162 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل في الصحيح المسند:
162 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 354): حدثنا زيد حدثني حسين حدثني عبد الله قال سمعت أبي بريدة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «عليكم بهذه الحبة السوداء -وهي الشونيز- فإن فيها شفاء».
هذا حديث حسنٌ.
وزيد هو ابن الحباب، وحسين هو ابن واقد.
_____________
الحديث في السلسلة الصحيحة 863
بوب عليه مقبل الوادعي في الجامع الصحيح:
التداوي بالحبة السوداء
بوب البخاري:
باب الحبة السوداء
ثم أورد حديث عائشة:
5687 – حدثنا عبد الله بن أبي شيبة: حدثنا عبيد الله: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن خالد بن سعد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فعاده ابن أبي عتيق، فقال: لنا عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام». قلت: وما السام؟ قال: الموت.
5688 – حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب: أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام». قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز.
قال الخطابي:
قلت: أما السعوط بها على ما وصفه ابن أبي عتيق فليس ذلك في الحديث وإنما هو شيء من قبل نفسه، ثم روى عن عائشة ما رواه غيره ولم يزد عليه شيئا، ولعل (صاحبه) الذي وصف له السعوط كان مزكوما والمزكوم ينتفع برائحة الشونيز
«أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)» (3/ 2114)
بوب النووي على مسلم:
باب التداوي بالحبة السوداء
ثم أورد حديث أبي هريرة:
88 – (2215) حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر ، أخبرنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام. والسام الموت، والحبة السوداء الشونيز »
قال ابن بطال:
هذا الحديث يدل عمومه على الانتفاع بالحبة السوداء فى كل داء غير داء الموت كما قال عليه السلام، إلا أن أمر ابن أبى عتيق بتقطير الحبة السوداء بالزيت فى أنف المريض لا يدل أن هكذا سبيل التداوى بها فى كل مرض، فقد يكون من الأمراض مايصلح للمريض شربها أيضا ويكون منها مايصلح خلطها ببعض الأدوية فيعم الانتفاع بها منفردة ومجموعة مع غيرها، والله أعلم
«شرح صحيح البخارى لابن بطال» (9/ 397)
قال البغوي:
وكان قتادة يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة، يجعلهن في خرقة، فينقعها، فيسعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين، وفي الأيسر قطرة، والثاني: في الأيسر قطرتين، وفي الأيمن قطرة، والثالث: في الأيمن قطرتين، وفي الأيسر قطرة.
وقيل: عنى بالحبة السوداء: الحبة الخضراء، لأن العرب تسمي الأسود أخضر، والأخضر أسود
«شرح السنة للبغوي» (12/ 142)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” قِيلَ إِنَّ قَوْله ” كُلّ دَاء ” تَقْدِيره : يَقْبَل الْعِلَاج بِهَا , فَإِنَّهَا تَنْفَع مِنْ الْأَمْرَاض الْبَارِدَة , وَأَمَّا الْحَارَّة فَلَا . نَعَمْ ، قَدْ تَدْخُل فِي بَعْض الْأَمْرَاض الْحَارَّة الْيَابِسَة بِالْعَرْضِ فَتُوَصِّل قُوَى الْأَدْوِيَة الرَّطْبَة الْبَارِدَة إِلَيْهَا بِسُرْعَةِ تَنْفِيذهَا .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَوْله ” مِنْ كُلّ دَاء ” هُوَ مِنْ الْعَامّ الَّذِي يُرَاد بِهِ الْخَاصّ , لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَبْع شَيْء مِنْ النَّبَات مَا يَجْمَع جَمِيع الْأُمُور الَّتِي تُقَابِل الطَّبَائِع فِي مُعَالَجَة الْأَدْوَاء بِمُقَابِلِهَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّهَا شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء يَحْدُث مِنْ الرُّطُوبَة .
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أَقْرَب إِلَى أَنْ يَكُون دَوَاء مِنْ كُلّ دَاء مِنْ الْحَبَّة السَّوْدَاء , وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْأَمْرَاض مَا لَوْ شَرِبَ صَاحِبه الْعَسَل لَتَأَذَّى بِهِ , فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الْعَسَل ” فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ” الْأَكْثَر الْأَغْلَب فَحَمْل الْحَبَّة السَّوْدَاء عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى ” انتهى ملخصا .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” وقوله : ( شفاء من كل داء ) مثل قوله تعالى : ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) الأحقاف/ 25 أي : كل شيء يقبل التدمير ونظائره ” انتهى .
“زاد المعاد” (4 /297) .
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : ” تَكَلَّمَ النَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث وَخَصُّوا عُمُومه وَرَدُّوهُ إِلَى قَوْل أَهْل الطِّبّ وَالتَّجْرِبَة , وَلَا خَفَاء بِغَلَطِ قَائِل ذَلِكَ , لِأَنَّا إِذَا صَدَّقْنَا أَهْل الطِّبّ – وَمَدَار عِلْمهمْ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّجْرِبَة الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى ظَنّ غَالِب – فَتَصْدِيق مَنْ لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ كَلَامهمْ ” اِنْتَهَى من “الفتح” (10/145)
وقال الكرماني : ” يحتمل إرادة العموم منه بأن يكون شفاء للكل لكن بشرط تركيبه مع الغير ولا محذور فيه ، بل تجب إرادة العموم ؛ لأن جواز الاستثناء معيار وقوع العموم فهو أمر ممكن ، وقد أخبر الصادق عنه اللفظ عام بدليل الاستثناء ، فيجب القول به ” انتهى .
“عمدة القاري” (31 /301)
وإرادة العموم ظاهرة من ظاهر اللفظ ، ويدل عليها الاستثناء في قوله : ( إلا السام ) فلولا إرادة إفادة العموم لم يجز وقوع مثل هذا الاستثناء ، واستثناؤه الموت يدل على أن ما عداه من الداء ينفع في علاجه تناول الحبة السوداء ، ولكن ذلك متوقف على انتفاء الموانع وحصول الشروط .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الِانْتِفَاءِ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ .
وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ ، بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ شَاءَ خَلْقَهُ فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (8 / 70) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” كثير من الناس لا تنفعه الأسباب ولا الرقية بالقرآن ولا غيره ؛ لعدم توافر الشروط , وعدم انتفاء الموانع , ولو كان كل مريض يشفى بالرقية أو بالدواء لم يمت أحد , ولكن الله سبحانه هو الذي بيده الشفاء , فإذا أراد ذلك يسر أسبابه , وإذا لم يشأ ذلك لم تنفعه الأسباب ” انتهى .
“مجموع فتاوى ابن باز” (8 / 61) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن طريقة التداوي بالحبة السوداء تختلف باختلاف الداء فقال :
” مَعْنَى كَوْن الْحَبَّة شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَل فِي كُلّ دَاء صِرْفًا بَلْ رُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ مُفْرَدَة , وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ مُرَكَّبَة , وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ مَسْحُوقَة وَغَيْر مَسْحُوقَة , وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ أَكْلًا وَشُرْبًا وَسَعُوطًا وَضِمَادًا وَغَيْر ذَلِكَ ” انتهى من “الفتح” (10/144).
وقد روى البخاري (5687) عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا : عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ ) قُلْتُ وَمَا السَّامُ ؟ قَالَ الْمَوْتُ .
طريقة العلاج بالحبة السوداء
قال ابن القيم:
الحبة السوداء: هي الشونيز في لغة الفرس، وهي الكمون الأسود، وتسمى الكمون الهندي، قال الحربي، عن الحسن: إنها الخردل، وحكى الهروي: أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم، وكلاهما وهم، والصواب: أنها الشونيز.
وهي كثيرة المنافع جدا، وقوله: ” شفاء من كل داء ” مثل قوله تعالى: {تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 25] [الأحقاف: 25] أي: كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها.
وقد نص صاحب ” القانون ” وغيره، على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته، وله نظائر يعرفها حذاق الصناعة، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية، فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة، منها: الأنزروت وما يركب معه من أدوية الرمد، كالسكر وغيره من المفردات الحارة، والرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وكذلك نفع الكبريت الحار جدا من الجرب
والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص وحمى الربع والبلغمية، مفتح للسدد، ومحلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها.
وإن دق وعجن بالعسل، وشرب بالماء الحار، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أياما وإن سخن بالخل، وطلي على البطن، قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب، أو المطبوخ، كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع، ويحلل، ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصير في خرقة، واشتم دائما، أذهبه.
ودهنه نافع لداء الحية، ومن الثآليل والخيلان، وإذا شرب منه مثقال بماء، نفع من البهر وضيق النفس، والضماد به ينفع من الصداع البارد، وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة، وسعط به صاحب اليرقان، نفعه نفعا بليغا.
وإذا طبخ بخل، وتمضمض به، نفع من وجع الأسنان عن برد، وإذا استعط به مسحوقا، نفع من ابتداء الماء العارض في العين، وإن ضمد به مع الخل، قلع البثور والجرب المتقرح، وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة، وينفع من اللقوة إذا تسعط بدهنه، وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال، نفع من لسع الرتيلاء، وإن سحق ناعما وخلط بدهن الحبة الخضراء، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات، نفع من البرد العارض فيها والريح والسدد.
وإن قلي، ثم دق ناعما، ثم نقع في زيت، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير.
وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن، أو دهن الحناء، وطلي به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل، نفعها وأزال القروح.
وإذا سحق بخل، وطلي به البرص والبهق الأسود، والحزاز الغليظ، نفعها وأبرأها وإذا سحق ناعما، واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد من عضه كلب كلب قبل أن يفرغ من الماء، نفعه نفعا بليغا، وأمن على نفسه من الهلاك. وإذا استعط بدهنه، نفع من الفالج والكزاز، وقطع موادهما، وإذا دخن به، طرد الهوام.
وإذا أذيب الأنزروت بماء، ولطخ على داخل الحلقة، ثم ذر عليها الشونيز، كان من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من البواسير، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا، والشربة منه درهمان، وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل
«زاد المعاد في هدي خير العباد – ط الرسالة» (4/ 273)
قال ابن مفلح:
وذكر ابن أبي عتيق أنه عاد مريضا فقال: ” عليكم بهذه الحبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وهذا الجانب “.
المراد به العلل الباردة وهو – عليه السلام – قد يصف ويقول بحسب حال من شاهده، والشونيز حار يابس في الثالثة مقطع للبلغم محلل الرياح يقلع الثآليل، والبهق، والبرص وينفع من الزكام البارد وخصوصا مقلوا مجعولا في خرقة كتان ويطلى على جبهة من به صداع بماء بارد ويفتح سدد الصفاة، والسعوط به يمنع ابتداء الماء وشربه يمنع من انتصاب النفس ويقتل الديدان لو طلي على السرة، ويدر الحيض، واللبن، وبالماء، والعسل للحصاة ويحل الحميات البلغمية، والسوداوية ودخانه يهرب منه الهوام، وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان نفعه نفعا بليغا.
وإذا ضمد به مع الخل قلع البثور، والجرب المتقرح وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة، وينفع من اللقوة، والفالج إذا سعط بدهنه، وإن شرب منه نصف مثقال إلى مثقال نفع من لسع الرُّتيلاء، وإن سحق واستف بماء بارد درهمان من عضة الكلب قبل أن يفرغ من الماء نفعه نفعا بليغا وقيل الإكثار منه قاتل وإن أذيب الأنزروت بماء ولطخ على داخل الحلقة، ثم ذر عليها الشونيز كان عجبا في النفع من البواسير ويكون استعماله تارة منفردا وتارة مركبا
قال بعضهم: الرمد حار باتفاق الأطباء ويركب السكر وغيره من المفردات الحارة مع الأنزروت، وينفع الكبريت الحار جدا من الجرب ولهذا ذكر صاحب القانون وغيره الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته والحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس وهي الكمون الأسود وسمي الكمون الهندي، وذكر الهروي أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم، وذكر الحربي عن الحسن أنها الخردل، والصحيح الأول
«الآداب الشرعية والمنح المرعية» (3/ 114)
قال العيني:
وفي رواية: هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح، يريد به الكمون، وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح. قوله: (من كل داء) بعمومه يتناول الانتفاع بالحبة السوداء في كل داء غير الموت، وأوله الموفق البغدادي بأكبر الأدواء، وعدد جملة من منافعها، وكذا قال الخطابي: هو من العموم الذي أريد به الخصوص وليس يجتمع في شيء من النبات جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدوية، وإنما أراد: شفاء كل داء يحدث من الرطوبة والبلغم لأنه حار يابس، وقال الكرماني: يحتمل إرادة العموم منه بأن يكون شفاء للكل لكن بشرط تركيبه مع الغير، ولا محذور فيه، بل تجب إرادة العموم لأن جواز الاستثناء معيار وقوع العموم، فهو أمر ممكن. وقد أخبر الصادق عنه، اللفظ عام بدليل الاستثناء أفيجب القول به؟ وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء لكل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، وإذا كان المراد بقوله: في العسل {فيه شفاء للناس} (النحل: 69) الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى، وقال غيره: كان صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله: (في الحبة السوداء) وافق مرض من مزاجه بارد فيكون معنى قوله: (شفاء من كل داء) أي: من هذا الجنس الذي وقع فيه القول، والتخصيص بالحيثية كثير شائع. وقال ابن أبي حمزة، رحمه الله: تكلم ناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولإخفاء بغلط قائل ذلك، وذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالبا إنا هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم. قوله: (إلا من السام) بتخفيف الميم. قوله: (قلت: وما السام؟ قال: الموت) لم يدر السائل ولا المجبب، وقيل بالظن: إن السائل خالد بن سعد، والمجيب ابن أبي عتيق
«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (21/ 236)
تنبيه : قال ابن باز
الحبة السوداء طيبة، قال فيها النبي ﷺ: إنها شفاء من كل داء ولكن ينبغي لمن يعالج بها أن يستأنس بأراء الأطباء العارفين بها من … كيفية العلاج بها، قلة أو كثرة، وأوقات العلاج بها، حتى يستفاد منها على الوجه الذي يعرفه الأطباء، وإلا فهي طيبة مثل ما قال فيها النبي ﷺ. نعم.
مسألة: أيهما أفضل التداوي أم تركه؟
قال ابن عبدالبر:
حديث خامس وأربعون لزيد بن أسلم مرسل
مالك، عن زيد بن أسلم، أن رجلا في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابه جرح، فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظرا إليه، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهما: “أيكما أطب؟ “. فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء”.
هكذا هذا الحديث في “الموطأ” منقطعا عن زيد بن أسلم عند جماعة رواته فيما علمت.
وقد روى عاصم بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: “أيكما أطب؟ “.
وأما: “أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء”، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى بغير هذا اللفظ آثار مسندة صحاح، سنذكرها في آخر هذا الباب إن شاء الله.
وفي هذا الحديث إباحة التعالج؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر ذلك عليهم.
وفيه إتيان المتطبب إلى صاحب العلة. وفيه بيان أن الله عز وجل هو الممرض والشافي، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء، وأنه أنزل الداء والدواء، وقدره وقضى به. وكذلك ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرقي ويقول: “اشف، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما”. وهذا يصحح لك أن المعالجة إنما هي لتطيب نفس العليل، وتأنس بالعلاج، ورجاء أن يكون من أسباب الشفاء؛ كالتسبب لطلب الرزق الذي قد فرغ منه.
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: “أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء” دليل على أن البرء ليس في وسع مخلوق أن يعجله قبل أن ينزل، ويقدر وقته وحينه، وقد رأينا المنتسبين إلى علم الطب يعالج أحدهم رجلين، وهو يزعم أن علتهما واحدة، في 6 88، وسن واحد، وبلد واحد، وربما كانا أخوين توأمين، غذاؤهما واحد، فعالجهما بعلاج واحد، فيفيق أحدهما، ويموت الآخر، أو تطول علته ثملف علماء في هذا الباب، فذهب منهم طائفة إلى كراهية يفيق عند الأمد المقدور له.
واخت الرقى والمعالجة، قالوا: الواجب على المؤمن أن يترك ذلك، اعتصاما بالله تعالى، وتوكلا عليه، وثقة به، وانقطاعا إليه، وعلما بأن الرقية لا تنفعه، وأن تركها لا يضره، إذ قد علم الله أيام الصحة وأيام المرض، فلا تزيد هذه بالرقى والعلاجات، ولا تنقص تلك بترك السعي والاحتيالات، لكل صنف من ذلك زمن قد علمه الله، ووقت قد قدره قبل أن يخلق الخلق، فلو حرص الخلق على تقليل أيام المرض وزمن الداء، أو على تكثير أيام الصحة، ما قدروا على ذلك، قال الله عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] …
قال أبو عمر: فلهذه الفضيلة ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية الرقى والمداواة والاكتواء. والآثار بهذا كثيرة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وممن ذهب إلى هذا داود بن علي وجماعة من أهل الفقه والأثر…
وذهب آخرون من العلماء إلى إباحة الاسترقاء والمعالجة والتداوي، وقالوا: إن من سنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها؛ لروايتهم لها عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، الفزع إلى الله عز وجل عند الأمر يعرض لهم، وعند نزول البلاء بهم، في التعوذ بالله من كل شر، وإلى الاسترقاء، وقراءة القرآن، والذكر والدعاء. واحتجوا بالآثار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في إباحة التداوي والاسترقاء …
وأجاز -صلى الله عليه وسلم- اللدود، والشعوط، والمشي، والحجامة، والعلق …
فمن زعم أنه لا معنى للرقى والاستعاذة، ومنع من التداوي والمعالجة ونحو ذلك مما يلتمس به العافية من الله، فقد خرج من عرف المسلمين، وخالف طريقهم، ولو كان الأمر كما ذهب إليه من كره التداوي والرقى، ما قطع الناس أيديهم، ولا أرجلهم، ولا غير ذلك من أعضائهم للعلاج، وما افتصدوا ولا احتجموا، وهذا عروة بن الزبير قد قطع ساقه …
والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه الأمة وسلفها وعلمائها، قوم يصبرون على الأمراض حتى يكشفها الله، ومعهم الأطباء، فلم يعابوا بترك المعالجة، ولو كانت المعالجة سنة من السنن الواجبة، لكان الذم قد لحق من ترك الاسترقاء والتداوي، وهذا لا نعلم أحدا قاله، ولكان أهل البادية والمواضع النائية عن الأطباء، قد دخل عليهم النقص في دينهم لتركهم ذلك، وإنما التداوي، والله أعلم، إباحة، على ما قدمنا؛ لميل النفس إليه، وسكونها نحوه، {لكل أجل كتاب} [الرعد: 38]، لا أنه سنة، ولا أنه واجب، ولا أن العلم بذلك علم موثوق به لا يخالف؛ بل هو خطر وتجربة موقوفة على القدر، والله نسأله العصمة والتوفيق. وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء
«التمهيد – ابن عبد البر» (3/ 661 ت بشار)
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
التداوي مشروع من حيث الجملة …
وقد ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية) إلى أن التداوي مباح، غير أن عبارة المالكية: لا بأس بالتداوي.
وذهب الشافعية، والقاضي وابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة إلى استحبابه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بالحرام .
وغير ذلك من الأحاديث الواردة، والتي فيها الأمر بالتداوي
ومذهب جمهور الحنابلة: أن تركه أفضل، ونص عليه أحمد، قالوا: لأنه أقرب إلى التوكل.
لكن قال ابن القيم: في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا
أنواع التداوي:
– التداوي قد يكون بالفعل أو بالترك، فالتداوي بالفعل: يكون بتناول الأغذية الملائمة لحال المريض، وتعاطي الأدوية والعقاقير، ويكون بالفصد والكي والحجامة وغيرها من العمليات الجراحية.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي وفي رواية وما أحب أن أكتوي . وعن ابن عباس مرفوعا خير ما تداويتم به السعوط، واللدود، والحجامة، والمشي وإنما كره الرسول صلى الله عليه وسلم الكي لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها “آخر الدواء الكي ” وقد كوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة، فدل على أن المراد بالنهي ليس المنع، وإنما المراد منه التنفير عن الكي إذا قام غيره مقامه.
قال ابن حجر في الفتح: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج.
وأما التداوي بالترك: فيكون بالحمية، وذلك بالامتناع عن كل ما يزيد المرض أو يجلبه إليه، سواء كان بالامتناع عن أطعمة وأشربة معينة، أو الامتناع عن الدواء نفسه إذا كان يزيد من حدة المرض. لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه حين أراد أن يأكل من الدوالي إنك ناقه
«الموسوعة الفقهية الكويتية» (11/ 116)