1513 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني وموسى وصالح الصيعري وفهيد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
———
الصحيح المسند
1513 ?? قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو كامل حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عم له أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قل لي قولا ينفعني وأقلل لعلي أعيه قال لا تغضب فعاد له مرارا كل ذلك يرجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تغضب.??????
هذا حديث صحيح.
* قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله أوصني قال لا تغضب قال قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله.
……………………………..
ورواه البخاري 6116 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رج? قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: «? تغضب» فردد مرارا، قال: ” ? تغضب ”
قال ابن عثيمين رحمه الله في حديث لاتغضب: فيه أن بعض الأحاديث لايذكر فيها اسم الصحابي ويكون مبهم وذلك لانه لايغير شيء فالأحكام ذكر الشخص، وفيه أنه طلب الوصية، والوصية هي العهد إلى الشخص بأمرٍ هام كما يوصي الرجل على ماله أو أهله، والغضبة كما بين صلى الله عليه وسلم أن الغضب جمرة من نار يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم (ضعيف الترمذي) ولذلك تجد الانسان يحمر وجهه وتنتفخ أوداجه.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم:
فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، ليحفظها عنه خشية أن ? يحفظها لكثرتها، فوصاه النبي أن ? يغضب، ثم ردد هـذه المسألة عليه مرارا، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هـذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير.
قال صاحب الافصاح: من الجائز أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من هـذا الرجل كثرة الغضب فخصه بهذه الوصية وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الذي يملك نفسه عند الغضب فقال: “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الشدائد”. ومدح الله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كظم غيظه وهـو يستطيع أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخ?ئق يوم القيامة حتى يخبره من الحور ما شاء”.
وقد جاء في الحديث: “إن الغضب من الشيطان” (الضعيفة 582. ولهذا يخرج به الانسان من اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويرتكب المذموم وينوي الحقد والبغضاء وغير ذلك من القبائح المحرمة، كل ذلك من الغضب أعاذنا الله منه. وقد جاء في حديث سليمان بن صرد “أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تذهـب الغضب” 1 وذلك أن الشيطان هـو الذي يزين الغضب وكل من حرص على ما تحمد عاقبته فإنه الشيطان يغويه ويبعده من رضي الله عز وجل فالاستعاذة بالله منه من أقوى الس?ح على دفع كيده.
” شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ” حديث 16
قال الخطابي معنى قوله ? تغضب اجتنب أسباب الغضب و? تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب ف? يتأتى النهي عنه ?نه أمر طبيعي ? يزول من الجبلة وقال غيره ما كان من قبيل الطبع الحيواني ? يمكن دفعه ف? يدخل في النهي ?نه من تكليف المحال وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد وقيل معناه ? تغضب ?ن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهـب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب وقيل معناه ? تفعل ما يأمرك به الغضب.
الفتح 10/ 520
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث لاتغضب: قاعدة أن المخاطب يخاطب بما تقتضيه حاله، فكأن النبي صلى عليه وسلم علم بحال هذا الرجل فأوصاه بذلك، وهو أن يوصى الأنسان بما تقتضيه الحاجة، وقال أيضاً من الفوائد النهي عن الغضب (لقوله لاتغضب)، لان الغضب تحصل فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ الإنسان مقتضاه، وقال أن للغضب دواء لفظي ودواء فعلي، (اللفظي): وهو أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً غضب غضباً شديداً وقال (إني لأعلم كلمة لو قالها لم يغضب وهي اعوذٌ بالله من الشيطان الرجيم)، والفعلي: إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، لأن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، فإن لم يفد فليتوضأ وضوء عادي بدون استنجاء، لان اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب، ولأنه يُطفئ حرارة الغضب، ولايلزم من الغاضب الأقتصار على هذا، يمكنك أن تغادر المكان، حتى لايحدث مايكره فيما بعد، ومن الفوائد أن الدين الاسلامي ينهى عن مساوئ الأخلاق لقوله لاتغضب، والنهي عن مساوئ الأخلاق يستلزم الأمر بمحاسن الأخلاق.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: والغضب: هو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان؛ وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعا، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم. والواجب على المؤمن أن تكون شهوته مقصورة على طلب ما أباحه الله له، وربما تناولها بنية صالحة، فأثيب عليها، وأن يكون غضبه دفعا للأذى في الدين له أو لغيره وانتقاما ممن عصى الله ورسوله، كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين – ويذهب غيظ قلوبهم} [التوبة: 14 – 15] [التوبة: 14 – 15]. وهذه كانت حال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ولم يضرب بيده خادما ولا امرأة إلا أن يجاهد في سبيل الله. «وخدمه أنس عشر سنين، فما قال له: ” أف ” قط، ولا قال له لشيء فعله: ” لم فعلت كذا “، ولا لشيء لم يفعله: ” ألا فعلت كذا». «وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن»، تعني: أنه تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن، كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها، قالت: «كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه». وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه لا يواجه أحدا بما يكره، بل تعرف الكراهة في وجهه، كما في ” الصحيح ” عن أبي سعيد الخدري قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه، عرفناه في وجهه».
ولما بلغه ابن مسعود قول القائل: «هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، شق عليه صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه، وغضب، ولم يزد على أن قال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر». وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى، أو سمع ما يكرهه الله، غضب لذلك، وقال فيه، ولم يسكت، وقد «دخل بيت عائشة فرأى سترا فيه تصاوير، فتلون وجهه وهتكه، وقال: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور». ولما شكي إليه الإمام الذي يطيل بالناس صلاته حتى يتأخر بعضهم عن الصلاة معه، غضب واشتد غضبه، ووعظ الناس، وأمر بالتخفيف. «ولما رأى النخامة في قبلة المسجد، تغيظ، وحكها، وقال: إن أحدكم إذا كان في الصلاة، فإن الله حيال وجهه، فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة». وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ” «أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا» ” وهذا عزيز جدا، وهو أن الإنسان لا يقول سوى الحق سواء غضب أو رضي، فإن أكثر الناس إذا غضب لا يتوقف فيما يقول. وقد روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنه أخبر عن رجلين ممن كان قبلنا كان أحدهما عابدا، وكان الآخر مسرفا على نفسه، وكان العابد يعظه، فلا ينتهي، فرآه يوما على ذنب استعظمه، فقال: والله لا يغفر الله لك، فغفر للمذنب، وأحبط عمل العابد». وقال أبو هريرة: لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، فكان أبو هريرة يحذر الناس أن يقولوا مثل هذه الكلمة في غضب وقد خرجه الإمام أحمد وأبو داود، فهذا غضب لله، ثم تكلم في حال غضبه لله بما لا يجوز، وحتم على الله بما لا يعلم، فأحبط الله عمله، فكيف بمن تكلم في غضبه لنفسه، ومتابعة هواه بما لا يجوز.
وحديث: ” … لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم “. فهذا كله يدل على أن دعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة، وأنه ينهى عن الدعاء على نفسه وأهله وماله في الغضب. اهـ
(2017) / (10) / (28)، (4): (25) م – سيف بن دورة الكعبي: (66) (940) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
شارك في شرحه مجموعة سيف بن غدير وتتكون من سلطان الحمادي وسعيد الجابري، وسعيد الكعبي، وسيف بن غدير، وسلطان الخيلي، ومصطفى الموريتاني
جمع وتعليق سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
——————
الصحيح المسند 940:
عن عقبة بن عامر يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول: (إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها، فلا تلبسوها في الدنيا)
———————-
الحديث صححه غير واحد من الباحثين، وصححه الألباني في الصحيحة 338.
وهذا عبارة عن بحث وقف عليه سيف بن غدير النعيمي:
تعريف الحلي:
الحَلْي: اسمٌ لكلِّ ما يُتزيَّن به من مَصاغ الذَّهب والفضة، والجمع حُلِي بالضم والكسر؛ كثَدْي وثُدِي، ويقال: حِلية، والجمع حِلًى، مثل: لِحية ولِحًى، وربَّما ضم، وتطلق الحلية على الصِّفة أيضًا. “النهاية” لابن الأثير، (1/ 435)، باب: الحاء مع اللام.
وفي القاموس: الحَلْي بالفتح:
ما يُزيَّن به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة، الجمع: حُلِيٌّ كدُلِيّ، أو هو جمع، والواحد: حَلْية كظَبْية، والحِلية بالكسر: الحَلْيُ، وجمعها: حُلًى وحِلًى، انتهى.
“القاموس المحيط” (4/ 319)، “حلا”.
قال أحد الباحثين:
رواه أحمد (17045) من طريق رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن أبي عشانة المعافري عن عقبة بن عامر مرفوعا.
و (أبو المقداد): رشدين يضعف في الحديث، إلا أنه في هذا الحديث قد وافق الثقات، فحديثه ههنا صحيح.
فقد أخرجه النسائي (5139) وابن حبان (5578) والحاكم (7509) وصححه على شرطهما، من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به.
وأما عمرو بن الحارث، فهو ابن يعقوب ابن عبد الله الأنصاري، ثقة إن شاء الله، إلا أن الإمام أحمد قال: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث بن سعد، لا عمرو بن الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو بن الحارث عندي ثم رأيت له أشياء مناكير. ولعل الإمام أحمد عنى بذلك مروياته عن قتادة، فلم أر أحدا من أهل العلم تكلم فيه بل قد وثقه بعضهم جدا، وقد روى له الجماعة، فمثله حجة، والله أعلم.
وأبو عشانة اسمه حَيُّ بنُ يُؤْمِن بنِ حُجَيْلٍ وهو ثقة.
أخرجه النسائي في المجتبى – (8/ 92)، وأحمد في مسنده 28/ 545، وصححه محققو المسند.
{حكم التحلي بالذهب}:
(أ) يحرُم التحلِّي بحلية الذَّهب على الرِّجال أيًّا كان نوعها؛ خاتمًا أو قلادةً، أو سوارًا أو غيره دون النِّساء، فيُباح لهنَّ التحلي بجميع أنواع الحُلي من الذهب والفضة، ولا يحرم من ذلك شيءٌ وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه: قد نُقِل الإجماع على إباحة الذَّهب للنِّساء.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم:
“أجمع المسلمون على إباحتِه “خاتم الذهب” للنِّساء، وأجمعوا على تحريمه على الرِّجال، إلاَّ ما حُكِي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن محمد بن حزم أنَّه أباحه، وعن بعض أنَّه مكروه لا حرام، وهذا الناقلان باطلان، فقائلهما محجوجٌ بالأحاديث التي ذكرها مسلمٌ – سوف تأتي – مع إجماع مَن قبله على تحريمه له مع قوله -? – في الذهب والحرير: إنَّ هذين حرامٌ على ذكور أمَّتي، حِلٌّ لإناثها.
قلت سيف بن دورة: ونقل الإجماع ابن عبدالبر وابن حزم والقرطبي، حتى قال ابن عبدالبر بعد أن نقل جملة من الصحابة روى عنهم التختم بالذهب، وفي الأسانيد إليهم ضعف والحجة بالسنة. (راجع فوائدنا على صحيح مسلم)
وقد ورد في تحريم لباس الذهب على الرجال دونَ النِّساء أحاديثُ كثيرة، نذكر منها الآتي:
1 – عن أبي أمامة- رضي الله عنه – عن النبي – ? – قال: {مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يلبس حريرًا ولا ذهبًا}.
أخرجه أحمد في المسند (5/ 161)، عن عبدالله بن عمرو، عن عبدالله بن عمرو.
قلت: سيف النعيمي: الحديث في صحيح الجامع برقم {(6509)} وصححه محققو المسند، وقالوا أخرجه مسلم بلفظ {من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة}
2 – عن عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله -?-رأي خاتمًا من ذهب في يدِ رَجُل، فنزعه فطرحَه، وقال: {يعمد أحدُكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يدِه!} فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله -?-: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طَرَحه رسول الله -?.
أخرجه مسلم في (كتاب اللباس والزينة – باب تحريم الخاتم الذهب على الرجال)، انظر: “صحيح مسلم بشرح النووي” (14/ 65).
3 – عن أبي ثعلبةَ الخُشني- رضي الله عنه -: أنَّ النبي -?- أبصرَ في يدِه خاتمًا مِن ذَهَب، فجعل يقرعه بقضيب معه، فلمَّا غفل النبي -? -ألقاه، فنظر النبي -?- فلم يَرَه في يده فقال: {ما أرانا إلاَّ قدْ أوجعناك وأغرمناك}.
أخرجه النسائي (8/ 171)، وأحمد (4/ 195)، وأبو نعيم في أخبار “أصبهان” (1/ 200)، أخرجه النسائي عن الزهري عن أبي إدريس مرسلاً وقال: إنَّه أوْلى بالصواب، ولكن الحافظ وصَلَه في “الفتح”، فقال: رواه يونس، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن رجل له صُحبة (10/ 317).
هذه الأحاديث وغيرها تُفيد التحريمَ القاطع الدلالة في أنَّ لُبسَ الذهب حرامٌ على الرجال، وإن كان في بعضها إجمال التحريم، إلاَّ أنَّها محمولة على تحريمه على الرِّجال فقط لحديث: {أُحِل الذهبُ والحرير لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها)
لفظه عن علي بن أبي طالب قال: “أخذ النبي -? -حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شِماله، ثم قال: ((إنَّ هذين حرام على ذكور أمتي))؛ أخرجه أبو داود (4/ 330)، وابن ماجه، وزاد: ((حِلٌّ لإناثهم)) (2/ 1189).
، فتخرج الناس من عمومات بعضِ هذه الأحاديث.
ذكر الحافظ ابن حجر نقلاً عن القاضي عياضأنَّه قال: “وما نقل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مِن تختُّمه بالذهب، فشذوذٌ، والأشبه أنَّه لم تبلغْه السنة فيه، فالناس مُجمِعون على خِلافه، وكذا ما روي فيه عن خباب، وقد قال له ابن مسعود: “أما آنَ لهذا الخاتم أن يُلقى؟ ” فقال: “إنك لن تراه بعد اليوم”، فكأنَّه ما كان بلغه، فَلمَّا بَلَغه رجع”.
الفتح” (10/ 317).
(ب) وقد كان خاتمُ الذهب مباحًا في البداية حيث لَبِسه النبي – ? – برهةً من الزمن، ثم حرَّمه تحريمًا قاطعًا لا يدع مجالاً للشكِّ فيه، وممَّا يدلُّ على ذلك الحديث الآتي:
عن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه -: “أنَّ رسول الله – ?- اصطنع خاتمًا من ذهب، فكان يجعل فصَّه في باطن كفِّه إذا لبسه، فصنع الناسُ مثلَه، ثم إنَّه جلس على المنبر، فنزعه فقال: {إنِّي كنتُ ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من داخ، فرمى به ثم قال: والله لا ألبسه أبدًا}، فنبذ الناس خواتيمَهم”.
أخرجه مسلم في (كتاب اللباس والزينة – باب تحريم الخاتم الذهب على الرجال)، انظر: “صحيح مسلم بشرح النووي” (14/ 65).
(ج) وقد ثبت إباحةُ الذهب وسائر أنواع الحلي – ما عدَا الحديد – للنِّساء بأدلة من الكتاب والسُّنة:
فمن الكتاب:
1) قوله – تعالى -: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} يتغذي ويتربِّى “في الحلية”؛ أي: حلية الذهب والفضة، “وهو في الخصام” في الكلام “غير مبين”: غير ثابتِ الحجَّة، وهنَّ النساء.
2) قوله – تعالى -: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} [الرعد: 17].
قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: “ابتغاء الحلية” لطلب زينة، وأراد الذَّهب والفضة؛ لأنَّ الحلية تطلب منهما”.
ومن السُّنة:
1) عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: أخَذَ النبيُّ -?-حريرًا، فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شِماله، ثم قال: {إنَّ هذين حرامٌ على ذكور أمتي}، وزاد ابن ماجه: {حِلٌّ لإناثهم}.
أخرجه أبو داود (4/ 330)، 26 – كتاب: اللباس، 14 – باب: في الحرير للنساء (4057)، وابن ماجه (4/ 179) 32 – كتاب: اللباس، 19 – باب: لبس الحرير والذهب للنساء (3595).
قلت سيف بن دورة: قلنا في تخريج سنن أبي داود: قال البزار: ولا نعلم فيما روي في ذلك حديثا ثابتا عند أهل النقل، وخالفه العقيلي فقال في ترجمة ثابت بن زيد: وهذا يروى بغير هذا الإسناد باسانيد صالحة. انتهى ومن شواهده في الحرير: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشق قطعة حرير بين الفواطم (وراجع كشف الاستار بتحقيقنا 3005)
2) عن طاوس عن ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – قال: “شهدتُ العيدَ مع النبي – ? – فصلَّى قبل الخُطبة، قال أبو عبدالله: وزاد ابن وهب عن ابن جريج “فأتَى النساءَ فأمرهنَّ بالصدقة، فجعلنَ يُلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال، وفي رواية: “فجعلت المرأة تصدَّق بخرصها وسخابها”، وفي رواية “فجعلتِ المرأةُُ تلقي قُرطَها”.
قال ابن حجر: “قال ابن بطال: الخاتم للنِّساء من جملة الحلي الذي أُبيح لهنَّ”.
“فتح الباري” (10/ 331).
3) قال البخاريُّ في الترجمة: “وكان على عائشة خواتيمُ الذهب”؛ ذكره معلقًا في صحيحه، ووصله ابن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال: “سألتُ القاسم بن محمَّد، فقال: “لقد رأيتُ – والله – عائشةَ تلبس المعصفر، وتلبس الخواتيمَ الذهب”.
وهذا دليلٌ قوي على الإباحة.
4) عن أم سلمة- رضي الله عنه – قالت: “كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: “يا رسول الله، أكنز هو؟
فقال: ((ما بلغ أن تُؤدَّى زكاتُه فُزكِّي، فليس بكنز)).
أخرجه أبو داود (2/ 122)، والبيهقي (4/ 140)، قال الترمذي: حسن غريب، وصحَّحه الحاكم، قال ابن عبدالبر: سنده جيد؛ انظر: “عون المعبود” (2/ 5).
5 – قلت سيف بن دورة: ورد كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم – دعى أمامة بنت أبي العاص بنت ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا ابنتي. يعني خاتم من ذهب فصه حبشي أهداه له النجاشي.
وبعد تقريرِ ما عليه جمهورُ أهل العِلم سلفًا وخلفًا من المحدِّثين والفقهاء من إباحة الذَّهب للنِّساء.
لْنُلْق الضوء على هذه أحاديث تُفيد الحُرْمة، وما أجاب به العلماءُ على هذه الأحاديث:
الأحاديث التي جاءتْ في تحريم الذَّهب على النِّساء:
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -?-: {مَن أحب أن يُحلِّق حبيبَه بحلقه من نار، فليحلقْه حلقةً من ذهب، ومَن أحبَّ أن يُطوِّق حبيبَه طوقًا من نار، فليطوقْه طوقًا- وفي رواية: فليسوِرْه سوارًا – من ذهب، ولكن عليكم بالفِضة فالعبوا بها}.
أخرجه البيهقي (4/ 140) كتاب: الزكاة، باب: سياق أخبار تدلُّ على تحريم التحلِّي بالذهب.
2 – عن ثوبان – رضي الله عنه – قال: “جاءت بنت هبيرة إلى النبيِّ -? -وفي يدِها فتخ من ذهب – أي: خواتيم كبار – فجعل النبي -?-يضرب يدَها بعصية معه يقول لها:
{أُيسُرُّكِ أن يجعلَ الله في يدِكِ خواتيمَ من نار؟!}، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي -? -على فاطمةَ وأنا معه، وقد أخذتْ من عُنقِها سلسلةً من ذهب، فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن؛ تعني: زوجها عليًّا – رضي الله عنه – وفي يدِها سلسلةٌ، فقال النبي ?-: {يا فاطمةُ، أيسرُّكِ أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدِها سلسلة من نار؟}، ثم عذمها عذمًا شديدًا، فخرج ولم يقعدْ، فعمدتْ فاطمة إلى السلسلة، فاشترتْ بها نسمة فأعتقتها، فبلغ ذلك النبي -? – فقال: {الحمدُ لله الذي نجَّى فاطمةَ من النار}.
أخرجه أحمد (8/ 158)، والحاكم (3/ 153) كتاب معرفة الصحابة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
3 – عن عائشة – رضي الله عنها -: أنَّ النبي – ? – رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب، فقال: {ألقيها عنكِ، واجعلي قلبين من فِضَّة، وصَفِّريهما بزعفران}، والقلب: كالسوار؛ ذكره ابن الأثير.
4 – عن أمِّ سلمة – رضي الله عنه – زوجِ النبي – ? – قالت: “جعلتْ شعائر مِن ذهب في رقبتها، فدخل النبي -?
– فأعرضَ عنها فقلت: ألاَ تنظر إلى زِينتها فقال: {عَن زِينتكِ أُعرِض}، قال: زعموا أنَّه قال: ما ضرَّ إحداكنَّ لو جعلت خرصًا، من ورق، ثُم جعلتْه بزعفران.
أخرجه أحمد (6/ 315).
قال ابن القَيِّم – رحمه الله -: “اختلف الناس في هذه الأحاديث، وأُشكِلت عليهم، فطائفة: سلكت بها مسلكَ التضعيف وعلَّلتْها كلَّها.
وطائفة: ادَّعتْ أنَّ ذلك كان أوَّل الإسلام ثم نسخ، واحتجَّت بحديث أبي موسى عن النبي -?- قال: {أُحِلَّ الذهب والحرير للإناث من أمَّتي، وحُرِّم على ذكورها}؛ قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وطائفة: حملتْ أحاديثَ الوعيد على مَن لم تؤدِّ زكاة حُليِّها، فمَن أدتْه فلا يلحقها هذا الوعيد، واحتجُّوا بحديث أمِّ سلمة (حديث الكنز) المتقدِّم.
وطائفة من أهل الحديث: حملتْ أحاديث الوعيد على مَن أظهرتْ حُليَّها وتبرجت بها دونَ مَن تزينت به لزوجها.
“تهذيب سنن أبي داود” لابن القيم (6/ 126).
وذكر المنذري هذه الوجوه وقال ثالثاً:
أنَّ ذلك في حقِّ مَن تزينت به وأظهرتْه، ويدلُّ لهذا ما رواه النسائي، وأبو داود عن ربعي بن حراش، عن امرأته، عن أختِ حذيفة: أنَّ رسول الله – ? – قال: ((يا معشرَ النِّساء، أمَا لكنَّ في الفضَّة ما تحلين بها، أمَا إنَّه ليس منكنَّ امرأة تتحلَّى تُظهِره إلاَّ عُذِّبت به)).
أخرجه أبو داود (4/ 11810) كتاب: الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء (4237).
قال النسائي: “باب الكراهية للنِّساء في إظهار الحلي والذهب”، ثم صدَّره بحديث عقبة بن عامر:
رابعًا: أنَّه إنَّما منع منه حديث الأسورة (وهو حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ امرأة أتتِ النبي -?-ومعها ابنةٌ لها وفي يدي ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتُعطين زكاةَ هذا؟)) قالت: لا، قال: ((أيسرُّكِ أن يُسوِّرَكِ الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟)) قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي – ?- وقالت: هما لله – عزَّ وجلَّ – ولرسوله”.
أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/ 55، 4600). وأبو داود 1563
قلت سيف بن دورة: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النسائي: خالد أثبت من المعتمر وحديث معتمر أولى بالصواب، وأشار البيهقي لتفرد عمرو بن شعيب، وانكره ابن حبان. وحديث أم سلمة أخرجه أبوداود 1564 (ما بلغ أن تؤدي زكاته فليس بكنز) انكره البيهقي على ثابت بن عجلان بسبب تفرده عن عطاء، وعطاء لم يسمع ام سلمة (تحقيقنا لسنن أبي داود)
قال الحافظ البيهقي في “السنن الكبرى” بعدما ساق الأحاديث … واستدللْنا بحصول الإجماع على إباحته لهنَّ على نسْخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهنَّ خاصَّة”.
قال ابن حزْم: والحاكم على كلِّ ذلك؛ (أي: أحاديث الوعيد) هو حديث أبي موسى الأشعري: أنَّ رسول الله -?
– قال: {إنَّ الله أحلَّ لإناثِ أمَّتي الذهب والحرير، وحرَّمه على ذُكورِها}، وقال: هو أثرٌ صحيح.
أخرجه النسائي (8/ 190)، كتاب: الزينة 76 – باب: تحريم لبس الذهب.
قال ابن مفلح الحنبلي- بعدما ذكر المنعَ من لبس الذهب عن أبي هريرة والحسن البصري – قال: “وما يدلُّ لهذا القول من الأخبار يحمل – بتقدير صِحَّتها – على تحريم السابق لصحةِ أحاديث الإباحة وتأخُّرها”.
هذه بعض إجابات العلماء على سبيل الإجمال، وسنذكر ما قالوه فيها على التفصيل:
أولاً: من ناحية السَّند:
حديث ثوبان – رضي الله عنه – قال: “جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله -?
– وفي يدِها فتخ من ذهب … ” الحديث.
قال ابن القطان في هذا الحديث: عِلَّتُه أنَّ الناس قالوا: إنَّ رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام منقطعةٌ عن يحيى.
قال: حدَّثني زيدُ بن سلاَّم، وقد قيل: إنَّه دلَّس ذلك، ولعلَّه كان أجازه زيد بن سلام، فجعل يقول: حدَّثنا زيد. ا. هـ
“تهذيب سنن أبي داود” لابن القيم (6/ 126).
كما وافق الحافظُ الذهبي في “ميزان الاعتدال” ابنَ القطَّان على أنَّ رواية يحيى عن زيدِ بن سلاَّم منقطعة؛ لأنَّها من كتاب وقع له، وبهذا يتبيَّن تساهل المنذري في تصحيح هذا الحديث، ومِن ذلك كلِّه يتبيَّن أنَّ إطلاق الصحة في هذا الحديث فيه نظر، والله أعلم.
قلت سيف: وفي القول الجلي ص58 رجح رواية معمر التي فيها مبهم على رواية أبي داود، وعلى فرض تصحيح رواية أبي داود فقد قال معاوية بن سلام وابن معين أن يحيى بن أبي كثير لم يسمع من زيد بن سلام، والحديث قال ابن عبدالبر: يرويه يحيى بن أبي كثير، ولا يصح. انتهى
وله طريق أخرى من طريق أبي الاشعث الصنعاني عن أبي اسماء الرحبي عن ثوبان، وظاهره الحسن، لكن تفرد الروياني به يجعل في القلب ريبه.
ثانيًا: من ناحية المتن:
قال ابن حزم عن حديث ثوبان – رضي الله عنه -: “أمَّا ضرب رسول الله-?
-يدي بنت هبيرة …
وخلاصة كلامه: أنَّ ضَرْب يدي بنت هبيرة ليس من أجْل الخواتيم، وأنَّ إنكار النبي –
?-على فاطمة إمساكَها السلسلة بيدها هو لمعنًى الله أعلم به، ولو كان للتحريم لما أقرها على بيعها.
وأنَّ الثواب المذكور ليس لبيعها السلسلةَ، بل لإعتاقها الغلامَ الذي أعتقته. اهـ.
وقيل: إنَّه على تقدير صحَّة الحديث، فيُحمل الوعيدُ المذكور فيه على ما كان من الذَّهب ضخمًا، ويُؤيِّده تفسير “الفتخ” في الحديث نفسِه بخواتيم كِبار، وعند البخاري في حديث ابن عبَّاس، قال عبدالرازق: الفتخ: الخواتيم العِظام في الجاهلية”.
هذا ما قيل في حديث ثوبان من ناحية السَّند والمتن.
وأمَّا عن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – {مَن أحبَّ أن يُحلِّق حبيبَه … إلخ}:
فهذا ما قيل فيه: “هذا ممَّا يُظنُّ أنه ورد في النساء خاصَّة، والصواب أنَّه خاصٌّ بالرِّجال، وذلك من وجهين:
1 – أنَّ قوله في الحديث: {حبيبَه} يدلُّ على أنَّ المراد به الرجال.
2 – قوله في آخر الحديث: {لكن عليكم بالفِضة} خطاب بلفظ المذكَّر.
وأمَّا عن حديث عائشة – رضي الله عنها -:أنَّ النبي رأى في يدها قلبين ملويين من ذهب فقال: {ألقيهما عنكِ، واجعلي قلبين من فضَّة وصَفِّريهما بزعفران}.
فالجواب عنه من ناحية سنده: أنَّ النسائي قال فيه بعدما رواه على خِلاف هذا اللفظ: “هذا غير محفوظ”.
وأمَّا عن متنه فهو تزهيد خاص بازواجه، لا تشريع عام.
وعندَ النسائي عن عقبة بن عامر: أنَّ النبي -?-كان يمنع أهلَه الحلية والحرير، ويقول: {إن كنتم تُحبُّون حليةَ الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا}.
قال السِّندي في حاشيته على النسائي: “الظاهر أنَّه يمنع أزواجَه الحِلية مطلقًا، سواء كانت من ذهب أو فضة، ولعلَّ ذلك مخصوصٌ بهم، ليؤثروا الآخرة على الدنيا، وكذا الحرير”.
قلت سيف بن دورة الكعبي: وحمل الألباني حديث عقبة على الزهد، وحمله الشوكاني على التحريم لكن على الرجال كما في تعزيز الوشي وتعقبه المحقق ط. الآثار: بأنه ورد في رواية: (إن كنتم تحببن حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا) لذا حمله ابن حجر على إظهار الحلي – يعني التبرج، وعليه تبويب النسائي.
وأمَّا عن حديث أمِّ سلمة – رضي الله عنها – زوجِ النبي-?-قالت: “جعلت شعائر من ذهب … إلخ”:
فالجواب عنه كالذي قبله.
مع أنَّ قول الراوي هو عطاءُ بن أبي رباح فلم يُسندْه إلى أمِّ سلمة، فهو ضعيفٌ، وقد أسنده ليث بن أبي سليم عنه، ولكنْ ليث ضعيف مِن قِبل حِفْظه.
قلت سيف: عطاء لم يسمع من ام سلمة كما في تحفة التحصيل (راجع تعزيز القول الجلي ص119)
ولقد جاءتْ بعض الأحاديث التي تحرِّم الذهبَ على النساء، ولكنَّها ضعيفة لا يصلح الاحتجاج بها، ولولا خشيةُ الإطالة لذكرْناها، ولكن نكتفي بهذه الأحاديث الأربعة، حيث إنَّها العمدة في تحريم الذَّهب على النساء.
(هـ) قال السيوطي في شرحه على النسائي بعد ذِكْر حديث في تحريم الذهب على النساء: “وهذا منسوخ بحديث: {إنَّ هذين حرامٌ على ذكور أمَّتي، حِلٌّ لإناثها}، قال ابن شاهين في “ناسخه”: كان أوَّلَ الأمر تَلبسُ الرِّجال خواتيم الذهب وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع على الناس كلِّهم، ثم أباحه رسول الله – ? – للنِّساء دون الرِّجال، وفي الأثر الذي رواه أحمد عنه: أنَّه كان يقول لابنته: “يا بنيةُ، لا تلبسي الذهبَ، إنِّي أخشى عليكِ اللهب، ولا تلبسي الحريرَ، إنِّي أخشى عليك الحريق”.
والجواب عن هذا: أنَّ قوله ليس نصًّا صريحًا في تحريم الذهب، فلعلَّه أراد بهذا الزَّجرِ تزهيدَ أهله في الحِلية، كما كان الرسول – ? -يفعل ذلك بأهلِه، حيث كان يمنعهم منهما، ويرغبهم في الآخرة.
وكذلك لعلَّه خشي من أن يُلهِيها عن طاعة الله، فتترك ما عليها مِن واجبات لله – تعالى – وفي هذا المعنى جاء عن النبي -? – حديثُ ابن حبَّان في صحيحه [95]، أنَّه قال: {ويلٌ للنِّساء من الأحمرين: الذَّهب، والمعصْفَر}،
قلت سيف: ومثل هذا التوجيه يوجه به أثر أبي هريرة وأرادت بعض البنات أن يعرن ابنته ذهبا فقال: أخشى عليك اللهب. يعني خشي عليها فتنة الذهب، وإلا هو لم ينكر على البنات (راجع تعزيز القول الجلي)
(و) وأمَّا عن حديث معاوية في نهي رسول الله -? -عن لبس الذهب إلاَّ مقطعًا”:
وروى النسائي: أنَّ معاوية قال لبعض الصحابة: “أتعلمون أنَّ رسول الله – ? -نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: اللهمَّ نعم، قال: ونهى عن لبس الذهب إلاَّ مقطعًا؟ قالوا: نعم.
فذَكَر بجانب تحريم الحرير – وهو المحرَّم -على الرِّجال تحريم الذهب إلاَّ مقطعًا، ومعلوم أنَّ الذهب محرَّم على الرِّجال، وممَّا يدلُّ على أنَّ النهي في الاثنين مختصٌّ بالرِّجال.
وكذلك مما يؤيِّد هذا: قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: “أمَّا باب اللباس، فإنَّ لباس الذهب والفضة يُباح للنِّساء بالاتِّفاق، ويُباح للرِّجال ما يُحتاج إليه من ذلك، ويُباح يسيرُ الفضَّة للزينة، وكذلك يسيرُ الذهب التابع لغيره كالطرز ونحوه في أصحِّ القولين في مذهب أحمد وغيره، فإن النبي -?- نهى عن لبس الذهب إلاَّ مقطعًا”.
مجموع الفتاوى” (25/ 64).
فذكر ابن تيمية أنَّ الإمام أحمد – رضي الله عنه – حملَ حديثَ معاوية على الرِّجال، حيث أباح لهم يسيرَ الذَّهب كالطرز ونحوه؛ للاستثناء في الحديث، وأقرَّه على ذلك، وممَّا يدلُّ على موافقة ابن تيمية لأحمد: أنَّه فسَّر المقطَّع بأنَّه التابع لغيره، لا المفرد، قال ابن القَيِّم: “سمعت شيخ الإسلام يقول: حديث معاويةَ في إباحة الذَّهب مقطَّعًا هو في التابع غير المفرد، كالزِّر والعلم نحوه، والمفرد كالخاتم وغيره، وحديث الخريصة؛ [أي قوله -?-: “من تحلَّى بخريصة كوي به يوم القيامة))]، هو في الفرْد كالخاتم وغيره، فلا تعارض بينهما، والله أعلم”.
وفي موضِع آخَرَ قال: “وفي يسيرِ الذَّهب في باب اللِّباس – أي: بالنسبة للرِّجال – عن أحمد أقوالٌ، أحدها: الرُّخصة مطلقًا لحديث معاوية: “نهى عن لبس الذهب إلاَّ مقطَّعًا”، ولعلَّ هذا أقوى من غيره، وهو قول أبي بكر.
الثاني: الرخصة في السلاح فقط.
الثالث: في السيف خاصَّة، وفيه وجهٌ بتحريمه مطلقًا لحديث أسماء “لا يُباح من ذهب ولا الخربصيصة والخربصيصة: عين الجرادة، ولكن هذا قد يحمل على الذَّهب المفرد، كالخاتم دون التابع”.
وقد ذكر النَّسائيُّ الحديث في باب: “تحريم الذهب على الرجال” ممَّا يدلُّ على أنَّه يراه خاصًّا بالرجال، وأبيح لهم من ذلك اليسير كالعلم، ونحو ذلك ممَّا ثبت في السُّنة، ويشير إلى حديث معاوية السابق، وقال الشوكاني: “وقوله: نهى عن لبس الذهب إلاَّ مقطَّعًا” لا بدَّ من تقييد المقطَّع بالقدر المعفوِّ عنه، لا بما فوقَه؛ جمعًا بين الأحاديث”.
—–
{حكم التحلي بالفضة}
أولاً:
المطلب الأول:
قد أباح الشارع التحلِّي بالفضة عمومًا للنساء، ولم يحرِّم عليهنَّ منها شيئًا، وأباح للرِّجال التختُّم بالفضة؛ لِمَا ثبت في السُّنة المطهَّرة من أحاديث تُجيز ذلك، بل يكون لبسُه مسنونًا، قال ابن عربي: “الخاتم عادة في الأمم ماضية، وسُنَّة في الإسلام قائمة”، ويعني: خاتم الفِضة، وقد كان النبي-? -يلبس خاتمَ الفضة، وتختَّم الصحابة في عهده، وأقرَّهم على ذلك، وجاء في ذلك أحاديثُ وأقوالٌ نكتفي بالآتي:
1 – عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: “أنَّ رسول الله -? -اتَّخذ خاتمًا من ذهب، وجعل فصَّه ممَّا يلي كفه، ونقش فيه: “محمد رسول الله”، فاتَّخذ الناس مثلَه، فلمَّا رآهم قد اتَّخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبدًا، ثم اتَّخذ خاتمًا من فضة، فاتَّخذ الناس خواتيمَ فضَّة، قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعدَ النبي -?- أبو بكر، ثم عثمان حتى وقع مِن عثمان في بئر أريس”.
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب اللباس – باب خاتم الفضة)، انظر: “الفتح” (10/ 318).
2 – عن أنس – رضي الله عنه – قال: “كان خاتمُ النبي -? – من وَرِق، وكان فصُّه حبشيًّا”.
أخرجه مسلم (3/ 1658) كتاب اللباس – باب في خاتم الورق فصُّه حبشيٌّ، رقم (2094).
قال القرطبي: “أجمع العلماء على جوازِ التختُّم بالفضَّة على الجملة للرِّجال”.
تفسير القرطبي” (10/ 87).
ثانياً:
وهناك سؤالٌ وهو: هل يجوز التحلِّي بغير الخاتم من الفِضَّة للرِّجال؟
قال صاحب “الهداية” في الفِقه الحنفي: “إنَّه لا يجوز للرَّجل التحلِّي بالذَّهب والفضَّة إلاَّ بالخاتم والمنطقة وحلية السيف، ثم قال: “وقد جاء في إباحةِ ذلك آثار”، فذكر أحاديثَ إباحةَ خاتم الفضَّة، وأحاديث السيف.
وقال النووي في “المجموع”: “وأمَّا الفضَّة، فيجوز للرِّجال التختُّم بها، وهل له ما سوى الخاتم مِن حلي الفضة كالدمالج والسوار والطوق والتاج: فيه وجهان، قطع الجمهور بالتحريم”.
“المجموع” (6/ 38).
وذَكر ابنُ حجر الهيثمي في كتابه “الزواجر”: “الكبيرة السادسة بعد المائة: تحلِّي الذَّكَر البالغ العاقل بذهب كخاتم، أو فضَّة غير خاتم”
“الزواجر عن اقتراف الكبائر” (1/ 154).
، فعدَّ مِن الكبائر التحلِّي بغير الخاتم من الفضَّة.
قال ابن تيمية – رحمه الله -: “فأمَّا لباس الفضة: إذا لم يكن فيه لفظ عامٌّ بالتحريم، لم يكن لأحد أن يُحرِّم منه إلاَّ ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءتِ السُّنَّة بإباحة خاتم الفضَّة، كان هذا دليلاً على إباحة ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكنْ كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه”.
مجموع الفتاوى” (25/ 65).
قلت سيف بن دورة: حديث (كان قبيعة سيف رسول الله ذهبا) منكر، وكذلك لم يثبت أن قبيعة سيف عمر بن الخطاب ذهب، إنما ثبت أن قبيعة سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فضة (راجع الإرواء 823)
المطلب الثالث:
وأمَّا عن مقدار ما يُتَّخذ من الخاتم، فقال العلاَّمة الشيخ محمد السفاريني الحنبلي: “قال ابن حمدان مِن علمائنا في كتابه “الرِّعاية”: ويُسنّ أن تكون زِنةُ الخاتم الفضة دونَ مثقال، وظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب: لا بأسَ بأكثر من ذلك؛ لضعْف خبر بريدة: وهو أنَّ النبي -? -سُئِل عن الخاتم: من أيِّ شيء أتَّخذُه؟ قال: ((مِن فضَّة، ولا تتمَّه مثقالاً)).
الحديث أخرجه أحمد في “المسند”، انظر: “الفتح الرباني” (17/ 356)، وأبو داود (4/ 428)، والنسائي (8/ 172)، والترمذي (4/ 249)، وقال الترمذي: حديث غريب.
وعند فُقهاء الحنفيَّة ينبغي ألاَّ يَزيد الخاتمُ على الدِّرهم، وهو ما يساوي ثلاثةَ جرامات وثلث ولا دليل عليه.
المبحث الخامس:
{حكم التحلي بالحديد}
المطلب الأول:
ثَبَت عن النبي -? – النهيُ عن لباس حلية الحديد، وذلك في حديث عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما -: “أنَّ النبي – ? – رأى على بعض أصحابِه خاتمًا من ذهب، فأعرض عنه، فألْقاه واتَّخذَ خاتمًا من حديد فقال: ((هذا شرٌّ، هذا حليةُ أهل النار))، فألقاه فاتَّخذ خاتمًا من وَرِق، فسكت عنه”.
أخرجه أحمد، انظر: “الفتح الرباني” (17/ 257)، والبخاري في “الأدب المفرد”، انظر: “فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد” للجيلاني (2/ 500) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جَدِّه، وللحديث شواهدُ ومتابعاتٌ يرتقي بها إلى درجة الحُسن، ذَكَرها الألباني في “آداب الزفاف” (ص:27).
قال الخطابي: “إنَّما يُكره خاتم الحديد، وذلك من سهوكته ورِيحه، ويُقال: معنى حلية أهل النار: أنَّه زِيُّ بعض الكفَّار، وهم أهل النار”.
المطلب الثاني:
وقد ردَّ على القولِ بتحريم المفهوم من الحديث بحديثِ الصحيحَين: أنَّ النبي – ? – قال لرجل خَطَب امرأةً، ليس عنده مهر لها: {الْتَمسْ ولو خاتمًا من حديد} [124]، فدلَّ على عدم التحريم، أو أفاد الكراهيةَ.
والجواب: قال ابن حجر: فيحتمل أنَّه أراد وجودَه لتنتفع المرأة بقيمته”.
وأمَّا ما رواه معيقيب- رضي الله عنه – قال: “كان خاتم النبي -? – حديدًا ملويًّا عليه فضَّة، قال: “وربَّما كان في يدي، فكان معيقيب على خاتم رسول الله – ?.
أخرجه أبو داود والنسائي (8/ 323).
فهذا لا مخالفةَ فيه لحديث عبدالله بن عمرو؛ ولأنَّه يمكن الجمعُ بينهما بأن يحمل المنع على ما كان حديدًا صرفًا، كما قال الحافظ، على أنَّ القول مقدَّمٌ على الفِعْل، فالأخذُ به أولى من الأخْذ بحديث معيقيب عند تعذُّر الجمع.
وكَرِه ذلك بعضُ الأئمَّة، فقال أحمد في رواية مهنا: “أكره خاتمَ الحديد؛ لأنَّه حليه أهل النار”، والكراهة هنا بمعنى التحريم، وقال في رواية الأثرم، وقد سأله عن خاتم الحديد: ما ترى فيه؟ فذكر حديثَ عبدالله بن عمرو المتقدِّم.
المطلب الثالث:
وأمَّا ما عدا الحديد من الصُّفر والرَّصاص، وإن نَصَّ على كراهية اتِّخاذ الخاتم من ذلك بعضُ العلماء، إلاَّ أنَّه لا دليلَ ثابت في المسألة، وقد ورد حديثُ بُرَيدة: أنَّ النبي -? – قال لرجل لبس خاتمًا من صفر: {أجِدُ منك رِيحَ الأصنام}، قال: فما أتَّخذُ يا رسول الله؟ قال: {فضَّة}.
قال ابن مفلح الحنبلي: “إسناد حديث بريدة ضعيف، وقد ضعَّفه أحمد”.
قلت سيف بن دورة: حتى نقل ابن حزم الاتفاق على جوازه.
المطلب الرابع:
وأمَّا التحلِّي بالعقيق: فلم يثبت فيه عن النبيِّ – ? – تحريمٌ ولا استحباب، قال العلاَّمة السفاريني: “وردتْ عدَّة أحاديث ذكرها الحافظ ابن رجب في كتابه “كتاب الخواتيم”، وأعلَّها كلَّها، قال في كتابه: “ظاهر كلام الأكثر أنَّه لا يُستحب”.
قال: “وهو ظاهرُ كلام الإمام أحمدَ – رضي الله عنه – في رواية مهنا، وقد سأله عن السنُّة – يعني: في التختُّم – قال: لم تكن خواتيمُ القوم إلاَّ فضَّة”.
وقد جاء في ذلك حديث: {تختَّموا بالعقيق، فإنَّه مبارك}؛ وهو حديثٌ موضوع، قال العقيلي: لا يثبت في هذا الشيء، وذكره ابن الجوزي في “الموضوعات”.
قلت سيف بن دورة: لا يصح حديث في فضل التختم بشئ من المعادن ومن الأحاديث الموضوعة (تختموا بالزمرد فإنه يسر لا عسر فيه) وحديث (تختموا بالياقوت فإنه ينفي الفقر)
المبحث السادس: ما ورد في فص الخاتم ونقشه والتختم باليمين أو اليسار.
المطلب الأول:
وردتْ بعضُ الأحاديث عن النبي -? -في صِفة فصِّ خاتمه:
1 – عن أنس – رضي الله عنه -: أنَّ النبي – ? – كان خاتمُه من فضَّة، وكان فصُّه منه”.
أخرجه البخاري في صحيحه في (كتاب اللباس – باب فص الخاتم)؛ انظر: “فتح الباري” (10/ 322).
2 – وعنه – رضي الله عنه – أيضًا: “كان خاتمُ النبي -? – من وَرِق، وكان فصُّه حبشيًّا”.
أخرجه مسلم (3/ 1658).
فذكر في الحديث الأوَّل: في فصِّ خاتمه كان من فضَّة، وفي الثاني: أنَّ فصَّه كان حبشيًّا، فأوهم التعارض، لكن قال ابن حجر: “ولا تعارُضَ بين الحديثين؛ لأنَّه إمَّا أن يحمل على التعدُّد، وحينئذ فمعنى قوله: “حبشيًّا”؛ أي: كان حجرًا من بلاد الحبشة، أو على لون الحبشة، أو كان جزعًا أو عقيقًا؛ لأنَّ ذلك قد يُؤتَى به من بلاد الحبشة، ويُحتمل أن يكون هو الذي فصه منه، ونُسب إلى الحبشة لصفةٍ فيه؛ إمَّا الصياغة، أو النقش”.
المطلب الثاني:
وفي جعل الخاتمِ في باطن الكفِّ أو ظاهرها وردَ حديثُ نافع: أنَّ عبدالله حدَّثه: أنَّ النبي -? – اصطنع خاتمًا من ذهب، وجعل فصَّه في بطن كفيه إذا لبسه … إلخ الحديث.
أخرجه البخاري في صحيحهفي (كتاب اللبس – باب جعل فص الخاتم في بطن كفه)؛ انظر: “الفتح” (10/ 325).
وجاء في حديث آخر من طريق ابن إسحاقَّ، قال: “رأيت على الصلت بن عبدالله خاتمًا في خِنصره اليمين، فسألته فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمَه هكذا، وجعل فصَّه على ظهرها ولا إخالُ ابنَ عبَّاس إلاَّ ذَكَره عن النبي -?.
أخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق (4/ 432).
قال الحافظ: “قال ابن بطال: ليس في كون فصِّ الخاتم في بطن الكف أو في ظهرها أمرٌ ولا نهي”.
“فتح الباري” (10/ 325).
وقال غيره: السر في ذلك أنَّ جَعْله في باطن الكفِّ أبعدُ من أن يُظنَّ أنَّه فعَلَه للتزيُّن به.
المطلب الثالث:
وأمَّا عن نقْش الخاتم، فلا بأسَ به فقد نَقشَ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – خاتمَه، وكان نقشُه “محمد رسول الله” كما ثبت عن أنس – رضي الله عنه -: أنَّ النبي – ? -اتَّخذ خاتمًا من فضَّة، ونقش فيه: “محمد رسول الله”، وقال: إني اتَّخذت خاتمًا من وَرِق، ونقشت فيه: “محمد رسول الله”، فلا ينقش أحدٌ على نقشه”.
أخرجه البخاري في صحيحه في (كتاب اللباس – باب: قول النبي – ?-: لا ينقش على نقش خاتمه)؛ انظر: “الفتح” (10/ 327).
في الحديث جوازُ النقش على الخاتم مطلقًا، وأمَّا نهيُه عن أن ينقش أحدٌ على نقشِه لئلاَّ تفوتَ مصلحةُ نقش اسمه بوقوعِ الاشتراك؛ ذكره الحافظ.
قال الحافظ: “أخرج ابن أبي شيبةَ في “المصنف” عن ابن عمرَ أنَّه نقش خاتمه: “عبدالله بن عمر”.
وقال ابن بطال: وكان مالك يقول: مِن شأن الخلفاء والقضاة نقشُ أسمائهم في خواتمهم، وأخرج ابنُ أبي شيبة عن حُذيفةَ وأبي عُبَيدةَ أنَّه كان نقش خاتم كلِّ واحد منهما: “الحمد لله” وعن علي – رضي الله عنه -: “الله الملك”.
وعن إبراهيم النَّخَعي: “بالله”، وعن مسروق: “باسم الله”، وعن أبي جعفر الباقر: “العزة لله”، وعن الحسن والحسين قالاَ: لا بأسَ بنقش ذِكْر الله على الخاتم.
قال النووي: وهو قول الجمهور.
المطلب الرابع:
أمَّا عن التختُّم باليمين أو اليسار، فقد وردتْ عدَّة أحاديثَ عن النبي -? – في التختُّم باليمين، وكذلك باليسار، واختلفت تلك الأحاديثُ اختلافًا لا يمكن الترجيح بينها، ولكن وَفَّق العلماء بينها بأقوال ذَكَرها الحافظ في “الفتح”، فمن الأحاديث في تختُّمه باليمين:
1 – عن أنس – رضي الله عنه -: “أنَّ النبي – ?- كان يتختَّمُ في يمينه”.
أخرجه النسائي، كتاب الزينة – باب صفة خاتم النبي -? – (8/ 173).
2 – عن أبي سلمةَ بن عبدالرحمن: “أنَّ النبي -?-كان يتختَّم في يمينه”.
أخرجه النسائي، كتاب الزينة – باب موضع الخاتم في اليد (8/ 175).
3 – عن حمَّاد بن سلمة قال: “رأيت ابنَ أبي رافع – عبدالله بن أبي رافع – مولى رسول الله -?-فسألتُه عن ذلك، فقال: رأيتُ عبدالله بن جعفر يتختَّم في يمينه، وقال عبدالله بن جعفر: “كان النبي -? – يتَختَّم في يمينه”.
أخرجه النسائي، كتاب الزينة – باب موضع الخاتم في اليد (8/ 175)، والترمذي (4/ 228)، وقال البخاري: “هذا أصحُّ شيء رُوي في هذا الباب”.
4 – عن ابن شِهاب الزهري عن أنس: “أنَّ رسول الله -? – لبس خاتمَ فضَّة في يمينه، فيه فصٌّ حبشيٌّ، كان يجعل فصَّه مما يلي كفَّه”.
أخرجه مسلم (3/ 1658) “كتاب اللباس – باب في خاتم الورق فصُّه حبشي، والنسائي “كتاب الزينة – باب صفة خاتم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – (8/ 173).
ومما ورد في تختُّمه باليسار:
1 – عن أنس – رضي الله عنه – قال: “كان خاتمُ النبي -? – في هذه، وأشار إلى الخِنصر من يده اليُسرى”.
أخرجه مسلم (3/ 1956).
2 – عن ابن عمر – رضي الله عنه -: “أنَّ النبي -? – كان يتختَّم في يساره، وكان فصُّه في بطن كفِّه”.
أخرجه البيهقي في “السنن” (4/ 142).
3 – قال الدارقطني وغيره: “المحفوظ أنَّ النبي – ? – كان يتختم في يساره”.
انظر “إرواء الغليل” للألباني (2/ 298).
وقيل: إنَّ ما قاله الدارقطني هو في خصوص حديث معيَّن لا على العموم، وإلاَّ فأحاديث تختمه باليمين – عليه الصلاة والسلام – أصحُّ وأكثر، وبعضُها في الصحيحين.
وورد عنه – ?- بأنَّه لبس أولاً في يمينه، ثم حوَّلَه في يساره، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي في رواية عبدالله بن عطاء عن نافع عن ابن عمرَ: أنَّ النبي – ? – تختَّم في يمينه، ثم إنَّه حوَّله في يساره”، وهذا مرسل أو معضل، وقد جَمَع البغويُّ في “شرح السُّنة” بين ذلك فقال: تختَّم أولاً في يمينه، ثم تختَّم في يساره، وكان ذلك آخرَ الأمرين.
وقال النوويُّ في “شرح مسلم”: “أجمع الفقهاءُ على جواز التختُّم في اليمين، وعلى جوازِه في اليسار، ولا كراهةَ في واحدة منهما، واختلفوا أيتهما أفضل، فتختَّم كثيرون من السَّلف في اليمين، وكثيرون في اليسار، واستحبَّ مالكٌ اليسارَ، وكَرِه اليمين، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا، الصحيح أنَّ اليمين أفضلُ؛ لأنَّه زينة، واليمين أشرفُ وأحق بالزينة والإكرام”.
قال السيوطي: “قال ابن أبي حاتم: سألتُ أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك، فقال: لا يَثبتُ هذا، ولكن في يِمينه أكثر”، وممَّا يؤيِّد أفضلية اليمين ما ثَبَت عن النبي – ? – مِن استحبابِه التيامُنَ في جميع أموره من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: “كان النبي – ?- يُعجِبُه التيمُّنُ في تنعُّلِه وترجُّلِه وطُهوره، وفي شأنه كلِّه”.
أخرجه البخاري (كتاب الوضوء – باب التيمن – في الوضوء والغسل) (1/ 53).
والحقُّ ما قاله النووي مِن أنَّه يجوز التختُّم في الجميع، والأفضلية لليمين؛ لِمَا سبق، ولكثرة الأحاديث في ذلك، والله أعلم.
قلت سيف بن دورة: واختار أحمد اليسار ورجحه ابن رجب، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتختم في اليسار.
المطلب الخامس:
ويُكره وضْعُ الخاتم في السبَّابة والوسطى؛ للنهيِ الصحيح؛ فعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: “نهاني رسولُ الله – ?- أن أجعلَ خاتمي في هذه السبابةَ، أو التي تليها … “.أخرجه مسلم
قلت سيف بن دورة: راجع للاستزادة (الجامع في الخاتم للبيهقي) والوشي المرقوم في تحريم الذهب على العموم) والقول الجلي في حل لبس النساء للحلي) كلاهما الشوكاني، وتعليقنا على صحيح مسلم كتاب اللباس.
——