160 (ب) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
وقال الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة. وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80]، وَقالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، وَقالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]،وَقالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] والآيات في الباب كثيرة.
قال الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} قال النووي:” قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة.”
قال ابن تيمية:” أمر الله تعالى المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول وهذا
يوجب تقديم السمع وهذا هو الواجب إذ لو ردوا إلى غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وبراهينهم لم يزدهم هذا الرد إلا اختلافا واضطرابا وشكا وارتيابا” (درء التعارض)
قال ابن القيم:” قوله تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ولم يقل: وإلى الرسول. فإن الرد إلى القرآن رد إلى الله والرسول، فما حكم به الله تعالى هو بعينه حكم رسوله وما يحكم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو بعينه حكم الله. فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه يعني كتابة فقد رددتموه إلى رسوله. وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله فقد رددتموه إلى الله، وهذا من أسرار القرآن.” (الرسالة التبوكية)
قال ابن جزي ” {فردوه إلى الله والرسول}: الردّ إلى الله هو النظر في كتابه، والردّ إلى الرسول هو سؤاله في حياته, والنظر في سنته بعد وفاته ” (التسهيل لعلوم التنزيل)
وقال ابن القيم:” قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله، فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضادَّ أمر الله ومن دعا عند النزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية, “. (الرسالة التبوكية)
قال السعدي:” كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما. فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت”. (تفسير السعدي)
قال ابن باز في كلامه عن هذه الآية:” على كل مسلم أن ينقاد لشرع الله وأن يستقيم على أمر الله وأن يحافظ على حدود الله وأن يفسر كلام الله بما ثبت عن رسوله عليه الصلاة والسلام.” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” {إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} و {فِي شَيْءٍ} هذه نكرة في سياق الشرط، فتكون للعموم، أيّ شيء يتنازع فيه فإنه يرد إلى الله والرسول. وقال أيضا:” {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} هذه جملة شرطية يراد بها الإغراء والحث، أي: إن كنتم صادقين في الإيمان بالله واليوم الآخر فامتثلوا هذه الأوامر: طاعة الله، طاعة الرسول، وأولي الأمر، والرد عند التنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله ” (تفسير ابن عثيمين.)
وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني.
قال الطبري:” هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم: ” إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا “! (جامع البيان في تأويل آي القرآن)
قال السعدي:” أي: كل مَنْ أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه {فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله، وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا، فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك.
ثم قال أيضا:” وهذا من الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثلاثة: حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة. وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما”. (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” الطاعة: موافقة الأمر، سواء كان ذلك في فعل المأمور أو ترك المحذور، فإذا قيل طاعة ومعصية فالطاعة لفعل المأمور والمعصية لفعل المحذور.
أما إذا قيل: طاعة على سبيل الإطلاق، فإنها تشمل الأوامر والنواهي، يعني أن امتثال الأوامر طاعة واجتناب النواهي طاعة، فالذي يطيع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه، أي إذا أمره امتثل، وإذا نهاه اجتنب، فإنه يكون مطيعاً لله عز وجل، هذا منطوق الآية، ومفهومها: أن من يعص الرسول فقد عصى الله، وفي هذه الآية دليل على أن ما ثبت في السنة، فإنه كالذي ثبت في القرآن، أي أنه من شريعة الله ويجب التمسك به” (شرح رياض الصالحين للعثيمين)
وَقالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
قال الطبري:” قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا, بالدعاء إلى الله, والبيان لهم.” (جامع البيان في تأويل آي القرآن)
قال ابن عثيمين” الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره الله ـ عز وجل ـ أنه يهدي إلى صراط مستقيم؛ يعني يدل إليه ويبينه للناس، والصراط المستقيم بينه الله في قوله: (صِرَاطِ اللَّهِ) يعني الصراط الذي نصبه الله ـ تعالى ـ لعباده، هو شريعته، وأضافه الله إلى نفسه، لأنه هو الذي نصبه، لأنه يوصل إليه، كما أنه أضافه في سورة الفاتحة إلى الذين أنعم الله عليهم، لأنهم هم الذين يسلكونه.
فالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يهدي الناس إلى الصراط، ويدلهم عليه، ويدعوهم إليه، ويرغبهم في سلوكه، ويحذرهم من مخالفته، وهكذا من خلفه في أمته من العلماء الربانيين، فإنهم يدعون إلى الصراط المستقيم، صراط الله العزيز الحكيم” (شرح رياض الصالحين للعثيمين)
فإذا قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبين قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)، قال ابن عثيمين:” قال أهل العلم: الجمع بينهما أن الآية التي فيها إثبات الهداية يراد بها هداية الدلالة، يعني أنك تدل الخلق، وليس كل من دل على الصراط اهتدى، وأما الهداية التي نفى الله عن رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فهي هداية التوفيق، لا أحد يستطيع أن يوفق أحد للحق، ولو كان أباه، أو أبنه أو عمه، أو أمه، أو خاله، أو جدته، أبداً، من يضلل الله فلا هدي له.” (شرح رياض الصالحين)
وَقالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
قال ابن كثير في تفسيره:” وقوله: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنا ما كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” وقال أيضا: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا (أن تصيبهم فتنة) أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، (أو يصيبهم عذاب أليم) أي: في الدنيا، بقتل، أو حد، أو حبس، أو نحو ذلك.”
قال الصديق:” لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ؛ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ. ” (صحيح البخاري)
قال ابن بطة في الإبانة:” هَذَا يَا إِخْوَانِي الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ الزَّيْغَ إِنْ هُوَ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ زَمَانٍ أَضْحَى أَهْلُهُ يَسْتَهْزِئُونَ بِنَبِيِّهِمْ وَبِأَوَامِرِهِ، وَيَتَبَاهَوْنَ بِمُخَالَفَتِهِ، وَيَسْخَرُونَ بِسُنَّتِهِ؟ نَسْأَلُ اللَّهَ عِصْمَةً مِنَ الزَّلَلِ وَنَجَاةً مِنْ سُوءِ الْعَمَلِ” (الإبانة الكبرى لابن بطة)
وعن الفضل بن زياد، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعا، ثم جعل يتلو: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] وجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة الشرك، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ فيهلكه، وجعل يتلو هذه الآية: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65]، وقال: وسمعت أبا عبد الله، يقول: «من رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا هلكة» (الإبانة الكبرى لابن بطة)
قال فيصل آل مبارك:” في هذه الآية: وعيد شديد لمن خالف أمر النبي – صلى الله عليه وسلم -، إما فتنة في الدنيا أو عذاب في الآخرة.” (تطريز رياض الصالحين)
وَقالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}
قال الطبري في تفسيره:”عن قتادة في قوله: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ): أي: السنة، قال: يمتن عليهم بذلك.”
قال ابن القيِّم: (الحِكْمَة في كتاب الله نوعان: مفردة، ومقترنة بالكتاب. فالمفردة فُسِّرت بالنُّبُوَّة، وفُسِّرت بعلم القرآن. قال ابن عباس: هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه، ومُحْكَمه ومُتَشَابهه، ومقدَّمه ومؤخَّره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. وقال الضَّحاك: هي القرآن والفهم فيه. وقال مجاهد: هي القرآن، والعلم والفِقْه. وفي رواية أخرى عنه: هي الإصابة في القول والفعل. وقال النَّخعي: هي معاني الأشياء وفهمها. وقال الحسن: الورع في دين الله. كأنَّه فسَّرها بثمرتها ومقتضاها. وأما الحِكْمَة المقرونة بالكتاب، فهي السُّنَّة. كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة. وقيل: هي القضاء بالوحي، وتفسيرها بالسُّنَّة أعم وأشهر) (مدارج السالكين)
قال تعالى:” وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ”
عن حسان بن عطية، قال: «كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن» (الإبانة لابن بطة)
وهذه الآية نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير:” واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة أي: اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة.”
ثم قال النووي:” والآيات في الباب كثيرة.” مثل قوله تعالى: (إنما كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سورة النور 51) وقال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ((36 الإحزاب)
ومع كثرة الأدلة وظهورها ظهر من ينكر السنة جملة وتفصيلا وهذا الإنكار في الحقيقة علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. (رواه أبوداود 4604 صححه الألباني)
وفي رواية ابن ماجه:” عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ “.” (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)
عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه. (رواه أبوداود 4605 صححه الألباني)
قال ابن عثيمين:” ولا يجوز لأحد أن يفرق بين الكتاب والسنة، ولقد أخبر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ محذراً؛ حينما قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من عندي فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)، يعني إنه يحذر من أنه ربما يأتي زمان على الناس يقولون: لا نتبع إلا ما في القرآن، أما ما في السنة فلا تأخذ به.
وهذا أمر قد وقع، فوجد من الملاحدة من يقول: لا نقبل السنة، لا نقبل إلا القرآن، والحقيقة لأنهم كذبة، فإنهم لم يقبلوا لا السنة ولا القرآن، لأن القرآن يدل على وجوب اتباع السنة، وأن ما جاء في السنة كالذي جاء في القرآن، ولكنهم يموهون على العامة، ويقولون: إن السنة ما دامت ليست قرآناً يتلى ويتواتر بين المسلمين، فإن ما فيها قابل للشك، وقابل للنسيان، وقابل للوهم وما أشبه ذلك.)) (شرح رياض الصالحين)