1583 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا )
———‘——-
الصحيح المسند
1583- قال الإمام الترمذي رحمه الله : حدثنا أبو حفص عمرو بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا عمارة بن أبي حفصة أخبرنا عكرمة عن عائشة قالت
كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه فقدم بز من الشام لفلان اليهودي فقلت لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة فأرسل إليه فقال قد علمت ما يريد إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة.
قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن غريب صحيح وقد رواه شعبة أيضا عن عمارة بن أبي حفصة .
قال و سمعت محمد بن فراس البصري يقول سمعت أبا داود الطيالسي يقول سئل شعبة يوما عن هذا الحديث فقال لست أحدثكم حتى تقوموا إلى حرمي بن عمارة بن أبي حفصة فتقبلوا رأسه قال وحرمي في القوم، قال أبو عيسى أي إعجابا بهذا الحديث.
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.
……………………….
عكرمة: هو مولى ابن عباس، وقد اثبتَ البخاريُّ سماعَه من عائشة، حيث أخرج له من روايته عنها. تحقيق المسند 42/70
بوب الترمذي : (باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل)
وبوب الإمام البخاري في صحيحه بلفظ باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة قال بن بطال الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع
قال الحافظ في الفتح لعل المصنف يعني البخاري تخيل أن أحدا يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة فأراد دفع ذلك التخيل انتهى
[1213] قوله (ثوبين قطريين) كذا في بعض النسخ وفي بعضها ثوبان قطريان وهو القياس
قال في النهاية قطري بكسر القاف ضرب من البرود فيه حمرة وله أعلام وفيه بعض خشونة (فقدم بز) هو ضرب من الثياب (إلى الميسرة) أي مؤجلا إلى وقت اليسر (قد علمت ما يريد) ما استفهامية علق العلم أو موصولة والعلم بمعنى العرفان (وآداهم) قال في المجمع بمد ألف أي أحسنهم وفاء انتهى تحفة الاحوذي (4/339)
قال الشيخ ابن عثيمين : وقوله: “فامتنع” يعني: امتنع من البيع إلى ميسرة؛ لأن الغالب على التجار الذي يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله أنهم يحبون أن يستلموا القيم حتى يذهبوا مرة أخرى ليشتروا سلعة أخرى، ولا يناسبهم التأجيل، خصوصا أن التأجيل هنا على أجل غير معلوم إلى ميسرة، ومتى ييسر الله عز وجل على المشتري؟ الأمر مجهول ولذلك امتنع الرجل.
في هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: بيان حال الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو عليه من قلة ذات اليد مع أنه صلى الله عليه وسلم لو أراد الدنيا كلها بحذافيرها لحصل عليها، ولهذا خيره الله في آخر حياته بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، وهنا كما ترى في هذا الحديث ليس عنده دراهم يشتري بها ثياب.
ومنها: حسن خلقه -عليه الصلاة والسلام- حيث كان متواضعا لأهله، فإن إقدام عائشة على المشورة عليه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ليس عنده كبرياء ولا عظمة خلافاً لما يوجد من بعض الأزواج الذين لا يكاد أهليهم يخاطبونهم إلا باستئذان، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أسمح الخلق وأسهلهم وأيسرهم.
ومنها: جواز الكناية عن المعين لغرض إذا كان لا يفوت مقصود الحديث لقولها: “إن فلانا”.
ومنها: جواز شراء ثوبين، والثوبان قد يكونان في الغالب أكثر من الحاجة، فإذا اشترى الإنسان ثوبين لنفسه فلا بأس، وقد يقال: إن المراد بالثوبين هنا الإزار والرداء، وهما بقدر الحاجة، ولكن على كل حال الأصل أنه يجوز أن يقتني الإنسان لنفسه أكثر من ثوب ما لم يصل إلى حد الإسراف.
ومن فوائد الحديث: جواز الشراء مع عدم القدرة على الوفاء، وإن شئت فقل: جواز الاستدانة مع عدم القدرة على الوفاء في الحاضر، دليله؟ الدليل: أن الثوبين إلى أجل استدانة في الواقع ولكن هذا مشروط بأمرين، الأول: أن يكون على الإنسان حاجة تلجؤه إلى الاستدانة، والثاني: أن يرجو الوفاء، فإن لم يكن كذلك فلا ينبغي له أن يستدين؛ لأن الدين في الحقيقة أسر وذل للمستدين، ولهذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي قال: إنه ليس عنده ما يمهر به المرأة لم يرشده إلى الاستدانة، وإنما طلب منه أن يعلم المرأة شيئا من القرآن عوضا عن المهر، وكذلك أيضا في القرآن الكريم لم يرشد الله عز وجل إلى الاستدانة، بل قال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 33]. ولم يقل: وليستدن، لكن قد تكون الحاجة إلى الثياب أشد من الحاجة إلى الزواح.
ومن فوائد الحديث: جواز التأجيل بالميسرة لقوله: “ثوبين نسيئة إلى ميسرة”، ولكن هذا قد يشكل، وهو أن الميسرة مجهولة، قد يوسر الإنسان بعد يومين أو ثلاثة أو عشرة، وقد لا يوسر
إلا بعد سنين، وقد لا يوسر أبدا، فكيف صح هذا الشرط وهو مجهول، وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغدر، فالجواب على ذلك: أن هذا شرط هو مقتضى العقد فهو ثابت سواء شرط أم لم يشرط، إذا علم العاقد الآخر بحال العاقد المعسر كيف ذلك؛ لأن مقتضى العقد إذا كان العاقد فقيراً ألا يطالب حتى يوسر لقول الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280].
فإذا بعت على شخص شيئا وأنت تعلم أنه معسر فمن المعلوم أنك لا تطالبه إلا بعد إيساره، فيكون هذا الشرط توكيدا لما يقتضيه العقد، بمعنى: حتى لو لم يشترط فهو مقتضى العقد، فإن العقد مع الفقير يستلزم ألا يطالبه العاقد إلا بإيساره؛ بمعنى: حتى يوسر، وعلى هذا فيكون هذا الشرط توكيدا لا تأسيا ولذلك صح، بخلاف ما لو قلت: اشتريت منك هذين الثوبين إلى أجل، إلى أن يقدم زيد، وليس لزيد وقت معلوم في قدومه، فههنا لا يصح هذا الشرط، لماذا؟ لأنه مجهول وليس مقتضى العقد، بخلاف ما إذا قلت: بعد علي مؤجلا بإيسار الله علي، فإن هذا الشرط صحيح، لأنه مقتضى العقد.
ومن فوائد الحديث: جواز الامتناع من البيع من الرجل الشريف وكبير القوم والمعظم؛ لأن هذا الرجل امتنع من البيع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمن مؤجل، ولا يعد ذلك معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طلب النبي صلى الله عليه وسلم البيع هنا ليس من باب التشريع بل من باب المعاملة؛ ولهذا لا يعد هذا الرجل عاصيا ولا يعد جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين سأم النبي صلى الله عليه وسلم جمله فأبى أن يبيعه عليه لا يعد أيضا عاصيا؛ لأن مسائل المعاملات ليست من باب العبادات التي يكون المخالف فيها للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب طلبه يكون عاصيا.
وفيه أيضا: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من إجراء الناس على مقتضى فطرهم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب هذا الرجل، ولم يوبخه، ولم يرسل إليه مرة أخرى ويقول: أعطني الثوبين غصبا عليك، لأن هذا مقتضى الفطرة أن الإنسان حر في بيعه وشرائه، إن طاب له الثمن باع وإن لم يطب فهو حر لا يبيع. فتح ذي الجلال الاكرام4/90