16 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——‘
——-‘——‘——-‘
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان من صحيحه:
بَابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ
16 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ”
——‘——‘——‘
فوائد الباب:
1 – حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الستة غير أبي داود
2 – قوله (باب حلاوة الإيمان) أي أن الإيمان ليس معلومات وقول فقط وإنما أيضا إقرار وأقوال وأعمال وحب تخالط بشاشته القلوب فيجد بها حلاوة الإيمان.
3 – قال النووي رحمه الله تعالى هذا حديث عظيم أصل من اصول الاسلام. كما في شرحه لصحيح مسلم.
4 – قوله (ثلاث) في استخدام العدد سهولة الحفظ والضبط. وقوله ” ثلاث” هو مبتدأ وليس نكرة صرفة لان التنوين عوض عن المضاف إليه أي ثلاث خصال” قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
5 – قوله (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ) وعند مسلم 43 في رواية ” وجد بهن ” وعند البخاري 6041 في رواية من طريق قتادة ” لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ “، وعند الإمام أحمد 13151 في رواية من طريق قتادة أيضا ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ .. ”
6 – قَالَ ابنُ أَبِي جَمْرَةَ: إِنَّما عَبَّرَ بالحَلَاوَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ شَبَّهَ الإيمانَ بالشَّجَرَةِ في قولِهِ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24]. نقلا عن كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد.
7 – “وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب فاسم الشجرة يشتمل على ذلك كله ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنه اسم الشجرة وإنما يقال هي شجرة ناقصة وغيرها أتم منها ” قاله ابن رجب في جامع العلوم والحكم.
8 – وعند الإمام أحمد 12122 من طريق نوفل بن مسعود ” ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَيْهِ”
9 – قوله (وجد حلاوة الإيمان) وعند مسلم 43 من طريق قتادة ” وجد طعم الإيمان” وعند الترمذي من طريق أبي قلابة ” وجد بهن طعم الإيمان” وعند النسائي 4987 من طريق طلق بن حبيب ” ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَطَعْمَهُ” فجمع بينهما”
10 – وذلك أن الإنسان إذا رضى أمراً واستحسنه سهل عليه أمره، ولم يشق عليه شاء منه، فكذلك المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان، سهلت عليه طاعات ربه ولذت له، ولم يشق عليه معاناتها. قاله القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم.
11 – قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فَحَلَاوةُ الْإِيمَانِ المُتَضَمِّنَةُ للذَّةِ والفَرَحِ يَتْبَعُ كَمَالَ مَحَبَّةِ العَبْدِ للَّهِ، وذَلِكَ بثَلَاثَةِ أُمُورٍ: تَكْمِيلِ هذِهِ المَحَبَّةِ وتَفْرِيعِها ودفعِ ضِدِّها، فتَكْمِيلُها أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إليهِ مِمَّا سِوَاهُمَا فإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، لَا يُكْتَفَى فيها بأَصْلِ الحُبِّ، بل لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ورسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِواهُمَا.
12 – … عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” ذَاقَ طَعْمَ الإيمَانِ، مَنْ رَضِىَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ” رواه مسلم 34 والترمذي 2623
13 – قوله (أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) لا يقدم على محبة الله ومحبة رسوله محبة.
14 – وقَوْلُهُ: (مِمَّا سِوَاهُمَا)، فيه جَمْعُ ضَمِيرِ الرَّبِّ سُبْحَانَه، وضَمِيرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ على الخَطِيبِ الذي كان يخطب لمَّا قَالَ: “ومَن يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى”، وأَحْسَنُ مَا قِيلَ فيه قَوْلَانِ:
أَحَدُهُما: ما قَالَهُ البَيْضَاوِيُّ وغيرُه، إِنَّه ثَنَّى الضَّمِيرَ هنا إِيمَاءً إلى أَنَّ المُعْتَبَرَ هو المَجْمُوعُ المُرَكَّبُ مِن المَحَبَّتَيْنِ، لا كلُّ واحِدَةٍ، فإِنَّها وحْدَها لَاغِيَةٌ، وأَمَرَ بالْإِفْرَادِ في حديثِ الخَطِيبِ إِشْعَارًا بأَنَّ كلَّ واحِدٍ مِن العِصْيَانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ باسْتِلْزَامِ الغَوايَةِ؛ إذ العَطْفُ في تَقْدِيرِ التَّكْرِيرِ، والْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ كلٍّ مِن المَعْطُوفَيْنَ في الحُكْمِ. قلتُ: وهذا جوابٌ بَلِيغٌ جدًّا.
الثاني: حَمْلُ حديثِ الخَطِيبِ على الْأَدَبِ والْأَوْلَى، وهَذَا عَلَى الجَوَازِ.
وجَوَابٌ ثَالِثٌ وهو: أَنَّ هَذَا وَرَدَ على الأَصْلِ، وحَدِيثُ الخَطِيبِ نَاقِلٌ، فيَكُونُ أَرْجَحَ. قاله الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
وقيل أيضا كجواب رابع: ” المراد فى الخطب الايضاح لا الرموز أما هنا فالمراد الايجاز فى اللفظ ليحفظ ” قاله الكرماني في الكواكب الدراري، والمعتمد الأول … كما قال شارح تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للعلامة سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب ” وهو جواب بليغ جدا”.قلت وهناك جواب خامس أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على الفعل عند عدم إمكان الجمع لأن الفعل يحتمل الخصوصية.
قال الأثيوبي في فوائد الحديث:
(ومنها): ما قيل أيضًا: إن فِي قوله: “مما سواهما” دليلاً عَلَى أنه لا بأس بهذه التثنية، وأما قوله -رضي الله عنه- للذي خطب، فَقَالَ: ومن يعصمهما: “بئس الخطيب أنت”، فليس منْ هَذَا؛ لأن المراد فِي الْخُطَب الإيضاح، وأما هنا فالمراد الإيجاز فِي اللفظ؛ ليحفظ، ويدل عليه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قاله فِي موضع آخر، حيث قَالَ: “ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه”.
قال العثيمين في شرح التدمرية:
ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: ” {من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا.} وقال: ” {ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد} ففي الطاعة: قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو، وفي المشيئة: أمر أن يجعل ذلك بحرف ” ثم ” وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله، ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله.]
هذه الأمور من العبادة لا تصلح لغير الله ولو بثم. اهـ
تنبيه:
حديث ابن مسعود مرفوعا وفيه ” من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا” وفِي رواية” ومن يعصهما فقد غوى” أخرجهما أبو داود في سننه قال الألباني في الأول منهما: هذا إسناد ضعيف وله علتان الأولى أبو عياض مجهول كما في التقريب والأخرى عبد ربه – وهو ابن أبي يزيد، وقيل غير ذلك- وهو مجهول أيضا- كما قال ابن المديني- وقال الحافظ مستور.
ثم قال في إسناد الرواية الأخرى: إسناده ضعيف لإرساله وبه أعله المنذري انتهى من ضعيف أبي داود الأم (202) و (203)
15 – قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ” فَأَبَانَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا أَنَّ حُبَّ اللهِ، وَحُبَّ رَسُولِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَبَانَ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ تَرْكَ مُتَابَعَتِهِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمَحَبَّةِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَحَبَّةِ، وَوُجُوبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَالْمُوَافَقَةِ ”
16 – قال سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ُ: ” وَاللهِ، لَا تَبْلُغُوا ذِرْوَةَ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ” نقله البيهقي في شعب الإيمان.
17 – قال ذو النون: ثلاثة من أعلام موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر للقسوة. نقله ابن عساكر في تاريخ دمشق.
18 – من الإيمان أن َيكرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ. قاله البخاري وسيأتي.
19 – قوله (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ) زاد البخاري من طريق قتادة ” بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ ” (كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) و من طريق قتادة عند البخاري ” يلقى” بدلا من “يقذف” وهي بمعناه. وفي رواية عند البخاري من طريق قتادة ” وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ”. وعند مسلم من طريق ثابت ” «مِنْ أَنْ يَرْجِعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا»
20 – قَوْلُه: (كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) أي: يَسْتَوِي عندَه الأَمْرَانِ؛ الْإِلْقَاءُ في النَّارِ، والعَوْدُ في الكُفرِ. قاله الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد. وعند النسائي من طريق طلق بن حبيب ” وَأَنْ تُوقَدَ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَيَقَعَ فِيهَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا ”
21 – وفيه دَلِيلٌ عَلَى عَدَاوَةِ المُشْرِكِينَ وبُغْضِهم؛ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا أَبْغَضَ مَن اتَّصَفَ بهِ، فإذا كانَ يَكْرَهُ الكُفْرَ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى في النَّارِ، فكَذَلِكَ يَكْرَهُ مَن اتَّصَفَ بهِ. قاله صاحب تيسير العزيز الحميد.
22 – فيه الصبر على البلاء قاله ابن ماجه.
23 – فيه الحب في الله قاله البخاري.
24 – وفيه أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّه المُؤمِنونَ، وهو تعالى يُحِبُّهم، كما قالَ: {يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ} [المائدة: 57].
25 – فيه فضل مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالقَتْلَ وَالهَوَانَ عَلَى الكُفْرِ. قاله البخاري من غير قوله “فضل”.
26 – قوله (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) تابعه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ كما عند البخاري 6941 تابعه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كما عند مسلم 43، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ كما عند مسلم 43 والترمذي 2624، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كما عند مسلم 43
27 – قوله (عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ) تابعه قتادة عند البخاري 21و 6041 و مسلم 43 والنسائي 4988 وابن ماجه 4033 والإمام أحمد في مسنده 12765 وقد صرح قتادة بالتحديث عند النسائي، تابعه ثابت كما عند مسلم 43 تابعه طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ كما عند النسائي 4987 والإمام أحمد في مسنده 13152 تابعه حميد كما عند النسائي 4989 تابعه نَوْفَل بْن مَسْعُود كما عند الإمام أحمد في مسنده 12122 وأبو يعلى في مسنده 428
28 – تنبيهات: نوفل بن مسعود وثقه النسائي كما قال الذهبي، وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه جمع من الثقات.
=====
29 – قال ابن بطال في شرح البخاري 1/ 66:
قال الطبرى: … وذلك أن الرجل إذا تذكر سالف أيادى الله وأيادى رسوله، (صلى الله عليه وسلم)، وما من عليه أن هداه للإسلام وأنقذه من الضلالة، وعرفه الأسباب التى توخيه إلى النجاة من عذاب الأبد والخلود فى جهنم، وغير ذلك من النعم التى وصلت إليه به مما لا كفاء لها، ولا استحقها من الله لسابقة تقدمت منه إلا بفضله تعالى، وجب أن يخلص المحبة لله ولرسوله فوق كل شاء من جميع المحاب، وكذلك إذا علم ما فى حب المرء فى الله، عز وجل، من المنزلة عند الله آثرها على أسباب الدنيا، لينال ثوابها يوم القيامة ولم يحبه لأعراض الدنيا الفانية. اهـ
30 – قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 2/ 396:
فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه، أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك، فإن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله، مع وجوبه والقدرة عليه، دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة. قال أبو يعقوب النهرجوري: كل من ادعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله، فهو مغرور. وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله عز وجل ولم يحفظ حدوده. وسئل رويم عن المحبة، فقال الموافقة: في جميع الأحوال، وأنشد:
ولو قلت لي مت مت سمعا وطاعة … وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا
ولبعض المتقدمين:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه … هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته … إن المحب لمن يحب مطيع
فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه، وقال تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص: 50] [القصص: 50].
وكذلك البدع، إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء.
وكذلك المعاصي، إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه. وكذلك حب الأشخاص: الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فيجب على المؤمن محبة الله ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما. اهـ
31 – وقال في فتح الباري 1/ 50:
فهذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان، فمن كملها فقد وجد حلاوة الإيمان وطعم طعمه، فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي …
ومحبة الله تنشأ تارة من معرفته، وكمال معرفته: تحصل من معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله الباهرة والتفكير في مصنوعاته وما فيها من الإتقان والحكم والعجائب، فإن ذلك كله يدل على كماله وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته.
وتارة ينشأ من مطالعة النعم، وفي حديث ابن عباس المرفوع: ” أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه وأحبوني لحب الله “. خرجه الترمذي في بعض نسخ كتابه.
ومحبة الله على درجتين:
إحداهما: فرض، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة والانتهاء عن زواجره المحرمة والصبر على مقدوراته المؤلمة، فهذا القدر لابد منه في محبة الله، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله …
والدرجة الثانية من المحبة – وهي فضل مستحب -: أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضى بالأقضية المؤلمات.
ومحبة الرسول على درجتين – أيضا: إحداهما: فرض، وهي ما اقتضى طاعته في امتثال ما أمر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات والرضى بذلك، وأن لا يجد في نفسه حرجا مما جاء به ويسلم له تسليما، وأن لا يتلقى الهدى من غير مشكاته ولا يطلب شيئا من الخير إلا مما جاء به.
الدرجة الثانية: فضل مندوب إليه، وهي: ما ارتقى بعد ذلك إلى اتباع سنته وآدابه وأخلاقه والاقتداء به في هديه وسمته وحسن معاشرته لأهله وإخوانه وفي التخلق بأخلاقه الظاهرة في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وفي جوده وإيثاره وصفحه وحلمه واحتماله وتواضعه، وفي أخلاقه الباطنة من كمال خشيته لله ومحبته له وشوقه إلى لقائه ورضاه بقضائه وتعلق قلبه به دائما وصدق الالتجاء إليه والتوكل والاعتماد عليه، وقطع تعلق القلب بالأسباب كلها ودوام لهج القلب واللسان بذكره والأنس به والتنعم بالخلوة بمناجاته ودعائه وتلاوة كتابه بالتدبر والتفكر. اهـ
32 – قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى 37/ 180:
فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حلاوة الإيمان، وهي منْ الأمور المحسوسة التي يجدها العبد المؤمن فِي باطنه، كما مضى تحقيقه، وليست منْ المجاز، كما ادُّعِي.
(ومنها): أنه استُدِلَّ به عَلَى فضل منْ أُكره عَلَى الكفر، فترك البتة إلى أَنْ قُتل.
(ومنها): ما قيل: إنما قَالَ: “مما سواهما”، ولم يقل: “ممن”؛ ليعم منْ يعقل، ومن لا يعقل.
===
33 – والشارع عبر عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذات المحسوسة نحو مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار والعود في الكفر إلقاء في النار.
قاله الامير الصنعاني في التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ
34 – وقد قال مالك وغيره: المحبة في الله من واجبات الإسلام. وفيه أحاديث كثيرة، منها: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” فقال: “ورجلان تحابا في الله”. ومنها قوله: “المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي”، وهو دأب أولياء الله تعالى.
35 – وقد قال يحيى بن معاذ الرازي: حقيقة المحبة أن لا تزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء، وأما المحبة المشوبة بالأغراض الدنيوية والحظوظ البشرية فغير مطلوبة؛ لأن من أحب لذلك انقطعت عند حصول غرضه أو إياسه منه، بخلاف المحبة (الخالصة)؛ فإنه تحصل الألفة الموجبة للتعاون على البر والتقوى.
36 – دليل على جواز إضافة المحبة لله تعالى، وإطلاقها عليه، ولا خلاف في إطلاق ذلك عليه محبا ومحبوبا.
37 – أن للإيمان حلاوة ولذة.
ولذلك قال بعض السلف: ” لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف “.
وقال بعضهم: ” مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته وذكره “.
وقال آخر: ” إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً “.
وقال آخر: ” إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب “.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة “.
38 – وقد جاء الوعيد الشديد فيمن قدم شيئاً من متاع الدنيا على محبة الله ورسوله.
قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ((التوبة:24).
39 – قال ابن كثير: ” (قل إن كان آباؤكم … وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها (أي إذا كانت هذه الأشياء: (أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا (أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم، ولهذا قال: (حتى يأتي الله بأمره) “.
40 (حَلَاوَةَ الأيمَانِ) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هي عبارة عما يجده المؤمن المحقّق فِي إيمانه، المطمئنّ قلبه به، منْ انشراح صدره، وتنويره بمعرفة الله تعالى، ومعرفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة منّة الله تعالى عليه فِي أن أنعم عليه بالإسلام، ونَظَمَه فِي سلك أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام، وحبّب إليه الإيمان والمؤمنين، وبغض إليه الكفر والكافرين، وأنجاه منْ قبيح أفعالهم، ورَكاكة أحوالهم، وعند مطالعة هذه المنن، والوقوف عَلَى تفاصيل تلك النعم، تطير القلوب فرَحًا، وسُرورًا، وتمتلاء إشراقًا وتورًا، فيالها منْ حلاوة ما ألذّها، وحالة ما أشرفها، فنسأل الله تعالى أن يمنّ بدوامها، وكمالها، كما منّ بابتدائها وحصولها، فإن المؤمن عند تذكّر تلك النعم والمنن، لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين فِي تمكّنها، ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِرْبٌ معلوم، وذلك بحسب ما قُسم لهم منْ هذه المجاهدات الرياضيّة، والمنح الربّانيّة. انتهى “المفهم” 1/ 210.
41 – قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: فيه دليل عَلَى جواز إضافة المحبّة لله تعالى، وإطلاقها عليه، ولا خلاف فِي أن إطلاق ذلك عليه صحيحٌ، محبّا، ومحبوبًا، كما قَالَ تعالى: {فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} الآية [المائدة: 54]، وهو فِي السنّة كثير.
42 – مراده: أنَّ الحلاوة أَمرٌ زائدٌ على أَصْل الإيمان، وهي ثَمرتُه، ولمَّا ذكَر قبله أنَّ حُبَّ الرسول من الإيمان أرَدفَه بما يُوجد من حلاوة ذلك الحاصِل.
قاله: شمس الدين البِرْماوي في اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح.
—–
43 – وفي الحديث الإشارة إلى التَّحلِّي بأَنْواع الفَضائل من التَّعظيم لأمر الله تعالى، فيكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، ثم الشَّفَقة على خلْق الله بإِخلاص محبَّتهم، ثم التَّخلِّي عن الرَّذائل، وهو كَراهة الكُفر، وسائر النَّقائص.
44 – “كما يكره أن يلقى في النار” وفيه تنبيه على أن الكفر كالنار، وهو كذلك لأنه جازّ إليها، فباعتبار عدم كونه ناراً حقيقةً جعله مشبَّها وجعل النار الحقيقية مشبَّها بها؛ إذ العود إليه كالإلقاء فيها؛ لأن عاقبة الكفار دخول النار.
45 – تبويبات الأئمة:
قاله النووي في شرحه لمسلم.
-ذكر إثبات وجود حلاوة الإيمان لمن أحب قوما لله جل وعلا
قاله ابن حبان في صحيحه
-باب حلاوة الإيمان وحب الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
قاله البغوي في شرح السنة
-ذكر ما يدل على أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان
الإيمان لابن منده