155 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
14 – باب في الإقتصاد في الطاعة
155 – وعن أَبِي ربْعِيٍّ حنْظَلةَ بنِ الرَّبيع الأُسيدِيِّ الْكَاتِب أَحدِ كُتَّابِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: لَقينَي أَبُو بَكْر رضي اللَّه عنه فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حنْظلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحانَ اللَّه مَا تقُولُ؟،: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُذكِّرُنَا بالْجنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رايَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرجنَا مِنْ عِنْدِ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عافَسنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعاتِ نَسينَا كَثِيراً قَالَ أَبُو بكْر رضي اللَّه عنه: فَواللَّهِ إِنَّا لنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فانْطلقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْر حَتَّى دخَلْنَا عَلى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فقُلْتُ نافَقَ حنْظَلةُ يَا رَسُول اللَّه، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “ومَا ذَاكَ؟ ” قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه نُكونُ عِنْدكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ والْجنَةِ كَأَنَّا رايَ العَيْنِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسنَا الأَزوَاج والأوْلاَدَ والضَّيْعاتِ نَسِينَا كَثِيراً. فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ أن لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْر لصَافَحتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً” ثَلاثَ مرَّاتٍ، رواه مسلم.
قوله:”رِبْعِيٌّ”بكسر الراء.”الأسيِّدي”بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشدَّدة, وقوله:”عَافَسْنَا”هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين, أي: عالجنا ولاعبنا.”الضَّيْعاتُ”: المعايش.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن حنظلة الكاتب، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزي في التلقيح:” تسمية من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي ابن كعب وهو أول من كتب له وزيد بن ثابت الأنصاري ومعاوية بن أبي سفيان وحنظلة بن الربيع الأسيدي وخالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهم وكان المداوم له على الكتابة له زيد ومعاوية، وكان يكتب له رجل فافتتن وتنصر.”
قال النووي:” حنظلة الأسيدي ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما: ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني: كذلك، إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني، ابن الأثير: المحدثون يشددون الياء في هذه النسبة، وأما النحاة فإنهم يسكنونها، وهو منسوب إلى بني أسيد؛ بطن من بني تميم.
إنه قال: لقيني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقلت: نافق حنظلة، يعني نفسه، ومعنى نافق: يعني صار من المنافقين، قال ذلك ظناً منه ـ رضي الله عنه ـ أن ما فعله نفاق، قال النووي:” قوله: (نافق حنظلة) معناه: أنه خاف أنه منافق، حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا، وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر، فخاف أن يكون ذلك نفاقا، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق، وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك.”
فيه أن الصحابة كان يراقبون حال أنفسهم ويوجهون اللوم لأنفسهم ولا يزكونها قال مالك:” إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب بهاؤه ”
فقال أبو بكر: وما ذاك؟ فقال رضي الله عنه: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر بالجنة والنار حتى كأنا رأى عين، يعني كأنما نرى الجنة والنار رأى عين من قوة اليقين، حيث يخبرهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد، بل قد يكون أعظم؛ لأنه خبر من اصدق الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وأعلم الخلق بالله.
فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، يعني لهونا معهم ونسينا ما كنا عليه عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي:” قوله: (عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات) هو بالفاء والسين المهملة، قال الهروي وغيره: معناه: حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي: عالجنا معايشنا وحظوظنا، والضيعات: جمع ضيعة – بالضاد المعجمة – وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة، وروى الخطابي هذا الحرف ” عانسنا ” – بالنون – قال: ومعناه: لاعبنا، ورواه ابن قتيبة بالشين المعجمة، قال: ومعناه: عانقنا، والأول هو المعروف، وهو أعم.”
قال القرطبي – رحمه الله -:” الرواية الصحيحة المعروفة: “عافسنا” بالعين المهملة، وبالفاء، والسين المهملة، ومعناه: عالجنا، وحاولنا”.
قوله (ونسينا كثيرا) قال الطيبي رحمه الله:” أي كثيرا مما ذكرتنا به أو نسيانا كثيرا كأنا ما سمعنا منك شيئا قط، وهذا أنسب بقوله رأي عين “.
فقال أبو بكر عن نفسه أنه يصيبه كذلك، قال القرطبي – رحمه الله -: وقول أبي بكر – رضي الله عنه -: “والله إنا لنلقى مثل هذا” في هذا رد على غلاة الصوفية الذين يزعمون دوام مثل تلك الحال، ولا يعرجون بسببها على أهل، ولا مال، ووجه الرد أن أبا بكر – رضي الله عنه – أفضل الناس كلهم بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى يوم القيامة، ومع ذلك، فلم يدع خروجا عن جبلة البشرية، ولا تعاطى من دوام الذكر، وعدم الفترة ما هو خاصة الملائكة،
ثم ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصلا إليه قال حنظلة: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: وما ذاك؟ وفي رواية لمسلم (فقلت: يا رسول الله، نافق حنظلة، فقال: مه؟) قال القاضي: معناه الاستفهام، أي: ما تقول، والهاء هنا هي هاء السكت، قال: ويحتمل أنها للكف والزجر والتعظيم لذلك.
فأخبره بأنهم إذا كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فحدثهم عن الجنة والنار، أخذهم من اليقين ما يجعلهم كأنهم يرونهما رأي العين، قوله رأي العين: قال القاضي:” كأنه بحال من يراها بالعين.”
ولكن إذا خرجوا عافسوا الأهل والأولاد والضيعات وتلهوا بهم نسوا كثيراً. جاءت رواية في مسلم ” كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ، وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ … ”
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم) وقال الطيبي في شرح المشكاة:” قوله: “على فرشكم، وطرقكم” يريد به الديمومة في جميع الحالات، وقال الأشرف: أي: في حالتئ فراغكم، وشغلكم، وفي زماني أيامكم ولياليكم”.
فيه الحلف بغير استحلاف.
قال ابن عثيمين: أي من شدة اليقين تصافحكم إكراماً لكم وتثبيتاً لكم؛ لأنه كلما زاد يقين العبد، فإن الله سبحانه وتعالى يثبته ويقويه، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد: 17)،
في رواية الترمذي: عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَأَظَلَّتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا ”
ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ساعة وساعة. ساعة وساعة) يعني ساعة للرب عز وجل، وساعة مع الأهل والأولاد، وساعة للنفس حتى يعطي الإنسان لنفسه راحتها، ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم. قال ابن باز:” فالمسلم يقسم وقته … فبعضها لأداء ما أوجب الله عليه و بعضها لما شرع الله من التطوعات وبعضها لحاجات البيت وحاجات الأهل وبعضها لكسب الحلال ولقاء الضيف ونحو ذلك من الحاجات، هكذا ينبغي للمؤمن أن يكون حافظا لوقته … ”
قال ابن عثيمين:” وهذا من عدل الشريعة الإسلامية وكمالها، أن الله عز وجل له حق فيعطي حقه عز وجل، وكذلك للنفس حق فتعطى حقها، وللأهل حق فيعطون حقوقهم، وللزوار والضيوف حق فيعطون حقوقهم، حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة، ويتعبد لله عز وجل براحة، لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها مل وتعب، وأضاع حقوقاً كثيرة.”
في هذا بيان ما كان عليه الصحابة – رضي الله عنهم – من شدة الخوف من النفاق، مع قوة إيمانهم، واجتهادهم في إخلاص العمل لله تعالى.
فيه دلالة على أن الإسلام دين الفطرة والتوسط والإعتدال وأنه يجمع بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة وبين مطالب الروح ومطالب الجسد.
الشاهد من الحديث: قوله ساعة وساعة.