16 – نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح الترغيب
(16) – ((16)) [صحيح لغيره] وعن أبي كَبْشَةَ الأنماريّ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
«ثلاثٌ أُقسِمُ عليهن، وأُحدِّثُكم حديثًا فاحْفظوه، -قال:-
ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلم عبدٌ مَظلمةً صبرَ عليها إلا زادَه الله عزًّا، ولا فَتَحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فَتَحَ اللهُ عليه بابَ فقرٍ، أو كلمةٌ نحوها.
وأُجدِّثكم حديثًا فاحْفظوه:
إنّما الدُّنْيا لِأرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مالًا وعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، ويَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، ويَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذا بِأفْضَلِ المَنازِلِ، وعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، ولَمْ يَرْزُقْهُ مالًا فَهُوَ صادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ لَوْ أنَّ لِي مالًا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأجْرُهُما سَواءٌ، وعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مالًا، ولَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، ولا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، ولا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذا بِأخْبَثِ المَنازِلِ، وعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مالًا ولا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أنَّ لِي مالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُما سَواءٌ».
رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وقال: «حديث حسن صحيح»،
[صحيح] ورواه ابن ماجه ولفظه:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
«مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أرْبَعَةِ نَفَرٍ، رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا وعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مالِهِ؛ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ عِلْمًا ولَمْ يُؤْتِهِ مالًا وهُوَ يَقُولُ: لَوْ كانَ لِي مِثْلُ هَذا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -:- فَهُما فِي الأجْرِ سَواءٌ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا
ولَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مالِهِ، يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، ورَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مالًا وعِلْمًا، وهُوَ يَقُولُ: لَوْ كانَ لِي مِثْلُ هَذا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -:- فَهُما فِي الوِزْرِ سَواءٌ».
———-
الشرح:
اشتراك الناوي والعامل في الأجر والوزر:
قوله: «ما نقص مال عبد من صدقة». يشهد له قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ (39)].
قوله: «ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا»، يشهد له قوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى (43)].
قوله: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر» وهذا مشاهد بالحس ويشهد له قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر (15)].
قوله: «إنما الدنيا لأربعة … » إلخ
فالأول عَلِمَ وعَمِلَ صالحًا.
والثاني: عَلِمَ وعزم على العمل الصالح لو قدر، فأجرهما سواء
والثالث: لم يعْلَمْ ولم يعمَلْ في ماله صالحًا.
والرابع: لم يعلَمْ وعزم على العمل السيِّئ، لو قدر على مال فوزهما سواء.
تطريز رياض الصالحين ((366) – (367))
قال ابن القيم رحمه الله: فقسَّم النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أهلَ الدنيا أربعة أقسام:
*خيرُهم من أوتي علمًا ومالًا، فهو محسنٌ إلى الناس وإلى نفسه بعلمه وماله.
* ويليه في المرتبة من أوتي علمًا ولم يُؤتَ مالًا، وإن كان أجرُهما سواءً فذلك إنما كان بالنيَّة، وإلا فالمنفقُ المتصدِّق فوقه بدرجة الإنفاق والصدقة، والعالِمُ الذي لا مال له إنما ساواه في الأجر بالنيَّة الجازمة المقترنِ بها مقدورُها، وهو القولُ المجرَّد.
*الثالث: من أوتي مالًا ولم يَصرِفه في مصارف الخير (2)، ولم يُؤتَ علمًا؛ فهذا أسوأ الناس منزلةً عند الله؛ لأنَّ مالَه طريقٌ إلى هلاكه، فلو عَدِمَه لكان خيرًا له، فإنه أُعطِيَ ما يتزوَّدُ به إلى الجنة فجعله زادًا له إلى النار.
* الرابع: من لم يؤتَ مالًا ولا علمًا، ومِنْ نيَّته أنه لو كان له مالٌ لعمل فيه بمعصية الله، فهذا يلي الغنيَّ الجاهل في المرتبة ويساويه في الوِزْر بنيَّته الجازمة المقترن بها مقدورُها، وهو القولُ الذي لم يَقدِر على غيره.
فقسَّم السعداءَ قسمين، وجعل العلمَ والعمل بمُوجَبه سببَ سعادتهما، وقسَّم الأشقياءَ قسمين، وجعل الجهلَ وما يترتَّبُ عليه سببَ شقاوتهما؛ فعادت السعادةُ بجملتها إلى العلم ومُوجَبه، والشقاوةُ بجملتها إلى الجهل وثمرته.
مفتاح دار السعادة ((1) / (514) – (515)).
قال الصنعاني: (وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان) هذا الثاني وقد رزقه أحد الخيرين وهو عامل بعلمه لما تقدم ولأن هذه النية الصادقة دليل عمله الصالح. (فهو بنيته) أي معروف بها معامل على قدرها. (فأجرهما سواء) أي أجر العالم العامل المنفق وأجر العالم الذي لا مال له ينفقه لكنه عازم بأنه لو كان لأنفقه مستويان لأنهما قد استويا في العلم واستويا في الإنفاق، الأول بالإخراج حقيقة والثاني بالنية الصادقة فقد جعل أجر النية الصادقة كأجر العامل الجامع بين النية والإخراج.
إن قلت: قد ثبت أن من همّ بالحسنة والمراد نوى إخراجها كانت له حسنة فإن أخرج ما همّ به كانت عشراً فكيف سوى هنا بين من نوى الإخراج وبين من تحقق منه.
قلت: هذا يدل على أن من كان صادق النية في فعل أي خير ومنعه عنه مانع عدم الاستطاعة أنه مثل من استطاع في الأجر وهذا مقتضى فضل الله وعدله؛
لأنه ما عاق صادق النية إلا أنه تعالى ما أوسع عليه في العطاء فما امتنع عنه إلا لعائق القدر ويدل له حديث: “إن في المدينة أقواماً ما نزلنا منزلاً ولا هبطنًا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر” قاله – صلى الله عليه وسلم – في بعض غزواته فقد جعل المعذورين مع المستطيعين وعليه قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمجَاهِدُونَ … } الآية. [النساء: 95] فإنه استثنى أولى الضر وجعلهم كالمجاهدين. وبعد هذا يعلم أن حديث الهم بالحسنة لمن يستطيع فعلها.
إن قلت: يشكل عليه حديث: “ذهب أهل الدثور بالأجور … ”
وقوله – صلى الله عليه وسلم – للفقراء: “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء … ” الحديث في فضل الذكر عقيب الصلوات فإنه دل على تقرير ذهاب ذو اللسان المنفقين بالأجر وزيادة أجورهم لانفاقهم.
قلت: يحتمل أنه وقع ذلك منه – صلى الله عليه وسلم – قبل إعلام الله له بأن أجر ذي النية الصادقة والمنفق سواء، ويحتمل أن المراد هنا أنهما سواء في أجر نفس النية والمنفق أكثر أجراً بزيادة النفقة على النية وأنه يلاقي حديث: “من همَّ بحسنة كتبت له حسنة، فإن فعلها كتبت عشرة” فكل هنا من الغني والفقير قد استويا في النية وافترقا في الإخراج إلا أن هذا خلاف ما سيق له الحديث هنا فإنه ظاهر في المساواة من كل وجه …
التنوير شرح جامع الصغير ((5) / (164) – (165)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَهَذَا التَّسَاوِي مَعَ الْأجر والوزر هُوَ فِي حِكَايَة حَال من قَالَ ذَلِك وَكَانَ صَادِقا فِيهِ وَعلم الله مِنْهُ ارادة جازمة لَا يتَخَلَّف عَنْهَا الْفِعْل الا لفَوَات الْقُدْرَة فَلهَذَا اسْتَويَا فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَلَيْسَ هَذِه الْحَال تحصل لكل من قَالَ لَو أَن لي مَا لفُلَان لفَعَلت مثل مَا يفعل الا اذا كَانَت ارادته جازمة يجب وجود الْفِعْل مَعهَا اذا كَانَت الْقُدْرَة حَاصِلَة والا فكثير من النَّاس يَقُول ذَلِك عَن عزم لَو اقترنت بِهِ الْقُدْرَة لَانفسخت عزيمته كعامة الْخلق يعاهدون وينقضون. [الزهد والورع والعبادة ((163))] •
قال العلامة ابن باز رحمه الله: فإن المؤمن إذا ترك العمل الصالح عجزاً عنه، وهو يحب أن يعمله ويريده لولا العجز، كتب اللَّه له مثل أجر العاملين، فضلاً منه وإحساناً، كما في الحديث الصحيح، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كتبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وهو صَحِيح مُقِيم». الإفهام في شرح عمدة الأحكام ((289))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وقد بينا أن الإرادة الجازمة لابد أن يدربها من عمل الجوارح ما يَقدر عليه العبد، وحينئذٍ فيترتب عليها العقاب، كالذي يَهُمُّ بالذي يتمنى وينظر، ويفعل بعض المحرمات ويترك الباقي عجزًا، كالذي أراد قتل أخيه بذل مقدوره في قتله حتى قتل، بخلاف من هَمَّ ولم يفعل مقدورَه كالذي همَّ بسيئةٍ ولم يفعلها أصلاً، فهذا لا تكون إرادته جازمةً. وكذلك قوله: “فهما في الأجر سواء، وهما في الوزر سواء”، لأن كلاًّ منهما قال بلسانه: لو أن لي مثلَ ما لفلانٍ لفعلتُ فيه مثلَ ما فعل، فلما أراد إرادة جازمة وفعل مقدوره صار كالفاعل.
جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد – المجموعة الرابعة ((267)).
سئل العلامة العباد حفظه الله: في الحديث: (إنما الدنيا لأربعة نفر) فقال في الثاني: (فهما في الأجر سواء) وقال في الرابع: (فهما في الوزر سواء) فنرجو التوضيح؟ الشيخ: هذا بالنسبة للأصل، وليس مع المضاعفة والتضعيف، وإنما هو باعتبار الأصل.
شرح الاربعين النووية للعلامة العباد حفظه الله ((33) – (34)).