169 و 170 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
169 – الْعَاشِرُ: عن ابن عباس، رضيَ اللَّه عنهما، قَالَ: قَامَ فينَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَوْعِظَةٍ فقال: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ محشورونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى حُفَاةَ عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَانَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَلا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبراهيم صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَلا وإِنَّهُ سَيُجَاء بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمال فأَقُولُ: يارَبِّ أَصْحَابِي، فيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قولِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:117، 118] فَيُقَالُ لِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مرْتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِمْ مُنذُ فارَقْتَهُمْ” متفقٌ عليه.
“غُرْلاً”أَيْ: غَيْرَ مَخْتُونِينَ.
قوله (قَامَ فينَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَوْعِظَةٍ) في رواية البخاري يخطب بدل بموعظة، فيه من السنة أن يتخول العالم أصحابه بالموعظة وفيه من السنة القيام عند إلقاء الموعظة ليراه الناس وليكون أبلغ في إيصال الصوت.
(إنكم محشورون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً) قال ابن عثيمين:” محشورون: يعنى مجمعون في صعيد واحد ليس فيه جبال، وليس فيه أودية، ولا بناء، ولا أشجار، يسمعهم الداعي، ويَنْفُذهم البصر، يعني لو دعاهم داع لأسمعهم جميعاً؛ لأنه ليس هناك ما يحول بينهم وبين إسماعهم وينفذهم البصر أي يدركهم جميعاً. (شرح رياض الصالحين)
كما قال تعالى ((لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة)
(حفاة عراة غرلاً) وفي رواية: (بهماً).قال ابن عثيمين:” حفاة: ليس عليهم نعال، ولا خفاف، ولا يقوون به أرجلَهم، عراة: ليس عليهم كسوة، بادية أبشارهم، غرلاً: يعني غير مختونين. والختان هو: قطع الجلدة التي تكون على الحشفة، وتقطع من أجل تمام الطهارة. بهماً: قال العلماء بهماً: أي ليس معهم مال، فيكون الإنسان مجرداً من كل شيء (شرح رياض الصالحين)
ذكر ابن حجر أنه جاء في الحديث أن الميت يُبعث في ثيابه التي يموت فيها رواه داود وابن حبان وحديث آخر في الصحيحة إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يُبعثون في أكفانهم، وحديث الباب قال عراة، … قال البعث غير الحشر، فهم يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عراة (انظر فتح الباري)}
) قال الأتيوبي بعدما ما نقل الأقول:” عندي الأولى في الجمع قول من قال: إنهم يخرجون من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عراة، ثم يكون إبراهيم -عليه السلام- أول من يكسى، ثم يكسون بعد ذلك، وهذا أقرب في الجمع بين هذه الأخبار، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث إشارة إلى الختان، في قوله: (غرلاً) فالأغرل هو الذي بقيت عليه جلدة الحشفة؛ أي لم يختن. والختان اختلف العلماء في وجوبه، …. ثم ذكر الأقوال إلى أن قال، ” منهم من توسط بين القولين فقال: الختان واجب في حق الذكور، وسنة في حق النساء، وهذا القول أوسط الأقوال وأعدلها، فإنه واجب في حق الرجال، لأن الرجل إذا بقيت هذه الجلدة فوق حشفته، فإنها ستكون مجمعاً للبول، فيكون في ذلك تلويث للرجل، وربما يحدث إثر هذا التهابات فيما بين الجلدة والحشفة، ويتضرر الإنسان” (شرح الرياض)
قوله (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ محشورونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى حُفَاةَ عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَانَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)
قال ابن عثيمين:” حدث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الحديث، فقالت عائشة رضى الله عنها: واسوءتاه. الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) الأمر عظيم، ما ينظر أحد لأحد (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ) (عبس: 34 – 37).
حتى الرسل ـ عليه الصلاة والسلام ـ عند عبور الصراط فدعاؤهم: اللهم سلم، اللهم سلم، لا يدري أحد أينجو أم لا. الأمر عظيم. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) (شرح الرياض)
قوله (وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبراهيم صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم)
قال ابن حجر:” ويقال إن الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عريانا، وقيل: لأنه أول من لبس السراويل. ولا يلزم من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن المفضول قد يمتاز بشيء يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة. ويمكن أن يقال لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على القول بأن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه. … . وقد ثبت لإبراهيم عليه السلام أوليات أخرى كثيرة: منها أول من ضاف الضيف، وقص الشارب واختتن ورأى الشيب وغير ذلك، وقد أتيت على ذلك بأدلة في كتابي ” إقامة الدلائل على معرفة الأوائل) (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” لا يقال: لماذا كان أول من يكسى، لأن الفضائل لا يسأل عنها، كما قال الله تعالى: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: من الآية21)، لا يسأل عنها؛ لأن الإنسان قد يصل فيها إلى نتيجة وقد لا يصل، فكما أن الله تعالى ـ فضل بني أدم بعضهم على بعض في الرزق، وفي كمال الأخلاق والآداب، وكذلك فضل بعضهم على بعض في العلم، وكذلك في البدن والفكر وغير ذلك، فالله ـ تعالى ـيؤتي فضله من يشاء.” (شرح الرياض)
قال أيضا:” وفي هذا الحديث دليل على أن الناس يكسون بعد أن يخرجون حفاة عراة غرلاً. ولكن بأي طريق يكسون؟ الله أعلم بذلك، ليس هناك خياطون، ولا هناك ثياب تفصل ولا شيء، فالله أعلم بكيفية ذلك … ” (شرح الرياض)
ثم قال (أَلا وإِنَّهُ سَيُجَاء بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمال فأَقُولُ: يارَبِّ أَصْحَابِي، فيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) وهذا الشاهد من هذا الباب
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاري: “إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى”
قال ابن حجر:” قال الفربري: ذكر عن أبي عبد الله البخاري، عن قبيصة، قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر -رضي الله عنه-، فقاتلهم أبو بكر؛ يعني: حتى قتلوا، وماتوا على الكفر. . وقال الخطابي رحمه الله-: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: “أصيحابي” بالتصغير على قلة عددهم، قال النووي: قيل: هم المنافقون، والمرتدون، فيجوز أن يحشرواب الغرة والتحجيل؛ لكونهم من جملة الأمة، فيناديهم من أجل السيما التي عليهم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك؛ أي: لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه. قال عياض وغيره: وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل، ويطفأ نورهم. وقيل: لا يلزم أن تكون عليهم السيما، بل يناديهم؛ لما كان يعرف من إسلامهم” (انظر فتح الباري)
فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.
قوله: (أَقُول كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قولِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}) قال ابن عثيمين:” فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما قال العبد الصالح؛ يعني به عيسى بن مريم؛ حين يقول يوم القيامة إذا قال الله تعالى له: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) كما يزعم النصارى الذين يقولون: أنهم متبعون له: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) (المائدة: 116) لأن الألوهية ليست حقاً لأحد إلا الله رب العالمين.
ثم يقول: (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة: 116 – 117).
فإذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، قال كما قال عيسى بن مريم: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).” (شرح رياض الصالحين)
قوله (إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مرْتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِمْ مُنذُ فارَقْتَهُمْ) قال ابن باز:” هذا يدل على أن من ضيع سنته وحاد عن الطريق يؤخذ به ذات الشمال يوم القيامة إلى النار” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” معلوم أن الخلفاء الراشدين، عامة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، لم يرتدوا بالإجماع، ولو قدر أنهم ارتدوا لم يبق لنا ثقة بالشريعة. ولهذا كان الطعن في الصحابة يتضمن الطعن في شريعة الله، وستضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتضمن الطعن بالله رب العالمين.
الذين يطعنون في الصحابة تضمن طعنهم أربعة محاذير ومنكرات عظيمة والعياذ بالله: الطعن في الصحابة، والطعن في الشريعة، والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن في رب العالمين تبارك وتعالى، لكنهم قوم لا يفقهون (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون) (البقرة: من الآية171).ثم فصل ابن عثيمين راجع (شرح رياض الصالحين)
من فوائد الحديث: إثبات الحشر في القيامة.
بيان شدة الأمر في ذلك اليوم، حيث إن الخلائق يحشرون عراة، حفاة، غرلا.
بيان عظمة قدرة الله تعالى، حيث إنه يعيد الخلق كما بدأه على الصفة التي بدأهم عليها في الدنيا.
فيه إثبات معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- حيث إنه أعلمه الله تعالى بما سيقع من بعض أصحابه، من الإدبار على أعقابهم،
أنه لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في الابتداع في الدين، وإن كان شيئا يسيرا، لأنه يضر بدينه؛ لأن الدين قد أكمله الله تعالى، فجميع أنواع المحدثات تنافيه، فالإحداث في الدين مهما كان نوعه من أخطر مهالك الإنسان، فيجب الحذر منه.
أن الذي ينفع الإنسان هو لزوم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهديه، فمن لم يتبعه -صلى الله عليه وسلم- لا تنفعه صحبته، ولا معرفته، بل إذا عرف انحرافه عن سنته تبرأ منه، وقال له: “سحقا سحقا”، ولا يرد حوضه، بل يذاد عنه، ويطرد، {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (البحر المحيط الثجاج)
170 – الْحَادِي عَشَرَ: عَنْ أَبِي سعيدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: نَهَى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، عَن الخَذْفِ وقالَ: “إِنَّهُ لاَ يقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلاَ يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، ويَكْسِرُ السِّنَّ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: أَنَّ قَريباً لابْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، فَنَهَاهُ وَقالَ: إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عَن الخَذْفِ وقَالَ: “إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً”ثُمَّ عادَ فقالَ: أُحَدِّثُكَ أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ،؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبداً.
قوله (الخذف):قال ابن جحر:” خاء معجمة وآخره فاء أي يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام، وقال ابن فارس: خذفت الحصاة رميتها بين أصبعيك، وقيل في حصى الخذف: أن يجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم يقذفها بالسبابة من اليمين، وقال ابن سيده: خذف بالشيء يخذف فارسي وخص بعضهم به الحصى، قال: والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير ويطلق على المقلاع أيضا قاله في الصحاح” (فتح الباري)
قال ابن باز:” الخذف الرمي بأطراف الأصابع بالحجارة الصغيرة، نهى عنها عليه الصلاة والسلام. (شرح رياض الصالحين)
قوله (إنه لا يصاد به صيد) قال ابن حجر:” قال المهلب: أباح الله الصيد على صفة فقال: {تناله أيديكم ورماحكم} وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك وإنما هو وقيذ، وأطلق الشارع أن الخذف لا يصاد به لأنه ليس من المجهزات، وقد اتفق العلماء – إلا من شذ منهم – على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر انتهى. وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده.” (فتح الباري)
قوله: (ولا ينكأ به عدو) قال النووي:” فتح الياء وبالهمز في آخره، هكذا هو في الروايات المشهورة، قال القاضي: كذا رويناه، قال: وفي بعض الروايات: (ينكي) بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز، قال القاضي: وهو أوجه؛ لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة، وليس هذا موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية، يقال: نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمز لغة فيه” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” لكن قال في ” العين ” نكأت لغة في نكيت، فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال: ومعناه المبالغة في الأذى (فتح الباري)
قوله (ويَكْسِرُ السِّنَّ) قال ابن حجر:” وأطلق السن فيشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره.” (فتح الباري)
قوله ” لا أكلمك أبدا ” قال النووي:” فيه: هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم. وأنه يجوز هجرانه دائما، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه، (فتح الباري)
قال ابن باز:” هجره على هذه المعصية القليلة فكيف بمن يأتي معاصي أكبر من ذلك من الزنى والفواحش والعقوق وإضاعة الصلوات وركوب المحارم الأخرى من خمر وغيره، كيف تكون حاله؟ لا حول ولا قوة إلا بالله” (شرح الرياض)
قال ابن عثيمين:” هذا كما فعل عبدالله بن عمر في أحد أبنائه، حين حدث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). فقال أحد أبنائه وهو بلال بن عبد الله بن عمر: (والله لنمنعهن)؛ لأن النساء تغيرت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والناس تغيروا، فقال بلال: (والله لنمنعهن). فأقبل عليه أبوه عبد الله ابن عمر، وجعل يسبه سباً عظيماً، ما سبه مثله قط، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن. ثم هجره حتى مات، لم يكلمه، فدل هذا على عظم تعظيم السلف الصالح لأتباع السنة.” (شرح رياض الصالحين)
عن أبي قتادة حَدَّثَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ، يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ: أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ – أَوِ الْحِكْمَةِ – أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ، قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا أَرَى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُعَارِضُ فِيهِ، قَالَ: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَعَادَ بُشَيْرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ، قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّهُ لَا بَاسَ بِهِ. (صحيح مسلم)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (مسند أحمد قال محققو المسند إسناده ضعيف)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ” يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ! أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ ” انتهى (مجموع الفتاوى)
قال ابن باز” فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة، فكيف بحال من خالفها لقول من دونهما أو لمجرد رأيه واجتهاده.” (موقع ابن باز)
قال معاذ بن جبل ” إن التكذيب بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق” (سنن ابن ماجه حسنه الألباني في المشكاة 355)
عن الفضل بن زياد، قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: من رد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شفا هلكة. (سير أعلام النبلاء)
قال الصابوني:” ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق. وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق” (عقيدة السلف أصحاب الحديث)
من فوائد حديث الباب:
قال النووي:” في هذا الحديث النهي عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا و فيه أن ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتال العدو وتحصيل الصيد فهو جائز، ومن ذلك رمي الطيور الكبار بالبندق إذا كان لا يقتلها غالبا، بل تدرك حية وتذكى فهو جائز” (شرح النووي)
قال ابن حجر:” وفيه تغيير المنكر ومنع الرمي بالبندقة لأنه إذا نفى الشارع أنه لا يصيد فلا معنى للرمي به بل فيه تعريض للحيوان بالتلف لغير مالكه وقد ورد النهي عن ذلك، نعم قد يدرك ذكاة ما رمي بالبندقة فيحل أكله، ومن ثم اختلف في جوازه … فإن كان الأغلب من حال الرمي ما ذكر في الحديث امتنع، وإن كان عكسه جاز ولا سيما إن كان المرمى مما لا يصل إليه الرمي إلا بذلك ثم لا يقتله غالبا،” (فتح الباري)
قال ابن باز:” المقصود والواجب المحافظة على ما أمر به صلى الله عليه وسلم قليلا و كثيرا والبعد عما نهى عنه عليه الصلاة والسلام … وهذا يدل على عظم شأن الصحابة وأنهم رضي الله عنهم يحافظون على أوامره صلى الله عليه وسلم وينتهون عن نواهيه ويتواصون بذلك. (شرح الرياض)