: 156 جامع الأجوبة الفقهية ص 196
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
باب المسح على الخفين
مسألة: هل يمسح الخفين إذا لبسهما عقب تيمم؟
سبق لنا أن بحثنا مسألة “اشتراط لبس الخفين على طهارة” في المسألة رقم 153 من جامع الأجوبة الفقهية، وبينا أن عامة أهل العلم يقولون أنه يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة بل نقل الإجماع على هذا، وأن الخلاف المنقول عن مالك خلافاً شاذ، قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 48): “وأما شرط المسح على الخفين؛ فهو أن تكون الرجلان طاهرتين بطهر الوضوء، وذلك شيء مجمع عليه إلا خلافًا شاذًّا، وقد روي عن ابن القاسم عن مالك”. انتهى
يقول ابن قدامة رحمه الله:
” لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا ” انتهى.
” المغني ” (1/ 317)
وفي هذه المسألة سنتكلم عن إذا كانت هذه الطهارة هي التيمم فهل له أن يمسح الخفين عقب تيممه؟
اختلف أهل العلم على قولين:
– القول الأول: أنه إذا تيمم لفقد الماء، ثم لبس الخف، فلا يمسح إذا وجد الماء، وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على الصحيح.
– واستدلوا بعدة أدلة منها:
1 – عن أبي ذر أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أجنب، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – بماء، فاستتر واغتسل، ثم قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير. والحديث حسن. قال الذهبي: حسنه الترمذي، ولم يرقه إلى الصحة للجهالة بحالة عمرو، وقال: وقد وثق عمرو مع جهالته. انظر: الميزان (3/ 247)
وجه الاستدلال:
قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” فليمسه بشرته ” فأمر بوجوب مس الماء للبشرة، وكلمة ” بشرته ” مفرد مضاف يعم جميع البشرة إن كان غسلاً عن جنابة، ويعم جميع الأعضاء الأربعة إن كانت الطهارة طهارة صغرى، ومن أخرج القدمين فعليه الدليل، ولا دليل.
2 – قالوا بوجود الماء رجع إلى المتيمم حدثه السابق، وليس رجوع الحدث المتقدم على لبس الخف كإنشاء الحدث بعد لبسه، وبينهما فرق، وإذا حكمنا برجوع الحدث السابق المتقدم للابس الخف لم يشرع له المسح من جهتين:
الوجه الأول: إبطال تلك الطهارة من أصلها، وكأنها لم تكن، فكأنه لبس الخفين على غير طهارة.
الوجه الثاني: رجوع الحدث السابق إلى جميع الأعضاء بما في ذلك القدمان، ومن أخرج القدمين فعليه الدليل.
3 – قالوا إن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما هو مبيح للصلاة.
قال ابن قدامة في المغني (1/ 207): “فإن تيمم، ثم لبس الخف، لم يكن له المسح؛ لأنه لبسه على طهارة غير كاملة؛ ولأنها طهارة ضرورة، بطلت من أصلها، فصار كاللابس له على غير طهارة؛ ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث”. انتهى
– القول الثاني: أنه يجوز له المسح، وهذا القول للحنابلة فهي رواية للأمام أحمد. قال المرداوي في الإنصاف (1/ 176): “وقال في رواية: من قال لا ينقض طهارته إلا وجود الماء: له أن يمسح”. انتهى
– وحجتهم في ذلك:
حديث الباب عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما. متفق عليه.
وجه الدلالة:
أنه صلى الله عليه وسلم لم يشترط إلا الطهارة، ولم ينص على نوع المطهر ماء كان أو تراباً، ومن تيمم عن عدم الماء فقد تطهر بنص القرآن والسنة، أما القرآن، فقال تعالى بعد أن ذكر طهارة التيمم: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} (المائدة، آية: 6).
ومن السنة الحديث المتفق عليه، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
والطهور: اسم لما يتطهر به، فإذا كان متطهراً، ولبس خفيه على طهارة، صدق عليه قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين “.
– نقل أقوال أهل العلم في المسألة:
– قال السرخسي في المبسوط (1/ 105): ” وإذا لبس الخفين على طهارة التيمم أو الوضوء بنبيذ، ثم وجد الماء نزع خفيه؛ لأن طهارة التيمم غير معتبرة بعد وجود الماء “. وانظر بدائع الصنائع (1/ 10).
– قال مالك في الموطأ (1/ 37): “وإنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين، وهما طاهرتان بطهر الوضوء، وأما من أدخل رجليه في الخفين، وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء فلا يمسح على الخفين”.
– وجاء في المدونة (1/ 144) قال ابن القاسم في من تيمم، وهو لا يجد الماء، فصلى، ثم وجد الماء في الوقت، فتوضأ به إنه لا يجزئه أن يمسح على خفيه وينزعهما ويغسل قدميه إذا أدخلهما غير طاهرتين ” اهـ.
– وجاء في المنتقى للباجي (1/ 78): ” ومن تيمم، ثم لبس خفيه، فقد قال أصبغ في العتبية: إن لبس خفيه قبل أن يصلي كان له أن يمسح على خفيه، وإن لبسهما بعد أن صلى لم يمسح عليهما.
قال سحنون: لا يمسح عليهما، وإن لبسهما قبل الصلاة، حكى ابن حبيب، عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم معناه.
وجه قول أصبغ: أنه لبس خفيه بطهارة يستبيح بها الصلاة، فكان له أن يستبيح بها الماء، كالمسح على الجبائر.
ووجه القول الثاني: أن هذه أحد حالتي التيمم، فلم يستبح المسح على الخفين أصله إذا لبسهما بعد الصلاة. واحتج مطرف وصاحباه بأن منتهى طهر التيمم فراغ تلك الصلاة اهـ.
– قال المرداوي في الإنصاف (1/ 176): “لا يمسح على خف لبسه على طهارة تيمم على الصحيح من المذهب”. انتهى
– سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في مجموع فتاويه ” (11/ 174):
إذا تطهَّر الإنسان بالتيمم ولبس الخفين، فهل يجوز له أن يمسح عليهما إذا وجد الماء؟
فأجاب:”لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” فإني أدخلتهما طاهرتين “. وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل، إنما هي في الوجه والكفين فقط، وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء، فإنه يلبس الخفين، ولو كان على غير طهارة، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادِماً له، أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم ” انتهى.
– والجمهور الذين قالوا بعدم جواز المسح إذا كان عقب طهارة تيمم فإنهم اختلفوا إذا كان التيمم بسبب فقد الماء أو بسبب عدم القدرة على استخدامه كمرض وغيره.
– جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 264):
“فالجمهور غير الشافعية يشترطون أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أما الشافعية فيجوزون أن تكون الطهارة بالماء أو بالتيمم، ولكن ليس لفقد الماء مثلا، بل لعدم القدرة على استعماله”. انتهى
– قال الإمام النووي رحمه الله كما في المجموع (1/ 516):
“وأما التيمم الذي محض التيمم ولبس الخف على طهارة التيمم فإن كان تيممه لا بإعواز الماء بل بسبب آخر فحكمه حكم المستحاضة لأنه لا يتأثر بوجود الماء لكنه ضعيف في نفسه فصار كالمستحاضة هكذا صرح به جماعة منهم الرافعي وإن كان التيمم لفقد الماء وهي مسألة الكتاب فقال الجمهور لا يجوز المسح بل إذا وجد الماء وجب الوضوء وغسل الرجلين ونقله المتولي عن نص الشافعي رضي الله عنه وقال ابن سريج هو كالمستحاضة فتستبيح فريضة ونوافل كما سبق والمذهب الفرق لأن طهارته لا تستمر عند رؤية الماء فنظيره من المستحاضة أن ينقطع دمها والله أعلم”. انتهى
– وقال الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي: قال أبو العباس – شيخ الإسلام ابن تيمية -، وهذا في من تيممه لعدم الماء، أما من تيممه لمرض كالجريح ونحوه فينبغي أن يكون كالمستحاضة، قال: وتعليل أصحابنا يقتضيه. انتهى
والله أعلم.