1535 (تصويب ١) التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–‘——–‘———
الصحيح المسند
1535- قال الإمام أبو داود رحمه الله : حدثنا عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان
أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل في الثوب الذي يجامعها فيه فقالت نعم إذا لم ير فيه أذى.
هذا حديث صحيح ورجاله ثقات.
الحديث أخرجه النسائي ( ج 1ص155) ، وابن ماجه (ج1 ص179) ، واحمد (ج6ص235) عبد بن حميد في المنتخب ( ج3ص254)
……………………………..
صححه الالباني في صحيح ابي داود 366
بوب أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه]. قال الشيخ عبد المحسن العباد : أي صلاة الرجل في الثوب الذي يجامع أهله فيه هل يسوغ ذلك أو لا يسوغ؟ ومقتضى هذه الترجمة أنه إن كان هناك أذى في ذلك الثوب الذي يجامع المرء أهله فيه من نجاسة فإنه يجب غسل النجاسة، وإن كان فيه مني فإن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب المنظر غير الحسن، وليس ذلك الغسل للنجاسة، وإنما لذهاب المنظر الذي يستساغ كالبصاق، فإن البصاق طاهر ولكن وجوده على الثوب غير حسن، فإنه يزال حتى لا يبقى له أثر. والحاصل أن الثوب الذي يجامع الرجل أهله فيه إن كان فيه نجاسة فإنه يجب إزالتها، وإن كان الذي فيه منياً فإن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول ذلك الذي يرى، ورؤيته غير مستساغة، هذا هو الذي يدخل تحت الترجمة.اهـ
قال الاثيوبي في شرح النسائي :
فوائد الحديث :
منها: جواز الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه الرجل زوجته إذا لم ير فيه أذى.
ومنها: نجاسة المني عند القائل به.
ومنها: أنه يُطلَب من المصلي تجنب الأذى في صلاته.
ومنها: أنه يطلب العمل بالأصل حتى يُتَيَقَّنَ خلافُه، ولا عبرة بالظن الطارئ .
المسألة الخامسة: في مذاهب أهل العلم في حكم المني:
ذكر الإمام النووي رحمه الله في المجموع ما حاصله: أن المني طاهر عند الشافعية، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وحكاه
العبدري وغيره عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.
وقال الثوري، والأوزاعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحابه: إنه نجس, لكن عند أبي حنيفة يُجزئ فركه يابسا، وأوجب الأوزاعي، ومالك غسله يابسا ورطبا.
واحتُجَّ لمن قال بنجاسته بحديث عائشة رضي الله عنها: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يغسل المني ” رواه مسلم، وفي رواية: “كنت أغسله من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” رواه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: “أنها قالت لرجل أصاب ثوبه مني فغسله كله: إنما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فركا فيصلي فيه”.
وذكر أحاديث كثيرة ضعيفة منها: حديث عائشة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بحت المني، قالوا: وقياسا على البول والحيض، ولأنه يخرج من مخرج البول، ولأن المذي جزء من المني لأن الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة.
واحتج من قال بطهارته بحديث فركه، ولو كان نجسا لم يكف فركه كالدم والمذي وغيرهما.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: ولو كان نجسا الخ، فيه نظر, لأن النجاسة لا يجب دائما غسلها، بل أحيانا يخفف في إزالتها كما في حديث مسح النعل، فالأولى في منع الاستدلال بحديث الفرك أنه مجرد
فعل فلا يقتضي الوجوب، كما يأتي تحقيقه في كلام العلامة ابن حزم إن شاء الله.
قال النووي رحمه الله: وأجيب عن قولهم بالقياس على البول والدم بأن المني أصل الآدمي المكرم فهو بالطين أشبه بخلافهما، وعن قولهم: يخرج من مخرج البول بالمنع، بل سيرهما مختلف، ولو ثبت أنه يخرج من مخرج البول لم يلزم منه النجاسة, لأن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما يؤثر ملاقاتها في الظاهر، قال الله تعالى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} النحل الآية -65 – فلم يكن خروج اللبن من بين الفرث والدم منجسا له.
وعن قولهم: الذي جزء من المني بالمنع أيضا، بل مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج, لأن النفس والذكر يفتران بخروج المني، وأما المذي فعكسه.
وقال العلامة المجتهد أبو محمَّد ابن حزم رحمه الله في كتابه “المحلى”:
والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد، أو في الثوب، ولا تجب إزالته، والبصاق مثله، ولا فرق.
ثم أخرج بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: “أنها أرسلت إلى ضيف لها تدعوه، فقالوا: هو يغسل جنابة في ثوبه، قالت: ولم يغسله؟ لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” فأنكرت رضي الله عنها غسل المني.
وأخرج أيضا بسنده عن طريق مسلم حديث عبد الله بن شهاب الخولاني قال: “كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثَوبَيَّ، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إليَّ عائشة: “ما حَمَلَك على ما صنعت بثوبيك؟ قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئا؟ قلت: لا، قالت: فلو رأيت شيئا غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يابسا بظفري”، وفي هذه الرواية ردّ على من قال: إنها تفركه بالماء، كما قال ابن حزم.
وأخرج بسنده أيضا إلى عائشة أنها قالت: “كنت أفرك المني من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيصلي فيه”.
قال: وصح عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفرك المني من ثوبه، وصح عن ابن عباس في المني يصيب الثوب: هو بمنزلة النخام والبزاق امسحه بإذخرة، أو بخرقة ولا تغسله إن شت إلا أن تقذره، أو تكره أن يُرى في ثوبك.
قال أبو محمَّد بعد ذكر ما احتج به القائلون بنجاسته نحو ما تقدم عن النووي ما نصه:
وهذا لا حجة لهم فيه، وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فليس بعضهم أولى من بعض، بل الرد حينئذ واجب إلى القرآن والسنة.
وأما حديث سليمان بن يسار عن عائشة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يغسل المني، وكنت أغسله من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فليس فيه أمر من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بغسله ولا بإزالته، ولا بأنه نجس, وإنما فيه أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يغسله، وأن عائشة كانت تغسله، وأفعاله – صلى الله عليه وسلم – ليست على الوجوب.
ثم ذكر بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى نخامة في القبلة، فحكها بيده، ورئي كراهيته لذلك.
قال أبو محمَّد: فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجسا.
وأما حديث سفيان- يعني حديث أبي حذيفة، عن سفيان الثوري، مرة قال: عن الأعمش، ومرة قال: عن منصور، ثم استمر عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عائشة في المني: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بحته” فإنما انفرد به أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي بصري ضعيف مُصَحِّف كثير الخطأ، روى عن سفيان البواطل. قال أحمد بن حنبل فيه: هو شبه لا شيء، كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس سفيان الذي يحدث عنه الناس.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث الذي ضعفه ابن حزم هو ضعيف كما قال، وإن حاول العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المُحَلَّى في تصحيحه, وصرح قبله الحافظ به في التلخيص.
ففي تصحيحه نظر لا يخفى، فإن هذا الحديث أخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ: “لقد رأيتني أحكه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يابسا بظفر” فجعله من فعل عائشة، وليس من أمره – صلى الله عليه وسلم -، وإنما ذكر الأمر أبو حذيفة فقط مخالفًا لرواية الحفاظ، وهو كما قال في التقريب: صدوق سيء الحفظ وكان يُصَحِّف، فمن سوء حفظه أنه صحف هذا الحديث مخالفا للحفاظ، فمن أين التصحيح؟ فتبصر.
ومما يدل على طهارته ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفركه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهو في الصلاة، فقد أخرج ابن خزيمة والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي من حديث محارب بن دثار، عن عائشة، قالت: “ربما حتته من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي” لفظ الدارقطني، ولفظ ابن خزيمة: “أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهو يصلي” ولابن حبان أيضا من حديث الأسود بن يزيد عن عائشة، قالت: “لقد رأيتني أفرك المني من ثوب رسول الله وهو يصلي” فلو كان نجسا لما صلى فيه .
ومما يؤيد طهارته أيضا ما أخرجه الدارقطني، والبيهقي، من طريق إسحاق الأزرق عن شريك، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن المني يصيب الثوب، قال: “إنما هو بمنزلة المخاط، والبصاق” وقال: “إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة” ورواه الطحاوي من حديث حبيب ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا، ورواه هو والبيهقي من طريق عطاء، عن ابن عباس موقوفا، قال البيهقي: الموقوف هو الصحيح (2).
وقال أبو بكر بن المنذر رحمه الله تعالى: المني طاهر، ولا أعلم دلالة من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع يوجب غسله
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجح لديّ قول من قال بطهارة المني لقوة دليله، وقد أطال الشوكاني الكلام في هذا البحث، ورجح القول بنجاسته ، لكنه ما أتى بحجة مُقنعة. فتأمل بإنصاف، ولا تتحير بالتقليد الأعمى والاعتساف. وبالله التوفيق، وعليه التكلان. ( ذخيرة العقبى )