1650 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله . ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا )
——–‘——–‘——-‘
——–‘——–‘——-‘
——–‘——–‘——-‘
الصحيح المسند 1650
عن أم سلمة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة ، فلما كبر وضعف أوتر بسبع .
——-‘——-‘——
*في صحيح مسلم – باب جامع صلاة الليل ، ومن نام عنه أو مرض:*
عن زرارة ، أن سعد بن هشام بن عامر ، أراد أن يغزو في سبيل الله ، فقدم المدينة ، فأراد أن يبيع عقارا له بها فيجعله في السلاح والكراع ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلما قدم المدينة لقي أناسا من أهل المدينة ، فنهوه عن ذلك ، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : أليس لكم في أسوة ؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته ، وقد كان طلقها وأشهد على رجعتها
1282 فأتى ابن عباس ، فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من ؟ قال : عائشة ، فأتها ، فاسألها ، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك ، فانطلقت إليها ، فأتيت على حكيم بن أفلح ، فاستلحقته إليها ، فقال : ما أنا بقاربها ، لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا ، فأبت فيهما إلا مضيا ، قال : فأقسمت عليه ، فجاء فانطلقنا إلى عائشة ، فاستأذنا عليها ، فأذنت لنا ، فدخلنا عليها ، فقالت : أحكيم ؟ فعرفته ، فقال : نعم ، فقالت : من معك ؟ قال : سعد بن هشام ، قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر ، فترحمت عليه ، وقالت خيرا – قال قتادة : وكان أصيب يوم أحد – فقلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن
1283 قال : فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ، ثم بدا لي ، فقلت : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألست تقرأ يا أيها المزمل ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام . تطوعا بعد فريضة
1284 قال : قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ، ويتوضأ ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصل التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، اللحم أوتر بسبع ، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول ، فتلك تسع يا بني ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها ، وكان إذا غلبه نوم ، أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان ، قال : فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها ، فقال : صدقت لو كنت أقربها ، أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به ، قال : قلت لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها .
وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، أنه طلق امرأته ، ثم انطلق إلى المدينة ليبيع عقاره ، فذكر نحوه . وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، أنه قال : انطلقت إلى عبد الله بن عباس ، فسألته عن الوتر وساق الحديث بقصته ، وقال فيه : قالت : من هشام ؟ قلت : ابن عامر ، قالت : نعم المرء كان عامر أصيب يوم أحد . وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، أن سعد بن هشام ، كان جارا له فأخبره أنه طلق امرأته ، واقتص الحديث بمعنى حديث سعيد ، وفيه قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر ، قالت : نعم المرء كان أصيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وفيه فقال حكيم بن أفلح : أما إني لو علمت أنك لا تدخل عليها ما أنبأتك بحديثها.
*وفي سنن النسائي:*
2 – باب قيام الليل
1601 – أخبرنا محمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سعيد, عن قتادة, عن زرارة, عن سعد بن هشام, أنه لقي ابن عباس, فسأله عن الوتر؟ , فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, قال: نعم, قال: عائشة, ائتها, فسلها, ثم ارجع إلي, فأخبرني بردها عليك, فأتيت على حكيم بن أفلح, فاستلحقته إليها, فقال: ما أنا بقاربها, إني نهيتها, أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا, فأبت فيها, إلا مضيًا, فأقسمت عليه, فجاء معي, فدخل عليها, فقالت لحكيم: من هذا معك؟ قلت: سعد بن هشام, قالت: من هشام؟ قلت: ابن عامر, فترحمت عليه, وقالت: نعم المرء, كان عامرًا, قال: يا أم المؤمنين, أنبئيني عن خلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, قالت: أليس تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله – صلى الله عليه وسلم – القرآن, فهممت أن أقوم, فبدا لي قيام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, فقال: يا أم المؤمنين, أنبئيني عن قيام نبي الله – صلى الله عليه وسلم -, قالت: أليس تقرأ هذه السورة, يا أيها المزمل, قلت: بلى, قالت: فإن الله -عز وجل- افترض قيام الليل, في أول هذه السورة, فقام نبي الله – صلى الله عليه وسلم -, وأصحابه, حولاً, حتى انتفخت أقدامهم, وأمسك الله -عز وجل- خاتمتها, اثني عشر شهرًا, ثم أنزل الله -عز وجل-, التخفيف في آخر هذه السورة, فصار قيام الليل تطوعًا, بعد أن كان فريضةً, فهممت أن أقوم, فبدا لي وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, فقلت: يا أم المؤمنين, أنبئيني عن وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, قالت: كنا نعد له سواكه, وطهوره, فيبعثه الله -عز وجل-, لما شاء أن يبعثه من الليل, فيتسوك, ويتوضأ, ويصلي ثماني ركعات, لا يجلس فيهن, إلا عند الثامنة, يجلس, فيذكر الله -عز وجل-, ويدعو, ثم يسلم تسليمًا, يسمعنا, ثم يصلي ركعتين, وهو جالس, بعد ما يسلم, ثم يصلي ركعةً, فتلك إحدى عشرة ركعةً, يا بني فلما أسن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, وأخذ اللحم, أوتر بسبع, وصلى ركعتين, وهو جالس, بعد ما سلم, فتلك تسع ركعات, يا بني, وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, إذا صلى صلاةً أحب أن يدوم عليها, وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم, أو مرض, أو وجع, صلى من النهار اثنتي عشرة ركعةً, ولا أعلم أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم -, قرأ القرآن كله في ليلة, ولا قام ليلةً كاملةً, حتى الصباح, ولا صام شهرًا كاملاً, غير رمضان, فأتيت ابن عباس, فحدثته بحديثها, فقال: صدقت, أما إني لو كنت أدخل عليها, لأتيتها حتى تشافهني مشافهةً.
قال أبو عبد الرحمن: كذا وقع في كتابي, ولا أدري ممن الخطأ, في موضع وتره عليه السلام).
*قال الأثيوبي -حفظه الله- في الذخيرة في 888شرح الحديث (النقل هنا فقط فيما يتعلق بالبحث):*
(فهممت أن أقوم، فبدا لي وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) أي ظهر لي السؤال عن وتره – صلى الله عليه وسلم – (فقلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) أي عن وقته، وكيفيته، وعدد ركعاته (قالت: كنا نعد) من الإعداد، أي نهيئ (له سواكه، وطهوره) بفتح الطاء، أي الماء الذي يتطهر به، وفيه استحباب إعداد ذلك، والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها، والاعتناء بها (فيبعثه الله -عز وجل-) أي يوقظه (لما شاء أن يبعثه) اللام للتوقيت، أي في الوقت الذي شاء أن يوقظه فيه، ويحتمل أن يكون بفتح اللام، وتشديد الميم، فتكون بمعنى “حين”، أي يوقظه حين شاء الله -عز وجل- (من الليل) أي في بعض ساعات الليل، وأوقاته، فـ”من” تبعيضية، وقيل: بيانية (فيتسوك) أي يستعمل السواك، وفيه استحباب السواك عند القيام من النوم (ويتوضأ، ويصلي ثماني) وفي نسخة “ثمان” (ركعات) هذا من الأخطاء في هذه الرواية، وسيأتي أن الصواب “تسع ركعات” (لا يجلس فيهن) أي في خلال تلك الركعات (إلا عند الثامنة) فيه الرد على الحنفية القائلين بوجوب الجلسة عند كل ركعتين، لأنه – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي ثمانيًا متصلا، بلا تخلل جلسات بينها على الشفعات.
وأجابوا بأن المراد بالجلسة المنفية الجلسة الخالية عن السلام، قالوا: فالوتر منها ثلاث ركعات، والست قبله من النفل. قال العيني: وهذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه، لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر، ولم يسأل عن غيره، فأجابته مبينة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضًا على الثالثة بسلام، وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها، وعن السلام فيها، كما أن السؤال لم يقع عنها، فجوابها قد طابق سؤال السائل انتهى .
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: هذا الذي قاله العيني مكابرة، وتحريف للنص الصريح -قاتل الله التعصب- كيف يقول: وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها الخ، وقد صرحت بقولها: لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فأين السكوت المزعوم، فتبصر بالإنصاف، ولا تتهور بتقليد ذوي الاعتساف.
والحاصل أنه – صلى الله عليه وسلم – أوتر بتسع ركعات، جلس في الثامنة بلا تسليم، وفي التاسعة بتسليم، ولم يجلس في غيرهما، وهذه إحدى أنواع إيتاره – صلى الله عليه وسلم -.
(يجلس، فيذكر الله -عز وجل-) أي يقرأ التشهد (ويدعو، ثم يسلم تسليمًا، يسمعنا) من الإسماع، أي يرفع صوته بالتسليم بحيث نسمعه، وهذا أيضًا من الأخطاء، فإن هذا التسليم بعد التاسعة، لا بعد الثامنة، كما يأتي (ثم يصلي ركعتين، وهو جالس، بعد ما يسلم) فيه مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم، وجعل الأمر في قوله: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا، مختصا بمن أوتر آخر الليل، وحمله النووي على أنه – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك لبيان جواز النفل بعد الوتر، وجواز التنفل جالسًا، يعني أن الأمر فيه أمر ندب، لا أمر إيجاب، فلا تعارض بينهما.
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: هذا الذي قاله النووي -رحمه الله تعالى- من وجه الجمع هو الصواب عندي، وأما ما جمع به الشوكاني -رحمه الله- من أنه لا يعارض فعله قوله، فالجواز مختص به، والأمر مختص بالأمة، فليس بصحيح، وقد تقدم الرد عليه غير مرة، فتنبه والله تعالى أعلم.
(ثم يصلي ركعةً) وهذا من الأخطاء أيضًا، فإن الصواب أن هذه الركعة قبل الركعتين اللتين يصليهما، وهو جالس، وهذا هو الخطأ الذي أشار إليه المصنف -رحمه الله تعالى- في آخر الحديث.
(فتلك إحدى عشرة ركعةً، يا بني، فلما أسن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) أي كبر سنه (وأخذ اللحم) وفي نسخة “وأخذه اللحم”. قيل: أي السمن، وقيل: معناه ضعف، وكان ذلك قبل موته بنحو سنة، على ما قيل.
وقال السندي -رحمه الله تعالى-: فيه أنه أخذ اللحم في آخر عمره – صلى الله عليه وسلم -، ولعل ذلك لفرحه بقدومه على الله بما جاءه من البشارات الأخروية – صلى الله عليه وسلم – انتهى. (أوتر بسبع، وصلى ركعتين، وهو جالس، بعد ما سلم) وفي نسخة “يسلم” (فتلك تسع ركعات، يا بني) فنقص ركعتين من التسع لأجل الضعف (وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، إذا صلى صلاة) أي من النوافل، وفي نسخة “إذا صلى الصلاة” بالتعريف (أحب أن يدوم عليها) وفي نسخة “أن يداوم”، أي لأن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها..
=====
قال ابن القيم : زاد المعاد – هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام الليل منذ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل.
هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام الليل قد اختلف السلفُ والخلف في أنه: هل كان فرضًا عليه أم لا؟ والطائفتان احتجوا بقوله تعالى: {وَمِنَ الْلَيْلِ فَتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإِسراء:79]
قالوا: فهذا صريح في عدم الوجوب،
قال الآخرون. أمره بالتهجد في هذه السورة، كما أمره في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا المزَّمِّلُ قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلًا} [المزمل:1] ولم يجيء ما ينسخُه عنه، وأما قولُه تعالى: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] فلو كان المرادُ به التطوعَ، لم يخصه بكونه نافلة له، وإنما المراد بالنافلة الزيادة، ومطلقُ الزيادة لا يدل على التطوع، قال تعالى: {وَوَهَبنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:72]، أى زيادة على الولد، وكذلك النافلة في تهجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيادة في درجاته، وفي أجره ولهذا خصه بها، فإن قيامَ الليل في حق غيره مباحٌ، ومكفِّر للسيئات، وأما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد غَفَرَ اللهُ له ما تقدم مِن ذنبه وما تأخر، فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب، وغيره يعمل في التكفير. قال مجاهد: إنما كان نافلةً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت طاعته نافلة، أي: وزيادة في الثواب، ولغيره كفارة لذنوبه، قال ابن المنذر في تفسيره: حدثنا يعلى بن أبي عبيد، حدثنا الحجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن، مجاهد قال: ما سوى المكتوبة، فهو نافلة مِن أجل أنه لا يعمل في كفارة الذنوب، وليست للناس نوافل، إنما هي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، والناس جميعًا يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها. حدثنا محمد بنُ نصر، حدثنا عبد الله، حدثنا عمرو، عن سعيد وقبيصة، عن سفيان، عن أبي عثمان، عن الحسن في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَكَ} [الإسراء:79]، قال: لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذكر عن الضحاك، قال: نافلة للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة. وذكر سُليم بن حيان، حدثنا أبو غالب، حدثنا أبو أمامة، قال: إذا وضعتَ الطهورَ مواضعه، قمتَ مغفورًا لك، فإن قمتَ تصلي، كانت لك فضيلةً وأجرًا، فقال رجل: يا أبا أمامة، أرأيت إن قام يصلي تكون له نافلة؟ قال: لا، إنما النافلةُ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف يكون له نافلة، وهو يسعى في الذنوب والخطايا؟! تكون له فضيلة وأجرًا قلتُ: والمقصودُ أن النافلة في الآية، لم يُرد بها ما يجوز فعلُه وتركه، كالمستحب، والمندوب، وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات، وهذا قدر مشترك بين الفرض والمستحب، فلا يكون قوله: {نَافِلَة لَكَ} نافيًا لما دلَّ عليه الأمر من الوجوب، وسيأتي مزيدُ بيان لهذه المسألة إن شاء الله تعالى، عند ذكر خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدع قيامَ الليل حضرًا ولا سفرًا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
فسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليل على أن الوتر لا يُقض لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاةِ الكسوف والاستسقاءِ ونحوها، لأن المقصودَ به أن يكون آخرُ صلاة الليل وترًا، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح، لم يقع الوتر موقعَه. هذا معنى كلامه.
وقد روى أبو داود، وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخُدري، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ أَوْ نَسِيه، فَلْيُصَلِّه إذا أصبَحَ أَو ذَكَرَ» ولكن لهذا الحديث عدة علل.
أحدُها: أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
الثاني: أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الترمذي. هذا أصح، يعني المرسل.
الثالث : أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبى سعيد: الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَن تصْبِحُوا». قال: فهذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واهٍ. وكان قيامُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة، كما قال ابن عباس وعائشة، فإنه ثبت عنهما هذا وهذا، ففي (الصحيحين) عنها: ما كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة. وفى (الصحيحين) عنها أيضًا، كان رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي من الليل ثلاثَ عشر ركعة، يُوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخِرِهِن والصحيح عن عائشة الأول: والركعتان فوق الإِحدى عشرة هما ركعتا الفجر، جاء ذلك مبينًا عنها في هذا الحديث بعينه، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر، (ذكره مسلم في صحيحه).
وقال البخاري: في هذا الحديث: كان رسول الله صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي بالليل ثلاثَ عشرة ركعة، ثم يُصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين وفي (الصحيحين) عن القاسم بن محمد قال: سمعتُ عائشة رضي الله عنها تقول: كانت صلاةُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل عشرَ ركعات، ويُوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، وذلك ثلاثَ عشرة ركعة، فهذا مفسر مبين
وأما ابنُ عباس، فقد اختلف عليه، ففي (الصحيحين) عن أبي جمرة عنه: كانت صلاةُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثَ عشرة ركعةً يعني بالليل لكن قد جاء عنه هذا مفسرًا أنها بركعتي الفجر. قال الشعبي: سألتُ عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن صلاةِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل، فقالا: ثلاثَ ركعات ركعة، منها ثمان، ويُوتر بثلاث، وركعتين قبل صلاة الفجر. وفي (الصحيحين) عن كُريب عنه، في قصة مبيته عند خالته ميمونة بنت الحارث، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، فلما تبيَّن له الفجرُ، صلَّى ركعتين خفيفتينِ وفي لفظ: فصلَّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذِّنُ. فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم خرج يُصلي الصبح.
فقد حصل الاتفاقُ على إحدى عشرة ركعة واختلف في الركعتين الأخيرتين هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما.
فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يُحافظ عليها، جاء مجموعُ ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يُحافظ عليها دائمًا سبعة عشر فرضًا، وعشر ركعات، أو ثنتا عشرة سنة راتبة، وإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة، وما زاد على ذلك، فعارض غيرُ راتب، كصلاة الفتح ثمان ركعات، وصلاة الضحى إذا قَدِمَ من سفر، وصلاته عند من يزوره، وتحية المسجد ونحو ذلك، فينبغي للعبد أن يُواظب على هذا الورد دائمًا إلى الممات، فما أسرع الإِجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعُه كلَّ يوم وليلة أربعين مرة. والله المستعان.
فصل: في سياق صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل. قالت عائشةُ رضي الله عنها: ما صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشاء قطُّ فدخل علي، إلا صلَّى أربع ركعات، أو ست ركعات، ثم يأوي إلى فراشه.
وقال ابن عباس لما بات عنده: صلَّى العِشاء، ثم جَاء، ثُمَّ صلَى، ثم نام ذكرهما أبو داود. وكان إذا استيقظ، بدأ بالسواك، ثم يذكُر الله تعالى، وقد تقدم ذكرهما كان يقوله عند استيقاظه، ثم يتطهر، ثم يُصلى ركعتين خفيفتين، كما في (صحيح مسلم)، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل، افتتح صلاتَه بركعتينِ خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “إذا قام أحدُكم مِن الليل، فليفتَتح صلاتَه بركعتين خفيفتين” (رواه مسلم) وكان يقومُ تارة إذا انتصف الليلُ، أو قبله بقليل، أو بعدَه بقليل، وربما كان يقوم إذا سمع الصارِخَ وهو الدِّيكُ وهو إنما يصيح في النصف الثاني، وكان يقطع ورده تارة، ويصله تارة وهو الأكثر، ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استيقظ، فتسوَّك، وتوضأ، وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ، والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَاب} [آل عمران:190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلَّى ركعتين أطال فيهما القيامَ والركوع والسجودَ، ثم انصرف، فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاثَ مرات بست ركعات كل ذلك يَستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأَذن المؤذِّن؟ فخرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلبي نُورًا، وَفِي لِسَانِي. وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُورًا، وَاجعَل في بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، ومن أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَل مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِني نورًا» (رواه مسلم).
ولم يذكر ابنُ عباس افتتاحَه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة، أنه كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وَإِمَّا أن تكون عائشةُ حفظت ما لم يحفظ بن عباس، وهو الأظهر لملازمتها له، ولمراعاتها ذلك، ولكونها أعلمَ الخلق. بقيامه بالليل، وابنُ عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته، وإذا اختلف ابنُ عباس وعائشة في شيء من أمر قيامِه بالليل، فالقولُ ما قالت عائشة.
وكان قيامُه بالليل ووِترُه أنواعًا :
فمِنها هذا الذي ذكره ابن عباس.
النوع الثاني: الذي ذكرته عائشة، أنه كان يفتتح صلاته بركعتين. ثم يُتمم ورده إحدى عشرة ركعة، يُسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة.
النوع الثالث: ثلاث عشرة ركعة كذلك.
النوع الرابع: يُصلي ثمانَ ركعات، يُسلم من كل ركعتين، ثم يُوتر. بخمس سردًا متوالية، لا يجلس في شيء إلا في آخرهن.
النوع الخامس: تسع ركعات، يسرُد منهن ثمانيًا لا يجلِس في شيء إلا في الثامنة، يجلِس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يُصلي التاسعة، يسلم ثم يقعد، ويتشهد، ويُسلِّم، ثم يُصلي ركعتين جالسًا بعدما يسلم.
النوع السادس: يُصلي سبعًا كالتسع لمذكورة، ثم يُصلي بعدها ركعتين جالسًا.
النوع السابع: أنه كان يُصلي مَثنى مَثنى، ثم يُوتر بثلاث لا يفصِل بينهن فهذا رواه الإِمام أحمد رحمه الله عن عائشة، أنه كان يُوتِر بثلاث لا فصل فيهن وروى النسائي عنها: كان لا يُسلم في ركعتي الوتر وهذه الصفة فيها نظر، فقد روى أبو حاتم بن حبان في (صحيحه) عن أبي هريرة، النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُوتِرُوا بِثَلاَثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمسٍ أَوْ سَبْعٍ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِصَلاةِ المَغرِبِ». قال الدارقطني: رواته كلهم ثقات، قال مهنا: سألتُ أبا عبد الله: إلى أي شيء تذهب في الوتر، تُسلم في الركعتين؟ قال: نعم. قلتُ: لأَي شيء؟ قال: لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركعتين. الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سلم من الركعتين وقال حرب: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: في الركعتين. وإن لم يسلم، رجوت ألا يضرَّه، إلا أن التسليم أثبتُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو طالب: سألتُ أبا عبد الله: إلى أي حديث تذهب في، الوتر؟ قال: أذهب إليها كلِّها: مَنْ صلَّى خمسًا لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلَّى سبعًا لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي فَي حديث زرارة عن عائشة: يُوتر بتسع يجلَس في الثامنة قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فأنا أذهبُ إليهاَ. قلت: ابن مسعود يقول: ثلاث، قال: نعم، قد عاب على سعد ركعة، فقال له سعد أيضًا شيئًا يرد عليه.
النوع الثامن: ما رواه النسائي، عن حُذيفة، أنه صلَّى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان، فركع، فقال في ركوعه: (سُبْحَانَ رَبيَ الْعَظيمِ) مثل ما كان قائمًا، ثم جلس يقول: (رَبِّ اغفرْ لي، رَبِّ اغْفِرْ لي) مثلَ مَا كان قائمًا. ثم سجد، فقال: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلًى) مثلَ ما كان قائمًا، فما صلَّى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة، وأوتر أوّل الليل، ووسطه، وآخرَه. وقام ليلة تامة بآية يتلوها ويردِّدُها حتى الصباح وهي: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادُكَ} [المائدة:118].
وكانت صلاته بالليل ثلاثةَ أنواع:
أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائمًا.
الثاني: أنه كان يُصلي قاعدًا، ويركع قاعدًا.
الثالث: أنه كان يقرأ قاعدًا، فإذا بقي يسيرٌ مِن قراءته، قام فركع قائمًا، والأنواع الثلاثة صحت عنه.
وأما صفة جلوسه في محل القيام، ففي (سنن النسائي)، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي متربِّعًا قال النسائي: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديثَ غيرَ أبي داود، يعني الحفري، وأبو داود ثقة، ولا أحسب إلا أن هذا الحديث خطأ والله أعلم.
وقد ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا تارة، وتارة يقرأ فيهما جالسًا، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، وفي (صحيح مسلم) عن أبي سَلَمة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يُصلي ثلاثَ عشرة ركعةً، يُصلي ثمانَ ركعات، ثم يُوتِر، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يُصلي ركعتين بين النداءِ والإِقامةِ مِن صلاة الصبح وفي (المسند) عن أم سلمة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي: روي نحوُ هذا عن عائشة، وأبي أمامة، وغيرِ واحدٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي (المسند) عن أبي أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما ب {إِذَا زُلزِلَت} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وروى الدارقطني نحوَه من حديث أنس رضي الله عنه.
وقد أشكل هذا على كثير من الناس، فظنوه معارضًا، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْرًا».
وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعُ مَنْ فعله، قال: وأنكره مالك وقالت طائفة: إنما فعل هاتين الركعتين، ليبين جوازَ الصلاة بعد الوتر، وأن فعله لا يقطع التنفُّل، وحملوا قولُه: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْرًا» على الاستحباب، وصلاة الركعتين بعده على الجواز. والصواب: أن يقال: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة، وتكميل الوتر، فإن الوترَ عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده. مجرى سنة المغربِ مِن المغرب، فإنها وِتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل، والله أعلم.