1606 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2 ، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا )
———–‘———‘———
الصحيح المسند :
1606 عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل – ثلاث مرات – فإن دخل بها فالمهر لها ، بما أصاب منها ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
——-“———“——–”
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة وَجَعْفَر بْن أَبِي رَبِيعَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيِّ فَسَأَلْته فَأَنْكَرَهُ فَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَجْل هَذَا وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَذْكُر هذا الحرف عن بن جُرَيْجٍ إِلَّا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَسَمَاع إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم مِنْ بن جُرَيْجٍ لَيْسَ بِذَاكَ
إِنَّمَا صَحَّحَ كُتُبه عَلَى كُتُب عَبْد الْمَجِيد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن أبي رواد فيما سمع من بن جُرَيْجٍ وَضَعَّفَ يَحْيَى رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم عن بن جُرَيْجٍ
قَالَ التِّرْمِذِيّ
وَالْعَمَل عَلَى حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ عِنْد أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيْرهمْ
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ فُقَهَاء التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ مِنْهُمْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَشُرَيْح وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ الْوَلِيَّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهَا وَإِلَّا فَلَا وِلَايَةَ لِلسُّلْطَانِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ لَهُ فَإِنَّ الْحِكَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَدْ وَهَّنَهَا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَالْحَدِيثِ مِنْ وُجُوبِ قَبُولِ خبر الصادق وإن نسيه مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهُ:
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ صَحِيحٌ فِي لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَسُئِلَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَإِسْرَائِيلُ ثِقَةٌ فَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ أَرْسَلَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْحَدِيثَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ وَحَدِيثُ عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ أُعِلَّ بَالْإِرْسَالِ وتكلم فيه بعضهم من جهة أن بن جُرَيْجٍ قَالَ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ وَقَدْ عَدَّ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ عدة من رواه عن بن جُرَيْجٍ فَبَلَغُوا عِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَ أَنَّ مَعْمَرًا وعبيد الله بن زحر تابعا بن جُرَيْجٍ عَلَى رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَأَنَّ قُرَّةَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَهِشَامَ بْنَ سَعْدٍ وَجَمَاعَةً تَابَعُوا سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ وَمَنْدَلٌ وَجَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة
وقد أعل بن حبان وبن عدي وبن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن بن جُرَيْجٍ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْيَانِ الزُّهْرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَهِمَ فِيهِ انْتَهَى
—-
*قال العباد -حفظه الله- في شرح السنن:*
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الولي].
أي: الولي الذي يتولى عقد النكاح للزوج على امرأة، فإنه لابد من وجود ولي لها يتولى ذلك، ولا تتولى هي ذلك بنفسها، ولا يتولاه أجنبي عنها ليس من مواليها إلا بتوكيل من الولي، والولاية في النكاح كانت موجودة في الجاهلية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا في الجاهلية يأتي الرجل إلى الرجل فيخطب وليته منه فيزوجها إياه، فكان هذا الحكم الذي هو لزوم الولي في النكاح من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام.
ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالقول والفعل والتقرير، وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتراط الولي كما في الحديث الذي أورده أبو داود وغيره، وجاء ذلك في القرآن الكريم أيضاً، وجاء أيضاً التقرير لهذا الحكم الذي كان في الجاهلية، وأنه من الأحكام التي كانت موجودة وأقرها الإسلام.
وهو شيء محمود؛ لأن في ذلك إبعاد المرأة عن الظهور بالاشتغال بالزواج والحياء يغلب عليهن، فكان أن جاء الكتاب والسنة باشتراط الولي في النكاح، وأنه لابد من ولي للمرأة يعقد النكاح لها على من يتزوجها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، وذلك في قول الله عز وجل: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232]، وهو خطاب للأولياء، فلو كانت المرأة يمكنها أن تعقد لنفسها أو يقوم بذلك أحد من غير أوليائها لما كان هناك حاجة إلى أن ينهى الأولياء عن العضل، حين يعضلونهن أن ينكحن أزواجهن، وذلك أن الآية نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان له أخت زوجها من قريب لها ثم طلقها، ولما انتهت عدتها جاء يخطبها، فحلف معقل أن لا يزوجها إياه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي: الذين طلقوهن وانتهت عدتهن.
أما إذا كان طلقها وهي باقية في العدة فالأمر إلى الزوج؛ لأن له حق الرجعة، ولكنه إذا خرجت المرأة من العدة صار خاطباً من الخطاب إن شاءت أن تعود إليه فوليها لا يمنعها من ذلك، وإن شاءت أن لا تقبله ورغبت في شخص آخر سواه فإن لها ذلك.
فهذه الآية الكريمة فيها نهي الأولياء عن العضل، وهو امتناعهم عن أن يزوجوا الأزواج المطلقين إذا رضيت النساء بهؤلاء الأزواج الذين طلقوهن، فيلزم الولي بأن يعقد لها على زوجها الذي طلقها وانتهت عدتها وأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فالآية واضحة الدلالة على أن الولاية لازمة؛ لأنها لو لم تكن لازمة لما كان هناك حاجة إلى أن ينهوا، بل هي تتصرف في نفسها لو كان الأمر إليها، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فيها من الأحاديث ما أورده أبو داود في هذا الباب، فقد أورد أحاديث تدل على أنه لابد من الولي في النكاح.
فأورد أولاً حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات-)] أي أنه قال: باطل، باطل، باطل.
كرر ذلك للتأكيد، قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)] يدل على أن الولاية شرط في النكاح، وأن العقد إذا عقد من غير ولي فإنه يكون باطلاً، وكون المرأة تعقد لنفسها أو توكل أحداً يعقد لها وهي التي تتولى ذلك بغير إذن الموالي فإنه يكون باطلاً كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على العموم، والمعنى أن أي امرأة حصل لها ذلك بغير ولي فإن النكاح يكون باطلاً، ويكون لاغياً كأنه لم يكن؛ لأنه فقد هذا الشرط الذي هو الولي في النكاح.
والمقصود بقوله: [(إذن مواليها)] كونهم يعقدون أو يأذنون لأحد أن يعقد، أي: إما أن يعقد الولي بنفسه أو يأذن لأحد أن يعقد نيابة عنه.
فالمقصود به أن النكاح لا يصح إذا لم يكن من ولي أو وكيل لولي، وليس المقصود به أن المرأة لها أن تزوج نفسها بإذن وليها؛ لأنها ليست لها الولاية في عقد الزواج لنفسها.
والولي هو الذي يكون من عصبتها الأولى فالأولى، أي: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا على حسب الترتيب، وغير العصبة لا يكونون أولياء، لا ذوو الأرحام ولا الذين يرثون بالفرض كالإخوة لأم.
ولابد في الولي الذي يتولى العقد من البلوغ، ويقدم الأصول على غيرهم، ويقدم الفروع على الحواشي، ولو عقد الولي الأدنى مع وجود الأعلى صح إذا أقره، فإذا تنازل من له الحق لمن هو دونه صح العقد.
ثم قال: [(فإن دخل بها)] يعني: إن دخل عليها بهذا العقد الذي هو غير صحيح [(فلها المهر بما أصاب منها)] يعني: هذا الذي دفعه لها مهراً لا يرجع إليه ما دام أنه أصابها وجامعها؛ لأن لها ذلك بما استحل من فرجها.
وإذا اشتجر الأولياء -بمعنى أنهم اختلفوا أو عضلوا- فإن الولاية تنتقل إلى السلطان [(فالسلطان ولي من لا ولي له)]، وهذا يدلنا -أيضاً- على أن المرأة لا حق لها في عقد النكاح؛ إذ جعل الشرع الحق في ذلك للأولياء، ثم تنتقل للسلطان ولا تنتقل إليها، فالأمر يرجع إلى الأولياء، ثم إن كانوا لا يوجدون أو يوجدون ولكنهم عاضلون وممتنعون من تحقيق رغبتها وتزويجها بمن هو أهل للزواج منها فإن ذلك الأمر ينتقل إلى السلطان، لقوله: [(فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].
*وقال الخطابي -رحمه الله- في شرحه لسنن أبي داود:*
قوله أيما امرأة كلمة استيفاء واستيعاب، وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن ويدخل فيها البكر والثيب والشريفة والوضيعة والمولى ههنا العصبة.
وفيه بيان أن المرأة لا تكون ولية نفسها وفيه دليل على أن ابنها ليس من أوليائها إذا لم يكن عصبة لها.
وفيه بيان أن العقد إذا وقع لا بإذن الأولياء كان باطلاً، وإذا وقع باطلاً لم يصححه إجازة الأولياء، وفي إبطال هذا النكاح وتكراره القول ثلاثاً تأكيد لفسخه ورفعه من أصله، وفيه إبطال الخيار في النكاح.
وفيه دليل على أن وطء الشبهة يوجب المهر وايجاب المهر إيجاب درء الحدود وإثبات النسب ونشر الحرمة.
وفي قوله فالمهر لها بما أصاب منها دليل على أن المهر إنما يجب بالإصابة فإن الدخول إنما هو كناية عنها.
وقوله فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له، يريد به تشاجر العضل والممانعة في العقد دون تشاجر المشاحة في السبق إلى العقد، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ما فعل من ذلك نظراً لها.
ومعنى قوله بغير إذن مواليها هو أن يلي العقد الولي أو يوكل بتزويجها غيره فيأذن له في العقد عليها.
وزعم أبو ثور أن الولي إذا أذن للمرأة في أن تعقد على نفسها صح عقدها النكاح على نفسها، واستدل بهذه اللفظة في الحديث، ومعناه التوكيل بدليل ما روي أن النساء لا تلين عقد النكاح.
*قال أحد الباحثين وهو يتحدث عن شروط النكاح:*
الشرط الأول: إذنُ وَلِيِّ المرأة:
الولي هو: الذي يلي عقد النكاح على المرأة ولا يدعها تستبد بعقد دونه وقد ذهب الجماهير من السلف والخلف، منهم: عمر وعلي وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأهل الظاهر، إلى أن الولي شرط لصحة النكاح، فإذا زوَّجت المرأة نفسها، فنكاحها باطل، واستدلوا بما يلي:
1 – النصوص القرآنية التي جعلت أمر التزويج والإعضال إلى الرجال، ومنها:
(أ) قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم …} . فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى ولو كان أمر التزويج عائد إلى النساء لما وجَّه الخطاب للرجال.
(ب) وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} . مع قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ …} .
(ج) قول الشيخ الكبير لموسى عليه السلام: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} .
(د) قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} .
فنهى الأولياء عن عضل النساء عن العودة إلى أزواجهن، وفي هذا أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوَّج نفسها لم تحتج إلى أخيها .
(هـ) قوله تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن} . فاشترط إذن ولي الأمة لصحة النكاح، فدلَّ على أنه لا يكفي عقدها لنفسها.
(و) قوله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} . والولاية من القوامة المنصوص عليها.
(ز) عن عائشة في قوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} . قالت: “هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته في ماله -وهي أولى به- فيرغب عنها أن ينكحها، فيعضلها لمالها ولا يُنكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها” .
ح) وقالت عائشة -في وصف نكاح الجاهلية-: ” … فنكاح منها كنكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها .. ” .
2 – وأصرح من كل ما تقدم ما يلي:
(أ) حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا نكاح إلا بوَليٍّ” .
(ب) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاثًا- ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له” وهما صريحان في الشرطية.
(جـ) وقد ثبت هذا المعنى من قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس .
(د) وعن أبي هريرة قال: “لا تنكح المرأة نفسها، فإن الزانية تُنكح نفسها” .
وقد نقل الحافظ في “الفتح” (9/ 187 – المعرفة) عن ابن المنذر أنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
* بينما ذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة الحرة العاقلة البالغة لا يشترط لصحة العقد عليها وجود الولي، وإنما يشترط في إنكاح الصغيرة!! وحجته في هذا ما يلي:
1 – قوله تعالى: {فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} .
2 – وقوله سبحانه: {حتى تنكح زوجًا غيره} .
قالوا: فأضاف النكاح إليهن فدلَّ على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
3 – قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} . قالوا: الاستدلال بها من وجهين.
(أ) أنه أضاف النكاح إليهن.
(ب) أن النهي عن العضل في الآية يحتمل أن يكون للأزواج، فنهتهم عن منع أزواجهم المطلقات -بعد قضاء عدتهن- من التزوُّج بمن شئن من الأزواج!!
قلت: وقد تقدم سبب نزول الآية وأنه يردُّ هذا التأويل.
4 – حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأيم أحق بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها” .
قلت: ولا يصفو لهم الاستدلال بهذا الحديث على عدم اشتراط الولي لأمرين:
(أ) “أن غاية ما يدل عليه أن للولي حقًا في تزويج الثيب، وللثيب حق في تزويج نفسها، وحقها أرجح من حقِّه، فلم يجز تزويجها بدون استئمارها، وموافقتها، أما البكر فحق الولي أعظم من حقها، ولذا اكتفى بصمتها” .
وهذا كله في حالة الإجبار فلا يجوز للولي أن يجبر الأيِّم على ما تكره.
(ب) أنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا، للزم أفضلية الزواج بدون الولي، وهذا يخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.
فالصحيح الذي لا يجوز خلافه أن الولي شرط في صحة النكاح كما ذهب إليه الجماهير، والله أعلم.
=====
تفصيل المذاهب في مسألة أنه لا يصح النكاح إلا بولي :
ﻓﻲ اﺧﺘﻼﻑ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﺷﺘﺮاﻁ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻜﺎﺡ :
ﻗﺎﻝ اﻟﻨﻮﻭﻱ -ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ-: اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ اﺷﺘﺮاﻁ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﺻﺤﺔ اﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻳﺸﺘﺮﻁ، ﻭﻻ ﻳﺼﺢ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ. ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ: ﻻ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﻓﻲ اﻟﺜﻴﺐ، ﻭﻻ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺮ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ، ﺑﻞ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺰﻭﺝ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺇﺫﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺛﻮﺭ: ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﺗﺰﻭﺝ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺑﻐﻴﺮ ﺇﺫﻧﻪ.
ﻭاﺣﺘﺞ ﺃﺑﻮ ﺛﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ: “ﺃﻳﻤﺎ اﻣﺮﺃﺓ ﻧﻜﺤﺖ ﺑﻐﻴﺮ ﺇﺫﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ، ﻓﻨﻜﺎﺣﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ”، ﻭﻷﻥ اﻟﻮﻟﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮاﺩ ﻟﻴﺨﺘﺎﺭ ﻛﻔﺆا ﻟﺪﻓﻊ اﻟﻌﺎﺭ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺈﺫﻧﻪ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺩاﻭﺩ: ﻳﺸﺘﺮﻁ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﺰﻭﻳﺞ اﻟﺒﻜﺮ ﺩﻭﻥ اﻟﺜﻴﺐ.
ﻭاﺣﺘﺞ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ: “ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ”. ﻭﻫﺬا ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺼﺤﺔ.
ﻭاﺣﺘﺞ ﺩاﻭﺩ ﺑﺄﻥ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﻢ ﺻﺮﻳﺢ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻜﺮ ﻭاﻟﺜﻴﺐ، ﻭﺃﻥ اﻟﺜﻴﺐ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ، ﻭاﻟﺒﻜﺮ ﺗﺴﺘﺄﺫﻥ.
ﻳﻌﻨﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ – ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ -، ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ: “اﻷﻳﻢ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻟﻴﻬﺎ، ﻭاﻟﺒﻜﺮ ﺗﺴﺘﺄﺫﻥ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺇﺫﻧﻬﺎ ﺻﻤﺎﺗﻬﺎ”.
ﻗﺎﻝ اﻟﻨﻮﻭﻱ: ﻭﺃﺟﺎﺏ ﺃﺻﺤﺎﺑﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺃﺣﻖ، ﺃﻱ ﺷﺮﻳﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺠﺒﺮ، ﻭﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﺣﻖ ﻓﻲ ﺗﻌﻴﻴﻦ اﻟﺰﻭﺝ.
ﻗﺎﻝ اﻟﻌﻠﻤﺎء: ﻧﺎﻗﺾ ﺩاﻭﺩ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻓﻲ اﺷﺘﺮاﻁ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺮ ﺩﻭﻥ اﻟﺜﻴﺐ؛ ﻷﻧﻪ ﺇﺣﺪاﺙ ﻗﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻣﺬﻫﺒﻪ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺇﺣﺪاﺙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا. ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ.
ﻭاﺣﺘﺞ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﺱ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﻊ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻘﻞ ﻓﻴﻪ ﺑﻼ ﻭﻟﻲ
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﻤﺮ: ﺣﺠﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: “ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ”، ﺭﻭﻯ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺷﻌﺒﺔ، ﻭاﻟﺜﻮﺭﻱ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺮﺩﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﻣﺮﺳﻼ، ﻓﻤﻦ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﺮﺳﻞ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﻗﺒﻮﻟﻪ، ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﺮاﺳﻴﻞ، ﻓﻴﻠﺰﻣﻪ ﺃﻳﻀﺎ؛ ﻷﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻭﺻﻠﻮﻩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﻔﻆ، ﻭاﻟﺜﻘﺔ، ﻭﻣﻤﻦ ﻭﺻﻠﻪ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺮﺩﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -. ﻭﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﻭﻣﻦ ﺗﺎﺑﻌﻪ ﺣﻔﺎﻅ، ﻭاﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻘﺒﻞ ﺯﻳﺎﺩﺗﻪ، ﻭﻫﺬﻩ اﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻳﻌﻀﺪﻫﺎ ﺃﺻﻮﻝ؛ ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ-: {ﻓﻼ ﺗﻌﻀﻠﻮﻫﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺤﻦ ﺃﺯﻭاﺟﻬﻦ}
. ﻭﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﻘﻞ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﺇﺫ ﻋﻀﻞ ﺃﺧﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﺯﻭﺟﻬﺎ. ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ. ﻭﻟﻮﻻ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺣﻘﺎ
ﻓﻲ اﻹﻧﻜﺎﺡ ﻣﺎ ﻧﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻌﻀﻞ.
ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻓﺎﻧﻜﺤﻮﻫﻦ ﺑﺈﺫﻥ ﺃﻫﻠﻬﻦ}
_________
ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺎﺿﺪ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ. ﻗﺎﻝ اﻟﻄﺒﺮﻱ: ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺣﻔﺼﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﺄﻳﻤﺖ، ﻭﻋﻘﺪ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭﻟﻢ ﺗﻌﻘﺪﻩ ﻫﻲ ﺇﺑﻄﺎﻝ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﻤﺎﻟﻜﺔ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺗﺰﻭﻳﺞ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﻋﻘﺪ اﻟﻨﻜﺎﺡ، ﺩﻭﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﻟﻴﺪﻉ ﺧﻄﺒﺔ ﺣﻔﺼﺔ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ، ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺑﻴﻬﺎ، ﻭﺧﻄﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺃﻣﺮﻫﺎ، ﻭﻻ اﻟﻌﻘﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻓﻴﻪ ﺑﻴﺎﻥ ﻗﻮﻟﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: “اﻷﻳﻢ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻟﻴﻬﺎ” ﺃﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻘﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﺮﺿﺎﻫﺎ ﻻ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﻌﻘﺪ ﻋﻘﺪ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ.
ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺪاﺭﻗﻄﻨﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ – ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: “ﻻ ﺗﺰﻭﺝ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺮﺃﺓ، ﻭﻻ ﺗﺰﻭﺝ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﺈﻥ اﻟﺰاﻧﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻭﺝ ﻧﻔﺴﻬﺎ”. ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ .
قال باحث : ﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ، ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻮﻗﻮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ – ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -، ﻛﻤﺎ ﺭﻭاﻩ اﻟﺪاﺭﻗﻄﻨﻲ ﺑﺴﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻁ اﻟﺸﻴﺨﻴﻦ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ: “ﻛﻨﺎ ﻧﻌﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺰاﻧﻴﺔ”. اﻧﻈﺮ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﺸﻴﺦ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ “ﺇﺭﻭاء اﻟﻐﻠﻴﻞ” 6/ 248 – 249.
ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ: ﻭﺃﻣﺎ ﻗﻮﻝ اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ، ﻓﻤﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺴﻨﺔ، ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﻗﻮﻝ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﻧﻘﻮﻝ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻳﻮﺳﻒ: ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ، ﻓﺈﻥ ﺳﻠﻢ اﻟﻮﻟﻲ ﺟﺎﺯ، ﻭﺇﻥ ﺃﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺰﻭﺝ ﻛﻒء: ﺃﺟﺎﺯﻩ اﻟﻘﺎﺿﻲ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺠﻴﺰﻩ اﻟﻘﺎﺿﻲ، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻮﻟﻲ ﺑﺈﺟﺎﺯﺗﻪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ اﺳﺘﺄﻧﻒ ﻋﻘﺪا، ﻭﻻ ﺧﻼﻑ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﺃﺫﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻴﻬﺎ، ﻓﻌﻘﺪﺕ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﺟﺎﺯ. ﻭﻗﺎﻝ اﻷﻭﺯاﻋﻲ: ﺇﺫا ﻭﻟﺖ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﺭﺟﻼ، ﻓﺰﻭﺟﻬﺎ ﻛﻔﺆا، ﻓﺎﻟﻨﻜﺎﺡ ﺟﺎﺋﺰ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻠﻮﻟﻲ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﺰﻭﺟﺖ ﻣﻮﻟﻰ، ﻭﻫﺬا ﻧﺤﻮ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﺎﻟﻚ.
ﻭﺣﻤﻞ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﻤﺬﻫﺐ اﻟﺰﻫﺮﻱ، ﻭﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﻭاﻟﺸﻌﺒﻲ ﻗﻮﻟﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: “ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ” ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮﺏ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: “ﻻ ﺻﻼﺓ ﻟﺠﺎﺭ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ” .
ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻓﻼ ﺗﻌﻀﻠﻮﻫﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺤﻦ ﺃﺯﻭاﺟﻬﻦ}
، ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻓﻼ ﺟﻨﺎﺡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺇﺫا ﺳﻠﻤﺘﻢ ﻣﺎ ﺁﺗﻴﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ}
. اﻧﺘﻬﻰ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ .
ﻗﺎﻝ الاثيوبي- ﻋﻔﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ -: ﺃﺭﺟﺢ اﻷﻗﻮاﻝ ﻋﻨﺪﻱ ﻫﻮ اﻟﻘﻮﻝ ﺑﺎﺷﺘﺮاﻁ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭﻫﻮ اﻟﺬﻱ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻤﻬﻮﺭ؛ ﻟﺼﺤﺔ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﺃﻣﺎ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺗﺄﻭﻳﻠﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﻐﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ، ﻳﺮﺩﻩ ﻗﻮﻟﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: “ﻓﻨﻜﺎﺣﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ”، ﻓﺘﺒﺼﺮ ﺑﺎﻹﻧﺼﺎﻑ، ﻭﻻ ﺗﺘﺤﻴﺮ ﺑﺎﻻﻋﺘﺴﺎﻑ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﻮاﺏ، ﻭﺇﻟﻴﻪ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻭاﻟﻤﺂﺏ.
(اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ):
ﻓﻲ اﺧﺘﻼﻑ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻷﻭﻟﻴﺎء:
ﺫﻫﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻬﻢ اﻟﺒﻨﻮﻥ، ﻭﺇﻥ ﺳﻔﻠﻮا، ﺛﻢ اﻵﺑﺎء، ﺛﻢ اﻹﺧﻮﺓ ﻟﻷﺏ ﻭاﻷﻡ، ﺛﻢ ﻟﻷﺏ، ﺛﻢ ﺑﻨﻮ اﻹﺧﻮﺓ ﻟﻷﺏ ﻭاﻷﻡ، ﺛﻢ ﺑﻨﻮ اﻹﺧﻮﺓ ﻟﻷﺏ، ﺛﻢ اﻷﺟﺪاﺩ ﻟﻷﺏ، ﻭﺇﻥ ﻋﻠﻮا، ﺛﻢ اﻟﻌﻤﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻹﺧﻮﺓ، ﺛﻢ ﺑﻨﻮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺑﻨﻲ اﻹﺧﻮﺓ، ﻭﺇﻥ ﺳﻔﻠﻮا، ﺛﻢ اﻟﻤﻮﻟﻰ، ﺛﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺃﻭ ﻗﺎﺿﻴﻪ، ﻭاﻟﻮﺻﻲ ﻣﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺇﻧﻜﺎﺡ اﻷﻳﺘﺎﻡ ﻋﻠﻰ اﻷﻭﻟﻴﺎء، ﻭﻫﻮ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻷﺏ ﻭﻭﻛﻴﻠﻪ، ﻓﺄﺷﺒﻪ ﺣﺎﻟﻪ ﺣﺎﻟﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﻴﺎ.
ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ﻻ ﻭﻻﻳﺔ ﻷﺣﺪ ﻣﻊ اﻷﺏ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎﺕ ﻓﺎﻟﺠﺪ، ﺛﻢ ﺃﺏ ﺃﺏ اﻟﺠﺪ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﺁﺑﺎء، ﻭاﻟﻮﻻﻳﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺠﺪ ﻟﻹﺧﻮﺓ، ﺛﻢ اﻷﻗﺮﺏ. ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﺰﻧﻲ: ﻗﺎﻝ ﻓﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ: ﻣﻦ اﻧﻔﺮﺩ ﺑﺄﻡ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻛﺎﻟﻤﻴﺮاﺙ، ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ: ﻫﻤﺎ ﺳﻮاء. ﻭﺭﻭﻯ اﻟﻤﺪﻧﻴﻮﻥ ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﻭﺃﻥ اﻷﺏ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ اﻻﺑﻦ، ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﻗﻮﻟﻲ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﺃﺣﻘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﻥ ﻳﺰﻭﺟﻬﺎ ﺃﺑﻮﻫﺎ، ﺛﻢ اﻻﺑﻦ، ﺛﻢ اﻷﺥ، ﺛﻢ اﺑﻨﻪ، ﺛﻢ اﻟﻌﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺇﺳﺤﺎﻕ: اﻻﺑﻦ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ اﻷﺏ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ. ﻭاﺧﺘﺎﺭﻩ اﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ؛ ﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﺏ؛ ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺃﻧﻪ ﺿﻌﻴﻒ، ﻓﻼ ﻳﺼﺢ اﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﻪ .
ﻗﺎﻝ اﻟﺠﺎﻣﻊ – ﻋﻔﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ -: ﻋﻨﺪﻱ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ -ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﺃﺭﺟﺢ. ﻭاﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﻮاﺏ، ﻭﺇﻟﻴﻪ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻭاﻟﻤﺂﺏ.
و ﺭاﺟﻊ “ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ” 3/ 77 – 78.
لقاء الباب المفتوح بن عثيمين
ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺯﻭاﺝ ﻣﻦ ﻻ ﻭﻟﻲ ﻟﻬﺎ
ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﺸﻴﺦ! ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺟﺪﺓ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﺎﺕ اﻟﻮاﻓﺪﺓ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﻟﺘﺘﺰﻭﺝ ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻭﻟﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺎءﺕ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﻼﺩ ﺑﻤﻔﺮﺩﻫﺎ، ﻓﺘﺘﺰﻭﺝ ﺑﻼ ﻭﻟﻲ، ﻓﻤﺎ اﻟﻮاﺟﺐ ﺗﺠﺎﻩ ﺫﻟﻚ ﺟﺰاﻛﻢ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮا؟
اﻟﻮاﻗﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺫا ﺃﺗﻰ ﻧﺴﺎء ﻭاﻓﺪاﺕ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﻼﺩ ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻬﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎء، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﺇﺫ ﺃﻥ اﻷﻣﺮ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻻ ﻭﻟﻲ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻟﻲ ﻣﻦ ﻻ ﻭﻟﻲ ﻟﻪا، ﻭﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻡ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻲ، ﻭﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻲ ﻭﻟﻜﻨﻪ اﻣﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺰﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﻛﻒء، ﻭﻫﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻬﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ: ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ اﻷﻭﻟﻴﺎء ﻭاﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﻭﺃﺧﻮاﺗﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ؛ ﻳﺒﻴﻊ ﻭﻳﺸﺘﺮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﻨﺎﻓﺲ، ﻭﻳﻤﻨﻊ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻔﺌﺎ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺧﻠﻘﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻫﺬا ﺣﺮاﻡ.
ﻭﺇﺫا ﺗﻜﺮﺭ ﻣﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻊ ﺻﺎﺭ ﻓﺎﺳﻘﺎ ﺧﺎﺭﺟﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺪاﻟﺔ، ﻓﻼ ﺗﻘﺒﻞ ﻟﻪ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﻟﻪ ﺇﻣﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻡ، ﻓﻼ ﻳﺆﻡ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء، ﻭﻻ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻟﻴﺎ، ﻓﺈﺫا ﺗﻜﺮﺭ ﻣﻨﻊ ﻫﺬا اﻟﻮﻟﻲ ﻣﻦ ﺗﺰﻭﻳﺞ ﻣﻮﻟﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻛﻒء ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻪ: ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻭﻻﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻭﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﻭﻟﻲ ﺃﻗﺮﺏ، ﻓﺈﺫا اﻣﺘﻨﻊ اﻷﻭﻟﻴﺎء ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻫﺎ ﻣﺎ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻣﻠﺰﻣﻴﻦ ﺑﺘﺰﻭﻳﺠﻬﺎ، ﻓﺈﺫا اﻣﺘﻨﻊ اﻷﻭﻟﻴﺎء اﻵﺧﺮﻭﻥ ﻋﻦ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻭﻻﻳﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﺎﻝ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﻥ ﻳﺰﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻛﻒء، ﻭﺃﻻ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ.
ﻓﺎﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﻫﺆﻻء اﻟﻮاﻓﺪاﺕ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺇﺫا ﺃﺭﺩﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﻭﺟﻦ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺒﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻭﻳﺒﻴﻦ اﻟﺤﺎﻝ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ اﻟﺸﺮﻋﻲ، ﻭﻫﻮ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺘﺰﻭﻳﺠﻬﻦ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﺣﺼﻞ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻭﻟﻲ ﻓﺎﻟﻨﻜﺎﺡ ﻓﺎﺳﺪ ﻻ ﻳﺼﺢ، ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﺰﻭﺝ ﺃﻥ ﻳﺠﺎﻣﻌﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﻌﺎﺷﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻳﺨﻠﻮ ﺑﻬﺎ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﺪ؛ ﻷﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: (ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ) ﻳﻌﻨﻲ: ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﻳﺼﺢ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ، ﻭاﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺇﺫا ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬا ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﺠﻬﺎﺕ اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﺔ ﻫﻨﺎﻙ، ﺇﻣﺎ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺃﻭ اﻹﻣﺎﺭﺓ، ﺃﻭ اﻟﻬﻴﺌﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪﺩ اﻟﻌﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺸﺮﻋﻲ.