160- فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل في الصحيح المسند:
160 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 361): حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا زائدة حدثنا عبد الملك بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال «مروا أبا بكر يصلي بالناس» فقالت عائشة يا رسول الله إن أبي رجل رقيق فقال «مروا أبا بكر يصلي بالناس فإنكن صواحبات يوسف» فأم أبو بكر الناس ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حي.
[ص: 136] هذا حديث صحيحٌ.
______
قال محققو المسند:
حديث صحيح، رجاله ثقات، غير أن الإمام أحمد أو من دونه أخطأ فيه، فقال: عن ابن بريدة، عن أبيه – جعله من مسند بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهكذا صنع كل من فرع على “المسند” كابن كثير في “جامع المسانيد” 1/ورقة 138، وابن حجر في “أطراف المسند” 1/626، و”إتحاف المهرة” 2/593، والهيثمي في “مجمع الزوائد” 5/181، والصواب فيه: عن أبي بردة -وهو ابن أبي موسى الأشعري- عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، هكذا رواه أبو عوانة في “صحيحه” (1653) عن يزيد بن سنان البصري -وهو ثقة- عن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري، وكذا رواه الناس عن زائدة -وهو ابن قدامة الثقفي- كما سلف في مسند أبي موسى برقم (19700) ، وتابع زائدة عليه أبو الأشهب جعفر بن الحارث الواسطي كما في “علل الدارقطني” 7/218
«مسند أحمد» (38/ 161 ط الرسالة)
الحديث في صحيح البخاري من رواية عائشة رضي الله عنها
647 – حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: (مروا أبا بكر يصلي بالناس). قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك، لم يُسمِع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس. فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك، لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مه، إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل للناس). قالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا
قال ابن عبدالبر:
في هذا الحديث من الفقه: أن القوم إذا أجمعوا للصلاة فأحقهم وأولاهم بالإمامة فيها أفضلهم أفقههم؛ لأن أبا بكر قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصلاة بجماعة أصحابه، ومعلوم أنهم كان فيهم من هو أقرأ منه ولا سيما أبي بن كعب وابن مسعود وزيد ومعاذ. وهذه مسألة اختلف فيها السلف:
فقال مالك: يؤم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة، وللسن حق. قيل له: فأكثرهم قرآنا؟ قال: لا، قد يقرأ من لا يكون فيه خير.
وقال الثوري: يؤمهم أقرؤهم، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة، فإن استووا فأسنهم
وقال الأوزاعي: يؤمهم أفقههم في دين الله.
وقال أبو حنيفة: يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم للسنة، فإن استووا في القراءة والعلم بالسنة فأكبرهم سنا، فإن استووا في القراءة والفقه والسن فأورعهم.
وقال محمد بن الحسن وغيره: إنما قيل في الحديث: “أقرؤهم”، لأنهم أسلموا رجالا فتفقهوا فيما علموا من الكتاب والسنة، وأما اليوم فيتعلمون القرآن وهم صبيان لا فقه لهم.
وقال الليث: يؤمهم أفضلهم وخيرهم، ثم أقرؤهم، ثم أسنهم إذا استووا.
وقال الشافعي: يؤمهم أقرؤهم وأفقههم، فإن لم يجتمع ذلك قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفي به في صلاته، وإن قدم أقرؤهم وعلم ما يلزمه في الصلاة فحسن.
وقال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: رجلان أحدهما أفضل من صاحبه، والآخر أقرأ منه. فقال: حديث أبي مسعود: “يؤم القوم أقرؤهم”. قال: ألا ترى أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم: عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد، فكان يؤمهم؛ لأنه جمع القرآن، وحديث عمرو بن سلمة؛ أمهم للقرآن. فقلت له: حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”، أليس هو خلاف حديث أبي مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يؤم القوم أقرؤهم”؟ فقال: إنما قوله لأبي بكر يصلي بالناس إنما أراد الخلافة، وكان لأبي بكر فضل بَيِّن على غيره، وإنما الأمر في الإمامة إلى القراءة، وأما قصة أبي بكر فإنما أراد به الخلافة.
قال أبو عمر: لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مروا أبا بكر يصلي بالناس” في مرضه الذي توفي فيه، واستخلفه على الصلاة وهي عظم الدين، وكانت إليه لا يجوز أن يتقدم إليها أحد بحضرته -صلى الله عليه وسلم-، فلما مرض استخلف عليها أبا بكر، والصحابة متوافرون، منهم: علي وعمر وعثمان رضي الله عنهم، استدل المسلمون بذلك وبغيره على فضل أبي بكر، وعلى أنه أحق بالخلافة بعده، وعلموا ذلك، فارتضوا لدنياهم وإمامتهم وخلافتهم من ارتضاه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصل دينهم؛ وذلك إمامتهم في صلاتهم، ولم يكن يمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن يصرح بخلافة أبي بكر بعده، والله أعلم، إلا أنه كان لا ينطق في دين الله بهواه، ولا ينطق إلا بما يوحى إليه فيه؛ قال الله عز وجل: {وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3 – 4]، ولم يكن يوحى إليه في الخلافة شيء، وكان لا يتقدم بين يدي ربه في شيء، وكان يحب أن يكون أبو بكر الخليفة بعده، فلما لم ينزل عليه في ذلك وحي ونص: لم يأمر بذلك، ولكنه أراهم موضع الاختيار، وموضع إرادته، فعرف المسلمون ذلك منه، فبايعوا أبا بكر بعده، فخير لهم في ذلك، ونفعهم الله به، وبارك لهم فيه، فقاتل أهل الردة حتى أقام الدين كما كان، وعدل في الرعية، وقسم بالسوية، وسار بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توفاه الله حميدا، رضي الله عنه
وقد جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- آثار تدل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسره ويعلم أن الخليفة بعده أبو بكر، والله أعلم؛ منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: “اقتدوا باللذين من بعدي؛ أبي بكر وعمر”:
وحدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الميمون بن حمزة، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثني المزني، قال: حدثنا الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أن أمرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن شيء، فأمرها أن ترجع، قالت: يا رسول الله، إن رجعت فلم أجدك؟ -قال: كأنها تعني الموت- قال: “فائتي أبا بكر”. قال الشافعي: وفي هذا دليل على خلافة أبي بكر.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ببغداد إملاء في الجامع يوم الجمعة سنة تسع وأربعين وثلاث مئة، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي سنة ست وسبعين ومئتين، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زر، عن عبد الله، قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة لكلام قاله عمر: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: كلنا لا تطيب أنفسنا أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وذكر بسنده في رواية فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، نستغفر الله.
وأجمعوا أن أبا بكر كان يكتب: “من خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” في كتبه كلها.
وذكر نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، أن رجلا قال لأبي بكر: يا خليفة الله. فقال أبو بكر: أنا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا راض بذلك.
وبعث عمر بن عبد العزيز محمد بن الزبير إلى الحسن يسأله: هل استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر؟ فقال: نعم.
قال أبو عمر: إنما قال هذا استدلالا بنحو ما ذكرنا من الحديث، والله أعلم، ولم يختلف عن عمر أنه لما حضرته الوفاة قال: إن أستخلف فقد استخلف أبو بكر، وإن لم أستخلف فلم يستخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن عمر: فلما ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمت أنه لا يستخلف. وهذا معناه أنه لم يستخلف نصا ولا تصريحا. والله أعلم
«التمهيد – ابن عبد البر» (14/ 66 ت بشار)
قال القاضي عياض:
وقوله: ” إنكن لأنتن صواحب يوسف “: يعنى فى التظاهر على ما يردن، وكثرة تردادهن بالإغراء، وإلحاحهن على حاجاتهن وما يملن إليه، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف ليصرفنه عن رأيه فى الاستعصام.
وفيه جواز مراجعة الإمام فى الأمر يأمر به أولا على غير المناقضة، بل باللطف وحسن القول وإظهار الحجة لخلافه، إذا كان لغرض صحيح، كما فعلت عائشة وحفصة واعتذارهن بأن أبا بكر أسيف، وفيه أن التوبيخ من الإمام أو العقوبة إنما تكون لمن رأى خلافه فى هذا إنما تكون إذا كرر عليه ذلك لأول مرة، إذ ظاهره فى أول مرة نصيحة وفى الثانية بعد التذكار مكابرة، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم إنما شدد لها فى القول بعد التكرار وبعد أن سمع قولها وحجتها فلم يلتفت إليها، فلم يكن بعد لتكرار الكلام عليه معنى، فلما أعاد عليه القول قال: ” إنكن صواحب يوسف “، وهذا ما لم يكن أمرا لازما من تنبيهه على غلط أو خطأ، فإن ذلك لازم تكراره حتى ينتبه له كما كان فى حديث ذى اليدين ، وقوله بعد: ” قد كان ذلك برسول الله ” وفيه جواز التعريض بالأمر والملاطفة فيه بحجة صحيحة لغرض آخر كفعل عائشة باحتجاجها [بأنه أسيف وقد بينت غرضها فى الحديث [الآخر] إنما كان لئلا يتشائم به الناس] لقيامه مقام النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه، وقد جاء فيها أيضا: أنها فهمت منه التنبيه على الخلافة، قالت: ” فظننت أن أبى لا يستطيع القيام بأمر الناس ”
«إكمال المعلم بفوائد مسلم» (2/ 334)
قال ابن رجب:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أبا بكر أن يصلي بالناس مع تكرار القول له أنه إذا قام مقامه لا يسمع الناس من البكاء، فدل على أن البكاء من خشية الله في الصلاة لا يضر الصلاة، بل يزينها؛ فإن الخشوع زينة الصلاة.
وقد خرج البخاري في ((كتابه)) هذا حديث عائشة في ذكر الهجرة بطوله،
وفيه: ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن
«فتح الباري لابن رجب» (6/ 262)
قال ابن حجر:
وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط ….. وأخرجه مسلم أيضا وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن …. وزاد مالك في روايته التي ذكرناها فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا ومثله للإسماعيلي في حديث الباب وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه قوله فليصل بالناس في رواية الكشميهني للناس قوله فخرج أبو بكر فيه حذف دل عليه سياق الكلام وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه فأتاه الرسول أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك وفي روايته أيضا فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك انتهى وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة قال النووي تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا وليس كذلك بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء فخشي أن لا يسمع الناس انتهى ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر وعلم قوة عمر على ذلك فاختاره ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استخلف.
قال القرطبي ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك.
«فتح الباري لابن حجر» (2/ 153)
قال ابن العثيمين:
فيه فوائد منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر يمرض ويموت صلوات الله وسلامه عليه لقولها : مرضه الذي مات فيه , وهذا أمر متفق عليه جاء به القرآن وكذلك جاءت به السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يعتريه ما يعتريه البشر من كل وجه إلا أنه يمتاز عن غيره من البشر بأنه صلوات الله وسلامه عليه أهل للرسالة لقول الله تعالى : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) وأنه يوحى إليه كما قال : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ))
ومن فوائد الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه هو الخليفة في هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه ذلك أن من استخلفه في أمته في أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين يعني أنه يرضاه أن يكون خليفة له في أمور الدنيا .
قال الراجحي:
في هذه الأحاديث: استدلال الصحابة رضي الله عنهم على أن أبا بكر رضي الله عنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه كان أولى الناس بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة؛ ولهذا قدموه في الخلافة، فعن الحسن رضي الله عنه قال: ((قال علي رضي الله عنه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يصلي بالناس، وقد رأى مكاني، وما كنت غائبا ولا مريضا، ولو أراد أن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا)).
وفيها: أنه ينبغي للإنسان أن يتأمل في مشورة المرأة، فإذا تبين أنها رشد أخذ به، وإلا فلا، سواء كانت زوجة أو غيرها، ومشورة أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية : اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، فهذه مشورة من أم سلمة رضي الله عنها ورشدها.
وفيها: خوف عائشة رضي الله عنها أن يتشاءم الناس بأبي بكر رضي الله عنه، إذا صلى بالناس في مرضه صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل مشورتها، قال: ((فإنكن صواحب يوسف))، يعني: في الكيد، وذلك بانهن يتوهمن أمرا ويردن غيره.
قوله: ((ليصل بالناس أبو بكر)) فيه: أن ما رأته عائشة رضي الله عنها ليس بمحله.
وفيه: فضل أبي بكر رضي الله عنه ومحله ومكانته عند الناس، وأنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (2/ 76)
تنبيه :
توسعنا في فضائل الخلفاء رضي الله عنهم في التعليق على صحيح مسلم ، وكذلك التعليق على الصحيح المسند ١٥٢٩ .
وراجع أيضا الصحيح المسند
1618 عن عبدالله بن شقيق قال : قلت لعائشة : أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : أبوبكر. قلت : ثم من ؟ قالت : ثم عمر قلت ثم من ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح. قال : قلت : ثم من ؟ قال : فسكتت .
وراجع الصحيح المسند 1466 عن سعيد بن وهب قال نشد عليٌّ الناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كنت مولاه فعليُّ مولاه.
وعون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده قال
- 1055 – حدثنا عبد الله، حدثني سريج بن يونس، حدثنا مروان الفزاري، أخبرنا عبد الملك بن سلع، عن عبد خير، قال: سمعته يقول: قام علي على المنبر، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر رضي الله عنه فعمل بعمله، وسار بسيرته، حتى قبضه الله عز وجل على ذلك. ثم استخلف عمر فعمل بعملهما، وسار بسيرتهما، حتى قبضه الله عز وجل على ذلك ” وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند .