152 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
١٥٢ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٤ ص ٣٦٢): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أخبرَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ أخبرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ «لَقَدْ سَأَلْتَ اللهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ».
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ أخبرَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ أخبرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ: «لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ».
هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٩ ص ٤٤٥) وقال: هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه ابن ماجه (ج ٢ ص ١٢٦٧).
وأحمد (ج ٥ ص ٣٦٠) فقال رحمه الله: ثنا وكيع، عن مالك بن مغول به.
ــــــــ
* جاء في الدراية ﻣﺴﻨﺪ ﺑﺮﻳﺪﺓ ﺑﻦ اﻟﺤﺼﻴﺐ
78 – (1) ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ (5/ 351) (22965) ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻣﻐﻮﻝ ﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ ﺭﺟﻼ ﻳﻘﻮﻝ: (اﻟﻠﻪﻣ اﻧﻰ ﺃﺳﺄﻟﻚ ﺑﺄﻧﻲ ﺃﺷﻬﺪ اﻧﻚ ﺃﻧﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﻻ ﺇﻟﻪ اﻻ ﺃﻧﺖ اﻷﺣﺪ اﻟﺼﻤﺪ اﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻠﺪ ﻭﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻛﻔﻮا ﺃﺣﺪ ﻓﻘﺎﻝ ﻗﺪ ﺳﺄﻝ اﻟﻠﻪ ﺑاﺳﻢ اﻟﻠﻪ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬﻱ ﺇﺫا ﺳﺌﻞ ﺑﻪ ﺃﻋﻄﻰ ﻭﺇﺫا ﺩﻋﻲ ﺑﻪ ﺃﺟﺎﺏ).
ﻗﻠﺖ: ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﺫا ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺟﺪﺕ ﺭﺟﺎﻝ ﺛﻘﺎﺕ ﻭﻗﺪ ﺻﺤﺤﻪ اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ (2/ 125) ﻭﺷﻴﺨﻨﺎ ﻓﻲ “اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﻤﺴﻨﺪ” (1/ 13) (152) ﻭﻟﻜﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﻭﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﻲ ﻋﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺭﻭاﻩ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻣﻐﻮﻝ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺩﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﺈﺫا ﺭﺟﻞ ﻳﻘﻮﻝ ﻳﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺼﻤﺪ ﻓﺬﻛﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻲ: ﺭﻭاﻩ ﻋﺒﺪاﻟﻮاﺭﺙ، ﻋﻦ ﺣﺴﻴﻦ اﻟﻤﻌﻠﻢ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ، ﻋﻦ ﺣﻨﻈﻠﺔ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﻣﺤﺠﻦ ﺑﻦ اﻷﺩﺭﻉ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ، ﻭﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪاﻟﻮاﺭﺙ ﺃﺷﺒﻪ. “اﻟﻌﻠﻞ” (2/ 167) (2082)
حديث محجن في سنن أبي داود:
985 – حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا الحسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن حنظلة بن علي، أن محجن بن الأدرع، حدثه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته، وهو يتشهد وهو يقول: اللهم إني أسألك يا الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: «قد غفر له، قد غفر له» ثلاثا
[حكم الألباني] : صحيح
ليس فيها النص هنا على أنه ذكر اسم الله الأعظم
قال السندي: قوله: “قد غفر له” إما لأنه الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، أو لأنه أوحي إليه صلى الله عليه وسلم باستجابة دعاء هذا بخصوصه، والله تعالى أعلم
مسند أحمد (31/ 311 ط الرسالة)
* ورد في خصوص ” اسم الله الأعظم ” عدة أحاديث ، أشهرها :
- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ : فِي ” البَقَرَةِ ” وَ ” آلِ عِمرَانَ ” وَ ” طَهَ ” ) .
رواه ابن ماجه ( 3856 ) وحسَّنه الألباني في ” صحيح ابن ماجه ”
- عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ” ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى .
رواه الترمذي ( 3544 ) وأبو داود ( 1495 ) والنسائي ( 1300 ) وابن ماجه ( 3858 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
- عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ” ، فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ .
رواه الترمذي ( 3475 ) وأبو داود ( 1493 ) وابن ماجه ( 3857 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك . ” فتح الباري ” ( 11 / 225 ) .
قال بدر الدين العيني:
وقال الحافظ أبو الحسن المقدسي: هذا إسناد لا مطعن فيه، ولا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود منه إسنادا. وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول بأن لله اسما هو الاسم الأعظم. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب
«شرح سنن أبي داود للعيني» (5/ 405)
- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الم . اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .
رواه الترمذي ( 3478 ) وأبو داود ( 1496 ) وابن ماجه ( 3855 ) .
فيه شهر بن حوشب مختلف فيه والراجح ضعفه من أجل سوء حفظه لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات قاله الشيخ مقبل كما في إتحاف الخليل
وفيه عبيد الله بن أبي زياد القداح مختلف فيه، واختلف فيه قول الشيخين الألباني والشيخ مقبل فحسناه مرة وضعفاه مرة أظن الراجح أنه حسن الحديث
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، لضعف شهر بن حوشب.
قلت سيف : حسنه الشيخ الألباني بشاهده من حديث أبي أمامة كما في الصحيحة 746
وكذلك ورد عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطي. أخرجه أبوداود وأحمد وصححه محققو المسند 20/61 .
و المشترك في الأحاديث ( لا إله إلا هو )
قال العباد الأولى الدعاء بما ورد ولا يقتصر على كلمة . فيتوسل الإنسان بما ورد بأكمله
قال السعدي : الاسم الأعظم اسم جنس يشمل كل ما ورد .
انتهى كلامي من تحقيق سنن أبي داود (سيف )
* قال الشيخ الألباني رحمه الله ” سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ” ( 13 / 279 ) : واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولاً ، ساقها الحافظ في ” الفتح ” ، وذكر لكل قول دليله ، وأكثرها أدلتها من الأحاديث ، وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه ، مثل القول الثاني عشر ؛ فإن دليله : أن فلاناً سأل الله أن يعلِّمه الاسم الأعظم ، فرأى في النوم ؛ هو الله ، الله ، الله ، الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم !! .
وتلك الأحاديث منها الصحيح ، ولكنه ليس صريح الدلالة ، ومنها الموقوف كهذا ، ومنها الصريح الدلالة ؛ وهو قسمان :
قسم صحيح صريح ، وهو حديث بريدة : ( الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد … ) إلخ ، وقال الحافظ : ” وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك ” ، وهو كما قال رحمه الله ، وأقره الشوكاني في ” تحفة الذاكرين ” ( ص 52 ) ، وهو مخرج في ” صحيح أبي داود ” ( 1341 ) .
والقسم الآخر : صريح غير صحيح ، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه ؛ كحديث القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه ( 3859 ) ، وهو في ” ضعيف ابن ماجه ” رقم ( 841 ) ، وبعضه مما سكت عنه فلم يحسن ! كحديث القول الثامن من حديث معاذ بن جبل في الترمذي ، وهو مخرج في ” الضعيفة ” برقم ( 4520 ) .
وهناك أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها ، ولكنها واهية ، وهي مخرجة هناك برقم ( 2772 و 2773 و 2775 ) .
* قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى نور على الدرب رقم ٣٧٥: ” اسم الله الأعظم هو الحي القيوم تقول: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وقد يقرأ هذان الاسمان الحي القيوم في ثلاثة مواضع من كتاب الله ذكر ذلك في آيه الكرسي: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وذكر في أول سورة آل عمران: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وذكر في سورة طه من قوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾”.
وتوسعنا في ذكر الخلاف في الاسم الأعظم وفي شرح معاني ما ورد فيه في مختلف الحديث رقم ١٠٤
—–
شرح الحديث
قال في بذل المجهود:
(أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلا) وهو أبو موسى الأشعري كما يدل عليه حديث أحمد في “مسنده” (يقول: اللهم إني أسألك أني) وفي رواية الترمذي وأحمد “بأني” (أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال) رسول – صلى الله عليه وسلم – للرجل: (لقد سألت الله بالاسم) وفي رواية أحمد والترمذي: “والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم” (الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب).
وأخرج الإمام أحمد هذا الحديث في “مسنده” مطولا من طريق عثمان بن عمر، أنا مالك، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خرج بريدة عشاء، فلقيه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “تراه مرائيا؟ “، فأسكت بريدة، فإذا رجل يدعو، فقال: اللهم إنى أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا إنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – “والذي نفسي بيده”، أو قال: “والذي نفس محمد بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب”، قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء، فلقيه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت الرجل يقرأ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أتقوله مراء؟ ” فقال بريدة: أتقوله مراء يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا، بل مؤمن منيب، لا، بل مؤمن منيب”، فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الأشعري- أو إن عبد الله بن قيس- أعطى مزمارا من مزامير داود”، فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ فقال: “بلى أخبره”، فأخبرته، فقال: أنت لي صديق، أخبرتني عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحديث
«بذل المجهود في حل سنن أبي داود» (6/ 220)
قال المباركفوري : في شرح السنة في هذا الحديث دلالة على أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب، وإن ذلك هو المذكور ههنا، وهو حجة على من قال ليس الاسم الأعظم اسما معينا بل كل اسم ذكر بإخلاص تام مع الإعراض عما سوى الله هو الاسم الأعظم، لأن شرف الاسم بشرف المسمى لا بواسطة الحروف المخصوصة. قال الطيبي: وقد ذكر في أحاديث أخر مثل ذلك: وفيها أسماء ليست في هذا الحديث إلا أن لفظ الله مذكور في الكل فيستدل بذلك على أنه الاسم الأعظم – انتهى
«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/ 437)
قال عبدالمحسن العباد:
وهذا يدلنا على أن أسماء الله عز وجل يتوسل بها كلها، ولكن ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أهمية بعضها وتميزها، …، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري أربعة عشر قولا في بيان المراد بالاسم الأعظم، ولما سردها ووصل إلى القول الذي دل عليه هذا الحديث قال: هذا هو أصح حديث ورد في ذلك.
يعني: أقوى حديث صح في ذلك.
إذا: كل ما ثبت من أسماء الله عز وجل وصفاته فإنه يتوسل به ويسأل الله عز وجل به، وكذلك ما له ميزة على غيره؛ وما ورد بأنه إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب من باب أولى أن يتوسل به إلى الله.
«شرح سنن أبي داود للعباد» (179/ 3 بترقيم الشاملة آليا)
اسم الله الصمد :
جاء في كتاب منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين:
8 – صفة الصمد لله – عز وجل -:
يقرر الشيخ – رحمه الله – صفة الصمدية لله – عز وجل -، ويبين سبب أنه سبحانه المقصود في الحوائج على الدوام، فيقول: ” وهذا لأنه السيد الكامل في سؤدده الغني الكامل في غناه المحتاج إليه كل ما عداه، فصمد إليه العالم كله ليكفلهم وييسر كلا لما خلق له”
فالصمد صفة ذاتية لله – عز وجل -، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة
فمن الكتاب:
قوله تعالى: {قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2)} الإخلاص: 1 – 2، ولم يرد هذا الاسم إلا في هذه السورة.
ومن السنة:
– حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – القدسي: (كذبني ابن آدم … وأما شتمه إياي؛ فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد) .
– حديث بريدة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلا يقول: (اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد …) .
ولقد اختلف العلماء في معنى الصمد على أقوال كثيرة؛ منها : –
1 – المصمت الذي لا جوف له.
2 – الذي لا يأكل ولا يشرب.
3 – الذي لا يخرج منه شيء ، ولم يلد ولم يولد.
4 – السيد الذي انتهى سؤدده.
5 – الباقي الذي لا يفنى.
6 – الذي ليس فوقه أحد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ” واسم (الصمد) فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة، وليست كذلك، بل كلها صواب، والمشهور منها قولان:
أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له.
الثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
فالأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة. والثاني قول طائفة من السلف والخلف، وجمهور اللغويين، والآثار المنقولة عن السلف بأسانيدها في كتب التفسير المسندة، وكتب السنة وغير ذلك” .
فالله سبحانه وصف نفسه بالاسم المتضمن لصفات عديدة وهذا يدل على عظمته فالعظيم من اتصف بصفات الكمال.
“فلو قال قائل: إن الله استوى على العرش، هل استواؤه على العرش بمعنى أنه مفتقر إلى العرش بحيث لو أزيل لسقط؟
فالجواب: لا؛ لأن الله صمد كامل غير محتاج إلى العرش، بل العرش والسموات والكرسي والمخلوقات كلها محتاجة إلى الله، والله في غنى عنها، فنأخذه من كلمة الصمد”
«منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين» (ص139 بترقيم الشاملة آليا)
مسائل حول التوسل :
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ثانيا: التوسل بالإيمان والأعمال الصالحة:
– أجمع الفقهاء على جواز التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان متقربا بها إلى الله تعالى.
وقد ذهب المفسرون إلى أن الوسيلة المذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة (2) } وفي قوله تعالى {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة (3) } تطلق على الأعمال الصالحة
وقال الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم (1) } فقد قدم ذكر الأعمال الصالحة ثم تلا ذلك بالدعاء.
وقال الله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (2) } ، وقال الله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (3) } .
وغير ذلك من الآيات الكريمة.
وأما السنة فمنها حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب
ومنها حديث الغار المروي، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم…. -فذكر كل واحد منهم عمل كان عمله خالصا لله-
فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد قال: اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق؛ ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت
«الموسوعة الفقهية الكويتية» (14/ 152)
قال صاحب معجم التوحيد:
96 – التوسل *
التوسل في اللغة: مأخوذ من الوسيلة وهي المنزلة عند الملك، والوسيلة: الدرجة، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: “ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو .. “.
وتطلق الوسيلة ويراد بها القربة، وهذا مأثور عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء، ويقال وسل فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إليه، قال أبو عبيدة: يقال توسلت إليه أي تقربت إليه وأنشد:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا … وعاد التصافي بيننا والوسائل
والواسل: “الراغب إلى الله”.
قال في النهاية: “الوسيلة هي في الأصل ما يتوصل به إلى شيء ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل إليه وسيلة وتوسل والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى. وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة وقيل هي منزلة من منازل الجنة كما جاء في الحديث”.
التوسل شرعا: “هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته وباتباع رسوله، وبكل عمل يحبه ويرضاه”.
قال ابن عثيمين رحمه الله: “هي التقرب إلى الله بطاعته، وهذا يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله”.
وقال صاحب القول الجلي في حكم التوسل بالنبي والولي: “اعلم أن التوسل المشروع الذي شرعه الله على لسان نبيه المتبوع إنما هو بالتقرب إلى الله تعالى بما شرعه على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- من علم أو عمل قلبي أو بدني أو ترك وكف عن عمل محظور فيدخل فيه جميع الطاعات وترك جميع المعاصي امتثالا لأمر الشارع”.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ: “الوسيلة: التقرب إلى الله بأنواع القرب والطاعات وأعلاها إخلاص الدين له والتقرب إليه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دينه ومحبة من شرع حبه، بهذا يجمع ما قاله السلف، وقولهم من اختلاف التنوع”.
* الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون (35)} [المائدة: 35]. وقوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (56) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا (57)} [الإسراء: 56 – 57]. وقد تقدم عن جمع من السلف تفسير الوسيلة بالقربة.
وقال قتادة وعطاء والسدي وغيرهم في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} أي: “تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه”.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغي إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات فهذه إلوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا … “.
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي: “اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضا الله تعالى ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة”.
قال السعدي: “وذلك يشمل التقرب إلى الله بالواجبات والمستحبات وكذلك التقرب إليه بترك المحرمات والمكروهات”.
أقسام التوسل: التوسل قسمان:
1 – توسل مشروع. … 2 – توسل ممنوع.
1 – أما التوسل المشروع: فهو كل توسل دل على مشروعيته نص من الكتاب أو السنة، وهو أنواع أربعة:
النوع الأول: توسل بالله تعالى: وهو إما توسل بأسمائه الحسنى، وإما بصفاته العلى.
ودليله من القرآن قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)} [الأعراف: 180].
قال أبو يوسف عن الإمام أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى-: “لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به”.
قال الإمام الصنعاني رحمه الله: “والمعروف كتابا وسنة أن نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا هو أحد التأويلين في قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180].
ودليله من السنة: ما روى عبد الله بن بريدة -رضي الله عنه- عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال: “لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب”.
قال الألباني: “فهذه الأحاديث وما شابهها تبين مشروعية التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، وأن ذلك مما يحبه الله ويرضاه”.
النوع الثاني: توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة.
ودليله من القرآن: قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128)} [البقرة: 127 – 128]. وقول الله تعالى: {ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا} [آل عمران: 16].
ودليله من السنة: قصة أصحاب الكهف الثلاثة الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة الخالصة لوجهه الكريم ففرج الله عنهم الصخرة.
ومن الأدلة أيضا ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: “قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم”.
وهذا فيه الاعتراف بالذنب والندم عليه وهو داخل في العمل الصالح الذي يتقرب به إلى الله تعالى.
النوع الثالث: توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء النبيين أو الصالحين وسائر المؤمنين وذلك في حياتهم: سواء طلب من أخيه الدعاء له كأن يقول مثلا: ادع الله لي أن يعافيني أو يقضي حاجتي وما أشبه ذلك أو دعا المؤمن لأخيه دونما طلب منه كأن يراه مثلا في ضيق فيدعو الله أن يفرج عنه سواء في حضوره أو في ظهر الغيب أو كصلاة الجنازة والدعاء عند زيارة القبور لأهل القبور. فالمسلمون كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء نبيهم عليه الصلاة والسلام في حياته في الاستسقاء وغيره فكان يدعو لهم فتستجاب دعوته. قال الألوسي: “وطلب الدعاء من المخلوق لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيا، ولا يتوقف على أفضليته من الطالب، بل قد يطلب الفاضل من المفضول .
ونقل الشيخ ابن باز رحمه الله إجماع أهل العلم على جواز طلب الدعاء من الأحياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته، وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله تبارك وتعالى بدعائه وشفاعته -صلى الله عليه وسلم-“.
والدليل من الكتاب على ذلك: قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64].
فاستغفار الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم توسل بدعاء المؤمن لأخيه ويجب التنبه إلى أن استغفار الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما كان في حياته لا بعد موته فلا يجوز لأحد بعد وفاته
وانتقاله إلى الرفيق الأعلى أن يأتي قبره -صلى الله عليه وسلم- ويسأله أن يستغفر الله له لأن استغفار الرسول -صلى الله عليه وسلم- انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام.
* ودليله من السنة:
حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله يديه، ثم قال: “اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية منابت الشجر، فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس”.
ومن ذلك فعل عمر مع العباس بن عبد المطلب وكذلك فعل معاوية ابن أبي سفيان مع يزيد بن الأسود الجرشي، حيث ذكر الذهبي في السير “أن معاوية -رضي الله عنه- خرج يستسقي، فلما قعد على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود؟ فناداه الناس فأقبل يتخطاهم. فأمره معاوية، فصعد المنبر، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد ابن الأسود، يا يزيد، ارفع يديك إلى الله. فرفع يديه ورفع الناس فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة كالترس، وهبت ريح، فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم”
* تنبيه:
ليس المراد من التوسل بدعاء أخيه المؤمن أن يتوسل بذاته ومن قال ذلك ليتوصل إلى دعاء الموتى والاستغاثة بهم باسم التوسل ويجعلهم واسطة بينه وبين الله فإنه دعا إلى الشرك الاكبر المخرج من الملة كما بينه أئمة الإسلام وهو أكثر من أن يذكر يقول الشنقيطي رحمه الله: “وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى، وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] “.
واعلم أن أهل البدع لا يفرقون بين التوسل بدعاء الصالحين والاستغاثة بهم فيسمون الاستغاثة بالصالحين توسلا بالصالحين وهذا خطأ محض لأن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر مخرج من الإسلام وسيأتي مزيد بيان لذلك.
النوع الرابع: التوسل بحال الداعي:
قال الشيخ ابن عثيمين: “أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئا، كما في قوله تعالى: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24]، ولم يذكر شيئا.
ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين”
2 – التوسل الممنوع: وهو تقرب العبد إلى الله تعالى بعمل مخالف لكتابه ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-: كالتوسل إلى الله بذوات المخلوقات من الملائكة والنبيين والصالحين وغيرهم، وبالأمكنة الفاضلة: كالكعبة، والمشعر الحرام، وبالأزمنة الفاضلة: كشهر رمضان، وليلة القدر، وأشهر الحج، والأشهر الحرم، وكذلك التوسل بحق الأنبياء وجاه الأولياء والصالحين.
وسنجمل التوسل الممنوع في ثلاثة أوجه هي:
1 – التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقات كذات النبي -صلى الله عليه وسلم- وذوات الصالحين وغيرهم كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك بذات فلان. قال القدوري: “المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق فلا يجوز”…
2 – التوسل إلى الله بجاه فلان أو حقه، أو حرمته أو بركته كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك بجاه فلان عندك أو بحقه عليك أو بحرمته أو بركته أن تقضي حاجتي …
3 – الإقسام على الله بالمتوسل به: كأن يقول أقسمت عليك يا الله بفلان أن تقضي لي حاجتي فهذه بدعة لم ينقل منه شيء عن السلف وقد كثر عند المتأخرين هذا المعنى فصار التوسل عندهم بمعنى الإقسام على الله بنبيه وهذا كالتوسل بالجاه والحرمة قال في جلاء العينين “فلا يقال: أقسمت عليك يا رب بملائكتك ولا بكعبتك، كما لا يجوز أن يقسم الإنسان بهذه الأشياء” فهو ممنوع مطلقا كما قرر ذلك تقي الدين ابن تيمية ونقله عن الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام
* تنبيه:
ينبغي أن يفرق بين التوسل بذوات الصالحين وسؤالهم وهذا ينبني على فهم معنى التوسل وإطلاقه عند أهل العلم وعند عباد القبور قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن “إن لفظ التوسل صار مشتركا فعباد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله ودعائه رغبا ورهبا، والذبح والنذر، ولتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق.
وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو التوسل في عرف القرآن والسنة … ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحق عبده الصالح. أو بعباده الصالحين، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر -أي الهيثمي-“.
فالتوسل بذوات الصالحين معناه سؤال الله بذواتهم كأن يقول: اللهم إني أسألك بنبيك أو أسألك بعبادك الصالحين وهو يقصد التوسل بالذات فهذا ينهى عنه لعدم وروده ولا يصل تحريمه إلى الشرك الأكبر وسيأتي كلام العلماء عنه.
أما سؤال الصالحين فمعناه التوجه إليهم ودعاؤهم وطلب الحاجات منهم وهذا هو الشرك الأكبر الذي أنكره أئمة الدين وعلماء الإسلام وإياه عنى الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين قال “ولكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يطلب منه تفريج الكربات، وإعطاء الرغبات، فأين هذا ممن يدعو الله مخلصا له الدين لا يدعو مع الله أحدا، ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين، أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين”
«معجم التوحيد» (1/ 601)