165 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
– قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 360):
حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن جحادة عن سليمان بن بريدة عن أبيه [ص: 138] قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة» قال ثم سمعته يقول «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثليه صدقة» قلت سمعتك يا رسول الله تقول «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة» ثم سمعتك تقول «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثليه صدقة» قال «له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة».
هذا حديث صحيحٌ.
وقد أخرجه الحاكم (ج 2 ص 29) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. كذا قال، وإنما هو على شرط مسلم، فالبخاري لم يخرج لسليمان بن بريدة.
________
صححه الألباني في الإرواء 1438، الصحيحة 86
جاء في سنن ابن ماجه:
2418 – حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش، عن نفيع أبي داود، عن بريدة الأسلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة، ومن أنظره بعد حله كان له مثله، في كل يوم صدقة»[قال الألباني: صحيح
وسيأتي في آخر الشرح هل الأصح في الحديث بلفظ(مثله ) أم (مثليه )
بوب عليه الشيخ مقبل:
فضل إنظار المعسر
تصرف الرجل الصالح في ماله
قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}
قال الطحاوي:
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ” من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة ” ، ” ومن أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ”
3810 – حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا معلى بن منصور قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة ” ، ثم سمعته يقول: ” لكل يوم مثله صدقة “. قال: فقلت له: إني سمعتك تقول: ” فله بكل يوم صدقة ” ، ثم قلت الآن: ” فله بكل يوم مثله صدقة “؟ فقال: ” إنه متى لم يحل الدين فله بكل يوم صدقة ، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثله صدقة ” قال أبو جعفر: فاحتمل أن المسئول عما سئل عنه في هذا الحديث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتمل أن يكون من دونه من رواة هذا الحديث ، فاعتبرنا ذلك.
3811 – فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أنظر معسرا ، كان له بكل يوم صدقة “. قال: وسمعته يقول: ” من أنظر معسرا ، فله بكل يوم مثله صدقة “. قال: قلت: يا رسول الله ، قلت: ” بكل يوم صدقة ” ، ثم قلت: ” له بكل يوم مثله صدقة “؟ ، قال: فقال: ” بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين ، فإذا حل الدين فإن أنظره بعد الحل ، فله بكل يوم مثله صدقة ” .
فوقفنا بهذا الحديث على أن المسئول عما سئل عنه فيه من ذلك: رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تأملنا جوابه من سائله عما سأله عنه من ذلك ، فوجدنا ذلك مما قد أحطنا علما أنه في الديون من القروض ، لا مما سواها من أثمان البياعات وغيرها؛ لأن الديون من أثمان البياعات وغيرها سواء ، والقروض إنما هي أبدال من أشياء سواها ، لا حمد فيها لأهلها يثابون عليه ، والأموال من القروض هي أموال يتبرع أهلها فيها بإقراضهم إياها من يقرضونه إياها ليتصرف بها في منافع نفسه ، فيكونون في ذلك محمودين ، وعليه مثابين ، واحتمل أن يكون ذلك الصبر إلى المدة التي كان القرض إليها قد لزم المقرض ، كما يقول ذلك من يقوله من أهل المدينة ، منهم مالك بن أنس ، فيكون ثوابه في ذلك ما يثيبه الله عز وجل ، فإذا حل الدين له فأنظر به من هو له عليه ، كان ثوابه في ذلك فوق ثوابه الأول ، فإن كان هذا هو حقيقة هذا الحديث ثبت به ما يقول هؤلاء في القروض: إن الآجال يثبت فيها كثبوتها فيما سواها.
وقد يحتمل أن يكون الثواب على ذلك لا لأجل واجب على المقرض ، ولكنه لأجل قد وعده الذي أقرضه ماله ، والوعد وإن كان الحكم لا يوجبه ، فإن الشريعة توجب الوفاء به ، ويحمد عليه من وفى به ، ويذمه على الخلف فيه ، فيكون المقرض لما له إلى ذلك الأجل موعدا وعدا له الثواب على الوفاء به، والشريعة تمنعه من خلف موعده في ذلك، فإذا انقضى ذلك الأجل ذهب عنه ذلك الوعد ، وأطلقت له الشريعة المطالبة بدينه ، فإذا أنظر به بعد ذلك من هو له عليه ، كان ثوابه على ذلك أعظم من ثوابه عليه ، فيما كان له فيه من الثواب قبل ذلك ، وهذا تأويل حسن ، وهو الذي يجيء على أصول أبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي ، والله أعلم بحكم ذلك كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذين التأويلين ، ومما سواهما ، مما قصر عنه علمنا ، والله نسأله التوفيق
شرح مشكل الآثار (9/ 419)
مسألة: إنظار المعسر
حكمه: الوجوب. يجب إنظار من ثبت إعساره عند الأئمة الأربعة إلى وقت اليسار، ولا يحبس ، لقول الله سبحانه {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}
الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 279)
فضل إنظار المعسر والتجاوز :
2636 – (1) مسلم. عن حذيفة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر. قال: قال الله: تجوزوا عنه). في بعض طرق البخاري: “إن رجلا ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ “. الحديث. ولم يقل في شيء من طرقه: “قالوا: تذكر”
2637 – (2) مسلم. عن حذيفة قال: (رجل لقي ربه، فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلا ذا مال فكنت أطالب به الناس، فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور، فقال: تجاوزوا عن عبدي). قال أبو مسعود: هكذا سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول .
2638 – (3) وعن حذيفة أيضا، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أن رجلا مات فدخل الجنة، فقيل له ما كنت تعمل؟ فإما ذكر، وإما ذكر فقال: إني كنت أبايع الناس فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة، أو في النقد فغفر له). فقال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم .
2639 – (4) وعن حذيفة قال: (أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثا، قال: يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله عز وجل: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي، فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصحيح عقبة بن عمرو، وأبو مسعود. وعقبة بن عامر الجهني وهم ، والله أعلم. وقال البخاري: قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذلك. وذكر مع هذا الحديث حديثا آخر وسيأتي إن شاء الله عز وجل، وهو حديث الرجل الذي حرق نفسه
2640 – (5) مسلم. عن أبي مسعود قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).
2641 – (6) وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه) .
2642 – (7) مسلم. عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أن أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر، فقال آلله؟ قال: الله. قال : فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه) . لم يخرج البخاري هذا الحديث.
2643 – (8) وخرج عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى) .
2644 – (9) مسلم. عن أبي هريرة؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) .
2645 – (10) البخاري. عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله)
الجمع بين الصحيحين لعبد الحق (2/ 514)
مطل المدين المعسر الذي لا يجد وفاء لدينه:
– ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يمهل حتى يوسر ، ويترك يطلب الرزق لنفسه وعياله والوفاء لدائنيه، ولا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا مضايقته، لأن المولى سبحانه أوجب إنظاره إلى وقت الميسرة فقال: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} .
قال ابن رشد: لأن المطالبة بالدين إنما تجب مع القدرة على الأداء، فإذا ثبت الإعسار فلا سبيل إلى المطالبة، ولا إلى الحبس بالدين، لأن الخطاب مرتفع عنه إلى أن يوسر .
وقال الشافعي: لو جازت مؤاخذته لكان ظالما، والفرض أنه ليس بظالم لعجزه ، بل إن ابن العربي قال: إذا لم يكن المديان غنيا، فمطله عدل، وينقلب الحال على الغريم، فتكون مطالبته ظلما ، لأن الله تعالى قال: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} .
المديان: الكثير الدين الذي علته الديون، وهو مفعال من الدين للمبالغة
«النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 150)
وفي لسان العرب : المديان: الكثير الدين الذي عليه الديون، وهو مفعال من الدين للمبالغة. قال: والدائن الذي يستدين، والدائن الذي يجري الدين. وتدين الرجل إذا استدان
«لسان العرب» (13/ 168)
وأجاز الحنفية ملازمة الدائن لمدينه المعسر مع استحقاقه الإنظار بالنص .
وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم فضل إنظار المعسر وثوابه عند الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
واختلف الفقهاء في المدين المعسر إذا لم يكن القدر الذي استحق عليه حاضرا عنده، لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا، هل يجب عليه ذلك أم لا؟
قال الحافظ ابن حجر: أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب، وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا.
وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب، وإلا فلا.
كما اختلفوا في هل يجبر المدين المعدم على إجارة نفسه لوفاء دين الغرماء من أجرته إن كان قادرا على العمل أم لا؟
الموسوعة الفقهية الكويتية (38/ 115)
قال ابن العثيمين في تفسير سورة البقرة:
(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:280)
قوله تعالى: { وإن كان ذو عسرة } أي إن وجِد ذو عسرة؛ أي صاحب إعسار لا يستطيع الوفاء؛ والجملة شرطية؛ وجواب الشرط قوله تعالى: { فنظرة إلى ميسرة }؛ ويجوز في «نظرة» في إعرابها وجهان؛ أحدهما: أن تكون مبتدأ، والخبر محذوف؛ والتقدير: فعليكم نظرة؛ أو فله نظرة؛ وأما أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: فالواجب عليه نظرة؛ أي إنظار إلى ميسرة؛ أي: إيسار.
قوله تعالى: { وأن تصدقوا خير لكم } أي تُبرءوا المعسر في دينه؛ و{ أن } وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ خبره قوله تعالى: { خير لكم } أي من إنظاره.
قوله تعالى: { إن كنتم تعلمون } هذه الجملة الشرطية مستقلة يراد بها الحث على العلم؛
الفوائد:
1 – من فوائد الآية: ثبوت رحمة الله عز وجل؛ وجه ذلك أنه أوجب على الدائن إنظار المدين؛ وهذا رحمة بالمعسر.
2 – ومنها: حكمة الله عز وجل بانقسام الناس إلى موسر، ومعسر؛ الموسر في الآية: الدائن؛ والمعسر: المدين؛ وحكمة الله عز وجل هذه لا يمكن أن تستقيم أمور العباد إلا بها، ولذلك بدأ الشيوعيون – الذين يريدون أن يساووا بين الناس – يتراجعون الآن؛ لأنهم عرفوا أنه لا يمكن أن يصلح العباد إلا هذا الخلاف؛ قال عز وجل: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ؛ ولولا هذا الاختلاف لم يمكن أن يسخر لنا أحد ليعمل ما نريد؛ لأن كل واحد ندّ للآخر؛ فلا يمكن إصلاح الخلق إلا بما تقتضيه حكمة الله عز وجل، وشرعه من التفاوت بينهم: فهذا موسر؛ وهذا فقير؛ حتى يتبين بذلك حكمة الله عز وجل، وتقوم أحوال العباد.
3 – ومن فوائد الآية: وجوب إنظار المعسر – أي إمهاله حتى يوسر؛ لقوله تعالى: { فنظرة إلى ميسرة }؛ فلا تجوز مطالبته بالدَّين؛ ولا طلب الدَّين منه.
4 – ومنها: أن الحكم يدور مع علته وجوداً، وعدماً؛ لأنه لما كان وجوب الإنظار معللًا بالإعسار صار مستمراً إلى أن تزول العلة – وهي العسرة – حتى تجوز مطالبته.
5 – ومن فوائد الآية: فضيلة الإبراء من الدَّين، وأنه صدقة؛ لقوله تعالى: { وأن تصدقوا خير لكم }؛ والإبراء سنة؛ والإنظار واجب؛ وهنا السنة أفضل من الواجب بنص القرآن؛ لقوله تعالى: { وأن تصدقوا خير لكم }؛ ووجه ذلك أن الواجب ينتظم في السنة؛ لأن إبراء المعسر من الدَّين إنظار، وزيادة؛
– ومن فوائد الآية: تفاضل الأعمال؛ لقوله تعالى: { وأن تصدقوا خير لكم }؛ وتفاضل الأعمال يستلزم تفاضل العامل، وأن العاملين بعضهم أفضل من بعض
7 – ومن فوائد الآية: فضيلة العلم، وأن العلم يهدي صاحبه إلى الخير؛ لقوله تعالى: { إن كنتم تعلمون }.
فائدة:
في هذه الآية وجوب الإنظار إلى ميسرة؛ ومن المعلوم أن حصول الميسرة مجهول؛ وهذا لا يضر؛ لأنه ليس من باب المعاوضة؛ ولكن لو اشترى فقير من شخص، وجعل الوفاء مقيداً بالميسرة فهل يجوز ذلك؟ فيه قولان؛ فأكثر العلماء على عدم الجواز لأن الأجل مجهول؛ فيكون من باب الغرر المنهي عنه؛ والقول الثاني: أن ذلك جائز لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم): «قدم لفلان اليهودي بزّ من الشأم لو أرسلت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة؛ فأرسل إليه فامتنع»؛ ولأن هذا مقتضى العقد إذا علم البائع بإعسار المشتري؛ إذ لا يحلّ له حينئذٍ أن يطلب منه الثمن حتى يوسر؛ وهذا القول هو الراجح. اهـ
الإبراء أفضل من الإنظار:
قال العلقمي قال الدميري قال الله تعالى وأن تصدقوا خير لكم أن كنتم تعلمون ندب الله تعالى بهذه الآية إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من أنظاره كذا قال جمهور الناس والإبراء من الدين أفضل الصدقات عليه
السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (4/ 277)
(ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب به وحرم حبسه)للآية الآتية وغيرها، وفي فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة، منها قوله «من سره أن يظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، فلييسر على معسر» وقوله: «من نفس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة» وفي الحديث القدسي «أنا أحق من ييسر، ادخل الجنة» ولأحمد عن بريدة مرفوعا «من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، قبل أن يحل، فإذا حل فأنظره فبكل يوم مثلاه صدقة» ويسن إبراؤه، وهو أفضل من الإنظار، وينبغي أن يعد إبراء المعسر مما فيه السنة أفضل من الفرض، وهو الإنظار
حاشية الروض المربع لابن قاسم (5/ 163)
هل يجوز إسقاط الدين عن المعسر بنية الزكاة؟
س: إذا كان لك دين عند مريض أو فقير معسر فهل لك أن تسقطه عنه من الزكاة؟ .
ج: لا يجوز ذلك؛ لأن الواجب إنظار المعسر حتى يسهل الله له الوفاء، ولأن الزكاة إيتاء وإعطاء، كما قال الله سبحانه: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وإسقاط الدين عن المعسر ليس إيتاء ولا إعطاء، وإنما هو إبراء، ولأنه يقصد من ذلك وقاية المال لا مواساة الفقير.
لكن يجوز أن تعطيه من الزكاة من أجل فقره وحاجته، أو من أجل غرمه، وإذا رد عليك ذلك أو بعضه من الدين الذي عليه فلا بأس إذا لم يكن ذلك عن مواطأة بينك وبينه ولا شرط، وإنما هو فعل ذلك من نفسه. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (14/ 280)
أحاديث ضعيفة في الباب:
539 – (4) [ضعيف] وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
“من أنظر معسرا إلى ميسرته؛ أنظره الله بذنبه إلى توبته”
ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 271) ، كشف الخفاء ط القدسي (2/ 23) .
هل الأصح لفظة (مثله ) أم (مثليه)
وذكر محققو المسند قوله :في الحديث: إن له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، وله بكل يوم مثليه صدقة بعد حلوله، قال في الأولى: “مثله”، وفي الثانية: “مثليه”، تفرد أحمد بروايته بهذا اللفظ، فقد رواه ابن أبي شيبة عن عفان، فقال: “فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل، فأنظرَه بعد ذلك، فله بكل يوم مثله صدقةً” أطلق الصدقة في الأولى، وجعلها بمقدار القرض في الثانية، وكذا رواه الناس عن عبد الوارث بن سعيد كما سلف تخريجه.
قال صاحبنا أبوصالح :
لم أنتبه حين تتبعت ألفاظ الحديث أن
كلمة “مثليه” هي مدار النقاش ،نعم
ما ذكرته من المصادر لا يتضمن هذه الكلمة.
التعليل بذلك لم يتبين لي ، ﻷن الحديث بألفاظه المشهورة بمعناه عندي ولا بد من تقدير كلمة “معه”، أي مثله معه بعد حلول اﻷجل ،
من أجل ذلك أحلت للطحاوي ﻷنه ذكر هذا المعنى وبهذا التقدير نقول لا تخالف رواية أحمد الروايات اﻷخرى والله أعلم . على أنه في أحاديث عفان في الشاملة وردت هذه اللفظة وهي من غير طريق اﻹمام أحمد مع أن الحديث هناك فيه نقص .انتهى
قلت : سيف : الأصل عدم التقدير، والطحاوي إنما قال : فإذا حل الدين له فأنظر به من هو له عليه كان ثوابه في ذلك فوق ثوابه الأول….
فلم يقل( مثلي ) إنما قال : فوق ثوابه.
وورد أن القرض شطر الصدقة:
«ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺽ ﻭﺭﻗﺎ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻛﻌﺪﻝ ﺻﺪﻗﺔ ﻣﺮﺓ»
(ﺻﺤﻴﺢ) أخرجه البيهقي
ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ. اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ 1552: ﺣﺐ، اﻟﺨﺮاﺋﻄﻲ، اﺑﻦ ﺷﺎﻫﻴﻦ.
وهناك بحوث مطولة في الأراشيف تبين أن الراجح رواية الوقف :
قال الدارقطني في العلل (5/ 157: 789): ” رواه سليم بن أذنان عن علقمة واختلف عنه فرفعه عطاء بن السائب عنه ووقفه غيره والموقوف أصح “، وقال البيهقي في السنن ” ورفعه ضعيف “، وقال في الشعب “والموقوف أصح “.
ثم جمع صاحبنا أبوصالح ألفاظه فقال :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده4 والروياني في مسنده والحاكم في المستدرك وابن عساكر
في معجمه
(وجزء في أحاديث عفان )
من طريق عفان،
وأخرجه أبو يعلى- كما في جامع المسانيد لابن كثير- والأبنوسي كما في مشيخته 128 وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق
عبد الصمد بن عبد الوارث،
وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار3810 والبيهقي في شعب الإيمان 10749 من طريق
معلى بن منصور،
وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 1621 والبيهقي في السنن الكبرى 10976 والبيهقي في شعب الإيمان 10748 من طريق أبي معمر
عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج
وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي
تابعه الأَعْمَش عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ به أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق علي بن يزيدالصدائي أَبُي الْحَسَن عن مَالِكِ بْنِ مَغْوَلٍ، عَنِ الأَعْمَش به
* التحليل
عند أحمد عن عفان من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قال ثم سمعته يقول من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة
عند الروياني في مسنده عن عفان «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً»
عند الحاكم في المستدرك عن عفان – من طريق ابن أبي شيبة- «من أنظر معسرا، فله بكل يوم صدقة، قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين، فأنظره بعد ذلك فله بكل يوم مثله صدقة»
عند ابن عساكر في معجمه عن عفان من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة مثله قلت له يا رسول الله سمعتك تقول من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره له بكل يوم مثله صدقة. هكذا وجدته مضطربا.
جزء في أحاديث عفان مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ
الخلاصة مثله- مثليه 2
مطلقة-مثله 3
وكلها فيها كل يوم في الحالتين
عند أبي يعلى –كما نقله ابن كثير في جامع المسانيد، وأظنه في المسند الكبير له- عن عبد الصمد بن عبد الوارث
(من انظر مُعْسِراً كان له بكلِّ يومٍ مثله صدقة/.
[قبل أن يحل الدين، فإذا حلّ الدين فانظره بعد ذلك فله بكل يوم مثلاه]
لكن قال المحقق ما بين معكوفين استكمال من حديث بريدة في مجمع الزوائد
عند الأبنوسي عن عبد الصمد من أنظر معسراً كان له بكل يوم [صدقة ثم سمعته يقول من أنظر معسراً كان له بكل يوم] مثله صدقة
عند ابن عساكر في تاريخه عن عبد الصمد من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة ثم سمعته يقول من أنظر معسرا كان له بكل يوم مثله صدقة
الخلاصة مثله- مثليه 1
مطلقة- مثله 2
وكلها فيها كل يوم في الحالتين
عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن معلى بن منصور ” من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة ” , ثم سمعته يقول: ” لكل يوم مثله صدقة ”
الخلاصة مطلقة- مثله
وفيها كل يوم في الحالتين
عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ” من أنظر معسرا , كان له بكل يوم صدقة “. قال: وسمعته يقول: ” من أنظر معسرا , فله بكل يوم مثله صدقة ”
عند أبي نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي معمر عبد الله «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ»
قلت هكذا ذكره مختصرا
عند البيهقي في شعب الإيمان عن أبي معمر
” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ مَا لَمْ يَحِلُّ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَإِنْ أَنْظَرَهُ بَعْدَ الْحِلِّ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ ”
عند البيهقي في السنن الكبرى:
” بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين فإذا حل الدين فإن أنظره بعد الحل فله بكل يوم مثله صدقة”
مطلقة – مثله 4
وفيها كل يوم في الحالتين
عند ابن عدي في الكامل عن الأعمش عن سليمان
مطلقة- مثله 1
وهذه اﻷخيرة ضعيفة اﻹسناد
أما رواية نفيع أبي داود فلم أتشاغل بها لأن المذكور متهم بالكذب.
قال الحافظ ابن حجر في التقريب:” نفيع بن الحارث أبو داود اﻷعمى مشهور بكنيته كوفي ويقال له نافع متروك، وقد كذبه ابن معين”
واللفظ الأقرب بعد دراسة العديد من المصادر هو:
«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: ” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً، قَالَ: لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّينُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّينُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً ”
—–
تتمات :
مسألة:
هل تكون السنة أفضل من الفرض؟
قال السفاريني رحمه الله في شرح ثلاثيات المسند:
ابتداء السلام أفضل من رده، مع أن ابتداءه سنة ورده واجب، *وهذا أحد المواضع التي السنة أفضل فيها من الواجب.*
الثاني: إنظار المعسر واجب وإبراؤه سنة وهو أفضل.
الثالث: التطهر قبل الوقت سنة وبه يجب.
الرابع: الختان قبل الوقت سنة وبه يجب.
ونظموا في ذلك:
الفرض أفضل من تطوع عابد **حتى ولو قد جاء منه بأكثر
إلا التطهر قبل وقت وابتدا**ء للسلام كذاك إبرا المعسر
وكذا ختان المرء قبل بلوغه **تمم به عقد الإمام المكثر
قال السيوطي في الأشباه والنظائر > الكتاب الثاني: في قواعد كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر > القاعدة الحادية والعشرون: الفرض أفضل من النفل
القاعدة الحادية والعشرون
” الفرض أفضل من النفل ”
قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه {وما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم} رواه البخاري.
قال إمام الحرمين: قال الأئمة: خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه، فإن ثواب الفرائض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة. وتمسكوا بما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان {من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه} فقابل النفل فيه بالفرض في غيره، وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره، فأشعر هذا بطريق الفحوى أن الفرض يزيد على النفل سبعين درجة ا هـ.
قال ابن السبكي: وهذا أصل مطرد لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور،
وقد استثني فروع:
أحدها: إبراء المعسر فإنه أفضل من إنظاره، وإنظاره واجب، وإبراؤه مستحب.
وقد انفصل عنه التقي السبكي بأن الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمال الأخص على الأعم، لكونه تأخيرا للمطالبة، فلم يفضل ندب واجبا؛ وإنما فضل واجب. وهو الإنظار الذي تضمنه الإبراء، وزيادة ” وهو خصوص الإبراء ” واجبا آخر. وهو مجرد الإنظار. قال ابنه: أو يقال: إن الإبراء محصل لمقصود الإنظار وزيادة من غير اشتماله عليه.
قال: وهذا على تقدير تسليم أن الإبراء أفضل، وغاية ما استدلوا عليه بقوله تعالى {وأن تصدقوا خير لكم} وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام، فلا يكون دليلا على أن الإبراء أفضل، ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل: لشدة ما ينال المنظر من ألم الصبر، مع تشويف القلب. وهذا فضل ليس في الإبراء الذي انقطع فيه اليأس.
الثاني: ابتداء السلام، فإنه سنة: والرد واجب، والابتداء أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم {وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام}. وحكى القاضي حسين في تعليقه وجهين: في أن الابتداء أفضل أو الجواب. ونوزع في ذلك بأنه ليس في الحديث: أن الابتداء أفضل من الجواب، بل إن المبتدئ خير من المجيب. وذلك لأن المبتدئ فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة. وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن الطوية، وترك الهجر والجفاء، الذي كرهه الشارع.
الثالث: قال ابن عبد السلام: صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس الواجب فعلها على من ترك واحدة منها، ونسي عينها.
قلت: لم أر من تعقبه، وهو أولى بالتعقب من الأولين.
وما ذكره من أن صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس المذكورة، فيه نظر.
والذي يظهر: أنها إن لم تزد عليها في الثواب لا تنقص عنها.
الرابع: الأذان سنة وهو على ما رجحه الإمام النووي: أفضل من الإمامة، وهي فرض كفاية، أو عين.
وقد سئل عن ذلك السبكي في الحلبيات، فأجاب بوجوه: منها: أنه لا يلزم من كون الجماعة فرضا كون الإمامة فرضا. لأن الجماعة: تتحقق بنية المأموم الائتمام، دون نية الإمام. ولو نوى الإمام فنيته محصلة لجزء الجماعة. والجزء هنا: ليس مما يتوقف عليه الكل لما بيناه، فلم يلزم وجوبه، وإذا لم يلزم ذلك لم يلزم القول بأن الإمامة فرض كفاية، فلم يحصل تفضيل نفل على فرض، وإنما نية الإمام شرط في حصول الثواب له. ومنها: أن الجماعة صفة للصلاة المفروضة، والأذان عبادة مستقلة، والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في العبادتين المستقلتين أو في الصفتين. أما في عبادة، وصفة، فقد تختلف.
ومنها: أن الأذان والجماعة جنسان،
والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في الجنس الواحد
أما في الجنسين: فقد تختلف، فإن الصنائع والحرف فروض كفايات، ويبعد أن يقال: إن واحدة من رذائلها أفضل من تطوع الصلاة، وإن سلم أنه أفضل من جهة أن فيه خروجا من الإثم، ففي تطوع الصلاة من الفضائل ما قد يجبر ذلك، أو يزيد عليه، وجنس الفرض أفضل من جنس النفل.
وقد يكون في بعض الجنس المفضول ما يربو على بعض أفراد الجنس الفاضل، كتفضيل بعض النساء على بعض الرجال.
وإذا تؤمل ما جمعه الأذان من الكلمات العظيمة ومعانيها ودعوتها ظهر تفضيله وأنى يدانيه صناعة؟ قيل: إنها فرض كفاية.
الخامس: الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت صرح به القمولي في الجواهر وإنما يجب بعد الوقت،
وقلت قديما:
الفرض أفضل من تطوع عابد** حتى ولو قد جاء منه بأكثر
إلا التطهر قبل وقت وابتدا***** للسلام كذاك إبرا معسر