1541 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري وعبدالله الشكري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—–‘—–
الصحيح المسند
1541 عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (من حمل من أمتي دينا ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه)
——–‘——-‘—–
الدائن محسن تفضل على المدين بأن أقرضه مالا يقضي به حوائجه، وقد أنزل الله تعالى آية عظيمة تتكلم عن الدين وبعض أحكامه، فشأنه كبير لما يترتب عليه من نفع وتكافل في المجتمع الإسلامي، ويجعل المسلم في غنى عن سؤال الناس أو السرقة والاحتيال أو القروض الربوية.
وقد يعجز المدين عن الوفاء بالحق الذي عليه وقد يموت قبل رد الدين لأصحابه، فمن كان حريصا على إرجاع الأمانة فسينال بإذن الله البشارة التي وعده إياه سيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم-.
وجحد الدين والمماطلة يؤدي إلى آثار سيئة على المدين والدائن والمجتمع من خصومات وهجر وكراهية، وهو من أشكال إضاعة الأمانة والظلم، وقد يسلك الدائن سبلا غير مستقيمة لاسترداد ماله من مقابلة الإساءة بإساءة أكبر وانتقام، والعدول عن الإحسان للمحتاجين، وغير ذلك.
ذم الربا وذم الإحتيال لأكله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب إبطال التحليل ص 108 ” .. فيا سبحان الله العظيم، أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن أهل الكتاب بأخذه ولعن آكله وموكله وشاهده وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد مالم يجيء في غيره إلى أن يستحل جمعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها .. أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبيا من الأنبياء فضلا عن سيد المرسلين، بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بنوع من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود للمتعاقدين قط “.
وقال في ص 137: ” .. وكلما كان المرء أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره من الحيل أشد، قال وأظن كثيرا من الحيل إنما استحلها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بد من التزام ظاهر الحكم، فأقام رسم الدين دون حقيقة، ولو هدي إلى رشده لسلم لله ورسوله وأطاع الله ظاهرا وباطنا في كل أمره.
*وفي صحيح البخاري،*
باب – أداء الدين وقول الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا
وفي الصحيح أيضا، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا، فليأتني فأنا مولاه.
وفيه كذلك، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا، فليأتني فأنا مولاه.
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:*
قوله: (أدى الله عنه) في رواية الكشميهني (أداها الله عنه) ولابن ماجة وبن حبان والحاكم من حديث ميمونة: (ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه في الدنيا ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين كما دل عليه حديث الباب وإن خالف في ذلك بن عبد السلام والله أعلم.
قوله: (أتلفه الله) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين. وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة. قال بن بطال: فيه الحض على ترك استشكال أموال الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل.
وقال الداودي: فيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وإن فعل رد له؛ وفي أخذ هذا من هذا بعد كثير وفيه الترغيب في تحسين النية والترهيب من ضد ذلك وأن مدار الأعمال عليها وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء وقد أخذ بذلك عبد الله بن جعفر فيما رواه بن ماجه والحاكم من رواية محمد بن علي عنه أنه كان يستدين فسئل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه) إسناده حسن لكن اختلف فيه على محمد بن علي فرواه الحاكم أيضا من طريق القاسم بن الفضل عنه عن عائشة بلفظ (ما من عبد كانت له نية في وفاء دينه إلا كان له من الله عون قالت فأنا ألتمس ذلك العون) وساق له شاهدا من وجه آخر عن القاسم عن عائشة وفيه أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء ثم تبين الأمر بخلافه أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره صلى الله عليه وسلم على الدعاء عليه ولم يلزمه برد البيع قاله بن المنير
قال الفوزان:
في الحديث (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ حَتَّى يُقْضَى)، وإذا مات وعليه ديون فهي باقية في ذمته، وهو مرتهنً بها، فعلى من علم بحاله أن يبري ذمتهُ ويحسن إليه من أقاربه أو من أخوانهِ من المسلمين ولا يتركهُ مرهونً بدينهِ.
قال زيد المدخلي في الافنان الندية:
من مات مدينا ولم يخلف وفاء يسدد ديونه فإنه يجب أن يقضى عنه من بيت مال المسلمين إذا كان منتظما للحديث …. والحكم باق ما دام يوجد بيت مال المسلمين منتظما.
قال الالباني في احكام الجنائز:
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ” من مات وعليه دين، فليس ثم دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات “.
أخرجه الحاكم (2/ 27) والسياق له وابن ماجه وأحمد (2/ 70 – 82) من طريقين
عن ابن عمر، والاول صحيح كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، والثاني حسن كما قال المنذري (3/ 34)، ورواه الطبراني في الكبير بلفظ: ” الدين دينان، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه، فذاك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يومئذ دينار ولا درهم (وهو حديث صحيح بما قبله، وبحديث عائشة “.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ” لما حضر أحد، دعاني أبي من الليل، فقال: ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز على منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن على دينا فاقض، واستوص باخوتك خيرا.
فأصبحنا، فكان أول قتيل .. ” الحديث.
أخرجه البخاري.
– ولا بد من الاستعجال بمثل هذه الوصية لقوله صلى الله عليه وسلم: ” ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، وله شئ يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه “.
قال ابن عمر: ” ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي “.
رواه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم.
– الميت مرهون بدينه حتى لو مات شهيداً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) رواه مسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: (هل ترك لدينه فضلاً) فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين: (صلوا على صاحبكم) رواه البخاري في صحيحه،
– الآن حين بردت عليه جلدته:
حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيح، فإنه لما جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (هل ترك ديناً؟) قالوا: دينارين.
فقال: (هل ترك وفاء؟).
قالوا: لا.
قال: (صلوا على صاحبكم).
فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله! فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو قتادة: فلم يزل يلقني ويقول: (هل أديت عنه؟)، فأقول: لا بعد.
حتى لقيني يوماً، فقال: (هل أديت عنه؟).
قلت: نعم.
قال: (الآن بردت جلدته)
قلت سيف: لفظ (الآن بردت جلدته) لا تصح.
– حديث سعد بن الأطول رضى الله عنه: ((أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أُنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أخاك محبوسٌ بدينه [فاذهب] فاقضِ عنه)) [فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت]، قال: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادَّعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: ((أعطِها فإنها مُحقة))، (وفي رواية: صادقة).
صحيح الجامع وأحكام الجنائز
– قصة دين الزبير:
وفي صحيح البخاري:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ اليَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ – يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ – يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ، – قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ، قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ، خُبَيْبٌ، وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ، وَتِسْعُ بَنَاتٍ -، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ، فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِلَّا أَرَضِينَ، مِنْهَا الغَابَةُ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ، أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَاتِيهِ بِالْمَالِ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لاَ وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ
الضَّيْعَةَ، وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ، وَلاَ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ، قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ فَكَتَمَهُ؟ فَقَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَامَ: فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ، فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ، قَالَ: قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا، قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ،
وَابْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، قَالَ المُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَاتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ، فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَمِائَتَا أَلْفٍ
======
وهذا بحث لبعض الباحثين:
أقسام المداينة
القسم الأول: أن يحتاج إلى شراء سلعة وليس عنده ثمن حاضر ينقده، فيشتريها إلى أجل معلوم بثمن زائد على ثمنها الحاضر فهذا جائز.
مثل أن يشتري بيتا ليسكنه أو يؤجره بعشرة آلاف إلى سنة، وتكون قيمته لو بيع نقدا تسعة آلاف.
القسم الثاني: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار بها.
مثل أن يشتري قمحا بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق أو نحو ذلك فهذا جائز أيضا لدخوله في الآية السابقة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) عن هذين القسمين انهما جائزان بالكتاب والسنة والإجماع (ذكره ابن قاسم في مجموع الفتاوى ص 499 ج 29).
القسم الثالث: أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته.
مثل أن يقول لشخص أعطني خمسين ريالا بخمسة وعشرين صاعا من البر أسلمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضا، وهو السلم الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وسلم: من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
القسم الرابع: أن يكون محتاجا لدراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن أقل منه نقدا، فهذه هي مسألة العينة، وهي حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل، أنزل الله بهم بلاء لا يرفعه حتى يرجعوا لدينهم). (رواه أحمد و أبو داود)
ولأن هذه حيلة ظاهرة على الربا فإنه في الحقيقة بيع دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة أكثر منها دخلت بينهما سلعة، وقد نص الإمام أحمد وغيره على تحريمها.
القسم الخامس: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد.
بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في تهذيب السنن ص108 ج 5 ولكن نظرا لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط:
(1) أن يكون محتاجا إلى الدراهم، فإن لم يكن محتاجا فلا يجوز.
كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره.
(2) أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة له إليها.
(3) أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول: بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصح، هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة.
(4) أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم.
فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس. وليكن معلوما أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال لأن هذه هي مسألة العينة السابقة في القسم الرابع.
القسم السادس: طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالا بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها ثم يبيعه على المستدين ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم عليه شيئا من المال يسمونه السعي، وهذا حرام بلا ريب، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع على تحريمه ولم يحك فيه خلافا مع أنه حكى الخلاف في مسألة التورق.
والمواضع التي ذكر فيها شيخ الإسلام تحريم هذه المسألة هي: (1) يقول في ص 74 من المجلد 28: (و .. والثلاثية مثل أن يدخلا بينهما محللا للربا يشتري السلعة منه آكل الربا، ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل.
هذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي، أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدين على المعسر. ومن هذه المعاملات ما تنازع فيها بعض العلماء لكن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و صحابته الكرام أنها حرام.
(2) وفي ص 437 مجلد 29 قال: ( … وقول القائل لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام … إلى أن قال: وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التى يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية).
(3) وفي ص 439 من المجلد 29 المذكور قال: (أما إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجل، والمعطي بقصد إعطاء ذلك فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحايلا على ذلك بأي طريق كان. فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”). وذكر نحو هذا في ص 430 وص عهم433 وص 441 من المجلد المذكور وذكر نحوه في كتاب: إبطال التحليل في ص 109.
وبعد فإن تحريم هذه المداينة التي ذكرنا صورتها في أول هذا القسم لا يمترى فيه شخص تجرد عن الهوى وعن الشح وذلك من وجوه:
أولا: أن مقصود كل من الدائن والمدين دراهم بدراهم، ولذلك يقدران المبلغ بالدراهم، والكسب بالدراهم، قبل أن يعرفا السلعة التي يكون التحليل بها، و السلعة غير مقصودة للطرفين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
ثانيا: مما يدل على تحريم هذه المداينة أنه إذا كان مقصود الدائن والمدين هي الدراهم، فإن ذلك حيلة على الربا
ثالثا: إن هذه المعاملة يربح فيها الدائن على المستدين قبل أن يشتري السلعة، بل يربح عليه في سلعة لم يعرفا نوعها وجنسها فيربح في شيء لم يدخل في ضمانه.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، وقال: (الخراج بالضمان) وقال: (لا تبع ما ليس عندك).
رابعا: أن هذه المعاملة تتضمن بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها إلى محل المشتري ونقلها عن محل البائع.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تشترى حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
القسم السابع: من طريقة المداينة أن يكون في ذمة شخص لآخر دراهم مؤجلة، فيحل أجلها وليس عنده ما يوفيه فيقول له صاحب الدين: أدينك فتوفيني فيدينه فيوفيه، وهذا من الربا بل هو مما قال الله فيه: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة، واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التى أعدت للكافرين، وأطيعوا ا الله والرسول لعلكم ترحمون)
القسم الثامن: من المداينة أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حل قال له: أما أن توفي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاق مسبق في أن كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفيه ثم يعيد الدين عليه مرة أخرى ليوفي الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين ثم أوفى المقرض ما اقترض منه. وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية وهي حرام لما تقدم من تحريم الحيل وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك.