1503 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
1503 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا وهب بن بقية عن خالد يعني ابن عبد الله عن خالد يعني الحذاء عن أبي تميمة عن أبي المليح عن رجل قال
كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابة فقلت تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وأبو تميمة هو طريف بن مجالد الهجيمي
…………………………………….
وصححه محققو المسند (34/ 198) والألباني في صحيح الجامع (7401)
وصوب الدارقطني هذه الرواية في علله (13/ 285)
قلت سيف: ورجح النسائي حديث عبدالله بن المبارك عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن ابي المليح عن ردف النبي صلى الله عليه وسلم.
خلافا لمن قال عن أبي تميمة عن الي المليح عن أبيه كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم
(فقلت تعس) أي هلك ومثل هذا الكلام يوهم أن للشيطان دخلا في مثل ذلك (فقال لا تقل تعس الشيطان) في القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد الانحطاط والفعل كمنع وسمع وإذا خاطبت قلت تعست كمنع وإذا حكيت قلت تعس كسمع تعسه الله وأتعسه انتهى
(تعاظم) أي صار عظيما وكبيرا (ويقول بقوتي) أي حدث ذلك الأمر بقوتي (تصاغر) أي صار صغيرا وحقيرا.
” عون المعبود شرح سنن أبي داود” (13/ 223)
قال الشيخ عبد المحسن العباد في ” شرح سنن أبي داود “: قوله: (تعس الشيطان). معناه الذم له، وفيه أيضاً: أنه يصير عنده قدرة وقوة، وكأن ذلك حصل منه، فيقول: بقوتي، ولكن إذا قيل: باسم الله فإنه يتضاءل حتى يكون كالذباب.
ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد فصلا في كراهة إطلاق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها وذكر حديث النهي عن سب الدهر وأن فيه ثلاثة مفاسد عظيمة:
إحداها: سبه من ليس بأهل أن يسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله، منقاد لأمره مذلل لتسخيره، فسابه أولى بالذم والسب منه.
الثانية أن سبه متضمن للشرك، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضر من لا يستحق الضرر، وأعطى من لا يستحق العطاء، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان، وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبه كثيرة جدا. وكثير من الجهال يصرح بلعنه وتقبيحه.
الثالثة: أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وقعت أهواؤهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه. وفي حقيقة الأمر، فرب الدهر تعالى هو المعطي المانع، الخافض الرافع، المعز المذل، والدهر ليس له من الأمر شيء، فمسبتهم للدهر مسبة لله عز وجل، ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى، كما في ” الصحيحين ” من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال («قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر») فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما. إما سبه لله، أو الشرك به، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله فقد سب الله.
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: («لا يقولن أحدكم: تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يكون مثل البيت، فيقول: بقوتي صرعته، ولكن ليقل: بسم الله، فإنه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب»)
وفي حديث آخر («إن العبد إذا لعن الشيطان يقول: إنك لتلعن مَلْعَناً») [سئل عنه الدارقطني في العلل (1938) ورجح وقفه على أبي هريرة].
ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان، وقبح الله الشيطان، فإن ذلك كله يفرحه، ويقول علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي، وذلك مما يعينه على إغوائه، ولا يفيده شيئا، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان، أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه، فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان.
” زاد المعاد ” (2/ 324)
سئلت اللجنة الدائمة: س: لعنت الشيطان في إحدى المرات، وعندما سمعني أحد الإخوة أنكر علي ذلك، وقال: إنه سمع أن هناك نهيا عن لعن الشيطان؛ لأنه إذا لعن تعاظم، فهل ما قال هذا الأخ صحيحا؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: المشروع للإنسان إذا سول له الشيطان فعل المعاصي، وزينها له ووسوس له، أو خاف أن يصيبه ضرر من كيده وكيد أوليائه- أن يستعيذ بالله ويستجير به وحده؛ لكف شره وأذاه عنه، ويسمي بالله، ويكثر من ذكره ليصرفه الله عنه ويرد كيده، ويتصاغر في نفسه، ويدل لذلك قول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} ولما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يقول إذا قام إلى الصلاة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه» ولما أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) ج 5 ص 59 عن أبي تميمة الهجيمي، عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت رديفه على حمار، فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل: تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت: تعس لشيطان تعاظم في نفسه وقال: صرعته بقوتي، فإذا قلت: بسم الله، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب» وروى أبو داود في (سننه) نحوه، وجاء في كتاب (الصمت وآداب اللسان) لابن أبي الدنيا ص 205، عن مجاهد رحمه الله أنه قال: (قل ما ذكر الشيطان قوم إلا حضرهم، فإذا سمع أحدا يلعنه قال: لقد لعنت ملعونا، ولا شيء أقطع لظهره من: لا إله إلا الله) هذا هو العلاج الناجع لكف أذى الشيطان عن الإنسان، إذ لا يكف شر مردة الجن إلا ذلك.
أما لعن الشيطان فإن الله لعنه في كتابه في أكثر من موضع، لما تكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له للسجود لآدم لما خلقه، سجود تكريم وإجلال، ووصفه الله بأنه رجيم وأنه لعين، فهو من المطرودين عن رحمة الله وجنته يوم القيامة، قال الله تعالى:
إن {يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}
وقال تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}
وقد لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما جاهده وأراد أن يضره ويفتك به، فقد روى الإمام مسلم في (صحيحه) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله، ثلاثا، وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله: قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة»
وعلى ذلك فإنه يجوز للإنسان أن يلعن الشيطان إذا تعرض له ليضره أو جاهده ووسوس له ليفتنه عن طاعة الله، لكن لا يترك التعوذ منه بالله، والإكثار من ذكر الله، وقول: بسم الله ونحو ذلك من الأذكار والأدعية المشروعة؛ ليتحصن المسلم بالله من شره، وعملا بالآيات والأحاديث السابقة، وينبغي للإنسان أن لا يجعل لعن الشيطان ديدنه بدون سبب، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (26/ 68)