصل بقاء الطهارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى … وعلى هذا؛ فالراجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا تنتقض الطهارة بانتهاء المدة، لعدم الدليل”. انتهى
والله أعلم.