1509 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة محمد البلوشي وجمعه النعيمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
1509 – قال أبو داود رحمه الله (ج5/ ص41): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَأَىنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: ((إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)).
قال المحدث مقبل الوادعي: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين.
الحديث أخرجه النسائي (ج5/ص99)، وأحمد (ج5/ص362)، فقال: عبد الله بن نمير عن هشام عن أبيه، … به. انتهى.
—————
الحديث أورده أبوداود في السنن، كتاب (3): الزكاة، باب (23): من باب مَن يُعْطي من الصدقة وحَدُّ الغِنى ((1633))، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب ():الزكاة، باب (): مسألة القوي المكتسب ((2598))، وأحمد (ج4 ص224) وأبوعبيد (ص549) والدارقطني (ص211) والطحاوي (ص303) والطبراني والبيهقي (ج7 ص14) كلهم من حديث هشام بن عروة عن أبي عبيد الله بن عدي بن الخيار.
وقد سكت عنه أبوداود والمنذري. وقال الحافظ في بلوغ المرام: قواه أبوداود. وقال أحمد: ما أجوده من حديث، وقال هو أحسنها إسناداً. وقال صاحب التنقيح: حديث صحيح ورواته ثقات. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وفي الإرواء ((3) / (381)).
(عن عبيد الله بن عدي بن الخيار): بكسر الخاء المعجمة فمثناة تحتية آخره راء. قال الطيبي: وهو قرشي نوفلي يقال: إنه ولد في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويعد في التابعين وروى عن عمر وعثمان – رضي الله عنهما -. كما نقله صاحب العون.
وراجع حول هذا المعنى حديث في الصحيح المسند
1497 – قال الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل من بني هلال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلح الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي.
وحديث 1491 أخرجه أبوداود من حديث رجل من بني اسد وجاء يسال النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الرجل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم
لا أجد ما أعطيك فغضب. …
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهما قال فرجعت
وراجع كذلك حديث رقم 1449 من الصحيح المسند
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه ـ قال يحيى: ذكر شيئا لا أدري ما هو ـ بورك له فيه ورب متخوض في مال الله ورسوله فيما اشتهت نفسه له النار يوم القيامة.
فقد نقلنا بحثا طويلا في إصلاح المال.
شرح الحديث:
(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: (أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ): زاد الطحاوي في شرح الآثار (ص303): من قومي ولم أقف على تسميتهما. أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (حَجَّةِ الْوَدَاعِ) بفتح الواو. (وَهُوَ يُقَسِّمُ) بفتح الياء وكسر السين. (الصَّدَقَةَ): أي أموالها. (فَسَأَلَاهُ مِنْهَا) أي: طالباه أن يعطيهما شيئاً من تلك الصدقة. (فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ): في نسختي العون والبذل من نسخ السنن لأبي داود البصر بدل النظر. وكذا وقع عند أبي عبيد والطحاوي والدارقطني والبيهقي من طريق أبي داود. وكذا نقله الزيلعي والحافظ في تخريجهما. ووقع في نسخة معالم السنن النظر كما في الكتاب، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول. ولفظ أحمد والنسائي فقلب فيهما البصر، وفي رواية لأحمد فصعد فيهما البصر، وللبيهقي في رواية فصعد فينا النظر، وصوب. وفي رواية فصعد البصر، قاله أبو الحسن عبيد الله المباركفوري في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح). وَخَفَضَهُ، (فَرَأَىنَا جَلْدَيْنِ) بفتح الجيم وسكون، أي: قويين، فَقَالَ: ((إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا)) أي: منها، ووكلت الأمر إلى أمانتكما، لكن تكونان في خطر الأخذ غير حق إن كنتما قويين كما دل عليه حالكما أو غنيين ((وَلَا حَظَّ)) أي: نصيب. ((فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)). بصيغة الفاعل أي قادر على الكسب. قال الطيبي: أي لا أعطيكما؛ لأن في الصدقة ذلاً وهواناً.
فإن رضيتما بذلك أعطيتكما أو لا أعطيكما؛ لأنها حرام على القوي المكتسب، فإن رضيتما بأكل الحرام أعطيكما قاله توبيخاً وتغليظاً، أي كقوله تعالى: {ومن شاء فليكفر} [الكهف:29] وقال السندي: قوله “إن شئتما” الخ يدل على أنه لو أدى أحد إليهما يحل لهما أخذه ويجزيء عنه، وإلا لم يصح له أن يؤدي إليهما بمشيئتهما فقوله ((وَلَا حَظَّ فِيهَا)) الضمير للصدقة على تقدير المضاف، أي في سؤالها أو للمسألة المعلومة من المقام – انتهى. وقال ابن الهمام: الحديث دل على أن المراد حرمة سؤالهما لقوله “وإن شئتما أعطيتكما” فلو كان الأخذ محرماً غير مسقط عن صاحب المال لم يفعله – انتهى. ((مكتسب)): يكتسب قدر كفايته. [نيل الأوطار، 3/ 69].
والحديث من أدلة تحريم الصدقة على الغني، وهو تصريح بمفهوم الآية وإن اختلف في تحقيق الغني بما سلف وعلى القوي المكتسب، لأن حرفته صيرتة في حكم الغني. ومن أجاز له تأول بما تقدم في أول كلام الطيبي وفي كلام السندي وابن الهمام.
من الفوائد أيضاً:
– الزكاة في اللغة: الزيادة والنماء، فكل شيء زاد عدداً، أو نما حجماً فإنه يقال: زكا. فيقال: زكا الزرع، إذا نما وطال.
وأما في الشرع: فهي التعبد لله تعالى بإخراج قدر واجب شرعاً في أموال مخصوصة لطائفة أو جهة مخصوصة. [انظر: لسان العرب (14/ 358)، وفتح القدير، (2/ 399)].
والصدقة لغة: مأخوذة من الصدق؛ إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه. [انظر: فتح القدير، (2/ 399)].
– الأصل أن سؤال المال والمنفعة الدنيوية ممن لا حق له فيه أي في المسئول منهما حرام؛ لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة:
أحدها: إظهار الشكوى.
والثاني: إذلال نفسه، وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.
والثالث: إيذاء المسئول غالبا.
وإنما يباح السؤال في حالة الضرورة والحاجة المهمة القريبة من الضرورة [مختصر منهاج القاصدين لا بن قدامة ص (322)، وإحياء علوم الدين (4/ 211)].
الرابع: أخذ حق المسكين.
ففي مسند أحمد
مسند أحمد:175/ 2، 788
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُتَيْبَةُ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَيَّتَانِ، صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ “.
وفي مسند أحمد
9538 – حدثنا يحيى بن سعيد، عن فضيل بن غزوان، قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على رجل ترك دينارين، أو ثلاثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” كيتان أو ثلاثة ” وهذا السند الأخير قلنا على شرط الذيل على الصحيح المسند
فقيل أن ذلك بسبب أخذه المال وهو غني. فأخذ حق المساكين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: “وإذا كان المتقدم السائل قوياً فإنه ينصح ويقال له: إنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب، فإن اعتذر وذكر أنه ما عنده عمل، ولا عنده شيء يقوم بحاله يعطى، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله رجلان فنظر فيهما فإذا هما جلدان، فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)، فالإنسان قد يكون قوي البدن، ولكن لا يجد عملاً فيبقى في حاجة شديدة، وقد تكون له علة داخلية تمنعه من العمل، ولكن ظاهر جسمه يقتضي أنه قوي، فإذا أبدى ما يدل على استحقاقه فإنه يعطى ويصدق في ذلك حرصاً على مواساة المحاويج، ولأن هذا قد يقع، قد يتيسر المال للقوي وقد لا يتيسر المال، إما لقلة الأعمال في البلد، وإما لأسباب أخرى.” [الموقع الرسمي- الصدقة على من كان صحيحا قادرا على العمل].
قلت سيف:
وكان أصحاب الصفة فقراء يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم من الزكوات والصدقات وما يدخل عليهم من الغزو. فهم أقوياء لكن ليس هناك أعمال.
فلعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير لهذين الرجلين أنه إذا لم يكن لكما عذر والأعمال متوفرة فلا يحل لكما السؤال.
فإن كان المحتاج بحيث يقدر على التكسب فعليه أن يكتسب، ولا يحل له أن يسأل،
قال ابن قدامة رحمه الله: “ومن كان ذا مكسب يغني به نفسه وعياله إن كان له عيال, وكان له قدر كفايته في كل يوم … , فهو غني لا حق له في الزكاة. وبهذا قال ابن عمر , والشافعي .. ” انتهى من [“المغني” (6/ 324)].
– قال النووي: واتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة، وفي القادر على الكسب وجهان: أصحهما أنه حرام، والثاني يحل بشرط أن لا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، وإلا حرم اتفاقا. [بريقة محمودية (3/ 266)]
وإذا كان المحتاج عاجزا عن الكسب، ولكنه قادر على أن يخرج فيطوف على الأبواب ويسأل، فإنه يفترض عليه ذلك، فإذا لم يفعل ذلك حتى هلك كان آثما عند أهل الفقه؛ لأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، فإن السؤال يوصله إلى ما يقوّم به نفسه في هذه الحالة كالكسب، ولا ذل في هذه الحالة، فقد أخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام وصاحبه أنهما أتيا أهل قرية استطعما أهلها. [الكسب ص (91)، والاختيار لتعليل المختار (4/ 175 – 176)]
وقال البعض: السؤال مباح له بطريق الرخصة، فإن تركه حتى مات لم يكن آثما، لأنه متسمك بالعزيمة [الكسب ص (91)].
ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت، ففرض على كل من علم به أن يطعمه، أو يدل عليه من يطعمه، صونا له عن الهلاك، فإن امتنعوا عن ذلك حتى مات اشتركوا في الإثم، قال عليه الصلاة والسلام: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 232)، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 168)]. وإن أطعمه واحد سقط الإثم عن الباقين [الاختيار (4/ 170)].
[الموسوعة الفقهية – (ج 34/ 240)] بتصرف بسير.
– أما في صدقة التطوع للأغنياء، قال النووي رحمه الله: ” تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل.
قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها, ويكره التعرض لأخذها … ، ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة [الفقر] ” انتهى. [المجموع، (6/ 236)].
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم, يجوز دفع صدقة التطوع إليهم, ولهم أخذها “.انتهى [المغني، (2/ 276)].
قلت سيف: ومنه حديث يا عمر اذا جاءك هذا المال من غير وسؤال ولا استشراف فخذه فإما أن تتموله أو تتصدق به.
فلعل مقصودهم بقولهم: يستحب التنزه عنه أي أن لا يتعرضوا للسؤال. ثم النبي صلى الله عليه وسلم يثق بعمر أنه يؤثر غيره.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أرسل إلي أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال بمناسبة زواجي، يقصد به مساعدتي. هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟
فأجابوا:
“لا بأس بقبوله دون استشراف نفس، ويكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب، أو يُدعى له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) رواه أبو داود والنسائي” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (16/ 176).
قال النووي رحمه الله: “والمشرف إلى الشيء هو المتطلع إليه الحريص عليه” انتهى من شرح مسلم.
قال النووي رحمه الله: ” إذا عُرض عليه مال من حلال على وجه يجوز أخذه ولم يكن مِنْهُ مسألة ولا تطلع إليه جاز أخذه بلا كراهة، ولا يجب. وقال بعض أهل الظاهر: يجب ; لحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر رضي الله عنه … فذكره
قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم”: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، قال: واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين: أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة، بشروط ثلاثة: أن لا يلح، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد شرط من ذلك حرم” انتهى نقلاً من “فتح الباري
– قال الشوكاني رحمه الله تعالى: وفيه دليل على أنه يستحب للإمام، أو المالك: الوعظ، والتحذير، وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي قوة على الكسب، كما فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذلك برفق. [نيل الأوطار، للشوكاني، 3/ 69].
المسائل:
مسألة: ما هي مصارف الزكاة؟
عرض الشيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى هذه المسألة، فقال: “المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة ثمانية، بيَّنها الله تعالى بياناً شافياً، وأخبر عز وجل أن ذلك فريضة، وأنه مبني على العلم والحكمة، فقال جل ذكره: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/60]. فهؤلاء ثمانية أصناف هم أهل الزكاة الذين تدفع إليهم.
الأول والثاني: للفقراء، والمساكين، وهؤلاء يعطون من الزكاة لدفع ضرورتهم وحاجتهم، والفرق بين الفقراء والمساكين: أن الفقراء أشد حاجة، لا يجد الواحد منهم ما يكفيه وعائلته لنصف سنة، والمساكين أعلى حالاً من الفقراء؛ لأنهم يجدون نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية، وهؤلاء يعطون لحاجتهم.
ولكن كيف نقدر الحاجة؟
قال العلماء: يعطون لحاجتهم ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة. لأن السنة إذا دارت وجبت الزكاة في الأموال، فكما أن الحول هو تقدير الزمن الذي تجب فيه الزكاة، فكذلك ينبغي أن يكون الحول هو تقدير الزمن الذي تدفع فيه حاجة الفقراء والمساكين الذين هم أهل الزكاة. وهذا قول حسن جيد، أي أننا نعطي الفقير والمسكين ما يكفيه وعائلته لمدة عام كامل، سواء أعطيناه أعياناً من أطعمة وألبسة، أو أعطيناه نقوداً يشتري بها هو ما يناسبه، أو أعطيناه صنعة أي آلة يصنع بها إذا كان يحسن الصنعة: كخياط، أو نجار، أو حداد ونحوه. المهم أن نعطيه ما يكفيه وعائلته لمدة سنة.
الثالث: العاملون عليها: أي الذين لهم ولاية عليها من قبل أولي الأمر، ولهذا قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة/60] ولم يقل: العاملون فيها. إشارة أن لهم نوع ولاية، وهم جباتها الذين يجبونها من أهلها، وقسامها الذين يقسمونها في أهلها، وكتابها ونحوهم، وهؤلاء عاملون عليها يعطون من الزكاة.
ولكن كم يعطون منها؟
العاملون على الزكاة مستحقون بوصف العمالة، ومن استحق بوصف أعطي بقدر ذلك الوصف، وعليه فيعطون من الزكاة بقدر عمالتهم فيها، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، لأنهم يأخذون الزكاة لعملهم لا لحاجتهم، وعلى هذا فيعطون ما يقتضيه العمل من الزكاة، فإن قدر أن العاملين عليها فقراء، فإنهم يعطون بالعمالة، ويعطون ما يكفيهم لمدة سنة لفقرهم. لأنهم يستحقون الزكاة بوصفين العمالة عليها والفقر، فيعطون لكل من الوصفين، ولكن إذا أعطيناهم للعمالة ولم تسد حاجتهم لمدة سنة، فنكمل لهم المؤونة لمدة سنة، مثال ذلك: إذا قدرنا أنه يكفيهم لمدة سنة عشرة آلاف ريال، وأننا إذا أعطيناهم لفقرهم أخذوا عشرة آلاف ريال، وأن نصيبهم من العمالة ألفا ريال، فعلى هذا نعطيهم ألفي ريال للعمالة، ونعطيهم ثمانية آلاف ريال للفقر.
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام: إما كافر يرجى إسلامه، وإما مسلم نعطيه لتقوية الإيمان في قلبه، وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين، أو نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين.
ولكن هل يشترط في ذلك أن يكون سيداً مطاعاً في قومه حتى يكون في تأليفه مصلحة عامة، أو يجوز أن يعطى لتأليفه ولو لمصلحته الشخصية: كرجل دخل في الإسلام حديثاً، يحتاج إلى تأليفه وقوة إيمانه بإعطائه؟
هذه محل خلاف بين العلماء، والراجح عندي: أنه لا بأس أن يعطى لتأليفه على الإسلام بتقوية إيمانه، وإن كان يعطى بصفة شخصية وليس سيداً في قومه، لعموم قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}؛ ولأنه إذا جاز أن نعطي الفقير لحاجته البدنية والجسمية فإعطاؤنا هذا الضعيف الإيمان لتقوية إيمانه من باب أولى؛ لأن تقوية الإيمان بالنسبة للشخص أهم من غذاء الجسد.
هؤلاء أربعة يعطون الزكاة على سبيل التمليك، ويملكونها ملكاً تامًّا حتى لو زال الوصف عنهم في أثناء الحول لم يلزمهم رد الزكاة، بل تبقى حلالاً لهم، لأن الله عبر لاستحقاقهم إياها باللام فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}، فأتى باللام، وفائدة ذلك: أن الفقير لو استغنى في أثناء الحول فإنه لا يلزمه رد الزكاة: مثل لو أعطيناه عشرة آلاف لفقره وهي تكفيه لمدة سنة، ثم إن الله تعالى أغناه في أثناء الحول باكتساب مال، أو موت قريب له يرثه أو ما شابه ذلك، فإنه لا يلزمه رد ما بقي من المال الذي أخذه من الزكاة؛ لأنه ملكه.
الخامس من أصناف أهل الزكاة: الرقاب، لقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}، والرقاب فسرها العلماء بثلاثة أشياء:
الأول: مكاتب اشترى نفسه من سيده بدراهم مؤجلة في ذمته، فيعطى ما يوفي به سيده.
والثاني: رقيق مملوك اشْتُرِيَ من الزكاة ليعتق.
الثالث: أسير مسلم أسره الكفار فيعطى الكفار من الزكاة لفكهم هذا الأسير، وأيضاً: الاختطاف، فلو اختطف كافر أو مسلم أحد من المسلمين فلا بأس أن يفدى هذا المختطف بشيء من الزكاة، لأن العلة واحدة، وهي فكاك المسلم من الأسر، وهذا إذا لم يمكننا أن نرغم المختطف على فكاكه بدون بذل المال إذا كان المختطف من المسلمين.
السادس: الغارمين. والغرم هو الدين، وقسم العلماء رحمهم الله الغرم إلى قسمين: غرم لإصلاح ذات البين، وغرم لسداد الحاجة، أما الغرم لإصلاح ذات البين، فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب، فأتى رجل من أهل الخير والجاه والشرف والسؤدد، وأصلح بين هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته، فإنا نعطي هذا الرجل المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة، جزاء له على هذا العمل الجليل الذي قام به، الذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين المؤمنين وحقن دماء الناس، وهذا يعطى سواء كان غنيًّا أم فقيراً، لأننا لسنا نعطيه لسد حاجته، ولكننا نعطيه لما قام به من المصلحة العامة.
أما الثاني: فهو الغارم لنفسه، الذي استدان لنفسه ليدفعه في حاجته، أو بشراء شيء يحتاجه يشتريه في ذمته، وليس عنده مال، فهذا يوفى دينه من الزكاة بشرط أن لا يكون عنده مال يوفي به الدَّين.
وهنا مسألة: هل الأفضل أن نعطي هذا المدين من الزكاة ليوفي دينه أو نذهب نحن إلى دائنه ونوفي عنه؟
هذا يختلف، فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه، وإبراء ذمته، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين فإنا نعطيه هو بنفسه يقضي دينه، لأن هذا أستر له وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه.
أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري أشياء لا ضرورة لها فإننا لا نعطيه، وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له: ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين، أو بعضه حسب ما يتيسر.
السابع: في سبيل الله. وسبيل الله هنا المراد به الجهاد في سبيل الله لا غير، ولا يصح أن يراد به جميع سبل الخير؛ لأنه لو كان المراد به جميع سبل الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/60]، إذ يكون الحصر عديم التأثير، فالمراد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فيطعى المقاتل في سبيل الله، الذين يظهر من حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، يعطون من الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والأسلحة وغير ذلك، ويجوز أن تشترى الأسلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها، ولكن لابد أن يكون القتال في سبيل الله. والقتال في سبيل الله بَيَّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))، فالرجل المقاتل حمية لوطنه وغير ذلك من أنواع الحميات ليس يقاتل في سبيل الله فلا يستحق ما يستحقه المقاتل في سبيل الله، لا من الأمور المادية الدنيوية، ولا من أمور الا خرة، والرجل الذي يقاتل شجاعة أي أنه يحب القتال لكونه شجاعاً ـ والمتصف بصفة غالباً يحب أن يقوم بها على أي حال كانت ـ هو أيضاً ليس يقاتل في سبيل الله، والمقاتل ليرى مكانه، يقاتل رياء وسمعة ليس يقاتل في سبيل الله، وكل من لا يقاتل في سبيل الله فإنه لا يستحق من الزكاة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، والذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
قال أهل العلم: ومن سبيل الله: الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته)، فالعلم هو أصل الشرع كله، فلا شرع إلا بعلم، والله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويتعلموا أحكام شريعتهم، وما يلزم من عقيدة وقول وفعل. أما الجهاد في سبيل الله فنعم هو من أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه.
الثامن: ابن السبيل. وهو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله لبلده، وإن كان في بلده غنيًّا؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط، لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر.
وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع لهم فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة، وعلى هذا لا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب وشبه ذلك، لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي أن هذا التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ثم نقول: هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل صنف منهم؛ لأن الواو تقتضي الجمع؟
فالجواب: أن ذلك لا يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف.
فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟
قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/60] “. انتهى. [انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/ 331 – 338) جمع وترتيب: فهد السليمان، وفقه العبادات السؤال (121) – مكتبة الإيمان بالمنصورة-].
مسألة: تحديد الغنى التي تحرم معه الصدقة:
قال صاحب العون (ج3/ص65): قال الخطابي: أو عدلها يريد قيمتها، يقال هذا عدل الشيء أي ما يساويه في القيمة، وهذا عدله بكسر العين أي نظيره ومثاله في الصورة والهيئة. والأوقية عند أهل الحجاز أربعون درهما.
وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تحديد الغنى إلى هذا الحديث، وزعم أن من وجد أربعين درهما حرمت عليه الصدقة.
وذهب قوم من أهل العلم إلى تحديد الغنى التي تحرم معه الصدقة بخمسين درهما، ورأوه حدّاً في غنى من تحرم عليه الصدقة منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وأبى القول به آخرون، وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم قالوا: وليس الحديث أن من ملك خمسين درهما لم تحل له الصدقة، إنما فيه كره له المسألة فقط، وذلك أن المسألة إنما تكون مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد ما يكفيه في وقته إلى المسألة.
وقال مالك والشافعي: لا حد للغني معلوم توسعة وطاقة، فإذا اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة وإذا احتاج حلت له.
قال الشافعي: قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسب، ولا يغنيه الألف مع ضعف في نفسه وكثرة عياله.
وجعل أبو حنيفة وأصحابه الحد فيه مائتي درهم وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة. انتهى كلام الخطابي.
مسألة: اختلاف أهل العلم في حكم دفع الزكاة لغنيّ، أو نحوه، ممن لا يستحقّها على ظنّ أنه يستحقها:
قال العلامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى: إذا أعطى من يظنّه فقيراً، فبان غنياً، فعن أحمد روايتان:
إحداهما: يجزئه؛ أي تسقط عنه الزكاة، ولا يجب عليه الإعادة، واختارها أبوبكر. وهذا قول الحسن، وأبي عبيد، وأبو حنيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الْجَلْدَين، وقال: ((إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)). وقال للرجل الذي سأله الصدقة: ((إِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ)) [د]، ولو اعتبر حقيقة ًلما اكتفى لقولهم. ثم ذكر ابن قُدامة حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((قال رجل: لأصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، … )) الحديث.
قال: والرواية الثانية: لا يجزئه، وعليه الإعادة؛ لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقّه، فلم يخرج من عهدته، كما لو دفعها إلى كافر. وهو قول الثوري، والحسن بن صالح، وأبي يوسف، وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين. انتهى.
قال الشيخ محمد بن آدم الأثيوبي: القول الأول من قولي الإمام أحمد رحمه الله تعالى هو الحق عندي؛ لظهور أدلته التي تقدمت آنفاً.
والحاصل أن من دفع زكاته إلى غني، أو نحوه ممن لا يستحقها، ظانًّا أنه مستحقّها، ثم ظهر بخلافه، سقطت عنه، ولا يلزمه إعادتها، ولكن لو أعادها، كما لو الرجال المذكور في الباب –أي حديث أي هريرة رضي الله عنه-، كان حسناً، والله تعالى أعلم. انتهى. [شرح السنن النسائي، (ج22/ص392 – 330)]
بعض الأسئلة المتعلقة بالحديث:
سئلت: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
السؤال الخامس من الفتوى رقم (14428)
س5: يؤدي كثير من الناس زكاة أموالهم إلى أشخاص لا يستحقونها، فهل يجوز للشخص الذي لا يستحق الزكاة أن يرفض أخذها؟
ج5: يحرم على صاحب الزكاة أن يدفعها إلى غير مستحقيها، ويحرم على الشخص أن يقبلها إذا لم يكن من أهلها المذكورين في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أعضاء اللجنة الدائمة
عضو: عبد الله بن غديان. نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
سؤال وجه لبعض المشايخ:
السؤال:
هل تسقط الزكاة عمَّن أخطأ في دفعها، فأعطاها إلى غير المستحقِّين لها؟ وخاصَّة إذا كان إخراجها بناءً على فتوى بعض أئمَّة المساجد؟ فيُرجى التوضيح والتفصيل إن أمكن وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالواجبُ على المسلم التثبُّت من دفع الزكاة، فلو دفع زكاتَه لمن يظنُّه مُستحِقًّا لها فأعطاها خطأً وهو لا يعلم بحقيقة أمره، اكتفاءً بظاهر حاله، أو بتوجيهٍ ممَّن يعرف حالَه، فبان غيرَ مستحِقٍّ لها؛ فإنَّ الزكاة تسقُط عنه، لحديث مَعْنٍ بنِ يزيد رضي الله عنه قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ»، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ»» ((1))، وبوَّب له البخاري: «باب إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر» ((2))، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «قَالَ رَجُلٌ: «لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ»، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: «أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ
سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ» ((3))، والحديث بوَّب له البخاريُّ: «باب إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلم» ((4))، أي: فصدقتُه مقبولةٌ ((5)).
هذا، ويلحقُ الحكمُ -أيضًا- بما أفتاه له المفتي مِن صِحَّة إخراج الزكاة لبعض الأصناف فأخرجها بناءً على الفتوى، ثمَّ تبيَّن له خطؤُها فإنه تسقط عنه الزكاة، ولا يُطالَب بإعادةِ إخراجها، اكتفاءً بغلبةِ الظنِّ، وله ما نوى، لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ((6))، وهذا بخلاف العالمِ بعدمِ أهلية السائل، فلا تسقط عنه ولا يخرج مِن عهدة الامتثال إلاَّ بإخراجها لأهلها، لِما أخرجه أبو داود وغيرُه: «أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاَهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا النَّظَرَ وَخَفَضَهُ فَرَأَىنَا جَلْدَيْنِ ((7))، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» ((8)).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: (16) جمادى الأولى (1429) هـ
الموافق ل: (21) / (05) / (2008) م
((1)) أخرجه البخاري في «الزكاة» باب إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر ((1422)) من حديث معن بن يزيد رضي الله عنه.
((2)) «صحيح البخاري بشرح فتح الباري» ((3) / (291)).
((3)) أخرجه البخاري في «الزكاة» باب إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلم ((1421))، ومسلم في «الزكاة» ((1022))، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
((4)) «صحيح البخاري بشرح فتح الباري» ((3) / (290)).
((5)) «فتح الباري» لابن حجر ((3) / (290)).
((6)) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((1))، ومسلم في «الإمارة» ((1907))، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.
((7)) الجَلَد: القوَّة والصبر. [«النهاية» لابن الأثير ((1) / (284))].
((8)) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَن يُعطي من الصدقة وحدِّ الغنى ((1633))، والنسائي في «الزكاة» باب مسألة القوي المكتسب ((2598))، من حديث عُبيد الله بن عديِّ بن الخيار أنَّ رجلين أخبراه. قال صاحب «التنقيح»: «حديثٌ صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ، قال الإمام أحمد رضي الله عنه: «ما أجوده مِن حديث هو أحسنها إسنادًا»» [انظر: «نصب الراي7خة» للزيلعي ((2) / (401))]، والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» ((3) / (381)).
[الفتوى رقم: (912)، الصنف: فتاوى الزكاة، في إخراج الزكاة خطأ لغير أهل الاستحقاق].