164 و 165 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها
-164الْخامِسُ: عنْ أَبِي عبدِ اللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رَضيَ اللَّه عنهما، قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ” متفقٌ عَلَيهِ
وفي روايةٍ لِمْسلمٍ: كَانَ رسولُ اللُّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُسَوِّي صُفُوفَنَآ حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوماً، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ، فَرأَى رجُلا بادِياً صدْرُهُ فقالَ: ” عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ”.
ورد في رواية أبي دواد ” أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ” أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ – ثَلَاثًا – وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ “. قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ، وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ.” (سنن أبي داود 717)
قال أنس بن مالك:” فلو ذهبتُ أفعلُ هذا اليومَ، لنَفَرَ أحدُكُم، كأنَّهُ بغلٌ شَموسٌ.” رواه ابن أبي شيبه. صححه الألباني في الصحيحة 31
ذكر الترمذي في سننه أنه ” روِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُ رِجَالًا بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ، ولَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبَرَ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَعَاهَدَانِ ذَلِكَ وَيَقُولَانِ: اسْتَوُوا. وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ، تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ.: (سنن الترمذي 227)
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربِّها؟ ” فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربّها؟ قال: “يتمّون الصفوف، الأول فالأول، ويتراصّون في الصفوف “. (رواه مسلم 430)
أحكام تسوية الصفوف ستأتي في باب مستقل. بإذن الله
قوله: (يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح) ورواية ابن ماجه (994): “يسوي الصف حتى يجعله مثل الرمح، أو القدح”.
قال الخطابي:” القدح: خشب السهم إذا بري، وأصلح قبل أن يركب فيه النصل والريش.” (معالم السنن)
قال النووي:” القداح – بكسر القاف – هي خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها: قدح – بكسر القاف – معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها.” (شرح مسلم)
قال الطيبي -رحمه الله-: “القدح” بالكسر: السهم قبل أن يراش، ويركب نصله، وجمعه: قداح، وضرب المثل به ها هنا من أبلغ الأشياء في المعنى المراد منه؛ لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد الانتهاء في الاستواء، وإنما جمع مع الغنية عنه بالمفرد لمكان الصفوف، أي يسوي كل صف على حدته كما يسوي الصانع كل قدح على حدته، وروعي في قوله: “يسوي بها القداح” نكتة؛ لأن الظاهر أن يقال: كأنما يسويها بالقداح، والباء للآلة، كما في قولك كتبت بالقلم، فعكس، وجعل الصفوف هي التي يسوى بها القداح؛ مبالغة في استوائه” (الكاشف عن حقائق السنن)
ذكر بعض الشراح أن ضابط تسوية الصف: اعتدال القائمين بها على سمت واحد وسدد الخلل الذي يكون في الصف ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أقيموا صفوفكم وتراصوا ”
قوله صلى الله عليه وسلم: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)
الجملة الأولى: مؤكدة بثلاثة مؤكدات؛ بالقسم المقدر، واللام، ونون التوكيد، (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) … ، هذه الجملة أيضاً مؤكدة بثلاثة مؤكدات: بالقسم، واللام، والنون. (شرح الرياض للعثيمين)
قال النووي:” قيل: معناه: يمسخها ويحولها عن صورها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” يجعل الله تعالى صورته صورة حمار “، وقيل: يغير صفاتها، والأظهر – والله أعلم – أن معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال: تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهة لي، وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.” (شرح مسلم)
قال صاحب عون المعبود:” قال في التعليق المغني: فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعض على بعض ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه وركبته بركبته، لكن اليوم تركت هذه السنة، ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحمر الوحشية” (عون المعبود على سنن أبي داود)
قال ابن عثيمين:” اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في معنى مخالفة الوجه. فقال بعضهم: إن المعنى أن الله يخالف بين وجوههم مخالفة حسية، بحيث يلوي الرقبة، حتى يكون وجه هذا مخالفاً لوجه هذا، والله على كل شيء قدير، فهو عز وجل قلب بعض بني آدم قردة، قال لهم: كونوا قردة، فكانوا قردة، فهو قادر على أن يلوي رقبة إنسان حتى يكون وجهه من عند ظهره، وهذه عقوبة حسية.
وقال بعض العلماء: بل المراد بالمخالفة: المخالفة المعنوية، يعني مخالفة القلوب؛ لأن القلب له اتجاه، فإذا اتفقت القلوب على وجهة واحدة حصل في هذا الخير الكثير، وإذا اختلفت تفرقت الأمة. فالمراد بالمخالفة مخالفة القلوب، وهذا التفسير أصح؛ لأنه قد ورد في بعض الألفاظ: (أو ليخالفن الله بين وجوهكم). وفي رواية: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم). (شرح رياض الصالحين)
قال النووي:” فيه الحث على تسويتها، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة، وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، ومنعه بعض العلماء، والصواب: الجواز، وسواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لغيرها أو لا لمصلحة.” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” فيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة، وعلى هذا فهو واجب، والتفريط فيه حرام”.
وقال أيضا:” فيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة”. (فتح الباري)
وقال ابن عثيمين:” في هذا دليل على وجوب تسوية الصفوف، وأنه يجب على المأمومين أن تسوى صفوفهم، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك، فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله والعياذ بالله.” (شرح رياض الصالحين)
فإذا قال قائل: إذا كان هناك إمام ومأموم فقط، فهل يتقدم الإمام قليلاً، أو يساوي المأموم؟
فالجواب: أنه يساوي المأموم؛ لأنه إذا كان إمام ومأموم، فالصف واحد، لا يمكن أن يكون المأمون خلف الإمام وحده، بل هم صف واحد، والصف الواحد يسوى فيه، خلافاً لما قال بعض أهل العلم إنه يتقدم الإمام قليلاً؛ لأن هذا لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، وهو أن يسوي بين الإمام والمأموم إذا كانا اثنين. (شرح رياض الصالحين للعثمين)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: وعيدٌ شديد على من لم يسو الصفوف، والحثّ على تسويتها، وجواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة.” (تطريز رياض الصالحين)
– 165السَّادِسُ: عن أَبِي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشَانِهمْ قَالَ: “إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ” متَّفقٌ عَلَيهِ.
جاء في البخاري:” أطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت”
قوله (احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ من الليل) قال ابن حجر:” لم أقف على تسميتهم”.
قال ابن علان: أي فيه: في «مغني اللبيب» في معاني «من» أنها تكون مرادفة في نحو قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} (الجمعة: 9) … قال: ويحتمل أن تكون من «فيه» تبعيضية على حذف مضاف أي بعض مسئولات اليوم اهـ (دليل الفالحين)
قوله (إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ) قال ابن حجر:” هكذا أورده بصيغة الحصر مبالغة في تأكيد ذلك، قال ابن العربي رحمه الله: معنى كون النار عدوا لنا أنها تنافي أبداننا، وأموالنا منافاة العدو، وإن كانت لنا بها منفعة، لكن لا يحصل لنا منها إلا بواسطة، فأطلق أنها عدو لنا؛ لوجود معنى العداوة فيها، والله أعلم (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” (إن هذه النار عدوٌ لكم) فهي عدو إذا لم يحسن الإنسان ضبطها وقيدها، وصارت عدواً إذا فرط فيها أو تعدى، فرط فيها بأن لم يبعد ما تكون سبباً لاشتعاله، أو تعدى فيها بأن أوقدها حول ما يشتعل سريعاً، كالبنزين والغاز وما أشبه ذلك، فإنها تكون عدواً للإنسان.” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن علان: وقال الطبري: إذا بات الواحد في بيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يأمن معه الاحتراق، وإن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأخصهم بذلك آخرهم نوماً، فمتى فرّط في ذلك كان مخالفاً للسنة. (دليل الفالحين)
قال النووي:” هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لابأس بها لانتفاء العلة ” (شرح مسلم)
قال ابن باز:” فالواجب العناية بها وإطفاؤها عند النوم حذرا من شرها وهكذا إطفاء الأنوار التي لا ضرورة إليها، كل ذلك مما ينبغي عند النوم لما فيه من الحيطة ولما في من الاقتصاد أيضا، وعدم صرف الأموال في غير طائل ” (شرح الرياض لابن باز)
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: يؤخذ من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- سبب الأمر في حديث جابر بإطفاء المصابيح، وهو فنٌّ حسن غريب، ولو تتبع لحصل منه فوائد، قال ابن حجر: قد أفرده أبو حفص العكبري من شيوخ أبي يعلى بن الفراء بالتصنيف، وهو في المائة الخامسة، ووقفت على مختصر منه، وكأن الشيخ ما وقف عليه، فلذلك تمنى أن لو تتبع. (فتح الباري)
بيان مقصود ابن دقيق بهذا الفن:
قال رحمه الله في كتابه: “شرح عمدة الأحكام” (1/ 11) عند شرحه لحديث: “إنما الأعمال بالنيات”: شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث، كما صنف في أسباب النزول للكتاب العزيز، فوقفت من ذلك على شيء يسير له، وهذا الحديث على ما ذكرناه من الحكاية عن مهاجر أم قيس، يدخل في هذا القبيل، وتنضم إليه نظائر كثيرة لمن قصد تتبعه، انتهى.
قال ابن عثيمين:” في هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يتخذ الاحتياط في الأمور التي يخشى شرها، ولهذا أمر الإنسان عند النوم أن يطفئ النار ولا يقول هذه سهلة أنا آمن من ذلك، ربما يظن هذا الظن ولكن يحدث مالا يخطر على باله. ومن ذلك أيضاً صمامات الغاز التي حدثت في عصرنا الحاضر، فصمامات الغاز يجب على الإنسان أن يتفقدها؛ لئلا يكون فيها شيء من التسريب؛ فتملأ الجو من الغاز، فإذا أشعل النار احترق المكان كله …. إذا كان هذا في نار الدنيا، فكذلك يجب أن يحترس مما يكون سبباً لعذاب النار في الآخرة، من أسباب المعاصي، ووسائلها، وذرائعها ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: إن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن الذرائع يجب أن تسد إذا كانت ذريعة إلى محرم، خشية من الوقوع في الهلاك.” (شرح الرياض)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: الأمر بإطفاء النار عند الرقاد، لما يخشى من الاحتراق ويدخل فيه نار السراج وغيره، إلا أنْ يُؤْمَن الضرر” (تطريز)
فيه دلالة على الاحتياط مما يخشى منه الضرر. وفيه أن مخالفة السنة عقوبة وامتثالها أمان. .