1533 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وعبدالله الشكري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند
1533 عن حفصة بنت عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : على كل محتلم رواح الجمعة وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل .
——‘——–‘——–‘
قال الأثيوبي -حفظه الله- في ذخيرة العقبى:
في اختلاف أهل العلم في حكم الغسل يوم الجمعة:
قال الإِمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم في وجوب الغسل يوم الجمعة، فقالت طائفة: غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم محتلم، كذلك قال أبو هريرة، وروينا عن عمر أنه قال في شيء: لأنا أعجز إذًا ممن لا يغتسل يوم الجمعة، وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: ثلاث حق على كل مسلم في يوم الجمعة: الغسل، والسواك، ويمس طيبًا، إن وجده. وتقاول عمار بن ياسر رجلًا، فقال: أنا إذًا أشرّ من الذي لا يغتسل يوم الجمعة، وروينا عن ابن عباس أنه قال: ما شعرت أن أحدًا يرى أن له طهورًا يوم الجمعة غير الغسل، حتى قدمت هذا البلد -يعني البصرة-.
وكان الحسن يرى الغسل يوم الجمعة واجبًا، ويأمر به، وكان مالك يقول: من اغتسل يوم الجمعة في أول نهاره، وهو لا يريد به غسل الجمعة، فإن الغسل لا يجزي عنه حتى يغتسل لرواحه.
وقالت طائفة: الغسل سنة، وليس فرضًا، قال عبد الله بن مسعود: غسل يوم الجمعة سنة، وكان ابن عباس يأمر بالغسل، قال عطاء: من غير أن يأثم من تركه، وهو الراوي للحديث عن ابن عباس، وروينا عن ابن عباس، أنه قال: ليس الغسل بمحتوم.
وممن كان لا يرى الغسل فرضًا لازمًا الأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل والنعمان، وأصحابه.
ثم مال ابن المنذر رحمه الله إلى ترجيح القول بالندبية، راجع كلامه في “الأوسط” .
وقال في “الفتح”: واستُدلّ بقوله: “واجبٌ” على فرضية غسل الجمعة، وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة، وعمار بن ياسر، وغيرهما، وهو قول أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، وحكاه ابن حزم عن عمر، وجمع من الصحابة، ومن بعدهم، ثم ساق الرواية عنهم، لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرًا، وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة، كقول سعد: ما كنت أظنّ مسلمًا يدع غسل يوم الجمعة، وحكاه ابن المنذر، والخطابي عن مالك، وقال القاضي عياض وغيره: ليس ذلك بمعروف في مذهبه.
قال ابن دقيق العيد: قد نص مالك على وجوبه، فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره، وأبى ذلك أصحابه انتهى.
والرواية عن مالك بذلك في “التمهيد”، وفيه أيضًا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه؟ فقال: حسن وليس بواجب.
وحكاه بعض المتأخرين عن ابن خُزيمة من أصحابنا، وهو غلط عليه، فقد صرّح في “صحيحه” بأنه على الاختيار، واحتجّ لكونه مندوبًا بعدة أحاديث في عدة تراجم.
وحكاه شارح “الغنية” لابن سُريج قولًا للشافعي، واستُغرب. وقد قال الشافعي في “الرسالة” بعد أن أورد حديثي ابن عمر، وأبي سعيد: احتمل قوله: “واجب” معنيين، الظاهر منهما أنه واجب، فلا تُجزىء الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل، واحتمل أنه واجب في الاختيار، وكرم الأخلاق والنظافة، ثم استدلّ للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر، قال: فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دلّ ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار انتهى.
وعلى هذا الجواب عوّل أكثر المصنفين في هذه المسألة، كابن خُزيمة، والطبري، والطحاويّ، وابن حبان، وابن عبد البرّ، وهَلُمَّ جَرّا.
وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك، فكان إجماعًا منهم على أن الغسل ليس شرطًا في صحة الصلاة، وهو استدلال قويّ.
وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة، لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه، ولم يقولوا: إنه شرط، بل هو واجب مستقلّ، تصحّ الصلاة بدونه، كأن أصله قصد التنظيف، وإزالة الرائحة الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس، وهو موافق لقول من قال: يَحرُم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة، ويَردّ عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان.
والجواب : أنه كان معذورًا؛ لأنه إنما تركه ذاهلًا عن الوقت، مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار، لما ثبت في “صحيح مسلم” عن حُمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يُفيض عليه الماء، وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخّر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة، كما هو الأفضل.
وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره، فيجب على الثاني دون الأول، نظرًا إلى العلة، حكاه صاحب “الهدي”.
وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدلّ على وجوب الغسل، لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة، واشتغاله لمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس، فلو كان ترك الغسل مباحًا لما فعل عمر ذلك، وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت، إذ لو فعل لفاتته الجمعة، أو لكونه كان اغتسل كما تقدّم.
قال ابن دقيق العيد: ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة، وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر، وقد أولوا صيغة الأمر على الندب، وصيغة الوجوب على التأكيد، كما يُقال: إكرامك عليّ واجب، وهو تأويل ضعيف، إنما يُصار إليه إذا كان المعارض راجحًا على هذا الظاهر.
وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديثُ: “من توضأ يوم الجمعة، فبها، ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل”، ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث، قال: وربما تأولوه تأويلًا مستكرهًا، كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط انتهى.
فأما الحديث، فعَوَّل على المعارضة به كثير من المصنفين، ووجه الدلالة منه قوله: “فالغسل أفضل”، فإنه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء، ولهذ الحديث طرق، أشهرها، وأقواها رواية الحسن، عن سمرة، أخرجها أصحاب السنن الثلاثة، وابن خُزيمة، وابن حبان، وله علتان:
إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى أنه اختُلف عليه فيه.
وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة، والبزار من حديث أبي سعيد، وابن عديّ من حديث جابر، وكلها ضعيفة.
وعارضوا أيضًا بأحاديث:
منها: الحديث: “وأن يستنّ، وأن يمسّ طيبًا”. قال القرطبي: ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف، فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك، قال: وليسا بواجبين اتفاقًا، فدلّ على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصحّ تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد انتهى.
وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي، وتعقبه ابن الجوزيّ بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لاسيما، ولم يقع التصريح بحكم المعطوف.
وقال ابن المنيّر في الحاشية: إن سُلّم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه؛ لأن للقائل أن يقول: أُخرج بدليل، فَيَبْقَي ما عداه على الأصل، وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان بن عُيينة في “جامعه” عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة، وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر.
ومنها حديث أبي هريرة مرفوعًا: “من توضأ، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت غفر له”. أخرجه مسلم.
قال القرطبي: ذَكَرَ الوضوء وما معه مرتبًّا عليه الثواب المقتضي للصحّة، قدم على أن الوضوء كاف.
وأجيب: بأنه ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد وجه آخر في “الصحيحين” بلفظ: “من اغتسل”، فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدّم غسله على الذهاب، فاحتاج الى إعادة الوضوء.
قال الجامع: وفيه نظر، بل ما قاله القرطبي هو الظاهر. والله تعالى أعلم.
ومنها: حديث ابن عباس -رضي الله عنه- أنه سئل عن غسل يوم الجمعة، أواجب هو؟ فقال: لا، ولكنه أطهر لمن اغتسل، ومن لم يغتسل، فليس بواجب عليه، وسأخبركم عن بدء الغسل، كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون، وكان مسجدهم ضيقًا، فلما آذى بعضهم بعضًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا”، قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكُفُوا العمل، ووُسّع المسجد. أخرجه أبو داود، والطحاوي، وإسناده حسن.
لكن الثابت عن ابن عباس خلافه، وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، وأما نفي الوجوب، فهو موقوف؛ لأنه من استنباط ابن عباس.
وفيه نظر، إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب، كما في الرمل والجمار، وعلى تقدير تسليمه، فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به.
ومنها: حديث طاوس، قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، إلا أن تكونوا جنبًا … ” الحديث. قال ابن حبان بعده أن أخرجه: فيه أن غسل الجمعة يُجزىء عنه غسل الجنابة، وأن غسل الجمعة ليس بفرض، إذ لو كان فرضًا لم يُجز عنه غيره انتهى.
وهذه الزيادة “إلا أن تكونوا جنبا” تفرّد بها ابن إسحاق عن الزهري، وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ: “وإن لم تكونوا جنبًا”، وهذا هو المحفوظ عن الزهريّ.
ومنها: حديث عائشة -رضي الله عنها-، بلفظ: “لو اغتسلتم”، ففيه عرض وتنبيه، لا حتم ووجوب. وأجيب بأنه ليس فيه نفي الوجوب، وبأنه سابق على الأمر به، والإعلام بوجوبه.
ونقل الزين ابن المنيّر بعد قول الطحاويّ لمّا ذكر حديث عائشة: فدلّ على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب، وإنما كان لعلة، ثم ذهبت تلك العلّة، فذهب الغسل: وهذا من الطحاوي يقتضي سقوط الغسل أصلًا، فلا يُعدّ فرضًا، ولا مندوبًا، لقوله: زالت العلة الخ، فيكون ثالثا في المسألة انتهى.
ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبّدًا، ولاسيما مع احتمال وجود العلة المذكورة.
ثم إن هذه الأحاديث كلها لو سُلّمت لما دلّت إلا على نفي اشتراط الغسل، لا على الوجوب المجرد، كما تقدّم.
وأما ما أشار إليه ابن دقيق العيد من أن بعضهم أوّله بتأويل مُستَكره، فقد نقله ابن دحية عن القدوريّ من الحنفية، وأنه قال: قوله: “واجب”: أي ساقط، وقوله: “على” بمعنى “عن”، فيكون المعنى أنه غير لازم. ولا يَخفَى ما فيه من التكلّف.
وقال الزين ابن المنيّر: أصل الوجوب في اللغة: السقوط، فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كلُّ ما أُكّد طلبه منه يُسمّى واجبًا، كأنه سقط عليه، وهو أعمّ من كونه فرضًا أو ندبًا.
وهذا سبقه ابن بزيزة إليه، ثم تعقبه بأن اللفظ الشرعيّ خاصّ بمقتضاه شرعًا، لا وضعًا، وكأن الزين استشعر هذا الجواب، فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث.
وأجيب بأن “وجب” في اللغة لم ينحصر في السقوط، بل ورد بمعنى “مات”، وبمعنى “اضطرب”، وبمعنى “لزم”، وعْير ذلك، والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى “لزم”، لاسيما إذا سيقت لبيان الحكم.
وقد تقدّم في بعض طرق حديث ابن عمر “الجمعة واجبة على كلّ محتلم”، وهو بمعنى اللزوم قطعًا، ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب “واجب كغسل الجنابة”. أخرجه ابن حبان من طريق الدراورديّ عن صفوان بن سُليم، وظاهره اللزوم.
وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بأن التشبيه في الكيفية، لا في الحكم.
وقال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون لفظة “الوجوب” مغيّرة من بعض الرواة، أو ثابتة، ونسخ الوجوب.
ورد بأن الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يُقبل، والنسخ لا يُصار إليه إلا بدليل
ومجموع الأحاديث يدلّ على استمرار الحكم، فإن حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال، حيث كانوا مجهودين، وأبو هريرة، وابن عباس إنما صحبا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أوّلًا، ومع ذلك، فقد سمع كلّ منهما منه -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالغسل، والحثّ عليه، والترغيب فيه، فكيف يُدَّعَى النسخ بعد ذلك؟. انتهى ما في “الفتح” .
قال الجامع عفا الله تعالى عنه : ظاهر كلام الحافظ رحمه الله تعالى أنه يميل إلى ترجيح القول بوجوب غسل الجمعة، وهو الواضح من الأدلّة المتقدّمة، لكن لمّا قامت الأدلة الصارفة عن الوجوب -كما تقدم تفصيلها، في كلام الحافظ رحمه الله تعالى- تعين القول بالاستحباب الأكيد.
وتلك الأدلّة وإن كان في بعضها مقال، إلا أن مجموعها صالح لصرف الوجوب إلى الاستحباب، كما لا يخفى على من تأمل ذلك، ولاسيما حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم، مرفوعًا: “من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة … ” الحديث، فإنه صريح في الاجتزاء بالوضوء عن الغسل، وكقصة عمر مع عثمان رضي الله تعالى عنهما بمحضر جم غفير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وغير ذلك من الأدلة: المتقدم ذكرها في كلام الحافظ رحمه الله تعالى.
ولقد أجاد القول في هذه المسألة العلامة الشوكاني في كتابه “السيل الجرّار” فقال: الأحاديثُ الصحيحة في “الصحيحين” وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضيةٌ بالوجوب، كحديث “غسلُ الجمعة واجب على كل محتلم”، وحديث “إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل”، ونحوهما، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في “الصحيحين” وغيرهما مرفوعًا: “حقّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام”.
ولكنه ورد ما يدلّ على عدم الوجوب، وهو ما أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، وابن ماجه وابن خزيمة، من حديث الحسن البصريّ، عن سمرة مرفوعًا: “من توضأ يوم الجمعة فبها، ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل”.
فإن دلالة الحديث على عدم الوجوب ظاهرة واضحة، وقد أُعلّ بما وقع من الخلاف في سماع الحسن من سمرة، ولكنه قد حسنه الترمذيّ.
ويُقوّي هذا الحديث أنه قد رُوي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأنس، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر -رضي الله عنهم-، كما حكى ذلك الدارقطني.
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعائشة، وأنس.
وأخرجه البيهقي من حديث ابن عباس، وأنس، وأبي سعيد، وجابر.
ويقويه أيضًا ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: “من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت، غُفِرَ له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام”.
فإن اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- على الوضوء في هذا الحديث يدلّ على عدم وجوب الغسل، فوجب تأويل حديث “غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم” بحمله على أن المراد بالوجوب تأكيد المشروعيّة، جَمعًا بين الأحاديث، وإن كان لفظ الوجوب لا يُصرَف عن معناه، إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما نحن بصدده، لكن الجمع مقدّم على الترجيح، ولو كان بوجه بعيد انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى .
قال الجامع : هذا الذي حققه الشوكاني رحمه الله تعالى هو التحقيق الحقيق بالقبول، فإنه حسن جدًّا؛ لأن الجمع بين الأحاديث المختلفة مهما أمكن هو المتعيّن، ولاسيما إذا كان طريق الجمع واضحًا، كما نحن فيه.
والحاصل أن غسل يوم الجمعة مستحب استحبابًا أكيدًا بحيث يستحق تاركه التعنيف، والإنكار الشديد عليه، كما تقدم من قصة عمر، وعمار بن ياسر، وغيرهما. انتهى كلام الأثيوبي
الترجيح :
قال الشوكاني في نيل الأوطار بعد أن ساق أدلة الفريقين :
و بهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة علي عدم الوجوب ، و عدم إمكان الجمع بينها و بين أحاديث الوجوب ، لأنه و إن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى لفظ : ” واجب ” و ” حق ” إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله ، و لا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه ، لأن أوضحها دلالة علي ذلك حديث سمرة و هو غير سالم من مقال … و أما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية …. ” .
و قال الصنعاني في سبل السلام : … فالأحوط للمؤمن أن لا يترك غسل الجمعة … و في الهدي النبوي الأمر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جداً و وجوبه أقوى من وجوب الوتر …
___________
وهذه مسائل أخرى حول أحكام الغسل بحثها بعض الباحثين جزاه الله خيرا :
وقت الغسل :
اختلف العلماء في وقت الغسل للجمعة و تعلقه بالذهاب إليها علي ثلاثة أقوال :
الأول : اشتراط الاتصال بين الغسل و الرواح . و إليه ذهب مالك و وافقه الأوزاعي و الليث .لحديث : ” إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ” و في لفظ مسلم : ” إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ” .
الثاني : عدم اشتراط ذلك ، و يجزئ من بعد الفجر لكن لا يجزئ فعله بعد صلاة الجمعة ، و يستحب تأخيره إلي الذهاب و إلي هذا ذهب الجمهور .
الثالث : أنه لا يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة ، فلو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه ، و إليه ذهب داود و نصره ابن حزم ، و حجتها تعلق الغسل باليوم في الأحاديث لا بالصلاة .
و قد أنكر هذا القول ابن دقيق العيد و قال : يكاد يجزم ببطلانه ، و حكى ابن عبد البر الإجماع علي أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة .
فائدة :
قال النووي : ” قال أصحابنا : و وقت جواز غسل الجمعة من طلوع الفجر إلي أن يدخل في الصلاة … قالوا : و لا يجوز قبل الفجر . و انفرد إمام الحرمين بحكاية وجه أنه يجوز قبل طلوع الفجر ، كغسل العيد علي اصح القولين . و الصواب المشهور أنه لا يجزئ قبل الفجر ، و يخالف العيد ، فإنه يُصلى في أول النهار ، فيبقى أثر الغسل ، لأن الحاجة تدعو إلى تقديم غسل العيد ، لكون صلاته أول النهار ، فلو لم يجز قبل الفجر ضاق الوقت و تأخر التبكير إلى الصلاة ” .
قال الشوكاني : و الظاهر ما ذهب إليه مالك . لأن مجمل الأحاديث التي أطلق فيها : اليوم علي حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب ، و المراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع و هو الصلاة لا اسم اليوم .
قال الحافظ : و مقتضى النظر أن يقال : إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة و التنظف رعاية الحاضرين من التأذى بالرائحة الكريهة ، فمن خشي أن يصيبن في أثناء النهار ما يزيل تنظفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ، و لعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظف و الله أعلم .
مسألة هل يشرع الغسل لمن لم يحضر الجمعة :
قال الحافظ : و استدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة ، و قد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع . و هذا هو الأصح عند الشافعية ، و به قال الجمهور خلافاً لأكثر الحنفية.
و يدل لقول الجمهور ما أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً : ” من أتى الجمعة من الرجال و النساء فليغتسل ، و من لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال و النساء ” قال النووي : رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح.
مسألة : هل يجزئ غسل الجنابة لمن حصلت له عن غسل الجمعة ؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
الأول : أن غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة و إن لم ينوه ، و أن الغسل حيث وقع في الجمعة قبل الصلاة كفى، أياً كان سببه . و هذا قول جمهور العلماء . قال ابن المنذر : حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة و التابعين .
قال الحافظ في شرح قوله صلى الله عليه و سلم : ” اغتسلوا يوم الجمعة و إن لم تكونوا جنباً ”
قال : ” معناه : اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنباً للجنابة ، و إن لم تكونوا جنباً للجمعة ” و أخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا ، و في الاستدلال به علي ذلك بعد .
الثاني : أنه لا يجزئ و لابد ليوم الجمعة من غسل مخصوص ، و هذا قول ابن حزم و جماعة .
قال ابن حزم : ” برهان ذلك قول الله تعالى ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” إنما الأعمال بالنيات ، و لكل امرئ ما نوى ” .
فيصح يقيناً أنه مأمور بكل غسل من هذه الأغسال ، فإذا قد صح ذلك ، فمن الباطل أن يجزئ عمل عن عملين أو أكثر … “.
و حكى ابن حزم هذا القول عن جماعة من السلف منهم جابر بن زيد و الحسن و قتادة و إبراهيم النخعي و الحكم و طاءوس و عطاء و عمرو بن شعيب و الزهري و ميمون بن مهران .
و قد نقل الحافظ عن أبي قتادة أنه قال لابنه و قد رآه يغتسل يوم الجمعة : ” إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلاً آخر للجمعة ” . أخرجه الطحاوي و ابن المنذر و غيرهما .
القول الثالث : أنه لا يجزئ عنه إلا بالنية ، أي إذا نوى الكل . قال النووي : ” و أما إذا وجب عليه يوم الجمعة غسل جنابة فنوى الغسل عن الجنابة و الجمعة معاً فالمذهب صحة غسله لهما جميعاً و به قطع المصنف و الجمهور ” .
و احتج أصحاب هذا القول بقوله صلى الله عليه و سلم : ” إنما الأعمال بالنيات ، و إنما لكل امرئ ما نوى “.
قال النووي في شرح المهذب : ” .. و لو نوى الغسل للجنابة حصل بلا خلاف ، و في حصول غسل الجمعة قولان : أصحهما عند المصنف في التنبيه و الأكثرين : لا يحصل ، لأن الأعمال بالنيات ، و لم ينوه . و أصحهما عند البغوي حصوله ، و المختار أنه لا يحصل .
و حمل الحافظ كلام أبي قتادة لابنه علي ذلك ، حيث قال في شرح قوله صلى الله عليه و سلم : ” غسل يوم الجمعة ” ، قال : ” … و استنبط منه أيضاً أن ليوم الجمعة غسلاً مخصصاً حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية ، و قد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه و قد رآه يغتسل يوم الجمعة : ” إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلاً آخر للجمعة ” .
قال المنير: لكن هناك وجه آخر يمكن أن يحمل عليه كلام أبي قتادة غير الإجزاء و عدمه ، ألا و هو تحصيل فضيلة مخصوصة لمن يقصد إلى غسل الجمعة و ينويه كما جاء عند ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم و غيرهم عن عبد الله بن أبي قتادة قال : دخل علي أبي و أنا أغتسل يوم الجمعة ، فقال : غسلك هذا من جنابة أو للجمعة ؟ قلت : من جنابة . قال : أعد غسلاً آخر ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلي الجمعة الأخرى “.
فائدة :
قال الحافظ في الفتح : ” حكى ابن العربي و غيره أن بعض أصحابهم قالوا : يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب ، لأن المقصود النظافة .
و قال بعضهم : لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد و نحوه .
و قد عاب ابن العربي ذلك و قال : هؤلاء وقفوا مع المعنى ، و أغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين ، و الجمع بين التعبد و المعنى أولى . انتهى .
و عكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم ، فإنه تعبد دون نظر المعنى .
أما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود ، لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ، و لو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك ، و الله أعلم ” . أ ﻫ .
و نقل ابن عثيمين عن شيخ الإسلام قوله : ” جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها ، فإنه لا يتيمم عنها ، لأن التيمم إنما شرع للحدث . و معلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير ، لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه .