1629 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا )
——–‘——-‘——-”
——–‘——-‘——-”
——–‘——-‘——-”
——–‘——-‘——-”
الصحيح المسند
1629- قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْزَمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: « إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ ».
قال الشيخ مقبل الوادعي: هذا حديث صحيح، ومحمد بن مهزم وثَّقه ابن معين، كما في تعجيل المنفعة.
——————————–
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
*1- تخريج الحديث:*
أخرجه أحمد في “مسنده”، برقم: (25896) بهذا اللفظ في طبعة مؤسسة الرسالة، وأما في طبعة جمعية المكنز الإسلامي زيادة: « وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ».
وأخرجه أبو يعلى في “مسنده” برقم: (4530) بمثله مختصرا.
وأخرجه عبد بن حميد في “المنتخب من مسنده” برقم: (1523) بنحوه مختصرا بلفظ: « مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَنْ مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الرِّزْقِ.»
ثلاثتهم من طريق من طريق القاسم عن عائشة.
*2- الحكم على الحديث:*
* جاء في سنن الترمذي 2013 عن أبي الدرداء مرفوعاً: « من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير» قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن عائشة و جرير بن عبد الله و أبي هريرة”، وصححه الشيخ الألباني وانظر «الصحيحة» (519 و 876) ، وفيه يعلى بن مملك ذكره ابن حبان في الثقات (5/556)، وقال النسائي في السنن الكبرى 1284: “ليس بذاك المشهور”، وقال ابن حجر: “مقبول”، وقال عنه الذهبي في الميزان 9840: ” ما حدث عنه سوى ابن أبي مليكة “، وجهَّله محققو المسند (45/535).
وأخرج حديث أبي الدرداء البخاري في الأدب المفرد 464 وفيه زيادة: « أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ» وصححه الألباني.
و قال الحافظ فى ” الفتح ” 10 / 449 : صححه الترمذى و ابن خزيمة.
وقال الشيخ سيف الكعبي في التعليق على أحاديث نضرة النعيم (1/277): ورد من حديث عائشة: وفيه عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة؛ متروك. وراجع منتخب عبد بن حميد 1524
وذكره العقيلي في ترجمته وأنكره وقال: وأما الرفق فقد روي فيه أحاديث من غير هذا الوجه بأسانيد جياد بألفاظ مختلفة
قلت: بعضها في البخاري 832 ومسلم 589 من حديث عائشة وراجع تحقيق منتخب عبد بن حميد (مكتبة دار ابن عباس)
* الدارقطني في العلل (14/228): بيَّن أوجه الاختلاف على محمد بن مهزم العبدي ثم وهّم عبدالصمد بن عبدالوارث وقال: “فرواه عبد الصمد بن عبد الوارث ، ويحيى بن إسحاق السيلحيني ، عن محمد بن مهزم ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وهو وهم.
والصواب ما رواه حجاج بن محمد، وأبو حاتم عمر بن عبد الملك ، عن محمد بن مهزم ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة ، وابن أبي مليكة هذا هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة بن أخي عبيد الله بن أبي مليكة ، وهو والد أبي غرارة ، وهو الذي يقال له:
زوج جبرة.
وكذلك رواه أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وابن أبي فديك، عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي.
وكذلك رواه أبو غرارة محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة التيمي القرشي الجدعاني ، عن أبيه ، عن القاسم ، عن عائشة “ا.ه
وعبدالرحمن بن أبي مليكة منكر الحديث كما قاله البخاري في التاريخ الكبير برقم 839، وسبق كلام العقيلي بعد أن أنكر هذا الحديث على ابن أبي مليكة : ” وأما الرفق فقد روي فيه أحاديث من غير هذا الوجه بأسانيد جياد بألفاظ مختلفة ”
* للحديث شاهد عند مسلم 2594 من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “من حرم الرفق حرم الخير”، أو: “من يحرم الرفق يحرم الخير”
* الهيثمي في غاية المقصد في زوائد المسند أورد هذا الحديث من طريق عبدالرحمن بن القاسم عن عائشة ولم يذكر القاسم، وقال في آخر الحديث: “قلت: له حديث في الرفق غير هذا ”
وقال الهيثمى: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 153)
قال صاحب كتاب “نزهة الألباب في قول الترمذي: وفي الباب”(5/2779): لا معنى له إلا أن تكون نسخة المسند الواقعة للهيثمى وقع فيها سقط وأما النسخة من المسند التى بأيدينا فهي بخلاف ذلك بل هي من رواية عبد الرحمن عن أبيه عنها.
* قال العراقي: “رواه أحمد والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وضعفه عن القاسم عن عائشة، وفي الصحيحين من حديثها ” يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ” تخريج أحاديث الإحياء (3/ 151).
* قال العيني في عمدة القاري (22/92): ” أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات مرفوعا ”
* قال محققو المسند: “إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن مهزم، فمن رجال “التعجيل” وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في “الثقات””. مسند أحمد ط الرسالة (42/ 153)
* قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح. مسند أبي يعلى (8/ 25)
*ثانياً: دراسة الحديث دراية:*
*فقه الحديث:*
في فتح القدير
قوله ( من أعطي حظه من الرفق ….) يعني نصيبه منه
فبالرفق ينال المطالب الدنيوية والأخروية وبفوته يفوتان …..
وهذا الحديث في معناه أحاديث :
*قال العباد -حفظه الله- في شرح السنن (باختصار):*
قال أبوداود رحمه الله تعالى: باب في الرفق.
عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)]
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الرفق].
والمراد بالرفق الرفق في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي النصح، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكل هذا مطلوب فيه الرفق، وكذلك معاملة الناس تكون بالرفق.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، والعنف ضد الرفق.
قوله: (إن الله رفيق) يدل على أن من أسماء الله الرفيق، وهو يحب الرفق، مثل: (إن الله جميل يحب الجمال) ومثل (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، فهو رفيق يحب الرفق.
قوله: [(ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)].
يعني: أن الذي يرفق في الأمور فإنه يحصل الخير، ويحصل من النفع ما لا يحصل بالعنف والشدة والقسوة والغلظة، وقصة الأعرابي الذي جاء وبال في المسجد معروفة، فقام الصحابة ليزجروه وينهروه؛ لأن فعله هذا شيء عظيم، ولأن المسجد لا يبال فيه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتركوه، فالرسول صلى الله عليه وسلم رفق به؛ لأنه لو قام حين زجروه لملأ ثيابه، وملأ جسده، ولتناثرت قطرات البول في المسجد، فيحتاج إلى أن تطهر كل البقعة التي مر عليها؛ لأن النجاسة وصلت إليها، ولكن مادام أنه قد بدأ بالبول فبقاؤه في مكانه يجعل مكان النجاسة محصوراً، وبعد ذلك يطهر هذا المكان الذي علم بأنه تنجس، فالرسول أمرهم بأن يتركوه، ثم إن الرجل تأثر من هذا الذي حصل من الزجر، وأعجبه هذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرفق، ولهذا جاء أنه قال: اللهم! اغفر لي ولمحمد ولا تشرك في رحمتنا أحداً…
قال أبوداود رحمه الله تعالى: [ عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: (سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي يا عائشة: ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه).
قال ابن الصباح في حديثه: محرمة يعني: لم تركب].
قوله: [(يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)] يعني: ارفقي بها، وهذا يدل على عظم شأن الرفق وأهميته، والترغيب فيه، والحث عليه، وأنه فيه الفوائد بخلاف العنف فإنه يأتي بعكس ما هو مطلوب…
قال أبوداود رحمه الله تعالى: عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله)].
أورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه، وهو يدل على عظم شأن الرفق حيث قال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) أي: أنه لا يحصل خير من وراء العنف، وإنما يحصل منه الضرر.
_________________________
ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه، بَابُ الرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ
وأورد تحته حديثين:
# عائشة ، رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : السام عليكم ، قالت عائشة : ففهمتها فقلت : وعليكم السام واللعنة ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت : يا رسول الله ، أولم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلت : وعليكم.
# أنس بن مالك : أن أعرابيا بال في المسجد ، فقاموا إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرموه ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه.
*قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح (باختصار):*
الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف .
وقـوله إن الله يحب الرفق في الأمر كله في حديث عمرة عن عائشة عند مسلم إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف والمعنى أنه يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده،
وقيل المراد يثيب عليه ما لا يثيب على غيره والأول أوجه وله في حديث شريح بن هانئ عنها إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه وفي حديث أبي الدرداء من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير الحديث وأخرجه الترمذي وصححه وبن خزيمة وفي حديث جرير عند مسلم من يحرم الرفق يحرم الخير كله.
______________________________
*وترجم البخاري رحمه الله في صحيحه، بَابُ مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ*
وأورد تحته حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سره أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه.
*قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري:*
قوله من سره أن يبسط له في رزقه في حديث أنس من أحب وللترمذي وحسنه من وجه آخر عن أبي هريرة أن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر وعند أحمد بسند رجاله ثقات عن عائشة مرفوعا صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار وصححه الحاكم من حديث علي نحو حديثي الباب قال ويدفع عنه ميتة السوء ولأبي يعلى من حديث أنس رفعه إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء فجمع الأمرين لكن سنده ضعيف وأخرج المؤلف في الأدب المفرد من حديث بن عمر بلفظ من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وثري ماله وأحبه أهله.
قوله وينسأ أي يؤخر.
قوله في أثره أي في أجله وسمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال زهير والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر.
* *صور الرِّفق:*
*1- الرِّفق بالنفس في أداء ما فرض عليه:*
المسلم لا يُحَمِّل نفسه من العبادة مالا تطيقه، فالإسلام دين يسر وسهولة، فالمتبع له يوغل فيه برفق، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدُّلْجة ) أخرجه البخاري 39 ومسلم 2816.
وعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ الحولاء بنت تُوَيْتِ بن حبيب بن أسد ابن عبد العزَّى مرت بها، وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت: هذه الحولاء بنت تويتٍ. وزعموا أنَّها لا تنام بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام بالليل، خذوا من العمل ما تطيقون، فو الله لا يسأم الله حتى تسأموا) مسلم 785 .
قال ابن القيم: (نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين بالزيادة على المشروع، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ تشديد العبد، على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع. فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس. فإنهم شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم) إغاثة اللهفان(1/132).
*2- الرِّفق مع النَّاس عامة:*
ويكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل مع النَّاس بالسَّمَاحَة، قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون هيِّنون ليِّنون، كالجمل الأنِفِ، إن قِيد انقاد، وإذا أُنيخ على صخرة استناخ) حسنه الألباني في صحيح الجامع 6669، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كلِّه)) متفق عليه .
*3- الرِّفق بالرعية:*
الراعي، سواء كان حاكمًا، أو رئيسًا، أو مسؤولًا، عليه أن يرفق برعيته، فيقضي حاجتهم، ويؤدِّي مصالحهم برفق، قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)) رواه مسلم 1828.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرَّ الرِّعاء الحُطَمة ) مسلم 1830.
قال ابن عثيمين: (أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرِّفق بالرعية، والإحسان إليهم، واتباع مصالحهم، وتولية من هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنَّهم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل) شرح رياض الصالحين(3/627) .
*4- الرِّفق بالمدعوِّين:*
قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلطَّف مع العاصي بكلام ليِّن وبرفق، ولا يعين الشيطان عليه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا، فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه، تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا- أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- كنَّا لا نقول في أحد شيئًا حتى نعلم علام يموت؟ فإن خُتم له بخير علمنا أن قد أصاب خيرًا، وإن خُتم بشرٍّ خفنا عليه).
وانظر إلى رفق إبراهيم عليه السلام مع أبيه قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 46-47].
قال الشنقيطي: (بيَّن الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين أنَّ إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرِّفق واللين، وإيضاح الحق، والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ومن عذاب الله تعالى، وولاية الشيطان، خاطبه هذا الخطاب العنيف وسماه باسمه، ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت، وأنكر عليه أنَّه راغب عن عبادة الأوثان، أي: معرض عنها لا يريدها؛ لأنَّه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا، وهدَّده جلَّ وعلا، وهدَّده بأنَّه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه، قيل: بالحجارة، وقيل: باللسان شتمًا، والأول أظهر، ثم أمره بهجره مليًّا، أي: زمانًا طويلًا، ثُمَّ بيَّن أنَّ إبراهيم قابل أيضًا جوابه العنيف بغاية الرِّفق واللين، في قوله: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي… [مريم: 47]) أضواء البيان (3/427) .
*5- الرِّفق بالخادم والمملوك:*
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق)) رواه مسلم 1662.
قال الشنقيطي: (فأوجب على مالكيهم الرِّفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم؛ كما هو معروف في السُّنَّة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم مع الإيصاء عليهم في القرآن) أضواء البيان (3/30).
*6- الرِّفق بالحيوان:*
فمن الرِّفق بالحيوان، أن تدفع عنه أنواع الأذى، كالعطش والجوع والمرض، والحمل الثقيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
– ((بينا رجل يمشي، فاشتدَّ عليه العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها، ثُمَّ خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر)) البخاري 2363.
– وعن سعيد بن جبير قال: ((مرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟! لعن الله من فعل هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا) مسلم 1958.
* مسألة أن صلة الرحم وحسن الخلق والجوار تطيل الأعمار مع أن الآجال مكتوبة.
يراجع مختلف الحديث رقم 62.
قال ابن التين: ظاهر الحديث أي حديث البخاري معارض لقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [النحل: 61] قال: والجمع بينهما من وجهين أحدهما: أن الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تقاصر أعمار أمته بالنسبة إلى أعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر. وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت.
ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده بتأليف ونحوه والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.
وثانيهما أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، والذي في الآية بالنسبة إلى علم الله كأن يقال للملك في علمه أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي يقال مثلا إن عمر فلان مائة إن وصل رحمه، وإن قطعها فستون وقد سبق مثلا في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39] والمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم الملك وما في أم الكتاب؛ وأما الذي في علم الله فلا محو فيه ألبتة. فتح الباري (10/ 416).
وذكرنا في
* مختلف الحديث رقم: (62)
كيف التوفيق بين حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
البخاري (2067) ومسلم (2557)
وحديث (إن ابن آدم يكتب فى بطن أمه أثره وأجله ورزقه) وقال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون}
———-
*قال بدر الدين العيني في شرح البخاري:*
فإن قلت الآجال مقدرة وكذا الأرزاق لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، قلت: أجيب عن هذا بوجهين:
(أحدهما) أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وصيانته عن الضياع وحاصله أنها بحسب الكيف لا الكم
(والثاني) أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وإلى ما يظهر له في اللوح المحفوظ بالمحو والإثبات فيه يمحو الله ما يشاء ويثبت كما أن عمر فلان ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإنه يزاد عليه عشرة وهو سبعون وقد علم الله عز وجل بما سيقع له من ذلك فبالنسبة إلى الله تعالى لا زيادة ولا نقصان ويقال له القضاء المبرم وإنما يتصور الزيادة بالنسبة إليهم ويسمى مثله بالقضاء المعلق.
ويقال المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت وهو إما بالعلم الذي ينتفع به أو الصدقة الجارية أو الخلف الصالح. اهـ
*قال ابن بطال في شرح البخاري:*
قال الطبرى: فإن قيل كيف ينسأ له فى أجله، وقد قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون} وقال النبى – صلى الله عليه وسلم -: «إن ابن آدم يكتب فى بطن أمه أثره وأجله ورزقه»؟.
فالجواب: أنه إن فعل ذلك به جزاء له على ما كان له من العمل الذى يرضاه، فإنه غير زائد فى علم الله تعالى شيئًا لم يكن له عالما قبل تكوينه، ولا ناقص منه شيئًا، بل لم يزل عالمًا بما العبد فاعل وبالزيادة التى هو زائد فى عمره بصلة رحمه، والنقص الذى هو بقطعه رحمة من عمره ناقص قبل خلقه لا يعزب عنه شاء من ذلك … أ هـ
*قال الطحاوي في مشكل الآثار:*
هذا مما لا اختلاف فيه إذ كان قد يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا لما هو دون ذلك وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا وإن عملت كذا حرمت كذا وإن لم تعمله رزقت كذا ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه وفي ذلك بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها وانتفاء التضاد عنها والله عز وجل نسأله التوفيق. اهـ
*قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:*
الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل، وإنما قدّر الله عز وجل الأسباب وقدر المسببات، فقدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر أن يكون باراً واصلاً لرحمه، فحصل له السبب والمسبب، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر، وقد جعل الله صلة الرحم سبباً لإطالة العمر، فهذا هو المقصود من الحديث. أ هـ
*قال شيخنا إبراهيم المزروعي* في درس الإيمان بالقضاء والقدر:
قال ابن تيمية (والأجل أجلان، أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد. ولهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم “” من سره أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه “” فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكنّ الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر) الفتاوى (8/ 517) وكذلك قال في الرزق ـ الفتاوى (8/ 540) قال ابن حجر (كأن يقال للملك إن عمر فلان مائة عام إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك) فتح (10/ 430) وهذا هو الراجح من أقوال العلماء الثلاثة. اهـ
——–
*قال الشيخ الألباني رحمه الله* في “صحيح الأدب المفرد” (1/ 24):
” الحديث على ظاهره، أي: أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة، تماماً كالسعادة والشقاوة، فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً.
وكما أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً ” انتهى
وقال الحليمي رحمه الله في معناه: ” أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك، فحمل الزيادة في العمر على هذا ” انتهى.
“شعب الإيمان” (6/ 219).
*قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:*
” فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى ” انتهى.
“المنتقى من فتاوى الفوزان” (98/ 1).
*قال الشيخ ابن عثيمين:*
مكتوب أنك ستصل رحمك، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي صلى الله عليه وسلم، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله يبسط لك في الرزق، وينسأ لك في الأثر …
ثم اعلم أن امتداد الأجل، وبسط الرزق أمرٌ نسبي، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه، ويبسط له في رزقه بعض الشيء، ولكن عمره يكون قصيراً وهذا مشاهد، فنقول: هذا الذي كان عمره قصيراً مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثاني – باب القضاء والقدر.
———
*قال النووي رحمه:*
“وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت … ”
شرح النووي على مسلم ((16) / (114)).
والأظهر والله أعلم هو حمل الحديث على ظاهره، فنقول أن الزيادة في العمر حقيقي لمن وصل رحمه، ولا تعارض بين الأدلة لقوله تعالى: “يمحوا الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب”.
———-
*فتوى للإمام بن باز رحمه الله:*
لا منافاة بين الحديث والآيات، فكون الإنسان يبسط له في الرزق، وينسأ له في الأجل بسبب صلة الرحم، أو بسبب بر الوالدين لا يمنع قوله تعالى: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [(11) سورة المنافقون]. فالمعنى أن الله – جل وعلا – يجعل صلة الرحم، ويبر والديه من أسباب تأخير أجله في الأجل السابق والقدر السابق، فالله – جل وعلا – يعلم أن هذا يصل رحمه ويبر والديه، فلهذا أجل له زيادة في العمر، وفسح له في العمر، وذاك يقطع رحمه، ويعق والده، فلن يفسح له في العمر، وجعل عمره كذا، لحكمة بالغة، وقد يطول عمر هذا العاق وعمر هذا العاق، ويعجل أجل المطيع لأسبابٍ أخرى، وحكمة بالغة من الله -سبحانه وتعالى -، وفي الحديث الصحيح: (لا يرد قدره إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) يعني بر الوالدين، فهو من جنس حديث أنس: (من أحب أن يبسط له في رزقه). يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله، فليصل رحمه). وصلة الرحم وبر الوالدين وكثرة الدعاء بطول الحياة على خير من أسباب تأخير الأجل فيما مضى في علم الله، ليس معناه أن هذا قد كتبه الله يموت في كذا ثم أُخَّر، لا. المقصود أن الله – جل وعلا – جعل بر هذا لوالديه، وصلته لأرحامه، وكثرة دعائه من أسباب تأخير أجله الذي مضى به علم الله، فعلم الله لا يتغير، ولا يعقبه جهل، ولا يسبقه جهل، بل علم الله شامل – سبحانه وتعالى -، لا يعتريه جهل ولا نقص، فهذا إذا جاء أجله تمت حياته والآخر كذلك، والآخر كذلك، وكلٌ له أسبابه، هذا أطيل في أجله لبره وصلة رحمه وكثرة دعاءه، وهذا عجل له الأجل لأسبابٍ أخرى، وهذا مد له في الأجل لأسبابٍ أخرى، فربك حكيم – جل وعلا -، وليس هناك منافاة بين الأسباب؛ لأن الآجال معلقة بأسبابها، والأرزاق معلقة بأسبابها، والله هو المقدر لهذا ولهذا – سبحانه وتعالى –