1608 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2 ، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا )
———–‘———‘———
سنن أبي داود
الصحيح المسند
1608 حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)
———-‘——–‘——–
*قال العباد -حفظه الله- في شرح السنن:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أغمي الشهر.
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أغمي الشهر، أي: إذا كان هناك غيم أو قتر يحول دون رؤيته، فالذي ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يرُ هلال رمضان فتكمل عدة شعبان ثلاثين، وإن كانت العدة لرمضان فيكمل رمضان ثلاثين، وإن رئي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أصبح الناس صائمين، ويكون ذلك أول يوم من رمضان، وإذا رئي هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان أصبح الناس مفطرين، وهذا هو الحكم الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) يعني: أنه كان يجتهد ويعتني بمعرفة دخوله ما لا يعتني بغيره من الشهور الأخرى التي ليست كرمضان أو ذي الحجة؛ لأن ذا الحجة يعتنى بمعرفته من أجل الحج، ورمضان يعتنى بمعرفته من أجل الصيام،
ولكن شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني فيه بمعرفة دخوله؛ من أجل أن يحسب الحساب حتى يعرف يوم الثلاثين، فإذا ثبت دخول شعبان في ليلة معينة فإنه سيبحث عن هلال رمضان في ليلة الثلاثين.
فقوله: (يتحفظ) أي: أنه يعتني ويحرص ويجتهد لمعرفة وثبوت دخوله من أجل العدة والحساب؛ لأنه إذا لم يعرف دخول الشهر فلن يعرف الحساب، ولن يعرف الثلاثين، ولكن إذا عُرف أنه دخل في الليلة الفلانية فإن الناس يعدون إلى التسعة والعشرين، وإذا جاءت ليلة الثلاثين بحثوا عن الهلال فيها، فإن رأوه أصبحوا صائمين وإلا أكملوا العدة.
وقوله: (ثم يصوم لرؤية رمضان) يعني: إذا رؤي ليلة الثلاثين من شعبان وثبت دخول الشهر صارت من رمضان وليست من شعبان، ويصير شعبان تسعة وعشرين.
وقوله: (فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) يعني: إن غم هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان وكان الهلال لا يرى من الغيم والقتر فتكمل العدة ثلاثين، ثم بعد ذلك يصبح الإنسان صائماً بعد الثلاثين؛ لأنه لم يثبت هلال شعبان .
*وفي تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي:* [687](باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان)
قوله (أحصوا) بقطع الهمزة أمر من الإحصاء وهو في الأصل العد بالحصا أي عدوا (هلال شعبان) أي أيامه (لرمضان) أي لأجل رمضان أو للمحافظة على صوم رمضان
وقال ابن الملك أي لتعلموا دخول رمضان
قال الطيبي الإحصاء المبالغة في العد بأنواع الجهد ولذلك كني به عن الطاقة في قوله عليه الصلاة والسلام
استقيموا ولن تحصوا انتهى
وقال ابن حجر أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شيء كذا في المرقاة
قال السيوطي في قوت المغتذي هذا الحديث مختصر من حديث وقد رواه الدارقطني بتمامه فزاد ( ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صيامًا ما كان يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى عليكم العدة ) انتهى
قوله (لا نعرفه مثل هذا) أي بهذا اللفظ (إلا من حديث معاوية يعني أنه قد تفرد بهذا اللفظ والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة إلخ)
لقائل أن يقول إن حديث أبي معاوية عن محمد بن عمرو بلفظ (أحصوا هلال شعبان لرمضان ) وما روي عن محمد بن عمرو بلفظ( لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين ) حديثان يدلان على معنيين فالأول يدل على إحصاء هلال شعبان والتحفظ به وقد روى أبو داود عن عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) الحديثً والحديث الآخر يدل على النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين فالظاهر أن محمد بن عمرو يروي هذين الحديثين عن أبي سلمة عن أبي هريرة فروى عنه أبو معاوية الحديث الأول وروى عنه غيره الحديث الآخر فعلى هذا يكون الحديثان صحيحين فتفكر والله تعالى أعلم
قلت سيف بن دورة : هذا لا يستقيم على طريقة التسليم لأئمة هذا الشأن. المهم ؛ كلاهما له شواهد .
*وقال القاضي عياض -رحمه الله- في إكمال المعلم:*
وقوله: ” فأكملوا العدة ثلاثين ” تنبيهٌ على مراعاة هلال شعبان؛ لأنه إذا لم يراع ويحقق فعلى ما يكمل ثلاثون، وقد ذكر الترمذى وغيره فى هذا من رواية أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحصاء هلال شعبان لرمضان لكن للحديث عِلة ذكرها أبو عيسى
======
======
======
تفصيل ما سبق ذكره من المسائل :
ذهب جماعة من العلماء إلى أن تعهد رؤية هلال رمضان أول ليلة ، واجب على الكفاية ، فلو تركه جميع الناس أثموا ، وهو قول الحنفية.
واكتفى بعض الفقهاء بالقول باستحباب ترائي الهلال .
قال في “مجمع الأنهار” (1/238) : ” ويجب على الناس وجوب كفاية التماس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان ومن رمضان ، وكذا ذو القعدة ; ويجب على الحاكم أن يأمر الناس بذلك ” باختصار.
وقال في “الفتاوى الهندية” (1/197) : ” يجب أن يلتمس الناس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وقت الغروب فإن رأوه صاموه , وإن غم أكملوه ثلاثين يوما ” انتهى .
وينظر : فتح القدير(2/313)
وقال في “كشاف القناع” (2/300) : ” ( ويستحب للناس ليلة الثلاثين من شعبان أن يتراءوا هلال رمضان )
“ويستحب ترائي الهلال احتياطا للصوم ، وحذرا من الاختلاف ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ، ما لا يتحفظ في غيره ثم يصوم لرؤية رمضان ) رواه الدارقطني بإسناد صحيح .
وعن أبي هريرة مرفوعا : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان ) رواه الترمذي ” انتهى .
وحديث (أحصوا هلال شعبان…) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (678) .
قال في “تحفة الأحوذي” : “قال ابن حجر : أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شيء ” انتهى .
وفي “الموسوعة الفقهية” (22 /23) : ” رؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها , فيشرع للمسلمين أن يجدوا في طلبها ويتأكد ذلك في ليلة الثلاثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان , وليلة الثلاثين من رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوال , وليلة الثلاثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجة . فهذه الأشهر الثلاثة يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام هما الصيام والحج , ولتحديد عيد الفطر وعيد الأضحى .
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الرؤية , فعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته , فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الشهر تسع وعشرون ليلة , فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) . أوجب الحديث الأول صيام شهر رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين , وأمر بالإفطار لرؤية هلال شوال , أو بإتمام رمضان ثلاثين . ونهى الحديث الثاني عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله أو قبل إتمام شعبان في حالة الصحو .
وورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث فيه أمر بالاعتناء بهلال شعبان لأجل رمضان قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان ) ، وحديث يبين اعتناءه بشهر شعبان لضبط دخول رمضان , عن عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره , ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام ) .
قال الشراح : أي : يتكلف في عد أيام شعبان للمحافظة على صوم رمضان . وقد اهتم الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : ( تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام وأمر الناس بصيامه ) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا مع عمر بين مكة والمدينة , فتراءينا الهلال , وكنت رجلا حديد البصر فرأيته , وليس أحد يزعم أنه رآه غيري . قال : فجعلت أقول لعمر : أما تراه ؟ فجعل لا يراه .
وقد أوجب الحنفية كفاية التماس رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا , وإلا أكملوا العدة ثم صاموا ; لأن ما لا يحصل الواجب إلا به فهو واجب .
وقال الحنابلة : يستحب ترائي الهلال احتياطا للصوم وحذارا من الاختلاف . ولم نجد للمالكية والشافعية تصريحا بهذه المسألة ” انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يأثم المسلمون جميعا إذا لم يتراء أحد منهم هلال رمضان دخولا أو خروجا ؟
فأجاب : ” ترائي هلال رمضان أو هلال شوال أمر معهود في عهد الصحابة رضي الله عنهم ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ( تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه ) .
ولا شك أن هدي الصحابة رضي الله عنهم أكمل الهدي وأتمه ” انتهى من “48 سؤالا في الصوم” سؤال رقم 21 .
من رأى هلال رمضان وحده ، أو رأى هلال
شوال وحده ، وأخبر به القاضي أو أهل البلد فلم يأخذوا بشهادته ، فهل يصوم وحده ، أو لا يصوم إلا مع الناس ؟ في ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم :
القول الأول : أنه يعمل برؤية نفسه في
الموضعين ، فيصوم في أول الشهر ويفطر في آخره منفرداً ، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .
غير أنه يفعل ذلك سراً حتى لا يعلن بمخالفة
الناس ، وحتى لا يؤدي ذلك إلى إساءة الظن به ، حيث يراه الناس مفطراً ، وهم صائمون .
القول الثاني : أنه يعمل برؤية نفسه في أول
الشهر ، فيصوم منفرداً ، أما في آخر الشهر ، فلا يعمل برؤية نفسه وإنما يفطر مع الناس .
وهذا مذهب جمهور العلماء منهم ( أبو حنيفة
ومالك وأحمد رحمهم الله ) .
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله ، قال : ” وهذا من باب الاحتياط ، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر . ففي الصوم قلنا له : صم ، وفي الفطر قلنا له : لا تفطر بل صم ” انتهى من الشرح الممتع ” (6/330) .
والقول الثالث : أنه لا يعمل برؤية نفسه في الموضعين ، فيصوم ويفطر مع الناس .
وإليه ذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية ،
واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستدل له بأدلة كثيرة ، قال رحمه الله : ” : يصوم مع الناس ويفطر مع الناس ، وهذا أظهر الأقوال ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون ) رواه الترمذي وقال : حسن غريب . ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط . ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون ) قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب قال : وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا : الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (25/114) .
واستدل أيضا : بأنه لو رأى هلال ذي الحجة منفرداً فلم يقل أحد من العلماء إنه يقف في عرفة وحده .
وذكر أن أصل المسألة هو ” أن الله سبحانه
وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) والهلال : اسم لما يُستهل به ، أي يُعلن به ويُجهر به . فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا .
وكذا الشَهر مأخوذ من الشُّهرة ، فإن لم يشتهر
بين الناس لم يكن الشهر قد دخل . وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة لظنهم أنه إذا طلع في السماء كان تلك الليلة أول الشهر ، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا . وليس كذلك ، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لابد منه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون ) أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى ، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (25/202) .
وهذا القول أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز
رحمه الله . ” مجموع فتاوى الشيخ ” (15/72
وحديث : ( الصوم يوم تصومون…) صححه
الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي برقم (561)
انظر مذاهب الفقهاء في : ” المغني ” (3/47، 49 والمجموع ” (6/290) ، “والموسوعة الفقهية ” 28/18)
- الصوم بالرؤية لا بالحساب : (ص151)
قال سماحة المفتي محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ :
و بعض من العلماء يسوغ الصيام بالحساب ، و هو قول في مذهب الشافعي ، و أظنه اختيار ابن سريج . و لكن القول عندهم كغيرهم هو ما دلت عليه الأحاديث و ما علم بالسنة الثابتة من أنه لا صيام إلا بالرؤية ؛ و لهذا في الحديث : ” إنَّا أمَّة أميَّة لا نكتُب ولا نحسُب ”
[ رواه الشيخان و أبو داود و النسائي ] ،
” فلا تصوموا حتّى تروه ولا تُفطروا حتّى تروه” [ رواه مسلم و أحمد ] .
– لو صيم يوم الشك لم يجز عن رمضان : (ص152-155)
وصل إلى دار الإفتاء سؤال عمن تبين له بعد ما صام يوم الشك أنه من رمضان ؛ هل يجزئه ذلك اليوم ، أم لابد من قضائه ؟
فأجاب سماحة المفتي ـ رحمه الله ـ بالجواب التالي :
جوابا على هذا السؤال نقول :
لا يجزؤه صيام ذلك اليوم بل يتعين عليه قضاؤه ؛ لما روى أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و ابن حبان و الحاكم و الدار قطني من طريق صلة بن زفر قال : ” كنَّا عند عمَّار بن ياسر في اليوم الذي يُشكُّ فيه ، فأُتي بشاةٍ مصليَّةٍ ، فقال : كلوا . فتنحى بعض القوم ، فقال له : إني صائمٌ ، فقال عمَّار : من صام اليوم الذي يَشكُّ فيه الناس فقد عصى أبا القاسم ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ” ،
قال الترمذي : ” و في الباب عن أبي هريرة و أنس . قال : و العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و من بعدهم من التابعين ، و به يقول سفيان الثوري و مالك و عبد الله بن المبارك و الشافعي و أحمد و إسحاق ؛ كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه ، و رأى أكثرهم إن صامه فكان من شهر رمضان أن يقضي يوما مكانه ” اهـ .
و لا شك في تناول أدلة المنع لما إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين ؛ كما تناولت غيره فالجميع يصدق عليه أنه يوم شك .
و في ” المغني ” لابن قدامة :
أنَّ المنع من صومه و عدم إجزائه إذا تبيَّن أنَّه من رمضان هو رواية عن أحمد .
قال الموفق : و هو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة و مالك و الشافعي و من تبعهم لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ : ” صوموا لرؤيته و افطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ثلاثين يوماً ” رواه مسلم ، و قد صحَّ عن النبيِّ ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ : ” أنَّه نهى عن صوم يوم الشك ” متفق عليه ، و هذا يوم شك ، و الأصل بقاء شعبان فلا يُنتقل عنه بالشك اهـ .
و لقوَّة رواية منع صوم يوم الشك مُطلقاً من ناحية النصوص جنح الإمامان الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن مجدِّد الدعوة المحمدية شيخ الإسلام محمد بن الوهاب و ابنه الشيخ عبد اللطيف إليه في فتاواهما ، في فتوى الشيخ عبد الرحمن : ” أنَّ المنع هو اختيار شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن : استدل الأئمَّة على تحريم صيامه بحديث عمَّار ، و هو ما رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه و الترمذي، عن صِلة بن زفر ، قال : ” كنَّا عند عمَّار بن ياسر و أُتي بشاة مصلية فقال :كلوا ، فتنحى بعض القوم ، فقال عمّار : من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ” ، قلت : و هذا عند أهل الحديث في حكم المرفوع ، و قد جاء صريحاً في حديث أبي هريرة الأمر بإكمال عدة شعبان ثلاثين إذا غُمِّي الهلال ، و هو عند البخاري في صحيحه :
عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ قال : قال أبو القاسم ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ : ” صوموا لرؤيته و أفطروا لرويته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ” ، قال الحافظ : و هذا الحديث لا يَقبل التأويل ، و ذكر أحاديث كثيرة ، منها ما رواه أبو داود و أحمد و غيرهما عن عائشة قالت : ” كان رسول الله ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ يتحفَّظ من هلال شعبان ما لا يتحفَّظ من غيره ، ثمَّ يصوم رمضان لرؤيته فإن غُمَّ عليه أتمَّ ثلاثين يوماً ثمَّ صام ” ، و هذا صريحٌ في أنَّه ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ لم يُشرِّع لأمَّته صيام الثلاثين إذا غُمَّ الهلال ليلته، فهذا و غيره من الأحاديث بيَّن أنَّ الحجة مع من أنكر صيام ذلك اليوم إذا غُمَّ الهلال ، و أنَّ السنة إكمال شعبان ثلاثين إذا لم يسر الهلال ، و هو اختيار شيخنا محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ ” اهـ .
و قال الشيخ عبد اللطيف في فتواه في المسألة : ” و مع منع صومه من الأحاديث الصحيحة النبوية التي تعدَّدت طُرقها ما لا يدفعه دافعٌ ، و لا يُقاومه مقاومٌ ، و لا يُعارضه معارضٌ ، و إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ” اهـ ، و بيَّن الشيخ عبد اللطيف أنَّ رواية : ” فاقدروا له ” ؛ تفسِّرها رواية مسلم من حديث ابن عمر : فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ” ، و روايات : ” إكمال العدة ثلاثين ” .
قال : فتعيَّن ما قاله الجمهور ؛ لأنَّ المُجمل يُحمل على المفصَّل ، و المُشتبه على المُحكم . و إذا تبيَّن مُراده ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ تعيَّن و وَجب .
و الخلاصة أنَّ صيام يوم الشك ممنوع ، ولا يُجزئ عن رمضان إذا تبيَّن أنَّه منه ، و لا تخفى إذا تبيَّن أنَّه منه ، و لا تخفى علينا الروايات الأخر فيه ، و لكن وقوفاً مع النصوص اكتفينا برواية المنع ، و اخترناها ، و الله أعلم .