(157) – ((2637)) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى، وطارق أبي تيسير وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم
(48) – بابُ إذا أحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَبَّبَهُ لِعَبادِهِ
(157) – ((2637)) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فَقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحِبَّهُ، قالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي السَّماءِ فَيَقُولُ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأبْغِضْهُ، قالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلانًا فَأبْغِضُوهُ، قالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضاءُ فِي الأرْضِ».
(157) – حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القارِيَّ، وقالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ يَعْنِي الدَّراوَرْدِيَّ، ح وحَدَّثَناهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثِيُّ، أخْبَرَنا عَبْثَرٌ، عَنِ العَلاءِ بْنِ المُسَيِّبِ، ح وحَدَّثَنِي هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، حَدَّثَنِي مالِكٌ وهُوَ ابْنُ أنَسٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذا الإسْنادِ غَيْرَ أنَّ حَدِيثَ العَلاءِ بْنِ المُسَيِّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ البُغْضِ.
(158) – ((2637)) حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ الماجِشُونُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، قالَ: كُنّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وهُوَ عَلى المَوْسِمِ، فَقامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأبِي: يا أبَتِ إنِّي أرى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، قالَ: وما ذاكَ؟ قُلْتُ: لِما لَهُ مِنَ الحُبِّ فِي قُلُوبِ النّاسِ، فَقالَ: بِأبِيكَ أنْتَ سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ.
==========
التمهيد:
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين: ”
وسبق الحديث عن الكبر في ((38) – بابُ تَحْرِيمِ الكِبْرِ) من صحيح مسلم.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((48)) – (باب إذا أحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَبَّبَهُ إلى عِبادِهِ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6682)] ((2637)) – حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ، فَقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحِبَّهُ، قالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي السَّماءِ،
فَيَقُولُ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا، فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأبْغِضْهُ، قالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي أهْلِ السَّماءِ، إنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلانًا فَأبْغِضُوهُ، قالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضاءُ في الأرْضِ».
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:» إنَّ اللهَ تعالى (إذا أحَبَّ عَبْدًا) من عباده، وفيه إثبات صفة المحبّة لله تعالى، وليس كما قال المؤوّلون: «إذا أحب عبدًا»؛ أي: رضي عنه، وأراد به خيرًا، وهداه، ووفّقه [» فيض القدير «(2) / (204)]، فإن هذا تفسير باللازم، والحقّ أن صفة المحبّة ثابتة لله تعالى.
ومن التأويل: قول النوويّ في «شرحه»: قال العلماء: محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له، وهدايته، وإنعامه عليه، ورحمته، وبغضه: إرادة عقابه، أو شقاوته، ونحوه، وحبّ جبريل والملائكة يَحْتَمِل وجهين:
أحدهما: استغفارهم له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم، والثاني: أن محبتهم على ظاهرها، المعروف من المخلوقين، وهو ميل القلب إليه، واشتياقه إلى لقائه، وسبب حبهم إياه كونه مطيعًا لله تعالى، محبوبًا له، ومعنى يوضع له القبول في الأرض؛ أي: الحب في قلوب الناس، ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب، وترضى عنه، وقد جاء في رواية: «فتوضع له المحبة». انتهى [» شرح النوويّ” (16) / (183) – (184)].
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: قوله: «إرادته الخير له إلخ» هذا هو التأويل، والحقّ أن المحبّة ثابتة على ظاهرها على ما يليق بجلال الله تعالى،
وقوله: «قال العلماء». يريد به علماء الخلف المؤوِّلين لأحاديث الصفات، لا علماء السلف الذين يُمرّونها على ظواهرها، ويكِلون علم كيفيّتها إلى الله تعالى،
وأما تفسير محبّة الملائكة باحتمالين، فالاحتمال الثاني هو الأرجح، وهو مستلزم للاحتمال الأول، فإنهم إذا أحبوا العبد، واشتاقوا إليه، ومالت قلوبهم إليه دعوا له، واستغفروا له، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: وقع في بعض طرق الحديث بيان سبب هذه المحبة، وماذا يعطى من يحبه الله ففي حديث ثوبان –رضي الله عنه – عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن العبد ليلتمس مرضاة الله، ولا يزال بذلك، فيقول الله تعالى لجبريل: إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها مَن حولهم، حتى يقولها أهل السماوات السبع، ثم تَهبِط له إلى الأرض»، رواه أحمد، والطبرانيّ [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (5) / (279)،
حسنه محققو المسند وقالوا:
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ((1262)) من طريق محبوب بن الحسن، عن ميمون بن عجلان الثقفي، عن محمد بن عباد، عن ثوبان -وزاد بإثره: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم (96)] وإن العبدَ ليلتمسُ سخطَ الله فيقول الله: يا جبريلُ إن فلانًا يسخطني، ألا وإن غضبي عليه، فيقول جبريل: غضبُ الله على فلان، ويقول حملةُ العرش، ويقول مَن دونهم، حتى يقول أهل السماوات السبع، ثم يهبط إلى الأرض»
قلنا: هكذا سماه محبوب بن الحسن: ميمون بن عجلان الثقفي، وخالفه مروان بن معاوية الفزاري عند ابن مردويه في «تفسيره» كما في «لسان الميزان» (6) / (141) فقال: عن عطاء بن عجلان وهو متروك، ومروان -إن صحَّ الإسناد إليه- أوثقُ وأضبط من محبوب بن الحسن.
وفي الباب عن أبي هريرة، سلف برقم ((7625)) بإسناد صحيح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبدًا قال لجبريل: إني أحب فلانًا فأحبَّه، قال: فيقول جبريل لأهل السماء: إن ربكم يُحب فلانًا، فأحبوه، قال: فيحبه أهل السماء، قال: ويوضع له القبول في الأرض، قال: وإذا أبغض فمثل ذلك».
وفي الباب أيضًا عن أبي أمامة بنحوه، سلف في مسنده برقم ((22270)). انتهى
فهنا اشاروا لضعف سند الطبراني وكذلك ضعف الحديث صاحب أنيس الساري وتوسع في النقولات.
ويشهد للزوم العمل لنيل محبة الله عزوجل حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- عند البخاريّ في «الرقاق»، ففيه: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه … » الحديث.
(دَعا) وفي لفظ: نادى (جِبْرِيلَ)؛ (فَقالَ) الله تعالى في ندائه: (إنَّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحِبُّهُ) وفي لفظ «فأحببه» بالفاء، (قالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ) عليه السلام (ثُمَّ يُنادِي)
جبريل (فِي السَّماءِ) وفي رواية: «في أهل السماء»، وفي حديث ثوبان: «أهل السموات السبع»، (فَيَقُولُ) في ندائه: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا، فَأحِبُّوهُ) بهمزة القطع، (فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ)، ووقع في حديث ثوبان: «فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، وتقوله حملة العرش». (قالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ) زاد الطبرانيّ في حديث ثوبان: «ثم يهبط إلى الأرض، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ((96))} [مريم (96)]»، وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذيّ، وابن أبي حاتم، من طريق سهيل، عن أبيه، وقد أخرج مسلم إسنادها في الحديث التالي، ولم يَسُق اللفظ.
ومعنى «يوضع له القبول في الأرض»: أنه يحصل له في قلوب أهل الأرض مودّة، وُيزرع له فيها مهابة، فتحبه القلوب، وترضى عنه النفوس، من غير تودّد منه، ولا تعرّض للأسباب التي تُكتسب لها مودات القلوب، من قرابة، أو صداقة، أو اصطناع، وإنما هو منحة منه تعالى ابتداءً اختصاصًا منه لأوليائه، بكرامة خاصّة، كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب، والهيبة؛ إعظامًا له، وإجلالًا لمكانه،
قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض، وينشأ عندهم هيبته، وإعزازهم له، {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون (8)].
وقيل: معنى «يوضع له القبول في الأرض»؛ أي: الحب في قلوب الناس، ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب، وترضى عنه، فذلك قول الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ((96))}.
قال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)): يُخبر تعالى أنه يَغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي تُرضي الله تعالى لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبةً، ومودةً، وهذا أمر لا بدّ منه، ولا محيد عنه. انتهى [«تفسير ابن كثير» (3) / (140)].
(وإذا أبْغَضَ عَبْدًا)؛ أي: كرهه، وفيه إثبات صفة البغض لله تعالى على ما يليق بجلاله تعالى، (دَعا)؛ أي: نادى الله تعالى، (جِبْرِيلَ) عليه السلام، (فَيَقُولُ) في ندائه: (إنِّي أُبْغِضُ) بضمّ الهمزة مضارع أبغض رباعيًّا، (فُلانًا فَأبْغِضْهُ) بفتح الهمزة؛ لكونها همزة قطع، (قالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ) عليه السلام، (ثُمَّ يُنادِي) جبريل (فِي أهْلِ السَّماءِ) وهم الملائكة، (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلانًا فَأبْغِضُوهُ) بقطع الهمزة، (قالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضاءُ) بفتح الموحّدة، والمدّ: شدّة البغض، كما قال الفيّوميّ. [«المصباح المنير» (1) / (56)].
(فِي الأرْضِ») ونحو هذا في حديث أبي أمامة عند أحمد، وفي حديث ثوبان عند الطبرانيّ: «وإن العبد يعمل بسخط الله، فيقول الله: يا جبريل إن فلانًا يستسخطني … » فذكر الحديث على منوال الحب أيضًا، وفيه: «فيقول جبريل: سخطة الله على فلان»، وفي آخره مثل ما في الحبّ: «حتى يقوله أهل السماوات السبع، ثم يهبط إلى الأرض».
والمعنى: أنه يُبغضه أهل الأرض دون أي سبب، وإنما لِما كتب الله تعالى في قلوبهم من بُغضه، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «يوضع له القبول في الأرض»: يعني: بالقبول محبة قلوب أهل الدين والخير له، والرضا به، والسرور بلقائه، واستطابة ذِكره في حال غَيبته، كما أجرى الله تعالى عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأمة، ومشاهير الأئمة، والقول في البغض على النقيض من القول في الحبّ. انتهى [«المفهم» (6) / (644)].
وقال في «الفتح»: وقد جاء مفسّرًا في رواية القعنبي: «فيوضع له المحبة»،
قال ابن بطال: في هذه الزيادة ردّ على ما يقوله القدرية: إن الشرّ من فعل العبد، وليس من خَلْق الله. انتهى.
والمراد بالقبول في حديث الباب: قبول القلوب له بالمحبة، والميل إليه، والرضا عنه. [«الفتح» (13) / (594) – (595)، كتاب «الأدب» رقم ((6040))]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه
الحديث:
[(6684)] ( … ) – (حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أخْبَرَنا
عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ الماجِشُونُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ،
قالَ: كُنّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وهُوَ عَلى المَوْسِمِ، فَقامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَقُلْتُ لأبِي: يا أبتِ إنِّي أرى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، قالَ: وما ذاكَ؟ قُلْتُ: لِما لَهُ مِنَ الحُبِّ فِي قُلُوبِ النّاسِ، فَقالَ: بِأبِيكَ أنْتَ سَمِعْتَ أبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ.
وقوله: (فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) الأمويّ، الخليفة الراشد، المتوفّى في رجب سنة ((101) هـ).
وقوله: (وهُوَ عَلى المَوْسِمِ) جملة حاليّة؛ أي: والحال أن عمر بن عبد العزيز كان أميرًا على الموسم؛ أي: موسم الحجّ، وهو مُجْتَمعه، قاله المجد.
وقال المرتضى في «التاج»: مَوْسِم الحج، كمَجْلِس: مجتمعه، وكذا مَوْسِم السُّوق، والجمع: مواسم، قال اللحيانيّ: وإنما سُمّيت مواسم؛ لاجتماع الناس، والأسواق فيها، وفي «الصحاح»: سُمّي بذلك؛ لأنه مَعْلَمٌ يُجتَمَع إليه، قال الليث: وكذلك كانت أسواق الجاهلية. انتهى [«تاج العروس» ص (7925)].
قوله: (بِأبِيكَ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف، وهو خبر مقدّم لقوله: (أنْتَ)؛ أي: أنت مفديّ بأبيك، وإنما فداه بنفسه تعجّبًا مما قاله حيث وافق حديث أبي هريرة المرفوع، فأثنى عليه، وفَداه بنفسه.
وقوله: (سَمِعْتُ) بضمّ التاء للمتكلّم، (أبا هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه –
[تنبيه]:
يوجد في بعض النسخ: «سمعتَ» مضبوطًا بفتح التاء ضَبْط قلم، فإن صحّ يكون المعنى على الاستفهام، فقال ذلك متعجّبًا منه: كأنك سمعته من أبي هريرة كما سمعته أنا منه. والا الابن لم يسمع اباهريرة
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: الفوائد:
(1) – (منها): إثبات صفة محبّة الله تعالى عبده على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
(2) – (ومنها): أن إعلام الله تعالى جبريل عليه السلام، وإعلام جبريل الملائكة عليه السلام بمحبة العبد المذكور تنويه به، وتشريف له في ذلك الملأ الكريم، وليحصل من المنزلة المنيفة على الحظ للعبد العظيم، وهذا من نحو قوله -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن الله تعالى حيث قال: «أنا مع عبدي إذا ذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». [«المفهم» (6) / (643)].
(3) – (ومنها): بيان أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله تعالى، ويؤيده ما تقدّم في «الجنائز»: «أنتم شهداء الله في الأرض».
والحب على ثلاثة أقسام: إلهيّ، ورُوحانيّ، وطبيعيّ، وحديث الباب يشتمل على هذه الأقسام الثلاثة، فحب الله العبد حب إلهيّ، وحب جبريل، والملائكة له حب رُوحانيّ، وحب العباد له حب طبيعيّ. انتهى [«الفتح» (13) / (594) – (595)، كتاب «الأدب» رقم ((6040))].
تنبيه: قول ابن حجر عن حب الملائكة روحاني لا يعني نفي أنهم خلقوا من نور. وسيأتي بيان ذلك في آخر المبحث.
(4) – (ومنها): ما قاله أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله [«الاستذكار» (8) / (450)] في قوله: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ((96))} [مريم (96)]: قال أهل العلم بتأويل القرآن، منهم ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير:
يُحبّهم، ويحببهم إلى الناس، وقالوا في قول الله: {وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه (39)]: حبّبتك إلى عبادي.
وقال الربيع بن أنس: إذا أحب الله عبدًا ألقى له مودّة في قلوب أهل السماء، ثم ألقى مودة في قلوب أهل الأرض.
وقال كعب الأحبار: والله ما استقرّ لعبد ثناء في أهل الأرض حتى يستقرّ ثناء في أهل السماء.
وقال عبد الله بن مسعود: لا تَسَلْ أحدًا عن وُدّه لك، وانظر ما في نفسك له، فإن في نفسه مثل ذلك: «إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارَفَ منها ائتلف، وما تناكَر منها اختلف».
ورُوي عن أبي الدرداء أنه قال: إياكم ومَن تُبغِضه قلوبكم، وأخَذه منصور الفقيه الشافعيّ، فقال:
شاهِدِي ما فِي مُضْمَرِي … مِن صِدْقِ وُدِّي مُضْمَرُكْ
فَما أرِيدُ وصْفَهُ … قَلْبُكَ عَنِّي يُخْبِرُكْ
وقيل: إنها لداود بن منصور، وهي أصحّ، والله أعلم.
و في «الإشراف في منازل الأشراف» (1) / (112)
لابن أبي الدنيا:
لا أسْالُ النّاسَ عَمّا فِي نُفُوسِهِمُ … ما فِي ضَمِيرِي لَهُمْ مِن ذاكَ يَكْفِينِي”].
ثالثًا: ملحقات:
حقيقة محبة الله تعالى، وطرق نيله:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أنواع المحبة وأحكامها:
تنقسم المحبّة إلى محبة خاصّة، ومحبّة مشتركة، والمحبّة الخاصّة، تنقسم إلى محبّة شرعية ومحبة محرمة.
فالمحبة الشرعية أقسام:
1 – محبة الله، وحكمها أنها من أوجب الواجبات؛ وذلك لأن محبته سبحانه هي أصل دين الإسلام فبكمالها يكمل الإيمان. وبنقصها ينقص التوحيد؛ ودليل ذلك قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة 165، وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 24، وغيرها من الأدلة في القرآن والسنة.
وهي تتمثل في إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما أحب الله ويبغض ما يبغضه الله، ويوالي ويعادي فيه، ويلتزم بشريعته والأسباب الجالبة لها كثيرة.
2 – محبة الرسول، وهي أيضاً واجبة من واجبات الدين، بل لا يحصل كمال الإيمان حتى يحب المرء رسول الله أكثر من نفسه كما في الحديث؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)). رواه مسلم رقم 44، وحديث عبد الله بن هشام قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآنَ يَا عُمَرُ. ” رواه البخاري فتح رقم 6632.
وهذه المحبّة تابعة لمحبة الله تعالى وتتمثل في متابعته صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قول غيره.
3 – محبة الأنبياء والمؤمنين، وحكمها واجبة؛ لأن محبة الله تعالى تستلزم محبة أهل طاعته وهؤلاء هم الأنبياء والصالحون؛ ودليله قوله عليه السلام: ” من أحب في الله ” أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك، ولا يكتمل الإيمان أيضاً إلا بذلك ولو كثرت صلاة الشخص وصيامه، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد رأيتنا في عهد رسول الله وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم.
وأما المحبة المحرمة:
منها ما هو شرك: وهو أن تحب من دون الله شيئاً كما يُحَب الله تعالى فهو قد اتخذ نداً، وهذا شرك المحبة وأكثر أهل الأرض قد اتخذوا أنداداً في الحب والتعظيم.
ومنها ما هو محرّم دون الشرك: وذلك بأن يحب أهله أو ماله أو عشيرته وتجارته ومسكنه فيؤثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال كالهجرة والجهاد ونحو ذلك؛ ودليله قوله تعالى: {إن كان آباؤكم … } إلى قوله تعالى: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}.
المسألة الثانية:
قال ابن القيم رحمه الله: “اعْلَمْ أَنَّ أَنْفَعَ الْمَحَبَّةِ عَلَى الْإِطْلاقِ، وَأَوْجَبَهَا وَأَعْلَاهَا وَأَجَلَّهَا: مَحَبَّةُ مَنْ جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَفُطِرَتِ الْخَلِيقَةُ عَلَى تَالِيهِهِ، وَبِهَا قَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَعَلَيْهَا فُطِرَتِ الْمَخْلُوقَاتُ، وَهِيَ سِرُّ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي تَأَلهُهُ الْقُلُوبُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِجْلالِ، وَالتَّعْظِيمِ وَالذُّلِّ لَهُ وَالْخُضُوعِ وَالتَّعَبُّدِ، وَالْعِبَادَةُ لا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ، وَالْعِبَادَةُ هِيَ: “كَمَالُ الْحُبِّ مَعَ كَمَالِ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ”، وَالشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُحَبُّ لِذَاتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَمَا سِوَاهُ فَإِنَّمَا يُحَبُّ تَبَعًا لِمَحَبَّتِهِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ جَمِيعُ كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَدَعْوَةُ جَمِيعِ رُسُلِهِ، وَفِطْرَتُهُ الَّتِي فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَيْهَا، وَمَا رَكَّبَ فِيهِمْ مِنَ الْعُقُول، وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ، “فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَفْطُورَةٌ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ الْإِحْسَانُ مِنْهُ؟ وَمَا بِخَلْقِهِ جَمِيعِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ” [سُورَةُ النَّحْلِ: 53].
وَمَا تَعَرَّفَ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَا، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آثَارُ مَصْنُوعَاتِهِ مِنْ كَمَالِهِ وَنِهَايَةِ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ.
وَالْمَحَبَّةُ لَهَا دَاعِيَانِ:
الْجَمَالُ، والإجمال [أي: الإحسان والإنعام]؛ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، بَلِ الْجَمَالُ كُلُّهُ لَهُ، والإجمالُ كُلُّهُ مِنْهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سِوَاهُ …
وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْمَحَبَّةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ أَنْدَادًا يُحِبُّهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 165].
وَأَخْبَرَ عَمَّنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْدَادِ فِي الْحُبِّ، أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي النَّارِ لِمَعْبُودِيهِمْ: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 97 – 98].
وَبِهَذَا التَّوْحِيدِ فِي الْحُبِّ أَرْسَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَمِيعَ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ جَمِيعَ كُتُبِهِ، وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، وَلِأَجْلِهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَجَعَلَ الْجَنَّةَ لِأَهْلِهِ، وَالنَّارَ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ فِيهِ.
وَقَدْ أَقْسَمَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ: لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَكَيْفَ بِمَحَبَّةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ؟ …
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا فِي الْمَحَبَّةِ وَلَوَازِمِهَا أَفَلَيْسَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، أَوْلَى بِمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكُلُّ مَا مِنْهُ إِلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ يَدْعُو إِلَى مَحَبَّتِهِ، مِمَّا يُحِبُّ الْعَبْدُ وَيَكْرَهُ – فَعَطَاؤُهُ وَمَنْعُهُ، وَمُعَافَاتُهُ وَابْتِلَاؤُهُ، وَقَبْضُهُ وَبَسْطُهُ، وَعَدْلُهُ وَفَضْلُهُ، وَإِمَاتَتُهُ وَإِحْيَاؤُهُ، وَلُطْفُهُ وَبِرُّهُ، وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ، وَسَتْرُهُ وَعَفْوُهُ، وَحِلْمُهُ وَصَبْرُهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَإِجَابَتُهُ لِدُعَائِهِ، وَكَشْفُ كَرْبِهِ، وَإِغَاثَةُ لَهْفَتِهِ، وَتَفْرِيجُ كُرْبَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، بَلْ مَعَ غِنَاهُ التَّامِّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، كُلُّ ذَلِكَ دَاعٍ لِلْقُلُوبِ إِلَى تَالِيهِهِ وَمَحَبَّتِهِ، بَلْ تَمْكِينُهُ عَبْدَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَإِعَانَتُهُ عَلَيْهَا، وَسَتْرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ وَطَرَهُ مِنْهَا، وَكَلَاءَتُهُ وَحِرَاسَتُهُ لَهُ، وَيَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، يُعِينُهُ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهَا بِنِعَمِهِ – مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي إِلَى مَحَبَّتِهِ، فَلَوْ أَنَّ مَخْلُوقًا فَعَلَ بِمَخْلُوقٍ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ قَلْبَهُ عَنْ مَحَبَّتِهِ، فَكَيْفَ لا يُحِبُّ الْعَبْدُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ بِعَدَدِ الْأَنْفَاسِ، مَعَ إِسَاءَتِهِ؟ فَخَيْرُهُ إِلَيْهِ نَازِلٌ، وَشَرُّهُ إِلَيْهِ صَاعِدٌ، يَتَحَبَّبُ إِلَيْهِ بِنِعَمِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ، وَالْعَبْدُ يَتَبَغَّضُ إِلَيْهِ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، فَلَا إِحْسَانُهُ وَبِرُّهُ
وَإِنْعَامُهُ إِلَيْهِ يَصُدُّهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَلَا مَعْصِيَةُ الْعَبْدِ وَلُؤْمُهُ يَقْطَعُ إِحْسَانَ رَبِّهِ عَنْهُ.
فَأَلْأَمُ اللُّؤْمِ تَخَلُّفُ الْقُلُوبِ عَنْ مَحَبَّةِ مَنْ هَذَا شَانُهُ، وَتَعَلُّقُهَا بِمَحَبَّةِ سِوَاهُ!!
وَأَيْضًا فَكُلُّ مَنْ تُحِبُّهُ مِنَ الْخَلْقِ، أَوْ يُحِبُّكَ، إِنَّمَا يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ وَغَرَضِهِ مِنْكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُكَ لَكَ، كَمَا فِي الْأَثَرِ الْإِلَهِيِّ: (عَبْدِي كُلٌّ يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنَا أُرِيدُكَ لَكَ)، فَكَيْفَ لا يَسْتَحِي الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ لَهُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، مَشْغُولٌ بِحُبِّ غَيْرِهِ، قَدِ اسْتَغْرَقَ قَلْبُهُ بِمَحَبَّةِ سِوَاهُ؟
وأَيْضًا، فَكُلُّ مَنْ تُعَامِلُهُ مِنَ الْخَلْقِ إِنْ لَمْ يَرْبَحْ عَلَيْكَ لَمْ يُعَامِلْكَ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبْحِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَامِلُكَ لِتَرْبَحَ أَنْتَ عَلَيْهِ أَعْظَمَ الرِّبْحِ وَأَعْلَاهُ، فَالدِّرْهَمُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ وَهِيَ أَسْرَعُ شَيْءٍ مَحْوًا.
وَأَيْضًا هُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَكَ لِنَفْسِهِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَمَنْ أَوْلَى مِنْهُ بِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي مَحَبَّتِهِ، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِي مَرْضَاتِهِ؟
وَأَيْضًا فَمَطَالِبُكَ – بَلْ مَطَالِبُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ جَمِيعًا – لَدَيْهِ، وَهُوَ أَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، أَعْطَى عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ فَوْقَ مَا يُؤَمِّلُهُ، يَشْكُرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْعَمَلِ وَيُنَمِّيهِ، وَيَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ وَيَمْحُوهُ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ)، لا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَلَا تُغْلِطُهُ كَثْرَةُ الْمَسَائِلِ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ، يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ حَيْثُ لا يَسْتَحِي الْعَبْدُ مِنْهُ، وَيَسْتُرُهُ حَيْثُ لا يَسْتُرُ نَفْسَهُ، وَيَرْحَمُهُ حَيْثُ لا يَرْحَمُ نَفْسَهُ، دَعَاهُ بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَأَيَادِيهِ إِلَى كَرَامَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، فَأَبَى، فَأَرْسَلَ رُسُلَهُ فِي طَلَبِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَهُمْ عَهْدَهُ، ثُمَّ نَزَلَ سُبْحَانَهُ إليه بنَفْسُهُ، وَقَالَ: مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ …
وَكَيْفَ لا تُحِبُّ الْقُلُوبُ مَنْ لا يَاتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَيُقِيل الْعَثَرَاتِ، وَيَغْفِرُ الْخَطِيئَاتِ، وَيَسْتُرُ الْعَوْرَاتِ، وَيَكْشِفُ الْكُرُبَاتِ، وَيُغِيثُ اللَّهَفَاتِ، وَيُنِيلُ الطَّلَبَاتِ سِوَاهُ؟ … ” انتهى من “الداء والدواء” (534 – 538).
ولو كشف الغطاء عن ألطاف الرب تعالى وبره وصنعه لعبده من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه محبة له وشوقا إليه، ولكن حجب القلوب عن مشاهدة ذلك إخلادها إلى عالم الشهوات والتعلق بالأسباب فصدت عن كمال نعيمها وذلك تقدير العزيز العليم، وإلا فأي قلب يذوق حلاوة معرفة الله ومحبته ثم يركن إلى غيره ويسكن إلى ما سواه؟! هذا ما لا يكون أبداً [“طريق الهجرتين” (ص 281)].
فإنَّ العبادَ مجبولون ومفطورون على محبَّة خالقهم سبحانه؛ كما قال سبحانه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} الروم/30، فأصل محبة الخالق جل جلاله: شيء يُولَد مع الإنسان، مجبول ومفطور عليه.
قال ابن رجب رحمه الله:
ومحبة الله تنشأ:
– تارة من معرفته، وكمال معرفته: تحصل من معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله الباهرة، والتفكير في مصنوعاته وما فيها من الإتقان والحكم والعجائب، فإن ذلك كله يدل على كماله وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته.
– وتارة ينشأ من مطالعة النعم، وفي حديث ابن عباس المرفوع: (أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله). خرجه الترمذي في بعض نسخ كتابه (برقم 3789)، [ضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (176)]ـ.
وقال بعض السلف: من عرف الله أحبه، ومن أحبه أطاعه فإن المحبة تقتضي الطاعة، كما قال بعض العارفين: الموافقة في جميع الأحوال ” انتهى من كتابه فتح الباري (1/ 51).
المسألة الثالثة: درجات محبة الله تعالى.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
ومحبة الله على درجتين:
إحداهما: فرض، وهي “المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة، والانتهاء عن زواجره المحرمة، والصبر على مقدوراته المؤلمة”.
فهذا القدر لابد منه في محبة الله، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله، كما قال بعض العارفين: من ادّعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب، فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات، أو أخل بشيء من فعل الواجبات، فلتقصيره في محبة الله، حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله، فإن محبة الله لو كملت لمنعت من الوقوع فيما يكرهه.
وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه لنقص محبته الواجبة في القلوب، وتقديم هوى النفس على محبته، وبذلك ينقص الإيمان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث.
والدرجة الثانية من المحبة، وهي فضل مستحب: أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضى بالأقضية المؤلمات.
كما قال عامر بن عبد قيس: أحببت الله حباً هوّن عليّ كلّ مصيبة، ورضّاني بكلّ بليّة، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت، ولا على ما أمسيت.
وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر، ولما مات ولده الصالح قال: إن الله أحب قبضه، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله. وقال بعض التابعين في مرضه: أحبّه إليّ أحبّه إليه. “. انتهى من ” فتح الباري ” لابن رجب (1/ 46 – 48).
المسألة السادسة: الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده:
فمن الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده ما يلي:
أولاً: حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض، كما في حديث البخاري (3209): ” إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض “.
ثانياً: ما ذكره الله سبحانه في الحديث القدسي من فضائل عظيمة تلحق أحبابه: أن يسدده الله في أعماله وأقواله وأفعاله، وأن يُجيب دعوته؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ” رواه البخاري 6502
فقد اشتمل هذا الحديث القدسي على عدة فوائد لمحبة الله لعبده:
1 – كنت سمعه الذي يسمع به ” أي أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله ..
2 – “وبصره الذي يبصر به ” فلا يرى إلا ما يُحبه الله ..
3 – ويده التي يبطش بها ” فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله ..
4 – ورجله التي يمشي بها ” فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله ..
5 – وإن سألني لأعطينه ” فدعاءه مسموع وسؤاله مجاب ..
6 – وإن استعاذني لأعيذنه ” فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء”
ثالثًا: أن الله لا يعذبه:
قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: 18] وعن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من أصحابه، وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم، خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، وسعت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال: فخفَّظهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا والله عز وجل لا يُلقي حبيبهُ في النار) [أخرجه أحمد].
رابعًا: أن يكون في الآخرة مع من أحبَّ:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أعددت لها؟) قال: حُبَّ الله ورسوله قال: (أنت مع من أحببت) قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشدَّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنك مع من أحببت) قال أنس: فأنا أحبُّ الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم. [أخرجه مسلم].
خامسًا: أن يحميه الله من فتن الدنيا التي تضره في دينه
سادسًا: تشريف وتنويه به في الملأ الكريم بإعلام الله تعالى جبريل عليه السلام، وإعلام جبريل الملائكة عليه السلام بمحبة العبد المذكور.
سابعًا: أن يرحمه الله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن أحبَّه الله فرحمته أقربُ شيء منه.
ثامنًا: أن الله ييسر له فعل الطاعة وترك المعصية:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومن فوائد محبة الله عز وجل تيسير فعل الطاعة وترك المعصية.
ومن أحبه الله عز وجل ابتلاه، فإن رضي فله الرضي، وإن سخط فله السخط، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) [أخرجه الترمذي].
وليعلم العبد أنه إذا أحبَّ الله حقاً فسيحبه الله، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أننا نضمن أنه من أحب الله حقاً فسيحبه الله لأن الله يقول: (من أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن تقرب إلى شبراً تقربت منه باعاً، ومن تقرب إلى ذراعاً تقربت منه باعاً) فإذا كانت محبتك لله صادقة فإن محبة الله لك مضمونة”.
(اللهم إني .. أسالك حُبكَّ، وحُبَّ من يُحبكَ، وحُبَّ عمل يُقربُ إلى حُبِّك) [أخرجه الترمذي].
المسألة الرابعة: طرق الوصول إلى محبته سبحانه تعالى، فقد وضح الله تعالى ذلك؛ فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} آل عمران / 31 – 32.
قال ابن كثير رحمه الله: ” {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ.
وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: خالفوا عن أمره (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادّعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبيّ الأميّ خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس ” انتهى. تفسير ابن كثير” (2/ 32).
وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال (قل إن كنتم تحبون الله) أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها.
وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص ” انتهى. تفسير السعدي” (ص 128).
وقد روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
فبين في ذلك الحديث القدسي الجليل أن من أحب الله تقرب إليه بما يحبه، من أداء الفرائض والنوافل، وأنه بذلك ينال العبد محبة الله تعالى.
قال ابن رجب رحمه الله: فجعلَ الله علامة الصِّدق في محبَّته: اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فدلَّ على أنَّ المحبَّة لا تتمُّ بدون الطاعة والموافقة.
ومن هنا قال الحسن: اعلم أنَّك لن تُحِبَّ الله حتى تُحِبَّ طاعته”. جامع العلوم والحِكَم لابن رجب (1/ 212).
وفي هذا يقول الشاعر:
تَعْصِي الإلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّه * * * هَذَا لَعَمْرِي في القِياسِ شَنِيعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَه * * * إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ
في كُلِّ يَوْمٍ يَبْتَدِيكَ بِنِعْمَةٍ * * * مِنْهُ وَأنتَ لِشُكْرِ ذَاك مُضِيعُ
فرع:
أسباب وعلامات نيل محبة الله تعالى: قال ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين): فصل في الأسباب الجالبة للمحبَّة والموجِبة لها وهي عشرة:
أحدُها: قراءةُ القرآن بالتدبر والتفهّم لمعانيه وما أُريدَ به، كتدبّر الكتابِ الذي يحفظه العبدُ ويشرحه؛ ليتفهَّم مُرادَ صاحبه منه.
الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ فإنها توصله إلى درجة المحبوبيَّة بعد المحبة.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال؛ فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثارُ محابّه على محابّك عند غلَبَات الهوى، والتسَنُّمُ إلى محابّه وإن صَعُبَ المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها؛ فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالة، ولهذا كانت المعطّلة والفرعونية والجهمية قطّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.
السادس: مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحتْ مصلحة الكلام، وعلمتَ أنَّ فيه مزيدًا لحالك ومنفعةً لغيرك.
العاشر: مباعدةُ كلِّ سببٍ يحولُ بينَ القلب وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فمِنْ هذه الأسباب العشرة وصلَ المحبُّونَ إلى منازل المحبَّة ودخلوا على الحبيبِ، وَمَلاكُ ذلك كلِّه أمران: – استعدادُ الرُّوحِ لهذا الشأن. – وانفتاحُ عينِ البصيرةِ، وبالله التوفيق” ا. هـ.
ويمكن أن يقال: 11 – اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى في كتابه الكريم: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}.
12 – 15 – الذل للمؤمنين والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه؛ وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة؛ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
ففي هذه الآية ذكر الله تعالى صفات القوم الذين يحبهم، وكانت أولى هذه الصفات: التواضع وعدم التكبر على المسلمين، وأنهم أعزة على الكافرين: فلا يذل لهم ولا يخضع، وأنهم يجاهدون في سبيل الله: جهاد الشيطان، والكفار، والمنافقين والفساق، وجهاد النفس، وأنهم لا يخافون لومة لائم: فإذا ما قام باتباع أوامر دينه فلا يهمه بعدها من يسخر منه أو يلومه.
16 – الابتلاء، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى – ففي الحديث الصحيح: “إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ” رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031)، وصححه الشيخ الألباني.
قلت سيف: قال العقيلي بسنده عن أحمد بن حنبل في أحاديث يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس قال روى خمسة عشر حديثا منكرة ما اعرف منها واحدا.
ومرة قال سعد بن سنان حديثه غير محفوظ حديث مضطرب. ومرة قال: يشبه حديثه حديث الحسن لا يشبهه حديث أنس. انتهى
يقصد بحديث الحسن أي كلام الحسن البصري. أو حديث الحسن الذي يدلسه.
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، كيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة ” رواه الترمذي (2396)، وصححه الشيخ الألباني.
قلت سيف: راجع تخريج الحديث السابق وكلام الأم أحمد في سعد بن سنان
وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة.
17 – 20: الحبّ، والتزاور، والتباذل، والتناصح في الله.
وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: ” حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ ” حديث الباب.
ومعنى ” َالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ” أي أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ.
وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ” وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ” أي يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ.” انتهى من المنتقى شرح الموطأ حديث
فرع:
ومن أسباب محبة الله جل جلاله لعبده، أن يتجنب العبدُ ما لا يحبه الله، ويبغضه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه”.
الكفر والاستكبار عن عبادة الله:
قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].
وقال عز وجل: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وإذا انتفى محبته للكافرين لزم محبته للمؤمنين.
الإثم:
قال الله {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
فرع: من رضي الله عنه أحبه وليس العبرة بكثرة العمل فقط:
قال أحد الباحثين في رسالة علمية له منشورة في مجلة جامعة أم القرى العدد رقم (20) بعنوان “صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم”:
قبول الرضا:
إن العمل اليسير المرافق لمرضاة الله وسنة المصطفى – (- خير وأحب إلى الله من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك، أو عن بعضه.
يوضح ذلك آيات كثيرة، منها: قول الله – تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}
وحسن العمل هو: خلاصه وصوابه، وموافقته لمرضاة الله – تعالى – ومحبته،
فقبول الرضا والمحبة والاعتداد والمباهاة شيء، وقبول الثواب والجزاء شيء؛ لأن القبول أنواع:
النوع الأول:
قبول رضا، ومحبة، واعتداد، ومباهاة، وثناء على العامل بين الملأ الأعلى، كما تقدم في حديث ثوبان عن النبي – (- قال: {إن العبد ليلتمس مرضاة الله – عزّوجل – فلايزال كذلك، فيقول: يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني برضائي عليه … الحديث وسبق
ويشهد لهذا المعنى ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – (-: {إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبوه …. }.
وعن عمرو بن مالك الرواسي قال: أتيت النبي – (- فقلت: يا رسول الله – (- ارض عني قال: فأعرض عني ثلاثاً، قال: قلت: يا رسول الله، إن الرب ليترضى فيرضى، قال: فرضي عني.
النوع الثاني:
قبول جزاء وثواب،: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} (2) … وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة} (3)
أمَّا النوع الثالث:
{فقبول إسقاط للعقاب فقط، وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء، كقبول صلاة من لم يُحضر قلبه في شيء منها؛ فإنه ليس له من صلاته إلاَّ ما عقل منها}.
تنبيه:
هل الملائكة أجسام، أم عقول، أم قوى؟
والجواب: الملائكة أجسام بلا شك، كما قال الله عزّ وجل: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) (فاطر: الآية (1)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطت السماء والأطيط: صرير الرحل، أي إذا كان على البعير حمل ثقيل، تسمع له صريراً من ثقل الحمل، فيقول عليه الصلاة والسلام:
وحق لها أن تئط، مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِع إِلَاّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ للهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِد ويدل لهذا حديث جبريل عليه السلام: أنه له ستمائة جناح قد سد الأفق، والأدلة على هذا كثيرة.
وأما من قال: إنهم أرواح لا أجسام لهم، فقوله منكر وضلال، وأشد منه نكارةً من قال: إن الملائكة كناية عن قوى الخير التي في نفس الإنسان، والشياطين كناية عن قوى الشر، فهذا من أبطل الأقوال ..
«شرح الأربعين النووية للعثيمين» (ص61)
وفي «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة»
المبحث الأول
تعريف الملائكة وأصل خلقتهم، وصفاتهم، وخصائصهم تعريفهم: الملائكة: جمع مَلَك. أخذ من (الأَلُوكِ) وهي: الرسالة.
وهم: خلق من مخلوقات الله، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة، ولهم قوى عظيمة، وقدرة كبيرة على التنقل، وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، قد اختارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره، فلا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
أصل خلقهم: والمادة التي خلق الله منها الملائكة هي ” النور “. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم». والمارج هو: اللهب المختلط بسواد النار.
صفاتهم: قد تضمن الكتاب والسنة الكثير من النصوص المبينة صفات الملائكة وحقائقها فمن ذلك:
أنهم موصوفون بالقوة والشدة ….. إلى أخر المبحث
«أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة» (ص99)
المؤلف: نخبة من العلماء
وسبق تكلمنا على التحاب بين المؤمنين في شرح مسلم صحيح مسلم، صحيح مسلم، بَابُ فِي فَضْلِ الْحُبِّ فِي اللَّهِ … وكذلك في شرك حديث معاذ بن جبل من الصحيح المسند (1110) وحديث أنس رقم (54)