1548 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبد الله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-‘———-‘———-
الصحيح المسند
1548 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفسا فيقتل بها.
هذا حديث صحيح.
…………………
سبق بمعناه من حديث أبي أمامة في الصحيح المسند 908
وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود وفيها حكم المرتد وليس فيها ذكر حد المحاربين (البخاري 6484 ومسلم 1676)
قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم) أي لا يحل قتله.
وقوله: (امرِئٍ مُسْلِمٍ) التعبير بذلك لايعني أن المرأة يحل دمها، ولكن التعبير بالمذكر في القرآن والسنة أكثر من التعبير بالمؤنث، لأن الرجال هم الذين تتوجه إليهم الخطابات وهم المعنيّون بأنفسهم وبالنساء.
وقوله: (مُسْلِمٍ) أي داخل في الإسلام.
وقوله: (إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ) يعني بواحدة من الثلاث.
وقوله: (رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم) وفي الصحيح: “الثَّيِّبُ الزَّانِي” والثيب الزاني يحلّ دمه، والثيب هو: الذي جامع في نكاح صحيح. أما البكر حكمه الجلد مائة والتغريب مدة عام (فإنه يرجم) أي يقتل برجم الحجارة.
قوله: (ورجل خرج) أي على المسلمين حال كونه (محاربا بالله) والمراد به قاطع الطريق أو الباغي (فإنه يقتل) أي إن قتل نفسا بلا أخذ مال.
فعلى هذا أو للتفصيل وإذا جعل أو للتخيير فلا حاجة إلى هذا القيد كما هو مذهب بن عباس رضي الله عنه وغيره (أو يصلب) أي حيا ويطعن حيا حتى يموت وبه قال مالك
وقال الشافعي ومن تبعه إنه يقتل ويصلب نكالا لغيره إن قتل وأخذ المال (أو ينفى من الأرض) أي يخرج من البلد إلى البلد لا يزال يطالب وهو هارب وعليه الشافعي وقيل ينفى من بلده ويحبس حتى تظهر توبته وهذا مختار بن جرير
قال القاراء بعد ذكر هذا والصحيح من مذهبنا أنه يحبس إن لم يزد على الإخافة وهو مأخوذ من قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله وكان الظاهر أن يقال أو تقطع يده ورجله من خلاف قبل قوله أو ينفى من الأرض ليكون الحديث على طبق الآية مستوعبا ولعل حذفه وقع من الراوي نسيانا أو اختصارا قال وأو في الآية والحديث على ما قررناه للتفصيل وقيل إنه للتخيير والإمام مخير بين هذه العقوبات الأربعة في كل قاطع. (عون المعبود)
قال الشيخ عبد المحسن العباد: وأما ما يتعلق بالحرابة فقد جاء في القرآن الكريم بيان الأحوال التي يكون عليها معاملة الحرابة وذلك في قول الله عز وجل: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، هذه أحوال من أربع تكون للمحاربة، وقد اختلف العلماء فيها فمنهم من قال: إن الإمام مخير بين هذه الأمور وغيرها، يفعل ما فيه المصلحة، ومنهم من فصل وقال: إن قتل وأخذ المال صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً فإنه يقتل، ومن أخذ مالاً ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف كما جاء ذلك في القرآن، والذي جاء في الحديث ليس فيه ذكر ما جاء في القرآن فيكون فيه اختصار، وذكره لكلمة (رجل) لا مفهوم له في الحرابة. قوله: (ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض). لا يوجد فيه ذكر القطع للأيدي والأرجل من خلاف. اهـ
وقوله: (يقتل نفسا فيقتل بها) وفي الصحيح: النفس بالنفس. المقصود بذلك: القصاص، فإذا قتل الإنسان غيره عمداً فإنه يقتص منه بأن يقتل القاتل حيث توفرت شروط القصاص، وكما أنه أزهق نفس غيره؛ فإن حكمه هو أن تزهق نفسه، ويكون ذلك قصاصاً، والله عز وجل قال في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [البقرة:178]، ثم قال بعد ذلك: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، أي: أن هذا فيه أسباب إبقاء الإنسان على نفسه وعلى نفس غيره، فإذا علم أنه إذا قتل سيقتل فإنه يكف ويمتنع من القتل.
من فوائد هذا الحديث:
1احترام دماء المسلمين، لقوله: “لايَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلمٍ” وهذا أمر مجمع عليه دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)
فقتل المسلم المعصوم الدم من أعظم الذنوب، ولهذا أول ما يقضى بين الناس في الدماء.
2أن غير المسلم يحلّ دمه ما لم يكن معَاهَداً، أومستأمِناً، أو ذميّاً، فإن كان كذلك فدمه معصوم.
والمعاهد: من كان بيننا وبينه عهد، كما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش في الحديبية.
والمستأمن: الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا بأمان لبيع تجارته أو شراء أو عمل، فهذا محترم معصوم حتى وإن كان من قوم أعداء ومحاربين لنا، لأنه أعطي أماناً خاصاً.
والذّميّ: وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذبّ عنه، وهذا هو الذي يعطي الجزية بدلاً عن حمايته وبقائه في بلادنا.
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلامه أحياناً بالتقسيم، لأن التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو أسرع حفظاً وأبطأ نسياناً ..
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلامه أحياناً بالتقسيم، لأن التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو أسرع حفظاً وأبطأ نسياناً ..
أمور أخرى يحل بها دم المسلم
جاءت نصوص في قتل أناس غير هؤلاء الثلاثة، منها ما يرجع إلى هذه الأمور الثلاثة مثل السحر، فإنه إذا كان كفراً فهو داخل تحت القسم الثالث من هذه الأقسام الثلاثة، وقد جاءت أحاديث في أناس يقتلون وهم غير هؤلاء الموجودين، مثل القتل باللواط، وكذلك إتيان البهيمة، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)، وكذلك من شهر السلاح على الناس فإنه يقتل، ويكف شره بمقاتلته ومنعه، وهناك أمور أخرى أوردها الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه، وهي عشرة، ومنها: قتل شارب الخمر في المرة الثالث، وقتل السارق في المرة الخامسة، وغيرهم.
وهذه الأمور فيها خلاف بين أهل العلم؛ ولكن ما ثبت منها فإنه يضاف إلى هذه الأمور الثلاثة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون الحصر فيها من قبيل الحصر الإضافي الذي فيه الإشارة إلى أهميتها ووضوحها وجلائها، وأن غيرها يكون مضافاً إليها، أي: ما ثبت وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يضاف إلى هذا العدد الذي جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى في ذكره لتلك الأمور العشرة التي يقتل بها المسلم: (فمنها: في اللواط، ومنها: من أتى ذات محرم، ومنها: الساحر، ومنها: قتل من وقع على بهيمة، ومنها: من ترك الصلاة، ومنها: قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، وقد رُوي قتل السارق في المرة الخامسة، ومنها ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما)، ومنها: من شهر السلاح، ومنها: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للكفار على المسلمين، ومنها: ما أخرجه أبو داود في المراسيل من رواية ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ضرب أباه فاقتلوه).
هذه عشرة أمور ذكرها الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث، وهي تضاف إلى الثلاثة الموجودة، والسحر إذا كان كفراً فإنه داخل تحت القسم الثالث: (التارك لدينه المفارق للجماعة).
قال: (واعلم أن من هذه الأحاديث المذكورة ما لا يصح، ولا يعرف به قائل معتبر، كحديث: (من ضرب أباه فاقتلوه)، وحديث قتل السارق في المرة الخامسة، وباقي النصوص كلها يمكن ردها إلى حديث ابن مسعود؛ وذلك أن حديث ابن مسعود يتضمن أنه لا يستباح دم المسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: إما أن يترك دنيه ويفارق جماعة المسلمين، وإما أن يزني وهو محصن، وإما أن يقتل نفساً بغير حق.
فيؤخذ منه: أن قتل المسلم لا يستباح إلا بأحد ثلاثة أنواع: ترك الدين، وإراقة الدم المحرم، وانتهاك الفرج المحرم، فهذه الأنواع الثلاثة هي التي تبيح دم المسلم دون غيرها، فأما انتهاك الفرج المحرم فقد ذكر في الحديث: أنه الزنا بعد الإحصان، وهذا -والله أعلم- على وجه المثال، فإن المحصن قد تمت عليه النعمة بنيل هذه الشهوة بالنكاح، فإذا أتاها بعد ذلك من فرج محرم عليه أبيح دمه، وقد ينتفي شرط الإحصان فيخلفه شرط آخر، وهو كون الفرج لا يستباح بحال: إما مطلقاً كاللواط، أو في حق الواطئ، كمن وطئ ذات محرم بعقد أو غيره، فهذا الوصف هل يكون قائماً مقام الإحصان وخلفاً عنه؟ هذا هو محل النزاع بين العلماء، والأحاديث دالة على أنه يكون خلفاً عنه، ويُكتفى به في إباحة الدم).
ومعنى كلامه: أن اللواط ووطء ذات المحرم يكون بمعنى الزنا.
قال: (وأما سفك الدم الحرام، فهل يقوم مقام إثارة الفتن المؤدية إلى سفك الدماء كتفريق جماعة المسلمين، وشق العصا، والمبايعة لإمام ثانٍ، ودل الكفار على عورات المسلمين.
هذا هو محل النزاع، وقد رُوي عن عمر ما يدل على إباحة القتل بمثل هذا؛ وكذلك شهر السلاح لطلب القتل، هل يقوم مقام القتل في إباحة الدم أم لا؟ فـ ابن الزبير وعائشة رأياه قائماً مقام القتل الحقيقي في ذلك.
وكذلك قطع الطريق بمجرده هل يبيح القتل أم لا؟ لأنه مظنة لسفك الدماء المحرمة، وقول الله عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، يدل على أنه إنما يباح قتل النفس بشيئين: أحدهما: بالنفس، والثاني: بالفساد في الأرض، ويدخل في الفساد في الأرض: الحرابة والردة والزنا؛ فإن ذلك كله فساد في الأرض، وكذلك تكرر شرب الخمر والإصرار عليه هو مظنة سفك الدماء المحرمة، وقد اجتمع الصحابة في عهد عمر على حده ثمانين، وجعل السكر مظنة الافتراء والقذف الموجبة لجلد الثمانين، ولما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن الأشربة والانتباذ في الظروف قال: (إن أحدكم ليقوم إلى ابن عمه -يعني: إذا شرب- فيضربه بالسيف)، وكان فيهم رجل قد أصابته جراحة من ذلك، فكان يخبؤها حياء من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا كله يرجع إلى إباحة الدم بالقتل، إقامة لظن القتل مقام الحقيقة؛ لكن هل نسخ ذلك أم حكمه باق؟ وهذا هو محل النزاع! وأما ترك الدين ومفارقة الجماعة فمعناه: الارتداد عن دين الإسلام ولو أتى بالشهادتين، فلو سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو مقر بالشهادتين أبيح دمه؛ لأنه قد ترك بذلك دينه، وكذلك لو استهان بالمصحف وألقاه في القاذورات، أو جحد ما يُعلم من الدين بالضرورة كالصلاة وما أشبه ذلك مما يُخرج من الدين، وهل يقوم مقام ذلك ترك شيء من أركان الإسلام؟ هذا ينبني على أنه هل يخرج من الدين بالكلية بذلك أم لا؟ فمن رآه خروجاً عن الدين كان عنده كترك الشهادتين وإنكارهما، ومن لم يره خروجاً عن الدين فاختلفوا: هل يلحق بتارك الدين في
القتل لكونه ترك أحد مباني الإسلام أم لا؟ لكونه لم يخرج عن الدين، ومن هذا الباب ما قاله كثير من العلماء في قتل الداعية إلى البدع، فإنهم نظروا إلى أن ذلك شبيه بالخروج عن الدين، وهو ذريعة ووسيلة إليه، فإن استخفى بذلك ولم يدع غيره كان حكمه حكم المنافقين إذا استخفوا، وإذا دعا إلى ذلك تغلظ جرمه بإفساد دين الأمة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقتال الخوارج وقتلهم، وقد اختلف العلماء في حكمهم: فمنهم من قال: هم كفار، فيكون قتلهم لكفرهم، ومنهم من قال: إنهم يقتلون لفسادهم في الأرض بسفك دماء المسلمين وتكفيرهم لهم، وهو قول مالك وطائفة من أصحابنا، وأجازوا الابتداء بقتالهم والإجهاز على جريحهم.
ومنهم من قال: إن دعوا إلى ما هم عليه قوتلوا، وإن أظهروه ولم يدعوا إليه لم يقاتلوا، وهو نص أحمد وإسحاق، وهو يرجع إلى قتال من دعا إلى بدعة مغلظة، ومنهم من لم ير البداءة بقتالهم حتى يبدءوا بقتال يبيح قتالهم من سفك دماء ونحوه، كما روي عن علي وهو قول الشافعي وكثير من أصحابنا.
وقد رُوي من وجوه متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل رجل كان يصلي، وقال: (لو قُتل لكان أول فتنة وآخرها).
وفي رواية: (لو قتل لم يختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال)، خرجه الإمام أحمد رحمه الله وغيره).
هذا الحديث رواه من حديث بريدة الإمام الطحاوي في مشكل الآثار، وابن عدي في الكامل ومن طريقه ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات، وفيه صالح بن حيان القرشي وهو ضعيف، ورواه ابن الجوزي من حديث عبد الله بن الزبير، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عطاء بن السائب عن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعند الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: وفيه أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف.
قال: (فيستدل بهذا على قتل المبتدع إذا كان قتله يكف شره عن المسلمين، ويحسم مادة الفتن، وقد حكى ابن عبد البر وغيره عن مذهب مالك جواز قتل الداعي إلى البدعة، فرجعت نصوص القتل كلها إلى ما في حديث ابن مسعود بهذا التقدير، ولله الحمد.
وكثير من العلماء يقول في كثير من هذه النصوص التي ذكرناها هاهنا: إنها منسوخة بحديث ابن مسعود، وفي هذا نظر من وجهين: أحدهما: أنه لا يعلم أن حديث ابن مسعود كان متأخراً عن تلك النصوص كلها، لا سيما وابن مسعود من قدماء المهاجرين، وكثير من تلك النصوص يرويها من تأخر إسلامه كـ أبي هريرة وجرير بن عبد الله ومعاوية، فإن هؤلاء كلهم رووا حديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة.
والثاني: أن الخاص لا ينسخ بالعام ولو كان العام متأخراً عنه في الصحيح الذي عليه جمهور العلماء؛ لأن دلالة الخاص على معناه بالنص، ودلالة العام عليه بالظاهر عند الأكثرين، فلا يبطل الظاهر حكم النص، وقد رُوي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل رجل كذب عليه في حياته)، وقال لحي من العرب: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم)، وهذا روي من وجوه متعددة كلها ضعيفة، وفي بعضها: أن هذا الرجل كان قد خطب امرأة منهم في الجاهلية فأبوا أن يزوجوه، وأنه لما قال لهم هذه المقالة صدقوه ونزل على تلك المرأة، وحينئذ فإن هذا الرجل قد زنى ونسب إباحة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كفر وردة عن الدين.
وفي صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً بقتل القبطي الذي كان يدخل على أم ولده. (شرح الاربعين للعباد)
وسئل الشيخ العباد هذه الاسئلة:
حكم قتل الزاني المحصن رمياً بالرصاص
السؤال
ما رأيكم في الذي يستبدل الرجم بإطلاق النار على المحصن؟
الجواب
هذا لا يجوز، بل الواجب هو الرجم، والرجم جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في كتاب الله عز وجل في الآية التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وهو أيضاً موجود في التوراة، كما جاء في قصة اليهودي واليهودية اللذين زنيا، وفيها أن حبراً من أحبارهم كان يغطي آية الرجم بيده من التوراة لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أن يأتوا بها، فهذا الحكم موجود في التوراة وموجود في القرآن، ولكن نسخت التلاوة وبقي الحكم.
وجاءت الأحاديث الكثيرة في الرجم، ومنها هذا الحديث: (الثيب الزاني)، فقد جاء الرجم من قوله عليه الصلاة والسلام وفعله، فهذا قوله، وكذلك قوله: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الجلد والرجم)، وفعله لما أمر برجم الغامدية وماعز رضي الله تعالى عنهما.
حكم من قتل نفساً وهو في بلد لا يقام فيه القصاص
السؤال
مسلم يريد أن يطهر نفسه؛ ولكنه يعيش في بلاد لا يطبق فيها القصاص، فهل يسافر إلى بلاد يطبق فيها القصاص، ويطلب منهم إقامة الحد؟
الجواب
لا، بل يتوب إلى الله عز وجل، ويحسن في المستقبل، والله تعالى يتوب على من تاب، فعليه أن يستتر بستر الله، ويصلح ما أفسد، ويعمل صالحاً في المستقبل، ويحذر من المحرمات، ويصبر على طاعة الله، ويصبر عن معاصي الله، وبذلك يحصل الخير والفلاح والسعادة.
حكم من تزوج ولم يدخل بزوجته ثم زنى
السؤال
من تزوج ولم يدخل بزوجته فهل يعد محصناً؟
الجواب
لا، إذا لم يحصل إلا مجرد العقد ولم يحصل دخول فإنه لا يعتبر محصناً.