157 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
15 – باب المحافظة عَلَى الأعمال
قَالَ الله تَعَالَى: {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]
وَقالَ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَافَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]
وَقالَ تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل: 92]
وَقالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]
وَأَمَّا الأَحاديث؛ فمنها حديث عائشة: وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ. وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ.
قال المؤلف رحمه الله: باب المحافظة على الأعمال: يعني الأعمال الصالحة، لما ذكر ـ رحمه الله ـ باب الاقتصاد في الطاعة، وأن الإنسان لا ينبغي أن لا يشق على نفسه في العبادة وإنما يكون متمشياً على هدى النبي صلى الله عليه وسلم أعقبه بهذا الباب الذي فيه المحافظة على الطاعة،
قال ابن علان:” قد أحسن المصنف في تعقيب هذا الباب لما قبله لأن الحاصل من هذا الباب الترغيب في ملازمة العبادة والطريق الموصل إلى ذلك الاقتصاد فيها، لأن التشديد قد يؤدي إلى ترك العبادة المذموم كما تقدم، وقد سبق المصنف لهذا الترتيب الحافظ البخاري، فعقب باب ما يكره من التشديد في العبادة الذي عبر عنه المصنف هنا بالاقتصاد فيها بباب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه الذي عبر عنه المصنف هنا بباب المحافظة على الأعمال”
فكثيراً من الناس ربما يكون نشيطاً مقبلاً على الخير فيجتهد، ولكنه بعد ذلك يفتر ثم يتقاعس ويتهاون. وهذا يجري كثيراً للشباب، لأن الشاب يكون عنده اندفاع قوي أوتأخر شديد؛ إذ إن غالب تصرفات الشباب إنما تكون مبنية على العاطفة دون التعقل، فتجد الواحد منهم يندفع ويشتد في العبادة، ثم يعجز أو يتكاسل فيتأخر، ولهذا ينبغي للإنسان ـ كما نبه المؤلف رحمه الله ـ أن يكون مقتصداً في الطاعة غير منجرف، وأن يكون محافظاً عليها لأن المحافظة على الطاعة دليل على الرغبة فيها، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، فإذا حافظ الإنسان على عبادته واستمر عليها؛ كان هذا دليلاً على محبته وعلى رغبته في الخير.
وقد ذكر المؤلف عدة آيات: قَالَ الله تَعَالَى: {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}
جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: ” ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين ”
عتاب من الله عزوجل لأهل الإيمان على عدم محافظتهم على ما كانوا عليه من العمل، وفيه تحذير شديد من مشابهة طريقة أهل الكتاب الذين لما طال عليهم زمن العمل وطال عليهم الأمد فلم يداوموا عليها بل تركوها فعاقبهم بقسوة القلب …
قال ابن باز:” فالمعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتشبه بأعداء الله من اليهود و الذين طال عليهم الأمد، إذ طال عليهم الأجل فقست قلوبهم، لما متعوا اشتغلوا باللذات وما تهوى الأنفس حتى قست قلوبهم وضعفوا عن طاعة الله”. قال ابن عثيمين:” يعني طال عليهم الأمد ـ أي الزمن ـ بالأعمال، فقست قلوبهم وتركوا الأعمال والعياذ بالله”.
وَقالَ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَافَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}
قال فيصل آل مبارك:” تنبيه على أنَّ مَن أوجب على نفسه شيئًا لزمه”
قال ابن باز:” فالواجب على المؤمن أن يرعى العبادة التي شرعها الله ويحذر البدعة ويستقيم على الحق حتى يلقى ربه، يكفيه الحق لا يبتدع ولا يحدث ولا يضعف ولا يكسل”
قال ابن عثيمين:” أي ما استمروا عليها ولا رعوها، ولكنهم أهملوها”.
وَقالَ تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً}
قال ابن كثير:” قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده، وهذا القول أرجح وأظهر.”
قال ابن باز:” فلا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك يعمل ثم يحبط أعماله يعمل الصالحات ثم يحبطها بأعماله السيئة بل يجب أن يحافظ على طاعة ويستقيم عليها ويحذر أسباب بطلانها.”
قال ابن عثيمين:” امرأة تغزل، فغزلت غزلاً جيداً قوياً متيناً، ثم بعد ذلك ذهبت تنقضه أنكاثاً، حتى لم يبق منه شيء، كذلك بعض الناس يشتد في العبادة ويزيد، ثم بعد ذلك ينقضها فيدعها”.
وَقالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ}
قال ابن القيم في طريق الهجرتين:” قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيكَ الْيَقِينْ}، واليقين هنا الموت باتفاق أهل الإسلام”. وقال أيضا في المدراج:” وهو الموت بالإجماع”
قال ابن كثير:” يستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء – عليهم السلام – كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. وإنما المراد باليقين هاهنا الموت”.
قال فيصل آل مبارك:” أي: دُمْ على عبادة ربك حتى يأيتك الموت.”
قال ابن عثيمين:” فالمهم أن الإنسان ينبغي له أن يحافظ على العمل، وألا يتكاسل وألا يدعه، بل يستمر على ما هو عليه. وإذا كان هذا في العبادة فهو أيضاً في أمور العادة … وبعض الناس لا يهتم بأمور العادة، فتجد كل يوم له فكر، وكل يوم له نظر، وهذا يفوت عليه الوقت ولا يستقر نفسه على شيء، ولهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: من بورك له في شيء فليلزمه، كلمة عظيمة، يعني إذا بورك لك في شيء، أي شيء يكون؛ فالزمه ولا تخرج عنه مرة هنا ومره هنا، فيضيع عليك الوقت ولا تبني شيئاً … بل يستمر ويبقى على ما هو عليه ما لم يتبين الخطأ، فإن تبين الخطأ فلا يقر الإنسان نفسه على خطأ لكن ما دام الأمر لم يتبين فيه الخطأ؛ فإن بقاءه على ما هو عليه أحسن، وأدل على ثباته، وعلى أنه رجل لا يخطو خطوة إلا عرف أين يضع قدمه وأين ينزع قدمه.” مختصر.