1623 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——–‘——-‘——-”
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند
1623 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يعقوب قال حدثنا أبى عن بن إسحاق قال فحدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ان قال لا يترك بجزيرة العرب دينان.
هذا حديث حسن.
……………….
وأخرجه مالك في “الموطأ” 2/ 982 – ومن طريقه ابن سعد 4/ 252 – وعبد الرزاق (9987) و (19368) عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه سمع عمر ابن عبد العزيز يقول: كان آخِرُ ما تكلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال ابن عبد البَرّ في “التمهيد” 1/ 165 – 166: هكذا جاء هذا الحديث عن مالك في الموطآت كلها مقطوعاً، وهو يتصل من وجوه حسان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أبي هريرة وعائشة، ومن حديث عليِّ بن أبي طالب وأسامة. (راجع تحقيق المسند 43/ 371)
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114))
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} هذا خبر معناه الطلب، أي لا تُمَكِّنوا هؤلاء -إذا قَدَرُتم عليهم-من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية. ولهذا لما فتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادى برحاب منى: “ألا لا يَحُجَّن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عُريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته”. وهذا كان تصديقًا وعملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الآية [التوبة: 28]، وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب، وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلا أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها. والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك، لولا ظلم الكفرة وغيرهم.
وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيُظْهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم. وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن تجلى اليهود والنصارى منها، ولله الحمد والمنة. اهـ من تفسيره.
سئل ابن باز رحمه الله: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السيخ. ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
ج- لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع في الجزيرة دينان» , وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة , وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم , وأوصى عند موته عليه الصلاة والسلام بإخراج المشركين من الجزيرة , فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه شك , والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية, كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم , فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة , عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة وألا يستقدموا إلا المسلمين.
هذا هو الواجب وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف. فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله , ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين , فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة , وعنده من الشر ما عنده , فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة، أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية؛ أي: التي يقدرها ولاة الأمر , وفق شرع الإسلام وحده.
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
فصل
المسألة الثانية: منع المشركين واليهود والنصارى من السكنى في جزيرة العرب، وإخراج من كان منهم ساكنًا فيها؛ عملاً بما عزم عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته من إجلائهم عنها، مؤكدا عزمه على ذلك بالقسم كما في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أخبرني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلمًا».
ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي رواية لأحمد، والترمذي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لئن عشت -إن شاء الله- لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب».
زاد أحمد: «حتى لا أترك فيها إلا مسلمًا».
ولما عاجلت المنية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن فعل ما عزم عليه أوصى أمته أن تفعل ذلك بعد موته؛ كما في الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» ونسيت الثالثة.
وفي المسند أيضًا، عن أبي عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه – قال: آخر ما تكلم به النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب».
ورواه البخاري في التاريخ الكبير مختصرًا.
وفي المسند أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: آخر ما عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن قال: «لا يترك بجزيرة العرب دينان».
وفي الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «نقركم بها على ذلك ما شئنا» فقروا بها حتى أجلاهم عمر – رضي الله عنه – إلى تيماء وأريحاء.
وروى أبو داود في سننه، عن مالك أنه قال: عمر أجلى أهل نجران ولم يجلوا من تيماء لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي -يعني وادي القرى- فإني أرى إنما لم يجل من فيها من اليهود أنهم لم يروها من أرض العرب.
وروى أبو داود أيضًا، عن مالك أنه قال: قد أجلى عمر يهود نجران وفدك.
وروى أبو داود أيضا، عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: جزيرة العرب ما بين الوادي -يعني وادي القرى- إلى أقصى اليمين إلى تخوم العراق إلى البحر.
وقال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام.
وقال أبو عبيدة، وأبو عبيد، والجوهري وغيرهم: جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – إلى أقصى اليمن في الطول، وفي العرض ما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة.
قال الخليل: إنما قيل لها جزيرة؛ لأن بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها، ونسبت على العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.
وقال الأزهري: سميت جزيرة؛ لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطا بجانبيها، وأحاط بالجانب الشمالي دجلة والفرات.
وقال البخاري في صحيحه: قال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب، فقال: مكة، والمدينة، واليمامة، واليمن.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): وأخرجه يعقوب بن شبَّة، عن أحمد بن المعدل، عن يعقوب بن محمد، عن مالك بن أنس مثله. انتهى.
وحكى غيره عن مالك أنه قال: جزيرة العرب هي الحجاز، واليمن، واليمامة، وما لم يبلغه ملك فارس والروم.
وحكى الشيخ أبو محمد المقدسي في (المغني) عن أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: جزيرة العرب المدينة وما والاها.
قال الشيخ: يعني أن الممنوع من سكنى الكفار المدينة وما والاها، وهي مكة، واليمامة، وخيبر، والينبع، وفدك، ومخاليفها،، وما والاها، وهذا قول الشافعي.
وقال النووي في شرح مسلم: أخذ بحديث «أخرجوا المشركين من زيرة العرب» مالك، والشافعي، وغيرهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده مكة، والمدينة، واليمامة وأعمالها، دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه.
قال العلماء: ولا يُمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولا يُمكّنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام.
قال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها، فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخل في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء.
وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم.
وحجة الجماهير قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى.
وما ذكره عن الشافعي من تخصيص الحكم ببعض جزيرة العرب مردود بعمومات الأحاديث الصحيحة التي تقدمت في أول الفصل، والله أعلم.
وهذه المسائل التي ذكرها النووي في شرح مسلم قد ذكرها الشيخ أبو محمد المقدسي مستوفاة بأدلتها وتعاليلها في كتاب الجزية من (المغني)، وذكر أيضا ما يتعلق بها من المسائل مما لم يذكره النووي، وكذا ذكرها غيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء، فمن أراد الوقوف على ذلك فهو سهل يسير بحمد الله تعالى.
وإذا عرف ما ذكرنا ههنا من الأحاديث، وكلام الأئمة، فالواجب على ولاة أمور المسلمين تنفيذ وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإخراج المشركين من جزيرة العرب، فلا يتركون فيها وثنيًا، ولا يهوديًا، ولا نصرانيا، ولا مجوسيًا، ولا غيرهم من أعداء الله تعالى، وليحذر ولاة أمور المسلمين من مخالفة أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتهاون به، فقد قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، ولا يجوز لهم أن يمكنوا المسافرين من أعداء الله تعالى للتجارة أو غيرها من الإقامة في موضع واحد من جزيرة العرب أكثر من ثلاثة أيام، اللهم إلا أن يكون بالمسلمين حاجة ضرورية إلى أحد منهم لمباشرة عمل يعجز عنه المسلمون فيُمكّن المباشرون له من الإقامة بقدر الحاجة ثم يخرجون.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، قال الشيخ: وفي هذه المسألة نزاع. انتهى.
والله المسؤول أن يوفق ولاة أمور المسلمين، ورعاياهم للعمل بكتابه وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأن يوفق الولاة للسير على منهاج الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، إن ربي لسميع الدعاء قريب مجيب. (غربة الاسلام 2/ 948 للشيخ حمود التويجري)