156 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
ومراجعة عبدالله البلوشي ابوصالح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
مسند أحمد
23468 حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى؟ قال: اجتنب الغضب. ثم عاد عليه. فقال: اجتنب الغضب.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
—–
قال ابن رجب: والغضب: هو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان؛ وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعا، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم. جامع العلوم و الحكم (369)
قال الصنعاني: وحقيقة الغضب حركة النفس إلى خارج الجسد لإرادة الانتقام. ” سبل السلام (2/ 656)
قال القسطلاني: وهو شعلة نار صفة شيطانية وحقيقته غليان دم القلب بنار غضبه لإرادة الانتقام. ” ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ” (9/ 70)
[الشرح]
قال ابن رجب: فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، ليحفظها عنه خشية أن لا يحفظها لكثرتها، فوصاه النبي أن لا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مرارا، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير. ” جامع العلوم و الحكم (361 – 362)
فقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه: لا تغضب يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ، والطلاقة والبشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه. والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان الآمر والناهي له، ولهذا المعنى قال الله عز وجل {ولما سكت عن موسى الغضب} [الأعراف: 154] [الأعراف: 154] فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شر الغضب، وربما سكن غضبه، وذهب عاجلا، فكأنه حينئذ لم يغضب، وإلى هذا المعنى وقعت الإشارة في القرآن بقوله عز وجل {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] [الشورى: 37]، وبقوله عز وجل: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134] [آل عمران: 134]. ” جامع العلوم و الحكم (364)
قال العلامة ابن عثيمين: أن غضب الآدمي يؤثر آثارا غير محمودة؛ فالآدمي إذا غضب قد يحصل منه ما لا يحمد، فيقتل المغضوب عليه، وربما يطلق زوجته، أو يكسر الإناء، ونحو ذلك، أما غضب الله؛ فلا يترتب عليه إلا آثار حميدة لأنه حكيم، فلا يمكن أن يترتب على غضبه إلا تمام الفعل المناسب الواقع في محله. ” مجموع الفتاوى ” (9/ 419)
علاج الغضب
1 – الإستعاذة: أن يستعيذ الغاضب، فإذا استعاذ ذهب ما يجد عنه.
ففي ” الصحيحين ” عن سليمان بن صرد قال: «استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون».
قال العباد: أي: ما يقال من أجل أن يمنع الغضب أو يخفف الغضب أو ينهي الغضب، وذلك هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فهناك أقوال، وهناك أفعال تكون عند الغضب، فالأقوال: هي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والأفعال: هي أن يتوضأ الإنسان، وإذا كان قائماً أن يجلس، وإذا كان جالساً أن يضطجع، أو يقوم ويخرج ويترك المكان الذي وقع فيه الخصام والنزاع الذي حصل بسببه الغضب، فكل هذه الأمور تفعل عند الغضب وهي تخلص من الأمور السيئة التي تترتب على الغضب، فالإنسان قد يخرج عن شعوره ويتكلم بكلام شديد وقاس، وقد يخرج منه شيء وهو لا يشعر بسبب إفراطه في الغضب. ” شرح سنن أبي داود”
2 – أمر النبي عليه عليه الصلاة و السلام بالجلوس إذا كان الغاضب قائما، و اذا كان جالسا فليضطجع.
خرج الإمام أحمد، وأبو داود من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع».
3 – امر النبي عليه الصلاة و السلام الغاضب في حال غضبه بالسكوت
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس، عن النبي قال: «إذا غضب أحدكم، فليسكت، قالها ثلاثا».
وعن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: علموا ويسروا علموا ويسروا ثلاث مرات وإذا غضبت فاسكت مرتين. رواه البخاري في الأدب المفرد. قال الشيخ الألباني: صحيح
قال ابن رجب: وهذا أيضا دواء عظيم للغضب، لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه. جامع العلوم و الحكم
قال العلامة ابن عثيمين:
فإن قال قائل: إذا وجد سبب الغضب، وغضبَ الإنسان فماذا يصنع؟
نقول: هناك دواء – والحمد لله – لفظي وفعلي.
أما الدواء اللفظي: إذا أحس بالغضب فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: “إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد – يعني الغضب – لَوقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ” [128].
وأما الدواء الفعلي: إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع، لأن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، فإن لم يفد فليتوضّأ، لأن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب، ولأن الوضوء يطفئ حرارة الغضب.
وهل يقتصر على هذا؟
الجواب: لايلزم الاقتصار على هذا، قد نقول إذا غضبت فغادر المكان، وكثير من الناس يفعل هذا، أي إذا غضب خرج من البيت حتى لايحدث ما يكره فيما بعد.
آثار عن السلف في اجتناب الغضب:
قال جعفر بن محمد: الغضب مفتاح كل شر.
وقيل لابن المبارك: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب.
وكذا فسر الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب
أن ابن وهب بن منبه، قال: «إن الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل» الجامع لابن وهب (332)
تنبيه: لا ينبغي للعبد أن يغضب لله ثم يتكلم بما لا يجوز، و لا يجوز أن يغضب لنفسه.
قال ابن رجب: فهذا غضب لله [أي قصد حديث و الله لا يغفر الله لك]، ثم تكلم في حال غضبه لله بما لا يجوز، وحتم على الله بما لا يعلم، فأحبط الله عمله، فكيف بمن تكلم في غضبه لنفسه، ومتابعة هواه بما لا يجوز.
بوب البخاري في صحيحه [باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ]
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ».
قال العلامة الكشميري: والحاصل أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يغضب إلا عند هتكِ حرمةٍ من حُرُمَات الله، أو عند مخالفةِ البَدَاهَة، وصريح السفاهة، فإذا كان موضعَ عذرٍ أو موضعَ اجتهادٍ كان أسمحَ الناس. ” فيض الباري” (1/ 274)
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ” «أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا» ” قال عنه الالباني في تحقيق الاحتجاج بالقدر صحيح
وهذا عزيز جدا، وهو أن الإنسان لا يقول سوى الحق سواء غضب أو رضي، فإن أكثر الناس إذا غضب لا يتوقف فيما يقول
اللهم اسالك كلمة الحق في الغضب و الرضا … امين