1510 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
1510 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنا سالم بن أبي أمية أبو النضر قال جلس إلي شيخ من بني تميم في مسجد البصرة ومعه صحيفة له في يده قال وفي زمان الحجاج فقال لي يا عبد الله أترى هذا الكتاب مغنيا عني شيئا عند هذا السلطان قال فقلت وما هذا الكتاب قال هذا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لنا أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا قال فقلت لا والله ما أظن أن يغني عنك شيئا وكيف كان شأن هذا الكتاب قال قدمت المدينة مع أبي وأنا غلام شاب بإبل لنا نبيعها وكان أبي صديقا لطلحة بن عبيد الله التيمي فنزلنا عليه فقال له أبي اخرج معي فبع لي إبلي هذه قال فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن سأخرج معك فأجلس وتعرض إبلك فإذا رضيت من رجل وفاء وصدقا ممن ساومك أمرتك ببيعه قال فخرجنا إلى السوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريبا فساومنا الرجال حتى إذا أعطانا رجل ما نرضى قال له أبي أبايعه قال نعم رضيت لكم وفاءه فبايعوه فبايعناه فلما قبضنا ما لنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لطلحة خذ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا قال فقال هذا لكم ولكل مسلم قال على ذلك إني أحب أن يكون عندي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب فخرج حتى جاء بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن هذا الرجل من أهل البادية صديق لنا وقد أحب أن تكتب له كتابا لا يتعدى عليه في صدقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا له ولكل مسلم قال يا رسول الله إني قد أحب أن يكون عندي منك كتاب على ذلك قال فكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب.
هذا حديث حسن.
………………………..
سبق الحديث في الصحيح المسند برقم 526، حسنه محققو المسند (3/ 22)
قوله: (فقلت لا والله ما أظن أن يغني عنك شيئا) لجور الأئمة في ذلك العصر، وعدم انقيادهم للحق، مع هذا كله ينهى عن الخروج عليه أو التحريض على ذلك.
(أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا) كما وصى النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما ارسله إلى اليمن – عند أخذ الزكاة من الأغنياء -: ” فإياك وكرائم اموالهم ” قال النووي في “شرح مسلم ” (1/ 197): أما الكرائم فجمع كريمة قال صاحب المطالع هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم او صوف.
قوله: (نهى أن يبيع حاضر لباد) كما جاء في الصحيحين، قال النووي في شرح مسلم: وفى رواية قال طاوس لابن عباس ما قوله حاضر لباد قال لا يكن له سمسارا وفى رواية لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وفى رواية عن أنس نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادى وبه قال الشافعى والأكثرون قال أصحابنا والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدى اتركه عندى لأبيعه على التدريج بأعلى قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكون عالما بالنهى فلو لم يعلم النهى أو كان المتاع مما لا يحتاج فى البلد ولا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادى صح البيع مع التحريم هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم وقال بعض المالكية يفسخ البيع ما لم يفت وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة يجوز بيع الحاضر للبادى مطلقا لحديث الدين النصيحة قالوا وحديث النهى عن بيع الحاضر للبادى منسوخ وقال بعضهم إنه على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى. انتهى
قلت: ويحمل فعل طلحة بن عبيد الله من باب النصيحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
أما بيع الحاضر للبادي فهو أن يأتي إنسان قادم من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه أو لبنه أو أقطه ليبيعه في السوق فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد ويقول يا فلان أنا أبيع لك هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض دع البدوي يبيع ربما يريد أن يبيع برخص لأنه يريد أن يرجع إلى أهله وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقده الثمن ولا يؤخره لأنه يعرف أنه صاحب بادية أن يرجع فيكون بذلك فائدة للبائع وهو البدوي ينقد له الثمن وفائدة للمشتري وهو أن الغالب أن البدوي يبيع برخص لأنه عجل لا ينتظر الزيادة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد واستدل العلماء رحمهم الله تعالى بالعلة على أنه إذا جاء البادي إلى الحاضر وقال يا فلان بع هذه السلعة لي فإنه لا بأس بذلك لأن البادي الآن يعلم أنه إذا باعه الحضري فهو غالبا أكثر ثمنا ولا يهمه أن يبقى يوما أو يومين من أجل أن يأخذ الثمن ولكن ظاهر الحديث العموم وأن الحاضر لا يبيع للبادي وأنه إذا جاء إليه قال يا فلان خذ سلعتي بعها يقول لا بعها أنت كذلك أيضا استنبط العلماء رحمهم الله من هذه العلة دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض أنه إذا كان السعر واحدا سواء باع الحاضر أو البادي فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي لأن السعر لن يتغير ومثال ذلك أن تكون الدولة قد قررت سعرا معينا لهذا النوع لا يزيد ولا ينقص فهذا لا فرق بين أن يبيعه الحاضر أو البادي ليس للحاضر مكسب وفائدة في ذلك فقالوا إذا كان السعر معلوما فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي واستبط بعض العلماء من العلة أنه لابد أن تكون السلعة هذه للناس بها حاجة يعني مما تتعلق به حوائج الناس وأما الشيء الذي لا يحتاجه الناس إلا نادرا فلا باس لكن هذا الاستنباط ضعيف والصواب أنه لا فرق بين السلعة التي يحتاجها الناس والسلعة التي لا يحتاجونها إلا نادرا الأمر.
قوله: (فكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب.) فيه جواز كتابة الحديث النبوي.
قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير فى كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف.
واختلفوا فى المراد بهذا الحديث الوارد فى النهى فقيل هو فى حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة اذا كتب ويحمل الأحاديث الواردة بالاباحة على من لايوثق بحفظه كحديث اكتبوا لابى شاه وحديث صحيفة على رضى الله عنه وحديث كتاب عمرو بن حزم الذى فيه الفرائض والسنن والديات وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذى بعث به أبو بكر رضى الله عنه أنسا رضى الله عنه حين وجهه إلى البحرين وحديث أبى هريرة أن بن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب وغير ذلك من الأحاديث وقيل ان حديث النهى منسوخ بهذه الأحاديث وكان النهى حين خيف اختلاطه بالقرآن فلماأمن ذلك أذن فى الكتابة وقيل انما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن فى صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القاراء فى صحيفة واحدة والله أعلم. انتهى كلام النووي.
قَالَ الْعُلَمَاء. كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كِتَابَة الْحَدِيث وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا , لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتْ الْهِمَم وَخَشِيَ الأَئِمَّة ضَيَاع الْعِلْم دَوَّنُوهُ .. أهـ “فتح الباري” (1/ 208).