165 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3
والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-‘——-”——–
مسند أحمد
11203 حدثنا يحيى بن سعيد عن مالك حدثني أيوب بن حبيب عن أبي المثنى قال: كنت عند مروان فدخل أبو سعيد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النفخ في الشراب؟ قال: نعم. فقال رجل: إني لا أروى من نفس واحد. قال: أبنه عنك ثم تنفس. قال: أرى فيه القذاة. قال: فأهرقها.
قال صاحبنا أبو صالح: قال الألباني في الصحيحة 385: رجاله ثقات غير أبي المثنى الجهني، وقد أورده ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: ثقة، وأما ابن المديني فقال: مجهول، وقال ابن حجر: مقبول. انتهى
وأخرجه الترمذي: وقال: حسن صحيح، قال مغلطاي في ترجمة أيوب بن حبيب: صحح الترمذي والطوسي حديثه مرفوعا أبن القدح عن فيك ثم تنفس. انتهى
قلت: الطوسي هو أبو علي الطوسي الحافظ له كتاب الأحكام وهو شيخ أبي حاتم الرازي الإمام، والحديث حسنه الألباني.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
وصححه ابن القيم وكذلك ابن عبدالبر. وراجع تحقيق المنتخب لعبد بن حميد.
———
النهي عن النفخ في الشراب
هذا الحديث جمع آداب نبوية، و ينبغي للمسلم التأسي بالنبي عليه الصلاة و السلام في الأداب و غيرها.
قال الطيبي في شرح المشكاة: النهي عن التنفس فيه من أجل ما يخاف أن يبرز من ريقه فيقع في الماء، وقد يكون النكهة من بعض من يشرب متغيرة، فتعلق الرائحة بالماء لرقته ولطفه، ثم إنه من فعل الدواب إذا كرعت في الأواني جرعت ثم تنفست فيها ثم عادت فشربت، فيكون الأحسن أن يتنفس بعد إبانة الإناء عن فمه كما جاء بعده ((فأبن القدح عن فيك)).
قال أبو عمر: يريد مالك رحمه الله أن النبي عليه السلام لم ينه الرجل حين قال له: إني لا أروى من نفس واحد أن يشرب في نفس واحد بل قال له كلاما معناه فإن كنت لا تروى في نفس واحد فأبن القدح عن فيك وهذا إباحة منه للشرب من نفس واحد إن شاء الله. انظر ” التمهيد ” ((1) / (392))
قال ابن القيم في “زاد المعاد” (4) / (235) – (236): وأما النفخ في الشراب، فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها، ولا سيما إن كان متغير الفم. وبالجملة: فأنفاس النافخ تخالطه، ولهذا جمع رسول الله بين النهي عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن ابن عباس – رضي الله عنه -، قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن
يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه).
فإن قيل: فما تصنعون بما في “الصحيحين”
من حديث أنس، أن رسول الله (كان يتنفس في الإناء ثلاثا؟ قيل: نقابله بالقبول والتسليم، ولا معارضة بينه وبين الأول، فإن معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا، وذكر الإناء لأنه آلة الشرب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: (أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الثدي)، أي: في مدة الرضاع.
وقال عمر بن عبد العزيز: إنما نهي عن التنفس داخل الإناء فأما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفس واحد.
قلت وهو تفصيل حسن وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعا أخرجه الحاكم وهو محمول على التفصيل المذكور. ” فتح الباري لابن حجر ” ((10) / (93)).
وفي الصحيح “إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء”
وقال ابن عثيمين -رحمه الله- في شرح بلوغ المرام:
هو للكراهة إلا إذا أدى إلى إيذاء الغير، كما لو كان هذا الشراب سيشرب من بعدك وأنك لو تنفست فيه لقذرته في نظر غيرك، فحينئذ يكون النهي للتحريم من أجل الأذية وإلا فالأصل أنه للكراهة.
[فائدة: التنفس في الإناء ثلاثا أروى و أمرأ و أبرأ]
وأخرج مسلم وأصحاب السنن من طريق أبي عاصم عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا ويقول: هو أروى وأمرأ وأبرأ) لفظ مسلم وفي رواية أبي داود (أهنأ) بدل
قوله (أروى) هو من الري بكسر الراء غير مهموز أي أكثر ريا ويجوز أن يقرأ مهموزا للمشاكلة
(وأمرأ) بالهمز من المراءة يقال مرأ الطعام بفتح الراء يمرأ بفتحها ويجوز كسرها صار مريا
وأبرأ بالهمز من البراءة أو من البرء أي يبراء من الأذى والعطش وأهنأ بالهمز من الهنء والمعنى أنه يصير هنيئا مريا بريا أي سالما أو مبريا من مرض أو عطش أو أذى ويؤخذ من ذلك أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة واستعمال أفعل التفضيل في هذا يدل على أن للمرتين في ذلك مدخلا في الفضل. ” فتح الباري لابن حجر ” (ج (10) / (94))
قال الشوكاني: وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق. وقد لا يروى، وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرا إلى المعنى. ” نيل الاوطار ” (ج (8) / (220))
[حكم النفخ في الشراب أو الطعام اذا لم يكن مشتركا]
النفخ في الشراب جاء النهي عنه في هذا الحديث؛ ولعل الحكمة في ذلك: أن فيه تقذيرا له إذا كان مع النافخ أحد يشاركه؛ وإذا كان الشراب يخص الإنسان مثل كأس الشاي واحتاج إلى النفخ فيه ليبرده فلعله لا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأنه ليس فيه تقذير، ثم أيضا النافخ هو الذي سيشرب هذا الشيء؛ لأنه خاص به.
وأما النفخ في الطعام فإذا كان من الطعام المشترك فليس لأحد أن ينفخ فيه، واللقمة قد يتسامح فيها، لكن كما هو معلوم أن الفم يتحمل من الحرارة ما لا تتحمله اليد، ولهذا إذا كان عند الإنسان فنجان فيه قهوة لا يستطيع أن يغمس إصبعه فيه، لكنه قد يصبه في فمه ولا يحس به كما تحس الأصبع. شرح سَنَن ابو دواد للعباد حفظه الله.