1646 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا )
———“——-“——
الصحيح المسند 1646
مسند أحمد 6/297 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ثنا ليث بن سعد المصري قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران أسلم أنه قال حججت مع مواليَّ فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ان أحج قالت إن شئت اعتمر قبل ان تحج وان شئت بعد أن تحج قال فقلت انهم يقولون من كان صرورة فلا يصلح ان يعتمر قبل ان يحج قال فسألت أمهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت فرجعت إليها فأخبرتها بقولهن قال فقالت نعم وأشفيك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج
وفي رواية لأحمد 6/317 يا آل محمد من حج منكم فليهل في حجه أو في حجته . شك أبوعبدالرحمن
واخرجه ابويعلى
عن أبي عمرانَ الجَونِيِّ أنه حجّ مع مواليه قال فأتيتُ أمَّ سلمةَ فقلتُ يا أمَّ المؤمنينَ إني لم أحجُّ قطُّ فبأيِّهما أبدأُ بالحجِّ أو بالعمرةِ قالت إن شئتَ فاعتمِرْ قبل أن تحُجَّ وإن شئتَ فبعدَ أن تحُجَّ فذهبتُ إلى صفيةَ فقالتْ لي مثلَ ذلك فرجعتُ إلى أمِّ سلمةَ فأخبرْتُها بقولِ صفيةَ فقالتْ أمُّ سلمةَ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول يا آلَ محمدٍ من حجَّ منكم فلْيُهلَّ بعمرةٍ في حجَّةٍ
——-
——-
*بوب البخاري -رحمه الله- في العمرة من صحيحه، *
باب من اعتمر قبل الحج وأورد تحته حديثاً واحداً،
# عكرمة بن خالد سأل ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن العمرة قبل الحج، فقال لا بأس قال عكرمة قال ابن عمر اعتمر النبي ﷺ قبل أن يحج، وقال إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق حدثني عكرمة بن خالد سألت بن عمر مثله حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم أخبرنا ابن جريج قال عكرمة بن خالد سألت بن عمر رضى الله تعالى عنهما مثله.
*قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري (باختصار):*
(قوله باب من اعتمر قبل الحج)
أي هل تجزئه العمرة أم لا
…..
قوله (لا بأس ) زاد أحمد وابن خزيمة (فقال لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج )
قوله قال عكرمة هو بن خالد بالإسناد المذكور
قوله وقال إبراهيم بن سعد إلخ وصله أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسناد المذكور ولفظه حدثنا عكرمة بن خالد بن العاصي المخزومي قال قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إنا لم نحج قط أفنعتمر من المدينة قال: نعم ( وما يمنعكم من ذلك فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها قبل حجه
قال فاعتمرنا )
قال ابن بطال هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل اعتماره ويتفرع عليه هل الحج على الفور أو التراخي .
وهذا يدل على أنه على التراخي قال وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة دال على ذلك انتهى
وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية فيه وقد تقدم في أول الحج نقل الخلاف في ابتداء فرض الحج وسيأتي الكلام على عدة عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الباب الذي يليه ومن الصريح في الترجمة الأثر المذكور في آخر الباب الذي يليه عن مسروق وعطاء ومجاهد قالوا اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج وحديث البراء في ذلك أيضاً.
===
*وقال ابن عبدالبر -رحمه الله- في الاستذكار:*
725- وفي هذا الباب مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال أأعتمر قبل أن أحج فقال سعيد نعم قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج.
726- وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا سلمة استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال فإذن له فاعتمر ثم قفل إلى أهله ولم يحج .
قال أبو عمر : الحج والعمرة نسكان .لا يختلف العلماء في ذلك أن المستطيع السبيل إليهما يبدأ بأيهما شاء وقد جاء ذلك عن جماعة من السلف ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال سئل زيد بن ثابت عن رجل اعتمر قبل أن يحج فقال صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت .
قال الحسن : وقال هشام : نسكان لا يضرك بأيهما بدأت وعن معمر عن أيوب عن بن سيرين عن زيد بن ثابت مثله وعن الثوري عن سليمان التيمي عن سعيد الجريري عن حيان بن عمير قال سألت بن عباس فذكر مثله .
والحجة ما قاله سعيد بن المسيب لسائله قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسحاق الأزرق قال حدثنا زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج .
قال أبو عمر : إنما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج على ما ذكره في شهور الحج على ما ذكره العلماء كبراء أصحابه أن العمرة في شهور الحج جائزة خلافا لما كان عليه المشركون في جهالتهم ولذلك استأذن والله أعلم عمر بن أبي سلمة ؛ عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال ليقف على ما في ذلك عمر لأنه لم يكن ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه إلا قليلا وكان سفيان بن عيينة يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لم يرد به فسخ الحج وإنما أراد جواز عمل العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة مفردة ويستمتع بها إلى الحج وأن يقرن مع الحج كل ذلك جائز إلى يوم القيامة وهو قول حسن جدا.
================
*قال صاحب مرعاة المفاتيح -رحمه الله- في شرح حديث “لا صرورة في الإسلام”:*
الصرورة بفتح الصاد وضم الراء المهملتين وإسكان الواو وفتح الراء على وزن الضرورة من الصر بفتح الضاد وهو الحبس والمنع.
قال في المصباح المنير: الصرورة بالفتح الذي لم يحج، وهذه الكلمة من النوادر التي وصف بها المذكر والمؤنث مثل ملوكة وفروقة، ويقال أيضًا: صروري على النسبة وصارورة ورجل صرورة لم يأت النساء. سمي الأول بذلك لصره على نفقته لأنه لم يخرجها في الحج، وسمي الثاني بذلك لصره على ماء ظهره وإمساكه – انتهى.
قلت: قد فسر الصرورة في الحديث بثلاثة معان، الأول: أنه الذي لم يحج قط وهو نفي معناه النهي. أي لا يترك الحج في الإسلام من استطاعه، فمن ترك الحج مع الاستطاعة فقد منع عن نفسه الخير.
وقال القاري: أي من لم يحج بعد أن يكون عليه لا يكون في الإسلام. قال الطيبي: فدل ظاهره على أن من يستطيع الحج ولم يحج ليس بمسلم كامل. وقال القاضي: ظاهر الكلام يدل على أن تارك الحج ليس بمسلم، والمراد منه أنه لا ينبغي أن يكون في الإسلام أحد يستطيع الحج ولا يحج فعبر عنه بهذه العبارة للتشديد والتغليظ – انتهى.
—–
—–
—-
—-
قال الإمام ابن باز رحمه الله في شرح المنتقى :
بَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَبَيَانِ أَفْضَلِهَا
1838- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1839- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: “نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وساق أحاديث الباب وقال : هذه الأحاديث التي ساقها المؤلفُ رحمه الله فيما يتعلق بالإحرام بالحج والعمرة، والحج مُفردًا، وبالعمرة وحدها، يبين بذلك ما وقع في عهده ﷺ في حجَّة الوداع، وما جرى من بعض الخلاف في عهد عثمان، وبعد ذلك في عهد معاوية، والمحفوظ في هذا أنه ﷺ لبَّى بالحجِّ والعمرة جميعًا كما في حديث ابن عمر في “الصحيحين”، وحديث أنس، وحديث عمران بن حصين، وغيرهم ممن روى هذه السنة، وقول عمر للصُّبي بن معبد: “هُديتَ لسنة نبيك ﷺ، قد أحرم بهما”.
فقد استفاضت الأحاديث عنه ﷺ بأنه أحرم بهما جميعًا، وهكذا جماعة من الصحابة أحرموا بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطائفة أحرموا بالحجِّ مفردًا، وطائفة أحرموا بالعمرة مفردةً، وقد خيَّرهم النبيُّ ﷺ في الميقات، خيَّرهم بذلك؛ فمنهم مَن لبَّى بحجٍّ مُفردًا، ومنهم مَن لبَّى بالعمرة مفردة، ومنهم مَن جمع بينهما، وهذه الأنساك الثلاثة، النبيُّ جمع بينهما عليه الصلاة والسلام فيما صحَّت به الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام.
وقال عمر رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ يقول: إنه أتاه آتٍ من ربِّه فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وهو وادٍ بالعقيق، وقل: عمرة في حجَّةٍ، فلبَّى بهما، هذا هو المحفوظ، ووقع لعائشة وابن عمر وعدد من الصحابة بعض الروايات أنه لبَّى بالحجِّ، وكأنهم أرادوا بذلك أنه لبَّى بالحج يعني مع العمرة، فلم ينقل ذلك مَن رواه عنهم، قد يكونوا اختصروا الرواية في بعض الأحيان، فظنَّ بعضُ الناس أنه لم يهلَّ بالعمرة، ويحتمل أنَّ بعضهم نسي ذلك.
فالمقصود أنَّ رواية مَن روى بالحجِّ -أفرد بالحجِّ- فهو وهمٌ أو نسيانٌ، ما وقع من النبي ﷺ، والقاعدة أنَّ المثبت مُقدَّمٌ على مَن نفى، فمَن أثبت الزيادة مُقدَّم، ثبتت الأحاديث المستفيضة عن النبي ﷺ في “الصحيحين” وغيرهما أنه أحرم بهما جميعًا، وقال: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديتُ، ولجعلتُها عمرةً، وكان لما قدم مكة عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يجعلوها عمرةً إلا مَن ساق الهدي، فأمر مَن لبَّى بالحجٍّ مُفردًا أو بهما جميعًا أن يجعلها عمرةً ويتحلل؛ لأنه أرفق بالناس، فحلُّوا جميعًا إلا مَن كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه، ومنهم النبي عليه الصلاة والسلام بقي على إحرامه، فلما كان يوم النحر أحلَّ عليه الصلاة والسلام، وأمر عليًّا أن يُقدِّم له ثلاثًا وستين من الإبل، وقد أهدى مئةً، فنحرها بيده، ونحر عليٌّ البقية، وهي سبع وثلاثون، وأشركه في هديه، فلم يحلّ عليٌّ وبقي على إحرامه.
ولما حلَّ الناسُ يوم النحر ورأت فاطمةُ رضي الله عنها عليًّا لم يحلّ سألته عن ذلك، قالت: ما شأن الناس حلُّوا ولم تحلّ أنت؟! فالمقصود أنه أخبرها أنه أهلَّ بإهلال النبي ﷺ، والنبي لم يحلّ لأنه ساق الهدي، وعلي أيضًا أشركه النبيُّ في هديه ولم يحلّ، فهذا هو السنة، السنة الإحرام بالعمرة، إلا مَن ساق الهدي فإنَّ السنة أن يُحرم بهما جميعًا، ويبقى على إحرامه حتى يحلَّ منهما يوم النَّحر، أما مَن ليس معه هديٌ فإنَّ السنة أن يُحرم بعمرةٍ ويتحلل ثم يُلبي بالحجِّ اليوم الثاني كما أرشد النبيُّ ﷺ إلى ذلك؛ لأنه أرفق بالناس، وفيه جمع بين النُّسكين، كل واحدٍ على حدة، فهو أكمل في أعمالهما.
وكان الصديق رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه بعد ذلك أحبا للناس أن يُفردوا الحجَّ وحده؛ حتى يكثر الحجاجُ والعمَّارُ، مع علمهما بأنه ﷺ قرن، لكن رأيًا منهما رأياه أن يُفرد الناسُ بالحجِّ من باب المشورة، وتبعهما عثمان، وكان يرى الإفراد بالحجِّ، فخالف عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه في وقت عثمان، وأهلَّ بهما جميعًا ليعلم الناس السنة، قال: “ما كنتُ لأدع سنة رسول الله لأحدٍ من الناس”؛ ليعلم الناس السنة، وأنه لا حرج في إحرامهما جميعًا في أيام الحج ممن ساق الهدي، أما مَن لم يسقِ الهدي فإنَّ السنة أن يُحرم بالعمرة مفردةً ويطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، ثم يُلبِّي بالحجِّ في اليوم الثامن، هذه هي السنة المستقرة، وما سوى ذلك فهو وهمٌ ممن رواه، لكن مَن أراد أن يُحرم بالحج وحده فلا حرج، لكن الأفضل والأولى أن يجعلها عمرةً كما أرشد النبيُّ الصحابةَ في ذلك، وجعلوها عمرةً بأمره ﷺ؛ لأنه أرفق بهم، وأكثر عملًا، وأكثر أجرًا.
وحديث الصبي بن معبد التَّغلبي أنه أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، فأنكر عليه سلمانُ بن ربيعة وزيدُ بن صوحان؛ ظنًّا منهما أنه لا يُحرم بهما جميعًا إلا مَن ساق الهدي، فلما قدم على عمر في المدينة قال له: “هُديتَ لسنة نبيك ﷺ”، فدلَّ على أنَّ أمر عمر والصديق للناس بالإفراد ليس على سبيل الإلزام، إنما هو على سبيل الاختيار؛ ولهذا قال لصبي: “هُديتَ لسنة نبيك ﷺ”، وهذا هو الذي التبس على كثيرٍ من الناس، ولو سمَّاه بعضُ الناس: معاوية، فمعاوية سلك مسلك عثمان، فيه مشورة على الناس بالحجِّ فقط، ويرى العمرة تُؤجل إلى وقتٍ آخر؛ سيرًا من معاوية على ما فعله عثمان رضي الله عنه وأرضاه، والأفضل والأولى هو مثلما فعل عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه: أنَّ مَن ساق الهدي أحرم بهما جميعًا، ومَن لم يسقِ الهدي يُحرم بالعمرة، هذا هو الأفضل، وما رآه الصديق وعمر وعثمان رأي لهم، والسنة بخلافهم؛ ولهذا لما خاصم بعضُ الناس ابن عباسٍ وقالوا له: إنَّك تأمر الناسَ بالعمرة والصديقُ وعمرُ يأمران بالحجِّ، قال: “يُوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!”، فدلَّ ذلك على أنَّ السنة إذا اتضحت فالواجب الأخذ بها، والسير عليها، وأن لا تُترك السنة لقول أحدٍ: لا للصديق، ولا لعمر، ولا لعثمان، ولا لمن دونهم، السنة مُقدَّمة على الجميع، وإنما رأيا رأيًا اجتهدا فيه رضي الله عنهما، والصواب خلاف ذلك، وما رأياه بجعل العمرة في رجب أو في شعبان أو في وقتٍ آخر وإفراد الحجِّ فلا حرج، لكن ما جاءت به السنة هو الأفضل؛ أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحجِّ، ويحلّ إذا جاء مكة، ثم يُلبي بالحج اليوم الثامن، هذا هو الأفضل لمن جاء مكة في أشهر الحجِّ.
بَابُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ
1854- عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، فَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً”، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: “مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي”، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْم النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: “هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1855- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِف عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ …..
أما بعد: فهذان الحديثان في إدخال الحجِّ على العمرة، المشروع الأنساك ثلاثة: إحرام بالحجِّ وحده، أو بالعمرة وحدها، أو بهما جميعًا، ويجوز أن يُحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحجَّ، والحديث والباب في هذه المسألة، فلا حرج أن يُحرم الناسُ بالعمرة، ثم يُدخلون عليها الحجَّ كما فعل الصحابةُ بأمر النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا لما قيل لابن عمر في ذلك عام خروج الخوارج -….. الحروري وجماعته- قال: إن صدُّوني فعلتُ مثلما فعل النبيُّ ﷺ. ثم أحرم بعمرةٍ، ثم أدخل عليها الحجَّ، فلما قدم مكةَ وطاف وسعى وبقي على إحرامه، وكان قد ساق هديًا من قديد، فلما كان يوم النحر حلق رأسه وحلَّ، ورأى أنه قد تمَّ حجُّه بطوافه وسعيه الأول.
هذا الذي فعله ابن عمر رضي الله عنهما كله صحيح، فإنَّ المحرم له أن يُحرم بالعمرة والحجِّ جميعًا كما فعل النبيُّ ﷺ في حجة الوداع، فإنه أحرم بهما جميعًا، وأحرم بهما جماعة، وله أن يُحرم بالحجِّ مفردًا كما أحرم به جماعةٌ: كعائشة وجماعة، كذلك جاء عن غير عائشة: أحرموا بالحج مفردًا، وله أن يُحرم بالعمرة، لكن إن ساق الهدي فالسنة أن يُحرم بهما جميعًا كما فعل النبيُّ ﷺ، وهذا هو الأفضل؛ يُحرم بهما جميعًا ويبقى على إحرامه حتى يحلَّ منهما جميعًا، فإن لم يسقِ الهدي فالسنة أن يُحرم بعمرةٍ كما أمر النبيُّ ﷺ الصحابة، واستقرَّت عليه السنة؛ أن يُحرم بعمرةٍ، ويطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، ثم يُلبي بالحجِّ يوم التروية كما أمر النبيُّ الصحابةَ رضي الله عنهم وأرضاهم، لمن كان معه الهدي.
فابن عمر فعل ما فعل في أيام الحرورية، وقدم مكة قارنًا سائقًا للهدي، فطاف وسعى، وبقي على إحرامه، ثم نحر يوم النَّحر وتحلل، ورأى أنَّ طوافه وسعيه قد أدَّى عنهم مناسك الحج والعمرة جميعًا، وظاهر هذا أنه لم يطف بعد ذلك -بعد يوم النحر- وهذا وهمٌ منه ونسيان، فإن النبي ﷺ طاف يوم النحر، ولم يكتفِ بطواف القدوم، بل طاف طواف الإفاضة يوم النحر، وهذا هو الحقّ، وطواف الحجِّ لا بدَّ أن يكون يوم النحر أو بعده، فإن لم يكن في الحديث اختصار من فعل ابن عمر، وإلا فظاهره أنه لم يطف يوم النحر، والصواب أنه لا بدَّ من طوافٍ يوم النحر في حقِّ الحجاج جميعًا، قارنيهم ومُفرديهم ومَن أدخل الحجَّ على العمرة، كلهم عليهم أن يطوفوا ليلة النحر، أو في يوم النحر، أو بعدها، كما فعله الرسولُ ﷺ وفعله الصحابةُ، فإنهم طافوا يوم النحر، طاف النبيُّ يوم النحر، وقد طاف طواف القدوم وهو قارنٌ عليه الصلاة والسلام.
وهكذا الحائض إذا قدمت وهي قد أحرمت بعمرةٍ أو النُّفساء تُلبي بالحجِّ، فتكون قارنةً كما أمر النبيُّ عائشة فلبَّت بالحجِّ وحجَّت مع الناس قارنةً، وقال لها النبيُّ ﷺ: طوافُك في البيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجِّك وعُمرتك جميعًا؛ لأنها صارت أخيرًا قارنةً، فعُلم بذلك أنه لا بأس بالقران وإن كان أحرم بالحجِّ مُتأخرًا، لكنها قالت رضي الله عنها أنها تجد في نفسها أن لم تطف حين قدمت، فأمر النبيُّ ﷺ عبدالرحمن أخاها أن يُعمرها من التَّنعيم، فاعتمرت بعد الحجِّ عمرةً مستقلةً ليلة الحصباء، ليلة أربع عشرة، وفي صباحها خرج النبيُّ إلى المدينة قافلًا عليه الصلاة والسلام. انتهى كلام ابن باز