168 جامع الأجوبة الفقهية ص 203
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
2 مسألة : متى يبدأ التوقيت؟
♢- جواب ناصر الريسي:
بعد أن ناقشنا في المسألة السابقة مسألة التوقيت للمسح على الخفين، الأمر الذي يدل على ان للمسح مدة معينة، وهذه المدة حتى تحسب لا بد لها من بداية ونهاية، فالعلماء الذين قالوا بأن للمسح مدة وهو الراجح اختلفوا في وقت ابتدأ هذه المدة، أي متى يبدأ احتساب التوقيت للمسح؟ وهذا الخلاف على أربعة أقوال:
♢- الأول: من أول حدث بعد لبس الخف، هو مذهب الحنفية ، والشافعية ، والمشهور من مذهب الحنابلة.
قال في الإنصاف (1/ 177): ” هذا المذهب بلا ريب، والمشهور من الروايتين، وعليه الأصحاب “.
♢- الثاني: من أول مسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد ، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور، واختاره ابن المنذر، ورجحه النووي.
جاء في مسائل أبي داود (ص: 17): ” وسمعت أحمد سئل عن المسح على الخف؟ فقال: يمسح من الوقت الذي مسح إلى مثلها من الغد. قلت: إنه يدخل فيه ست صلوات؟ قال: لا بأس به يمسح من الغد إلى الساعة التي مسح عليها ” اهـ. وقال في الإنصاف (1/ 177): ” وهي من المفردات “.
♢- الثالث: ابتداء المدة من اللبس، وهو محكي عن الحسن البصري.
♢- الرابع: يمسح خمس صلوات في اليوم والليلة، وعليه تبتدئ مدة المسح من أول صلاة صلاها، وهو قول الشعبي وأبي ثور وإسحاق.
انظر: المبسوط (1/99)، تبيين الحقائق (1/48)، المبدع (1/142)، الإنصاف (1/177)، الأم (1/35)، المجموع (1/512)، الأوسط (1/443).
♢- أدلة القول الأول أن التوقيت يبدأ من أول حدث بعد لبس الخف:
الدليل الأول:
عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان، فقال: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب، قلت: حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرأ من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأتيتك أسألك عن ذلك، هل سمعت منه في ذلك شيئاً، قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً، أو كنا مسافرين لا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم … . الحديث. رواه عبد الرزاق في المصنف (795).
وجه الاستدلال:
قال ابن مفلح الصغير المبدع (1/ 142): ” يدل بمفهومه أنه تنزع لثلاث يمضين من الغائط “.
واجيب:
بأن الحديث يدل على التفريق بين الحدث الأصغر والأكبر، فلا تنزع في الحدث الأصغر، بل يمسح عليهما، ولم يتعرض لابتداء مدة المسح.
الدليل الثاني:
القياس، قالوا: إن المسح على الخفين عبادة مؤقتة، فكان ابتداء وقتها من حين جواز فعلها، كالصلاة فإن أخر المسح بعد الحدث، فقد ترك ما أبيح له، وفوت على نفسه جزءاً من الوقت، فإن ترك ما أبيح له إلى أن جاء الوقت الذي أحدث فيه فقد تم الوقت الذي أبيح له فيه المسح، ووجب خلع الخف.
الدليل الثالث:
قالوا: إن الحدث سبب للمسح على الخفين، فعلق الحكم به، ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح، ولم يصل أياماً لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك، فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث.
♢- أدلة القول الثاني أن التوقيت يبدأ من أول مسح بعد الحدث:
الدليل الأول:
عن شريح بن هانئ، قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن المسح، فقالت: ائت علياً رضي الله تعالى عنه، فهو أعلم بذلك مني، قال: فأتيت علياً رضي الله تعالى عنه، فسألته عن المسح على الخفين، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمرنا أن نمسح على الخفين يوماً وليلةً، وللمسافر ثلاثاً. رواه أحمد في المسند (1/ 113)
الدليل الثاني:
عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يوماً وليلةً. رواه أحمد في المسند (5/ 213)
وجه الدلالة في الحديثين:
فقوله في الحديث ” نمسح يوماً وليلة ” كما في حديث علي، وقوله: ” يمسح المسافر ثلاث ليال ” كما في حديث خزيمة ظاهرهما يدل على أن الوقت في ذلك وقت المسح، لا وقت الحدث.
الدليل الثالث:
قولكم: إن ابتداء المدة من الحدث ليس عليه دليل، فجميع أحاديث المسح على الخفين ليس للحدث ذكر في شيء منها، فلا يجوز أن يعدل عن ظاهر قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى قول غيره إلا بخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إجماع.
الدليل الرابع:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – رخص للمقيم أن يمسح يوماً وليلة، فلو قلنا: إن ابتداء المدة من الحدث، لكان المسح أقل من يوم وليلة، فيكون خلاف الحديث، فلو أنه توضأ لصلاة العشاء، ثم مسح لصلاة الفجر، فإن هذا مدة مسحه يوماً وبعض ليلة، فلم يصدق عليه أنه مسح يوماً وليلة، ولا يمكن أن تكون مدة مسحه يوماً وليلة إلا إذا اعتبرنا المدة من المسح.
وقولكم: إنه هو الذي فوت على نفسه المسح، فالجواب حتى لو مسح بعد حدثه لا يمكن أن تكون المدة أربعاً وعشرين ساعة؛ لأنه معلوم أن الحدث لا بد أن يسبق المسح، ولو بفترة وجيزة، فلا يتصور أن يمسح يوماً وليلة تامين إلا إذا اعتبرنا المدة من المسح.
الدليل الخامس:
عن أبي عثمان النهدي، قال: حضرت سعداً وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته. رواه عبد الرزاق في المصنف (1/ 209) رقم (808)، وأخرجه البيهقي في السنن (1/ 276) من طريق سفيان، عن عاصم به. وأخرجه الطحاوي (1/ 84) من طريق حفص بن غياث، عن عاصم به.
قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 443) تعليقاً على هذا الأثر: ولا شك أن عمر بن الخطاب أعلم بمعنى قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ممن بعده، وهو أحد من روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – المسح على الخفين، وموضعه من الدين موضعه، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:”عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي “، وروي عنه أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر “. انتهى
الدليل السادس:
قالوا: إن القائلين بأن المدة تبتدئ من الحدث، قالوا: إذا أحدث قبل سفره، ثم سافر، فمسح في سفره، أتم مسح مسافر، ولو أحدث قبل سفره، ومسح، ثم سافر فمسح مقيم، فقد عُلِق الحكم بالمسح، ولم يعلقه بالحدث، وهذا دليل على أن المعتبر هو المسح، وليس الحدث.
واجيب:
قال في الحاوي (1/357): ” كل عبادة اعتبر فيها الوقت، فإن ابتداء وقتها محسوب من الوقت الذي يمكن فيها فعلها، وصفتها معتبرة بوقت أدائها كالصلاة إن كانت ظهراً فأول وقتها زوال الشمس، وصفتها في القصر والإتمام بوقت الأداء والفعل، فإن كان وقت فعلها وأدائها مسافراً قصر، وإن كان مقيماً أتم، كذلك المسح أول زمانه من وقت الحدث، لأن أول وقت الفعل وصفته في مسح المقيم والمسافر معتبر بوقت المسح.
ورد عليهم: بأنه إن كان الحكم معلقاً بالحدث أنيط الحكم به من حين الحدث، سواء سافر قبل المسح أو بعده، وإن كان الحكم معلقاً بالمسح أنيط الحكم به، فمذهبكم أن الحاضر إذا لزمه مسح الحضر كما لو مسح في الحضر، ثم سافر لم يمسح أكثر من يوم وليلة، ثم يخلع، وهذا قد لزمه حكم مسح الحضر بوقت الحدث قبل أن يسافر، فحين علقتم الحكم بالمسح تركتم أصلكم الذي أصلتموه في هذه المسألة، وهذا دليل على ضعف قول من قال: إن ابتداء المدة من الحدث.
♢- أدلة القول الثالث القائل بأن ابتداء المدة من اللبس:
استدلوا بحديث صفوان بن عسال، وفيه: ” كان رسولنا يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم “. رواه عبد الرزاق في المصنف (795).
وجه الاستدلال:
قوله: ” لا ننزع ثلاثة أيام ” جعل الثلاثة مدة للبس الخف لا مدة للمسح، ولا مدة للحدث.
واجيب:
بأن يحمل حديث صفوان على حديث غيره كحديث علي وخزيمة وغيرهما المصرحة بأن المسح ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، وكلام الرسول – صلى الله عليه وسلم – يفسر بعضه بعضاً، ولا يضرب بعضه ببعض.
♢- دليل من قال تبتدئ مدة المسح من أول صلاة صلاها إلى خمس صلوات:
هذا القول حمل حديث يمسح المقيم يوماً وليلة حملوه على خمس صلوات مفروضة، وحجتهم كما ذكر ابن المنذر: ” لما اختلف أهل العلم في هذا الباب نظرنا إلى أقل ما قيل، وهو أن يصلي بالمسح خمس صلوات، فقلنا به، وتركنا ما زاد على ذلك لما اختلفوا؛ لأن الرخص لا يستعمل فيها إلا أقل ما قيل، وإذا اختلفوا في أكثر من ذلك وجب الرجوع إلى الأصل، وهو غسل الرجلين.
وأجيب:
قالوا لو عللنا بالخلاف لتركنا المسح على الخفين؛ لأن بعض الصحابة والسلف أنكر المسح على الخفين، أو قال بأنه منسوخ بآية المائدة، فلماذا لم تقولوا بأنهم لما اختلفوا في جواز المسح على الخفين رجعنا إلى الأصل المتيقن، وهو غسل الرجلين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/ 228): “وأما قول العامة: إن المدة خمس صلوات فهذا غير صحيح؛ لأن الإنسان قد يصلي أكثر من ذلك ومدة المسح باقية وهو مقيم، كما لو لبس الخفين لصلاة الفجر، وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء، فهذا يوم كامل لا يحسب عليه؛ لأن المدة قبل المسح أول مرة لا تحسب، فإذا مسح من الغد لصلاة الفجر، فإذا بقي على طهارته إلى صلاة العشاء من اليوم الثالث، فيكون قد صلى خمس عشرة صلاة وهو مقيم”. انتهى
♢- وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن المدة تبدأ من المسح فقال كما في الشرح الممتع (1/ 226):
“أما حال اللبس، فلا تبتدئ المدة من اللبس قولا واحدا في المذهب، وأما حال الحدث فالمذهب: أن المدة تبتدئ منه. والقول الثاني: تبتدئ من المسح ؛ لأن الأحاديث: «يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يوما وليلة»… إلخ، ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وهذا هو الصحيح”. انتهى
والله أعلم…
وفي فتاوى اللجنة الدائمة قالوا : مدة المسح يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر . وتبدأ مدة المسح من المسح بعد الحدث والأصل في ذلك ما رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا حديث الباب