154 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-
مسند أحمد
17781 حدثنا عفان حدثنا الأسود بن شيبان قال: حدثنا ابونوفل بن أبي عقرب قال:
جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا فقال ابنه عبد الله: ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك؟ قال: ” أي بني قد كان ذلك وسأخبرك، عن ذلك اني والله ما أدري أحبا كان أم تألفا يتالفني ولكن أشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد “، فلما حدثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه وقال: ” اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك “، فكانت تلك هجيراه حتى مات.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند.
—————-
الجزع في اللغة:
جزع: قال الله تعالى: (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا)؛ الجزوع: ضد الصبور على الشر، والجزع نقيض الصبر. جزع، بالكسر، يجزع جزعا، فهو جازع وجزع وجزع وجزوع، وقيل: إذا كثر منه الجزع، فهو جزوع وجزاع؛ عن ابن الأعرابي؛ وأنشد:
ولست بميسم في الناس يلحى، … على ما فاته، وخم جزاع. ” لسان الميزان ” ج (8) / (47)
و نهانا الشارع عّن الجزع الذي هو قلة الصبر و اظهاز التضجر عند المصيبة، و يدل في ذلك القول السيء
وقال محمد بن كعب القرظي: الجزع القول السيئ والظن السيئ. وقال يعقوب: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: (86)] ” التوضيح لشرح الجامع الصحيح ”
بيان معنى جزوعا في قوله تعالى [إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا]
قال ابن كثير في التفسير [ج (8) / (240)]
يقول تعالى مخبرا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة إن الإنسان خلق هلوعا ثم فسره بقوله: إذا مسه الشر جزوعا أي إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير وإذا مسه الخير منوعا أي إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله تعالى فيها.
قال السعدي في التفسير: وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.
وفسر الهلوع بأنه: {إذا مسه الشر جزوعا} فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
{وإذا مسه الخير منوعا} فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء.
{إلا المصلين} الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا.
قال العلامة الشنقيطي في اضواء البيان:
الهلوع: فعول من الهلع صيغة مبالغة، والهلع، قال في الكشاف: شدة سرعة الجزع عند مس المكروه، وسرعة المنع عند مس الخير، وقد فسره الله في الآية إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا [(70) \ (20) – (21)].
ولفظ: (الإنسان) هنا مفرد، ولكن أريد به الجنس، أي: جنس الإنسان في الجملة ; بدليل استثناء المصلين بعده في قوله تعالى: (إلا المصلين [(70) \ (22)]، ومثله قوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات [(103) \ (1) – (3)] ونظيره كثير.
وقد قال ابن جرير: إن هذا الوصف بالهلع في الكفار، ويدل لما قاله أمران:
الأول: تفسيره في الآية واستثناء المصلين وما بعده منه ; لأن تلك الصفات كلها من خصائص المؤمنين، ولذا عقب عليهم بقوله: أولئك في جنات مكرمون [(70) \ (35)]، ومفهومه أن المستثنى منه على خلاف ذلك.
والثاني: الحديث الصحيح: «عجبا لأمر المؤمن! شأنه كله خير: إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن»، فمفهومه أن غير المؤمنين بخلاف ذلك، وهو الذي ينطبق عليه الوصف المذكور في الآية: أنه هلوع. انتهى
الشرح
الصحابي الجليل عمرو بن عاص لا يريد الجزع الذي ليس معه صبر و إنما اراد تقوية نفسه و حسن الظن بالله، و الله اعلم
و يؤكد هذا المعنى هو قول ابن عباس لعمر عندما طعن ..
– لمّا طعن عمر جعل يألم. فقال له ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- وكأنّه يجزّعه-: يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون. قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورضاه فإنّما ذاك منّ من اللّه تعالى منّ به عليّ. وأمّا ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنّما ذاك منّ من اللّه جلّ ذكره- منّ به عليّ، وأمّا ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك. واللّه لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب اللّه- عزّ وجلّ- قبل أن أراه» [رواه البخاري- الفتح 7 (3692)].
قوله: (يجزعه) أي ينسبه إلى الجزع، وإنما قصد بذلك تقوية نفسه، وأن يحسن بالله عز وجل ظنه. الإفصاح لابن هبيرة
وفي حديث عمر رضي الله عنه «لما طعن جعل ابن عباس يجزعه» أي يقول له ما يسليه ويزيل جزعه، وهو الحزن والخوف.
” النهاية في غريب الحديث ”
ذكر الذهبي في السير: [ص: 76] وعن ثابت البناني، قال: كان عمرو على مصر، فثقل، فقال لصاحب شرطته: أدخل وجوه أصحابك، فلما دخلوا، نظر إليهم وقال: ها قد بلغت هذه الحال، ردوها عني، فقالوا: مثلك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له. قال: قد عرفت، ولكن أحببت أن تتعظوا، لا إله إلا الله، فلم يزل يقولها حتى مات.
قلت: فقد يريد تنبيه غيره و تخويفهم و ان يحسنوا الظن بالله تعالى، فاذا كان هذا حالهم خائفون و هم اصحاب زهد وورع و عبادة و خشية ومع ذلك يتهمون أنفسهم بالتقصير، فمن باب أولى أن نبكي على حالنا أشد البكاء و ان نكثر من الاعمال الصالحة و أن نحسن الظن بالله تعالى، و العبد لابد ان يكون حاله بين الخوف و الرجاء ففد يدفعان العبد الى العمل الصالح ..
جاء في سير إعلام النبلاء
حدثنا عوف عن الحسن قال: بلغني أن عمرو بن العاص دعا حرسه عند الموت، فقال: امنعوني من الموت. قالوا: ما كنا نحسبك تكلم بهذا. قال: قد قلتها، وإني لأعلم ذلك ; ولأن أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت أحب إلي من كذا وكذا، فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءا أجله. ثم قال: اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإن لا تدركني منك رحمة، أكن من الهالكين.