1601 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبد الله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
———‘——-‘——
الصحيح المسند:
1601 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني حدثنا أبو أسامة قال أخبرني عمر بن سويد الثقفي قال حدثتني عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حدثتها قالت
كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها.
هذا حديث صحيح.
………………….
يحرم على المحرم استعمال الطيب في ثيابه؛ لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس ولا زعفران»، فنص على الورس والزعفران؛ لينبه على غيرهما؛ لأن غيرهما من الطيب أعلى منهما.
ولا يجوز أن يلبس ثوبا مبخرا بالطيب، كالثوب المبخر بالند أو العود. ولا يلبس ثوبا مصبوغا بماء الورد وغيره؛ لأن ذلك كله طيب.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في شرح بلوغ المرام: هل للمحرم أن يتطيب؟ أجمع العلماء على أنه لا يتطيب ابتداءً، أي: إذا أحرم وقال: لبيك اللهم حجاً أو عمرة، حرم عليه أن يمس الطيب.
ولكن إذا تطيب قبل أن يحرم، أي: تطيب لإحرامه، فقال بعضهم: إن كان هذا الطيب ستبقى له رائحة فيمنع منه، كما هو مروي عن عمر وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، والجمهور على أنه إذا تطيب قبل الإحرام وبقي أثر الطيب بعد الإحرام فلا مانع من ذلك، ولهذا يقولون: الإحرام مانع ابتداء لا مانع دوام، كما سيأتي في النكاح، فإن المحرم لا يتزوج ولا يزوج، فهو مانع ابتداء للتزويج ولكن ليس مانع دوام؛ لأن المتزوج يحرم وتبقى الزوجية على ما هي عليه، فهو مانع ابتداء يمنع ابتداء المحرم من أن يتزوج من جديد، ويمنع المحرم أن يتطيب من جديد، ولكن لا يمنع دوام الطيب الذي وقع قبله، ولا دوام النكاح الذي وقع قبله.
ومن هنا استدلوا أيضاً بحدث عائشة رضي الله تعالى عنها في بعض رواياتها: (وإني كنت أرى وبيص -والوبيص: البريق واللمعان- المسك في مفرقه صلى الله عليه وسلم)، والمفرق هو موضع فرق شعر الرأس، وكان صلى الله عليه وسلم له شعر يصل إلى منكبيه، وكان يفرقه قسمين: قسم إلى اليمين، وقسم إلى اليسار، حتى تظهر فروة الرأس، فتقول أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (كنت أطيب)، ثم بعد الإحرام: (كنت أرى وبيص المسك في مفرق رسول الله).
إذاًَ: هنا دوام الطيب، والذين قالوا: إن المحرم لا يتطيب بطيب يدوم، قالوا: صحيح أنها طيبته لإحرامه، ولكن جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه خرج من المدينة وقد لبس ثياب الإحرام، وتطيب ولبد رأسه- فأتى إلى ذي الحليفة وبات هناك، وفي تلك الليلة التي بات فيها طاف على نسائه اللاتي معه، واغتسل عند كل واحدة، فإذا كان الأمر كذلك فيكون هذا الاغتسال المتكرر قد أزال وأذهب الطيب الذي طيبته إياه بالمدينة، ثم أصبح فاغتسل وأحرم)، فقالوا: إن هذا الطيب الذي طيبته عائشة أذهبه الاغتسال في الليل.
وأجاب الآخرون عن ذلك بقولها: (وكنت أرى وبيص المسك في مفرقه)، وقد رأت هذا الوبيص حينما كان في الطريق وبعد أن غادر ذا الحليفة ومضى بإحرامه.
وعلى هذا يأتي نوع من التفريع: هل يصح الطيب للمحرم في ثوبه إزاراً ورداءً، وفي بدنه، وفي شعره، وفي رأسه، وتحت إبطه، وفي يديه؟ قالت المالكية: يكون الطيب في البدن وليس في الثوب، وجاءوا بالتعليلات الفقهية التي تذهب إلى الدقة، وقالوا: إن الطيب في البدن ثابت مكانه، وأما إذا كان الطيب في الرداء، فقد يطرح الرداء عنه، ثم يرجع فيلبس الرداء والطيب في الرداء فيكون لبسه الرداء وفيه الطيب بمثابة ابتداء الطيب من جديد؛ لأنه أخذ الطيب الموجود في الرداء حينما أخذه للمرة الثانية، وهذه المسألة من الدقائق التي علم حقيقتها عند الله.
وقد صح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه شم ريح طيب من رجل -سواء كان معاوية أو غيره- فقال: من طيبتك هذا؟ قال: أم حبيبة يا أمير المؤمنين! فقال: عزمت عليك لتذهبن فلتغسلن عنك هذا الطيب.
وجاء عن ابن عمر أنه قال: لأن أتلطخ بالقار وأنا محرم أهون عليَّ من أن أتلطخ بالطيب.
فإذا كان الأمر كذلك فإننا نجد هذا الحديث الصحيح من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، فقد تجرد في بيته وتطيب في بيته، فأهل بيته أعلم الناس بطبيعة إحرامه وما أخذ من طيب وغيره، ولقد جاء عنها في بعض الروايات أنها قالت: (طيبت رسول الله لا كطيبكم هذا) قال بعضهم: (لا كطيبكم هذا) أي: يزول بسرعة، وقال بعضهم: لا إنما قالت ذلك لتبين أن طيبكم لا يصل إلى هذا الطيب، وقد صرحت في بعض الروايات: (بأحسن طيب المسك).
وعلى هذا فالجمهور على أن المحرم قبل أن يهل له أن يتطيب ويكون الطيب في بدنه. اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين: فيستفاد من حديث عائشة: أن استدامة الطيب للمحرم ليست حرامًا وهذا صحيح، والعلماء أخذوا من هذا قاعدة وقالوا: إن الاستدامة أقوى من الابتداء، فالطيب للمحرم استدامته جائزة وابتداؤه لا تجوز، الرجعة للمحرم -يعني: إذا راجع زوجته وقد طلقها- جائزة وابتداء عقد النكاح لا يجوز، وهذه القاعدة صحيحة وسليمة. اهـ
قال الشنقيطي في ” أضواء البيان “: قال في القاموس: والسك بالضم طيب، يتخذ من الرامك مدقوقاً منخولاً معجوناً بالماء، ويعرك شديداً، ويمسح بدهن الخيري لئلا يلصق بالإناء، ويترك ليلة ثم يسحق المسك ويلقمه ويعرك شديداً، ويقرص، ويترك يومين، ثم يثقب بمسلة وينظم في خيط قتب، ويترك سنة، وكلما عتق طابت رائحته اهـ منه. وقال أيضاً: والرامك كصاحب: شيء أسود يخلط بالمسك، ويفتح انتهى منه. ولا يخفي أن أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم، إنما كن يضمدن به جباههن في حال كونه معجوناً، قبل أن يقرص ويجف. اهـ
قال الشيخ عبدالمحسن العباد: وهذا الطيب كأنه من الطيب الذي يختص بالنساء، فيرى ولا تظهر رائحته.