152 جامع الأجوبة الفقهية ص 193
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-”——”——-”
بلوغ المرام
55 – عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)، فمسح عليهما. متفق عليه
وللأربعة عنه إلا النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف واسفله. وفي إسناده ضعف.
——–‘——-‘——
مسألة 2: أيهما أفضل المسح على الخفين أم غسل الرجلين؟
——–
– اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال:
– القول الأول: أن الغسل أفضل من المسح
وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد. وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم.
واشترط الشافعية في كون الغسل أفضل من المسح هو أن لا يترك المسح رغبة عن السنة
واستدلوا لقولهم بما يلي:
1 – أن الغسل هو الأصل حيث واضب عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – في معظم الأوقات، وإذا كان الغسل هو الغالب من فعله – صلى الله عليه وسلم – كان أفضل.
2 – أن الغسل هو المفترض في كتاب الله سبحانه وتعالى
قال تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (المائدة، آية: 6).على قراءة النصب، وهي الأشهر فيها وجوب غسل القدمين، وأما المسح فهو رخصة، فالغاسل لرجليه مؤد لما افترض الله عليه، والماسح لرجليه فاعل لما أبيح له.
3 – الأثار الواردة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم:
أ) عن أم كلثوم ابنة أبي بكر أن عمر نزل بواد يقال له وادي العقاب، فأمرهم أن يمسحوا على خفافهم، وخلع خفيه، وتوضأ، وقال: إنما خلعت لأنه حبب إلي الطهور. رواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 439).
ب) عن أبي أيوب، أنه كان يأمر بالمسح على الخفين، وكان هو يغسل قدميه، فقيل له: كيف تأمر بالمسح وأنت تغسل؟ فقال: بئس ما لي إن كان مهنأة لكم، ومأثمة علي، قد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعله ويأمر به، ولكن حبب إلي الوضوء. اخرجه ابن ابي شيبة في المصنف (1/ 161)، البيهقي (1/ 293)، ابن المنذر في الأوسط (1/ 439)، عبد الرزاق (769)
– قال العدوي في حاشيته على الخرشي (1/ 176): بأن المسح رخصة، والرخصة تارة تكون وجوباً كوجوب أكل الميتة للمضطر، وتارة تكون ندباً كندب القصر في السفر، وتارة تكون خلاف الأولى كخلاف أولوية فطر مسافر في رمضان، وتارة تكون إباحة كإباحة السلم، والرخصة هنا – يعني في المسح على الخفين – من ذلك القبيل، يعني مباحة، وليست الأفضل.
– القول الثاني: المسح أفضل من الغسل
وهذا القول للحنابلة بل هو من مفردات مذهبهم وهو قول الشعبي والحكم وحماد وإسحاق وسفيان الثوري وابن أبي ليلى والنعمان والنخعي
واستدلوا بما يلي:
1 – أن المسح على الخفين أيسر على المكلف من غسلهما، و (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327).
2 – أنه رخصة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في “إرواء الغليل” (564).
3 – عن زر، قال: سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين، فقال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا، ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم، إلا من جنابة. سنن النسائي الكبرى (144،145).
وجه الاستدلال:
قوله: ” يأمرنا ” إذا لم يكن للوجوب، كان للندب، وهو دليل على أن المسح أفضل.
4 – أن في المسح على الخفين مخالفةً لأهل البدع الذين ينكرونه، كالخوارج والروافض.
قال في المغني (1/ 174) أنه جاء عن سفيان الثوري أنه قال لشعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين أفضل من الغسل. انتهى
– القول الثالث: أن الغسل والمسح كلاهما سواء في الأفضلية
وهي رواية عن الإمام أحمد وهو اختيار ابن المنذر
وحجتهم هي كثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فعل كل منهما، غسل القدمين، والمسح على الخفين. قالوا: إن الأدلة جاءت بهذا وهذا، ولم يرد دليل في الشرع ينص على أن الغسل أفضل، أو المسح أفضل، فيبقى الحكم واحداً.
– قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 440): ” قد شبه بعض أهل العلم من لبس خفيه على طهارة وأحدث بالحانث في يمينه، قال: فلما كان الحانث في يمينه بالخيار إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، ويكون مؤدياً للفرض الذي عليه، فكذلك الذي أحدث، وقد لبس خفيه على طهارة إن مسح، أو خلع خفيه فغسل رجليه مؤد ما فرض الله عليه، مخير في ذلك. انتهى
– القول الرابع: قالوا الأفضل في حق كل واحد بحسبه، فمن كان عليه الخف كان الأفضل في حقه المسح، ومن كان لا خف عليه فالأفضل في حقه الغسل، وأن لا يلبس من أجل أن يمسح.
وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
واستدلوا بما يلي:
1 – حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) رواه البخاري (206) ومسلم (274). فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين.
2 – عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَامُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. الترمذي (96)، وحسنه الألباني في “إرواء الغليل” (104). فالأمر بالمسح يدل على أنه أفضل، ولكنه في حق لابس الخف.
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 33):
وفصل الخطاب أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان غسلهما ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه، كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف. اهـ.
– وقال ابن القيم في “زاد المعاد” (1/ 199):
” ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) ” انتهى.
انظر: المغني لابن قدامة (1/ 206)، المجموع شرح المهذب (1/ 478)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 439)