1644 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند
1644 – قال الإمام النسائي رحمه الله: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفًا فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً.
——————————–
شرح الحديث:
* قال الشيخ الأثيوبي في شرح النسائي: ” في مذاهب العلماء في إيجاب الوضوء مما مست النار وعدمه. اختلف أهل العلم في هذه المسألة على مذهبين:
المذهب الأول: مذهب من قال بعدم الوجوب، وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين:
فمن الصحابة: الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وعائشة رضي الله عنهم.
وبه قال جماهير التابعين، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبي ثور، وأبي خيثمة، وسفيان الثوري، وأهل الحجاز، وأهل الكوفة (1).
المذهب الثاني: مذهب من قال بإيجاب الوضوء منه:
وإليه ذهب طائفة من أهل العلم: منهم عمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وأبو قلابة، وأبو مجْلَز -لاحق بن حميد -، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: منهم ابن عمر، وأبو طلحة، وأبو موسى، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم (2).
احتج الأولون القائلون بعدم الوجوب بالأحاديث الصحيحة:
منها حديث أم سلمة، وابن عباس، وجابر رضي الله عنهم المذكور في هذا الباب.
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما “أن النبي – صلى الله عليه وسلم -أكل كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ” متفق عليه.
ومنها حديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: “رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ” متفق عليه.
ومنها حديث ميمونة رضي الله عنها “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل عندها كتفا ثم صلى، ولم يتوضأ”. رواه مسلم
ومنها حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: “أشهد لكنت أشوي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – بطن شاة ثم صلى ولم يتوضأ”. رواه مسلم.
قال البيهقي وغيره: وفي الباب عن عثمان، وابن مسعود، وسويد بن النعمان، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمغيرة، وأبي هريرة، وعبد الله بن الحارث، ورافع بن خديج، وغيرهم.
واحتج القائلون بالوجوب بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، وهى أحاديث صحيحة أخرجها المصنف في الباب المتقدم ومسلم في صحيحه، وغيرهما.
وأجاب الأولون بأنها منسوخة بأحاديث الباب، وغيرها، ولا سيما حديث جابر رضي الله عنه. ومنهم: من حمل الوضوء فيها على المضمضة، وهو حمل ضعيف. كما قاله النووي رحمه الله.
وقد اعترض جماعة على الاحتجاج بحديث جابر المذكور على نسخ الوجوب، فقالوا: لا دلالة فيه لأنه مختصر من الحديث الطويل الذي رواه أبو داود وغيره عن جابر رضي الله عنه. وقد تقدم في كلام أبي داود. فقوله: آخر الأمرين يريد هذه القضية، وأن الصلاة الثانية هى آخر الأمرين، يعني آخر الأمرين من الصلاتين لا مطلقا.
وممن قال بهذا التأويل أبو داود كما تقدم، والزهري، وغيرهما، قالوا: إن أحاديث الأمر بالوضوء متأخرة ناسخة لأحاديث ترك الوضوء.
قال النووي رحمه الله: وهذا الذي قالوه ليس كما زعموا. فأما تأويلهم حديث جابر فهو خلاف الظاهر بغير دليل، فلا يقبل، وهذه الرواية المذكورة لا تخالف كونه آخر الأمرين فلعل هذه القضية هي آخر الأمر، واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء. ويجوز أيضا أن يكون ترك الوضوء قبلها فإنه ليس فيها أن الوضوء كان لسبب الأكل. وأما دعواهم النسخ فهي دعوى بلا دليل، فلا تقبل.
وروى البيهقي رحمه الله عن الإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي شيخ مسلم: قال: اختلف في الأول من هذه الأحاديث فلم نقف على الناسخ منها ببيان يحكم به، فأخذنا بإجماع الخلفاء الراشدين والأعلام من الصحابة رضي الله عنهم في الرخصة في ترك الوضوء مع أحاديث الرخصة.
وذهب بعضهم إلى الجمع بين الأحاديث بأن أحاديث الأمر بالوضوء محمولة على الاستحباب، وهذا ما جنح إليه الخطابي، والمجد بن تيمية. قال في المنتقى: وهذه النصوص- يعني الأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما مست النار- إنما تنفي الإيجاب لا الاستحباب، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم – للذي سأله أنتوضأ” من لحوم الغنم؟
قال: “أن شئت فتوضأ، “وإن شئت فلا تتوضأ”، ولولا أن الوضوء من ذلك مستحب لما أذن فيه، لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدة. اهـ ج 1 ص 317. نيل
قال الجامع عفا الله عنه: وفي قوله لأنه إسراف … الخ نظر، لأن تكرار الوضوء ليس فيه إسراف، سواء أديت به عبادة أم لا؟ لأن أحاديث فضائل الوضوء، كحديث “إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض، خرجت خطاياه من فيه” الحديث مطلقة عن التقييد بأداء عبادة بالأول.
وأما قول بعض الفقهاء بكراهة الوضوء على الوضوء من غير أداء عبادة بالأول فمما لا دليل عليه. فتبصر.
وقد حقق العلامة أبو الأشبال أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى هذه المسألة فيما كتبه على الترمذي بما شفى وكفى، وأنا أنقل خلاصته لنفاسته: قال رحمه الله تعالى:
اختلف العلماء في وجوب الوضوء مما مست النار، والذي نرجحه، ونذهب إليه عدم الوجوب -إلا في لحوم الإبل- وأن أحاديث الرخصة ناسخة للأمر السابق لها بإيجاب الوضوء منه، وقد تأول بعض أصحابنا من أهل العلم أحاديث الرخصة بأنها ليست نصا في نسخ الأمر، لاحتمال أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك خصوصية له.
ويرد عليه أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح، وأيضا فإن حديث جابر رضي الله عنه المفصل الذي نقلناه من مسند أحمد ج 3 ص 374 – صريح في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – “أكل، وأكل القوم معه، ثم نهض فصلى بنا العصر وما مس ماء ولا أحد من القوم “. وهذا قاطع في نفي الخصوصية. وأما الدليل على النسخ فحديثان: أولهما: رواه أحمد في السند رقم -2377 ج 1/ 264 – عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال: دخلت على ابن عباس بيت ميمونة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – لغد يوم الجمعة قال: وكانت ميمونة قد أوصت له به، فكان إذا صلى الجمعة بسط له فيه، ثم انصرف إليه فجلس فيه للناس، قال: فسأله رجل وأنا أسمع عن الوضوء مما مست النار من الطعام؟
قال: فرفع ابن عباس يده إلى عينيه، وقد كف بصره، فقال: بصر عيناي هاتان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ لصلاة الظهر في بعض حجره، ثم دعا بلال إلى الصلاة، فنهض خارجا، فلما وقف على باب الحجرة لقيته هدية من خبز ولحم بعث بها إليه بعض أصحابه، قال فرجع رسول الله
– صلى الله عليه وسلم – بمن معه، ووضعت لهم في الحجرة، قال: فأكل وأكلوا معه، قال: ثم نهض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمن معه إلى الصلاة، وما مس ولا أحد ممن كان معه ماء، قال: ثم صلى بهم.
وكان ابن عباس إنما عقل من أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آخره. وهذا فيه أيضا رد على من زعم الخصوصية.
وقال الشافعي فيما رواه عنه الزعفراني: إنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس، وإنما صحبه بعد الفتح، يروي عنه أنه رآه يأكل من كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ، وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ، أن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف (1) والثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يتوضأ منه، ثم عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبي كعب، وأبي طلحة، كل هؤلاء لم يتوضئوا منه. نقله البيهقي- 1/ 155.
وقد روى كثير من الصحابة حديث الأمر بالوضوء مما مست النار، وروى غيرهم أحاديث الرخصة في ذلك، ولكن الذي كان يجادل منهم في المسألة أبو هريرة، وابن عباس، فالأول يشدد في الوجوب، والثاني يشدد في بيان الرخصة، وكل منهما يرد على صاحبه، ومع هذا فإن أبا هريرة روى أيضا حديث الرخصة، ورد ذلك عنه بإسناد صحيح، فقد روى أحمد -2/ 389 حديثا عن عفان، عن وهيب، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، ثم قال: وبهذا الاسناد: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل كتف شاة فمضمض، وغسل يده، وصلى” وهذا إسناد صحيح.
وقد روى الطيالسي أيضا حديث الرخصة هذا برقم -2411 – ، ورواه غيرهما كذلك. فيظهر من هذا أن أبا هريرة سمع الحديثين من غيره من الصحابة، ولعل إصراره علي التشديد في الوجوب لإضطراب الروايتين عنده وعدم يقينه برجحان النسخ، أو لعله رأى الوضوء وسمع الأمر به، ولم يشاهد الحديث الآخر بل سمعه سماعا فلم يطمئن قلبه إلى ترك ما رآه بنفسه.”
قال ابن عبدالبر بعد أن نقل أحاديث وآثار عن الخلفاء في ترك الوضوء مما مست النار: فأعلم الناظر في موطئة – يعني مالكا – أن عمل الخلفاء الراشدين بترك الوضوء مما مست النار دليل أنه منسوخ.
قال الزرقاني: وقد أومأ مسلم إلى النسخ فروى أولا أحاديث زيد وأبي هريرة وعائشة ثم عقبها بحديث ابن عباس. انتهى
تنبيه: حديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار
قال أبوداود في السنن 192:هذا اختصار من الحديث الأول.
يقصد حديث جابر: (قرَّبتُ للنبي صلى الله عليه وسلم خبزا ولحما فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به ثم صلى الظهر ثم دعا بفضل طعامه فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ).