1580 التعليق على الصحيح المسند
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
======””======”
الصحيح المسند
1580 عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه؟ (؟ وسلم هالك بسوء، فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير
هذا حديث صحيح.
=======”=======”
في شرح الجامع الصغير للمناوي:
(ن عن عائشة) قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه و سلم هالك بسوء فذكره قال الحافظ العراقي: إسناده جيد اهـ.
قلت سيف: ذكرنا في تخريج سنن أبي داود:
50 – باب فِى النَّهْىِ عَنْ سَبِّ الْمَوْتَى.
4901 – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ لاَ تَقَعُوا فِيهِ».
قال الألباني: صحيح.
قلت سيف بن دورة: زهير تابعه عليه ابن معين، أخرجه ابن حبان 3019 دون (ولا تقعوا فيه) وورد عند الطيالسي والدارمي والترمذي وابن حبان من طرق عن هشام بن عروة، وورد في البخاري (لا تسبوا الأموات فإنهم قد افضوا إلى ما قدموا) أخرجه البخاري 1393، 6516، والنسائي في الكبرى عن مجاهد عن عائشة وهو في مسند أحمد 25470.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن عائشة رضي الله عنها (ذكر هالك بسوء عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير) وهو من طريق
منصور بن عبدالرحمن عن أمه عن عائشة مرفوعاً. قال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده جيد.
ثم وقفت عليه في الصغرى 1935: ( … لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)
ثم تبين لي أن الحديث معل حيث خولف فيه وهيب عن منصور عن صفيه عن عائشة مرفوعا.
خالفه فيه ابن جريج أخرجه عبدالرزاق 6042. وابن عيينة أخرجه ابن أبي شيبة 10964 عن منصور عن صفية أنها سمعت عائشة تقول: لا تذكروا موتاكم إلا بخير. ولقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله. موقوفا
ثم نفس النسائي أخرجه من نفس هذه الطريق عن وهيب به مرفوعا واقتصر على (لقنوا هلكاكم قول لا إله إلا الله). وهو عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري.
ومما يدل على ضعف الزيادة (إلا بخير): قول العقيلي: في حديث عمران بن أنس الذي أخرجه أبوداود:
4902 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَنَسٍ الْمَكِّىِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ».
قال الألباني: ضعيف.
قلت سيف بن دورة: قال العقيلي في ترجمة عمران بن أنس: لا يتابع على حديثه، وقال الترمذي: غريب، وذكر له الذهبي هذا الحديث في الميزان.
فتصلح زيادة (إلا بخير) أن تكون على شرط الذيل على أحاديث معلة ظاهرها الصحة.
—
وفي «مختار الصِّحاح» (ص187) مادة: «سبب» قال: «السبُّ: الشَّتم والقطع والطَّعن» اهـ.
قال الصَّنعاني رحمه الله: «السَّبُّ لغةً: الشَّتم والتَّكلُّم في أعراض النَّاس بما لا يعني» اهـ.
وقال صفيُّ الرَّحمن المباركفوري رحمه الله: «السَّبُّ: الشَّتم والذَّمُّ والوصف بالشَّرِّ» اهـ
فاستبان بهذه النُّقول عن أهل اللُّغة وغيرهم أنَّ حقيقةَ السَّبِّ أعمُّ ممَّا يتصوَّر عموم النَّاس في هذه الأزمان، من قصرهم للسَّبِّ على فحش الكلام، وإن كان من أحد معانيه، فهو يشمل كلَّ كلام أو حال يراد به أذيَّة المشتوم، أو الطَّعن فيه، لذا قال في حديث عائشة الآخر: «لاَ تَقَعُوا فِيهِ»، قال في «النِّهاية» (ص174): «يقال: وقعت بفلان إذا لُمْتُه، ووَقَعْتُ فيه إذا عِبْتُه وذممتُه»، وفي «القاموس المحيط» (ص695، 697): «رجل وقَّاعٌ ووقَّاعَةٌ: يغتاب النَّاس».
وفي «المعجم الوسيط» (ص1050): «وقع فلان في فلان وقيعة ووقوعًا: سبَّه واغتابه وعابه» اهـ.
وكلُّ هذه المعاني واقعة بالنَّاس فما تكاد تسمع أحدًا في مجلس تعزية، أو موكب جنازة يتحدَّث عن صاحبها إلاَّ وتلحظ هذه المعاني في ثنايا كلامه ـ كان يفعل كذا وكذا، كان فيه كذا وكذا وغير ذلك ـ، وإن كان الغالب في هؤلاء إظهار الحسرة، والشَّفقة على الميِّت، وكان الأولى بهم هو السَّتر والدُّعاء بالرَّحمة والمغفرة، وقد قال ?: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».
أخرجه البخاري 2442، ومسلم 2580
قوله «أفضوا»: قال في «المصباح المنير» مادة «أفضى»: «أفضيت إلى الشَّيء وصلت إليه»، وفي «لسان العرب» مادة «فضا» قال: « … والإفضاء في الحقيقة الانتهاء ومنه قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء:21] أي: انتهى وأوى، عدَّاه بـ «إلى»؛ لأنَّ فيه معنى
وصل» اهـ.
وعليه فمعنى قوله ?: «أفضوا إلى ما قدَّموا» أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شرٍّ، أفاده الحافظ في «الفتح».
——
(لا يجوز سب المسلم):
وبناءً على هذا الأصل جاءت نصوص الشَّرع بتحريم سبِّ المسلم على الإطلاق ولم تفرِّق في النَّهي بين الأحياء والأموات، فعن أبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيم … قال: قلت ـ أي للنَّبيِّ ?ـ اعهَد إليَّ، قال: «لاَ تَسُبَّنَّ أَحَدًا»، قال: فما سَبَبتُ بعدَه حرًّا ولا عبدًا ولا بعيرًا ولا شاةً، كما شدَّدَت في الوعيد لمن اقترف ذلك، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ? قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» متَّفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ففي الحديث تعظيم حقِّ المسلم والحكم على من سبَّه بغير حقٍّ بالفسق» اهـ.
وعَنْ ِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: « … وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ؛ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ فِي النَّارِ»
وهو في الصحيح المسند 755
بل جاءت بالتَّنصيص على النَّهي عن سبِّ الأموات على وجه الخصوص لعدم الجدوى أو الفائدة منه، وهو ما قصدنا التَّنبيه عنه في هذه الكلمة.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النَّبيُّ ?: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا».
أخرجه البخاري
وعن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة ابن شعبة يقول: قال رسول الله ?: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ».
وهو في الصحيح المسند 1134
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ?: «إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ وَلاَ تَقَعُوا فِيهِ».
أخرجه أبوداود 4901.
وسبق بيان صحته
بل خطب بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه على رؤوس النَّاس بمنًى، أخرج ذلك ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» برقم (12102) من طريق عمرو بن مرَّة قال: سمعت هلال بن يساف يحدِّث عن عمر بن الخطَّاب: أنَّه خطب بمنًى على جبل، فقال: «لا تسبُّوا الأموات؛ فإنَّ ما يُسَبُّ به الميت يُؤْذَى به الحيُّ».
هلال بن يساف لم يسمع من عمر بن الخطاب.
=====
*قال الأثيوبي حفظه الله في الذخيرة:*
(عَنْ عَائِشَةَ) – رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها (قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى اللَّه عليه وسلم – هَالِكٌ) أي شخص ميت (بسُوءٍ) متعلّق بـ “ذُكر”، لا بـ “هالك” (فَقَالَ) – صلى اللَّه عليه وسلم – (لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ) أي أمواتكم. و”الهَلكى” -بفتح الهاء، وسكون اللام، وفتح الكاف- بوزن “فَعْلَى”: جمع “هالك”، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في “الخلاصة”:
فَعْلَى لِوَصْفٍ كقَتِيلٍ وَزَمِنْ … وَهَالِكٍ وَمَيِّتٌ بِهِ قَمِنْ
(إِلَّا بِخَيرِ”) فإن قيل: هذا يشكل على ما تقدّم في الباب الماضي من قوله: “ومُرّ بجنازة، فأُثْنِي عليها شرّا”، حيث لم ينههم النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – عن الثناء بالشرّ.
أجيب بأن النهي عن سبّ الأموات هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق، أو بدعة، فأما هؤلاء، فلا يحرم ذكرهم بالشرّ، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلّق بأخلاقهم، والحديث الآخر محمول على أن الذي أثنوا عليه شرّا، كان مشهورًا بنفاق، أو نحوه، مما ذكرنا. قاله النووي في “شرح مسلم” انتهى
_________
*قال الصنعاني رحمه الله في التنوير شرح الجامع الصغير:*
9746 – “لا تذكروا هلكاكم إلا بخير. (ن) عن عائشة (صح) “.
(لا تذكروا هلكاكم) أي موتاكم. (إلا بخير) سلف النهي عن سب الأموات إلا أن تدعوا حاجة دينية إلى جرحه ونحوه، وتمام الحديث عند النسائي “إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه”.
(ن (3) عن عائشة) رمز المصنف لصحته، وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد.
قال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير شرح الجامع الصغير:
9765 – (لا تذكروا هلكاكم) في رواية موتاكم (إلا بخير) إلا أن تمس لذكره حاجة كجرحه في شهادته وروايته أو تحذير من بدعته وفساد طويته ذكره ابن عبد السلام في الشجرة وقضية صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه النسائي إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه اهـ بنصه
قلت سيف بن دورة:
عند النسائي “إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه. ثم العراقي عزاها لابن أبي الدنيا وقال: هكذا بإسناد ضعيف من حديث عائشة. وهو عند النسائي من حديث عائشة بإسناد جيد مقتصرا على ما ذكر منه هنا بلفظ (هلكاكم) وذكر الزيادة صاحب مسند الفردوس وعلم عليه علامة النسائي والطبراني. انتهى كلام العراقي
قلت سيف بن دورة: سبق بيان شذوذ لفظة (إلا بخير)
__________
*في المنتقى لابن تيمية الجد رحمه الله:*
باب الكف عن ذكر مساوئ الأموات
1519 – (عن عائشة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» رواه أحمد والبخاري والنسائي)
1520 – (وعن ابن عباس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا» رواه أحمد والنسائي)
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار:
حديث ابن عباس أخرجه بمعناه الطبراني في الأوسط بإسناد فيه صالح بن نبهان وهو ضعيف وأخرج نحوه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد والمغيرة قوله: (لا تسبوا الأموات) ظاهره النهي عن سب الأموات على العموم، وقد خصص هذا العموم بما تقدم في حديث أنس وغيره أنه «قال – صلى الله عليه وسلم – عند ثنائهم بالخير والشر: وجبت أنتم شهداء الله في أرضه» ولم ينكر عليهم ” وقيل: إن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون؛ لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عز وجل بسبهم.
ويدل على ذلك قوله في حديث ابن عباس المذكور: «لا تسبوا أمواتنا» وقال القرطبي في الكلام على حديث ” وجبت “: إنه يحتمل أجوبةً الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرًا به فيكون من باب ” ألا غيبة لفاسق ” أو كان منافقًا، أو يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه، أو يكون هذا النهي العام متأخرًا فيكون ناسخًا قال الحافظ: وهذا ضعيف وقال ابن رشيد ما محصله إن السب يكون في حق الكافر وفي حق المسلم أما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه، وقد يجب في بعض المواضع، وقد تكون مصلحةً للميت كمن علم أنه أخذ مالًا بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه
والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب انتهى.
والوجه تبقية الحديث على عمومه إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة ” أحياءً وأمواتًا لإجماع العلماء على جواز ذلك وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم
قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة له، وكذلك الميت انتهى.
ويتعقب بأن ذكر الرجل بما فيه حال حياته قد يكون لقصد زجره وردعه عن المعصية أو لقصد تحذير الناس منه وتنفيرهم وبعد موته قد أفضى إلى ما قدم فلا سواء، وقد عملت عائشة رواية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه، كما روى ذلك عنها عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة ورواه ابن حبان من وجه آخر وصححه، والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات، ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على ما قدم وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه أحموقة لا تقع لمتيقظ ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب، ونسأل الله السلامة بالحسنات ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان والقلم في هذه الشعاب والهضاب، وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب.
قوله: (فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) أي وصلوا إلى ما عملوا من خير وشر، والربط بهذه العلة من مقتضيات الحمل على العموم.
قوله: (فتؤذوا الأحياء) أي فيتسبب عن سبهم أذية الأحياء من قراباتهم، ولا يدل هذا على جواز سب الأموات عند عدم تأذي الأحياء كمن لا قرابة له أو كانوا ولكن لا يبلغهم ذلك؛ لأن سب الأموات منهي عنه للعلة المتقدمة ولكونه من الغيبة التي وردت الأحاديث بتحريمها، فإن كان سببًا لأذية الأحياء فيكون محرمًا من جهتين وإلا كان محرمًا من جهة وقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «اذكروا محاسن أمواتكم وكفوا عن مساويهم» وفي إسناده عمران بن أنس المكي وهو منكر الحديث كما قال البخاري: وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه وقال الكرابيسي: حديثه ليس بالمعروف
وأخرج أبو داود عن عائشة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه» وقد سكت أبو داود والمنذري عن الكلام على هذا الحديث.
=====
قال الإمام أبو محمَّد بن حزم رحمه الله: «ولا يحلُّ سبّ الأموات على القصد بالأذى، وأمَّا تحذير من كفر أو بدعة أو من عمل فاسد فمباح، ولعن الكفَّار مباح، لما روينا من طريق البخاري ـ ثمَّ ساق حديث عائشة في نهيه ? عن سبِّ الأموات ـ».
ثمَّ قال: «وقد سبَّ اللهُ تعالى أبا لهب، وفرعونَ تحذيرًا من كفرهما، وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة:78]، وقال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِين} [هود:18] وأخبر عليه السلام أنَّ الشملة الَّتي غلها مِدعَم تشتعل عليه نارًا، وذلك بعد موته» اهـ.
وقال الإمام النَّووي رحمه الله: «قال العلماء:
يحرم سبُّ الميِّت المسلم الَّذي ليس معلنًا بفسقه، وأمَّا الكافر والمعلن بفسقه من المسلمين، ففيه خلاف للسَّلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصله أنَّه ثبت في النَّهي عن سبِّ الأموات ما ذكرنا في هذا الباب، وجاء في التَّرخيص في سبِّ الأشرار أشياء كثيرة منها: ما قصَّه الله علينا في كتابه العزيز وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته، ومنها: أحاديث كثيرة في الصَّحيح، كالحديث الَّذي ذكر فيه ? عمرو بن لحي، وقصَّة أبي رِغالٍ، والَّذي كان يسرق الحاجَّ بمِحْجَنه، وقصة ابن جُدْعان … وغيرهم، ومنها: الحديث الصَّحيح الَّذي قدَّمناه لما مرَّت جنازة فأثنوا عليها شرًّا فلم ينكر عليهم النَّبيّ ?، بل قال: «وجبت»، واختلف العلماء في الجمع بين هذه النُّصوص على أقوال: أصحُّها وأظهرها: أنَّ أموات الكفَّار يجوز ذكر مساويهم، وأمَّا أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوها: فيجوز ذكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجةٍ إليه للتَّحذير من حالهم والتَّنفير من قبول ما قالوه والاقتداء بهم فيما قالوه، وإن لم تكن حاجة، لم يجز» اهـ.
وقال الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان ـ حفظه الله تعالى ـ: «لا يجوز سبُّ الأموات، إلاَّ إذا ترتَّب على ذكرهم مصلحة شرعيَّة، كأن يكون هذا الميِّت من علماء الضَّلال أو الرُّواة الكذَّابين أو له آثار سيِّئة، فإنَّه يجب تنبيه المسلمين على آثاره وضلاله، ليحذروا من ذلك، أمَّا ذكره مُجَّرَد غِيبَة ومجرَّد سِبَاب لا مصلحة من ورائه، فإنَّه لا يجوز» اهـ، فاحفظ هذا فإنَّه مهمٌّ غاية.
و أخرج ابن حبَّان في «صحيحه» (برقم 3021) من حديث مجاهد قال: قالت عائشة ما فعل يزيد بن قَيس عليه لعنةُ الله؟ قالوا: قد مات، قالت: فأَستغفِرُ اللهَ، قالوا لها: ما لك لعنتِيه، ثمَّ قلت: أستغفر الله؟ قالت: إنَّ رسول الله ? قال: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»، وأخرجه أبو داود الطَّيالسي (برقم 1494) من حديث إياس بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي رباح، أنَّ رجلاً ذُكِرَ عند عائشة، فلعنته، فقيل لها: إنَّه قد مات، فقالت: أَستَغفِرُ اللهَ له، فقيل لها: يا أمَّ المؤمنين! لعنتيه، ثمَّ استغفرت له، فقالت: إنَّ رسول الله ? قال: «لاَ تَذْكُرُوا مَوْتَاكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ».
وكان سبب ذلك ما أخرجه عمر بن شبَّة في «كتاب أخبار البصرة» ـ فيما ذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» (4/ 199) ـ من طريق مسروق «أنَّ عليًّا بعث يزيد بن قيس الأرحبي في أيَّام الجمل برسالة فلم ترد عليه جوابًا، فبلغها أنَّه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه، ثمَّ لمَّا بلغها موته نهت عن لعنه، وقالت: إنَّ رسول الله نهانا عن سبِّ الأموات».
ويزيد بن قيس هذا كان ممَّن ثار من أهل الكوفة على سعيد بن العاص زمن عثمان رضي الله عنه، واجتمع عليه ناس، على ما ذكره الحافظ الذَّهبي رحمه الله في «تاريخ الإسلام» (4/ 435) (ط/ الكتاب العربي) (47)، وكان من مشاهير رؤساء من انضاف إلى عليٍّ رضي الله عنه كما في «البداية والنِّهاية» (ط/ التركي) (10/ 448) (48).
O فوائد:
1 – اعلم أنَّ من مذهب أهل السُّنَّة والجماعة في أموات المسلمين: أنَّنا نرجو للمحسن أن يوفِّيه الله أجره، ولا يعذِّبه، ونخاف على المسيء بأن يؤخذ بذنوبه وإساءته، ولا نشهد لأحد بجنَّة ولا نار، إلاَّ لمن شهد له النَّبيُّ ? ويحرم الظَّن بمسلم ظاهره العدالة، بخلاف من ظاهره الفسق، فلا حرج بسوء الظَّنِّ به.
2 – أنَّه لا يليق بالمسلم أن يكون سَبَّابًا للأحياء أو الأموات.
3 – حِرصُ الإسلام على إشاعة المودَّة والرِّفق بين المسلمين، وهذا أصل عظيم دلَّت عليه نصوص كثيرة.
4 – تعليل النَّهي بأذيَّة الحيِّ كما سبق لا يدلُّ على جواز السَّبِّ عند عدم تأذِّي الأحياء كمن لا قرابة له، أو كانوا ولكن لا يبلغهم ذلك، لأنَّ النَّهي عام ـ كما سبق ـ إلاَّ لمصلحة شرعيَّة (53).
5 – أنَّ هذا الأمر يعظم ويتفاقم إن كان في وليٍّ من أولياء الله الصَّالحين أو عالم من علماء هذا الدِّين، خاصَّة إن كان من النَّاصرين للسُّنَّة الذَّابِّين عن حوزتها.
6 – إنَّ على من بَدَر منه مثل ذلك، أن يسارع إلى الاستغفار لنفسه ولمن وَقَعَ فيه، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
=====
قالت اللجنة الدائمة: وقد روى أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم» لكنه غير صحيح؛ ?ن في سنده عمران بن أنس المكي، قال فيه البخاري منكر الحديث، وقال العقيلي ? يتابع على حديثه.
وقد صحَّ في الباب عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) رواه البخاري (1329).
في الحديث إطلاق هالك بمعنى ميت
هل يفرح بموت أهل البدع؟
قال باحث:
1 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) الأحزاب/ 9.
وفي الآية بيان أن إهلاك أعداء الله تعالى من نعَم الله على المسلمين التي تستوجب ذِكراً وشكراً.
- عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَبَتْ) ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ (وَجَبَتْ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ).
رواه البخاري (1301) ومسلم (949)
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
فإن قيل: كيف يجوز ذكر شر الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير؟ وأجيب: بأن النهي عن سب الأموات غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة، فإن هؤلاء لا يحرُم ذكرُهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم.
” عمدة القاري شرح صحيح البخاري ” (8/ 195).
3. عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: (الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَر ُ، وَالدَّوَابُّ).
رواه البخاري (6147) ومسلم (950)، وبوَّب عليه النسائي في سننهِ (1931): ” باب الاستراحةُ من الكفارِ “.
قال النووي – رحمه الله -:
معنى الحديث: أن الموتى قسمان: مستريح ومستراح منه، ونصب الدنيا: تعبها، وأما استراحة العباد من الفاجر معناه: اندفاع أذاه عنهم، وأذاه يكون من وجوه، منها: ظلمه لهم، ومنها: ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك، وربما نالهم ضرره، وإن سكتوا عنه أثموا.
واستراحة الدواب منه كذلك لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك.
واستراحة البلاد والشجر: فقيل: لأنها تمنع القطر بمصيبته قاله الداودي وقال الباجي لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره.
” شرح مسلم ” (7/ 20، 21).
4. وقد سجد علي رضي الله عنه لله شكراً لمقتل ” المخدَّج ” الخارجي لما رآه في القتلى في محاربته له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارجَ، وذكر فيهم سنَّة رسول الله المتضمنة لقتالهم، وفرح بقتلهم، وسجد لله شكراً لما رأى أباهم مقتولاً وهو ذو الثُّدَيَّة.
بخلاف ما جرى يوم ” الجمل ” و ” صفين “؛ فإن عليّاً لم يفرح بذلك، بل ظهر منه من التألم والندم ما ظهر، ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سنَّة بل ذكر أنه قاتل باجتهاده.
” مجموع الفتاوى ” (20/ 395).
5. ولما أُصيب المبتدع الضال ” ابن أبي دؤاد ” بالفالج – وهو ” الشلل النصفي ” -: فرح أهل السنَّة بذلك، حتى قال ابن شراعة البصري:
أفَلَتْ نُجُومُ سُعودِك ابنَ دُوَادِ … وَبَدتْ نُحُوسُكَ في جميع إيَادِ
فَرِحَتْ بمَصْرَعِكَ البَرِيَّةُ كُلُّها … مَن كَان منها مُوقناً بمعَادِ
لم يَبْقَ منكَ سِوَى خَيَالٍ لامِعٍ … فوق الفِرَاشِ مُمَهَّداً بوِسادِ
وَخَبتْ لَدَى الخلفاء نارٌ بَعْدَمَا … قد كنت تَقْدحُهَا بكُلِّ زِنادِ.
” تاريخ بغداد ” للخطيب البغدادي (4/ 155).
6. قال الخلاَّل – رحمه الله -:
قيل لأبي عبد الله – أي: الإمام أحمد بن حنبل -: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا؟.
” السنَّة ” (5/ 121).
7. قال ابن كثير – رحمه الله – فيمن توفي سنة 568 هـ -:
الحسن بن صافي بن بزدن التركي، كان من أكابر أمراء بغداد المتحكمين في الدولة، ولكنه كان رافضيّاً خبيثاً متعصباً للروافض، وكانوا في خفارته وجاهه، حتى أراح الله المسلمين منه في هذه السنَة في ذي الحجة منها، ودفن بداره، ثم نقل إلى مقابر قريش، فلله الحمد والمنَّة.
وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله.
” البداية والنهاية ” (12/ 338).
8. وقال الخطيب البغدادي – رحمه الله – في ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن الحسين أبو القاسم الحفَّاف المعروف بابن النقيب -:
كتبتُ عنه، وكان سماعه صحيحاً، وكان شديداً في السنَّة، وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم.
” تاريخ بغداد ” (10/ 382).
وكل ما سبق – وغيره كثير – يدل على جواز الفرح بهلاك أعداء الإسلام، والكائدين له، وهلاك أهل الزندقة والبدع المغلظة، وهلاك أهل الفجور والفساد، بل يفرح أهل السنَّة بالمصائب التي تحل بهم كمرض أحدهم أو سجنه أو نفيه أو إهانته.