156 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
14 – باب في الإقتصاد في الطاعة
156 – وعنِ ابن عباس رضي اللَّه عنهما قَالَ: بيْنما النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرجُلٍ قَائِمٍ، فسأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرائيلَ نَذَر أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْس وَلا يقْعُدَ، وَلاَ يستَظِلَّ وَلاَ يتَكَلَّمَ، ويصومَ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَستَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ ولْيُتِمَّ صوْمَهُ “رواه البخاري.
ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب الاقتصاد في العبادة هذا الحديث؛ الذي نذر فيه رجل يقال له أبو إسرائيل؛ قال ابن حجر:” أبو إسرائيل المذكور لا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة واختلف في اسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتانية ثم مهملة مصغر أيضا وقيل قيصر باسم ملك الروم وقيل بالسين المهملة بدل الصاد وقيل بغير راء في آخره وهو قرشي ثم عامري وترجم له ابن الأثير في الصحابة تبعا لغيره فقال: أبو إسرائيل الأنصاري. واغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من الأنصار، والأول أولى”.
وفي راوية الخطيب ” رجل من قريش ” فلعله الأقرب أنه من قريش.
فهذا الرجل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، وأن يصمت ولا يتكلم، وأن يصوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، قال ابن حجر:” قوله: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب) زاد الخطيب في ” المبهمات ” من وجه آخر: ” يوم الجمعة “.”
وفي هذه الرواية أنه كان قائم: زاد أبودواد ” في الشمس”
فرأى هذا الرجل قائماً في الشمس، فسأل عنه فأخبر عن قصته، قال القاضي:” الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه ولذا أجيب بذكر اسمه وأن ما بعده زيادة في الجواب.”
فيه تكلم الخطيب والسؤال عن الأحوال المستغربة وبيان ما يحتاجه الناس وهو على المنبر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه).
وهذا النذر كان قد تضمن أشياء محبوبة إلى الله عز وجل، وأشياء غير محبوبة، أما المحبوبة إلى الله فهي الصوم؛ لأن الصوم عبادة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وأما وقوفه قائماً في الشمس من غير أن يستظل، وكونه لا يتكلم؛ فهذا غير محبوب إلى الله عز وجل، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يترك ما نذر.”
قال الخطابي: قد تضمن نذره نوعين الطاعة والمعصية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منها من طاعة وهو الصوم، وأن يترك ما ليس بطاعة من القيام في الشمس وترك الكلام وترك الاستظلال بالظل، وذلك أن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه، وليس في شيء منها قربة إلى الله تعالى وقد وضع عن هذه الأمة الأغلال التي كانت على من قبلهم، وتنقلب النذر فيه معصية، فلا يلزم الوفاء ولا تجب الكفارة فيه.
قال القرطبي: في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه فقد قال مالك لما ذكره ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة.
قال ابن عثيمين:” وليعلم أن النذر اصله مكروه، بل قال بعض العلماء: أنه محرم، وأنه لا يجوز للإنسان أن ينذر؛ لأن الإنسان إذا نذر كلف نفسه ما لم يكلفه الله، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)، ولكن إذا قدر أن الإنسان نذر فالنذر أقسام: قسم حكمه حكم اليمين، وقسم آخر نذر معصية، وقسم ثالث نذر طاعة.
أما الذي حكمه حكم اليمين، فهو الذي قصد الإنسان به تأكيد الشيء؛ نفياً أو إثباتاً أو تصديقاً أو تأكيداً، ومثاله: إذا قيل للرجل أخبرتنا بكذا وكذا ولكنك لم تصدق، فقال: إن كنت كاذباً فلله على نذر أن أصوم سنة، فلا شك أن غرضه من ذلك أن يؤكد قوله ليصدقه الناس، هذا حكمه حكم اليمين … ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وهذا نوى اليمين فله ما نوى.
أما القسم الثاني: فهو المحرم فالمحرم إذا نذره الإنسان يحرم عليه الوفاء به، مثل أن يقول: لله عليه نذر أن يشرب الخمر، فهذا نذر محرم، فلا يحل له أن يشرب الخمر، ولكن عليه كفارة يمين على القول الراجح، لعل الشيخ استدل بحديث عائشة مرفوعا: ” لا نذر فى معصية وكفارته كفارة يمين ” رواه الخمسة واحتج به أحمد، وصححه الألباني في الإرواء.
أما القسم الثالث: فهو نذر الطاعة، أن ينذر الإنسان نذر طاعة، مثل أن يقول: لله على نذر أن أصوم الأيام البيض؛ وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فيلزمه أن يوفي بنذره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، أو يقول: لله علي نذر أن اصلي ركعتين في الضحى، فيلزمه أن يوفي بنذره لأنه طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه).
فإن اشتمل نذره على طاعة وغير طاعة؛ وجب أن يوفي بالطاعة، وغير الطاعة لا يوفي، ويكفر كفارة يمين، مثل قصة الرجل.
قال ابن حجر:” وفي حديثه أن السكوت عن المباح ليس من طاعة الله”. وكذلك
قال أيضا:” وفيه أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه وأمره أن يقعد ويتكلم ويستظل”.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ” فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله، فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، وهذا كمن تقرب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية. وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقا فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قائما في الشمس:” ثم ذكر حديث الباب
قال صاحب عون المعبود” فيه دليل أيضا على إبطال ما أحدثته الجهلة المتصوفة من الأشغال الشديدة المحدثة والأعمال الشاقة المنكرة ويزعمون أنها طريقة تزكية أنفاسهم، وهذا جهل منهم عن أحكام الشريعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك لنا شيئا إلا بينه فمن أين وجدوها؟ ومن أين أخذوها؟ “.
قال فيصل آل مبارك في التطريز:” في هذا الحديث: دليل على أنَّ من تقرَّب إلى الله تعالى بعمل لم يتعبده الله به، أنه لا يلزمه فعله، وإنْ نذره، ومن نذر عبادة مشروعة لزمه فعلها.”
قال ابن باز:” ليس من الدين الصمت إلا عما حرم الله وعما يشق، أما يصمت عن حاجته مع أهله وعن السلام على إخوانه ونحو ذلك لا؟ يصمت عما حرم الله عن الشيء الذي لا فائدة فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” أما أن يصمت دائما لا يتكلم يتعبد بهذا منكر وبدعة فلهذا أنكره النبي صلى الله عليه وسلم على أبي إسرائيل … “