15. الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة
جمع حسين البلوشي
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق واخوه محمد وموسى الصوماليين
ومجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم)
———-‘———‘——‘
الشفاعة،،،
مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر، فهي إذاً الشفاعة في اللغة ضم الشيء إلى الشيء به يصير الشيء زوجا بعد إذ كان منفردا فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له هذا
وأما الشفاعة شرعا واصطلاحا فقيل: سؤال الخير للغير، وقيل: هي التجاوز هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، وقيل: هي مساعدة ذي الحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة
أقسام الشفاعة.
الشفاعة قسمان:
مثبتة وهي لأهل التوحيد
ومنفية وهي لأهل الشرك
إذا الشفاعة نوعان: شفاعة مثبتة وهي لأهل التوحيد الشفاعة لا تكون إلا للموحدين من مات على التوحيد فله الشفاعة، والثانية: شفاعة منفية، وهي لأهل الشرك الشرك الأصلي كما قال الله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة.
واعلم أن للنبي – صلى الله عليه وسلم – شفاعات:
(الأولى) الشفاعة التي يشفع فيها لأهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتدافعها الأنبياء أصحاب الشرائع آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وهي المقام المحمود، وقد وردت من حديث الصديق الأعظم وأنس وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعقبة بن عامر وأبي سعيد الخدري، وسلمان الفارسي
وأخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
” «يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون لذلك اليوم، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا» حتى يريحنا من مقامنا هذا، فيأتون آدم فيقولون:
يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم:
لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصاب، فيستحيي ربه من ذلك، ويقول:
ولكن ائتوا نوحا، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول:
لست هناكم، ويذكر خطيئته سؤال ربه ما ليس له به علم، فيستحيي ربه من ذلك، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتونه، فيقول:
لست هناكم ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة، فيأتون موسى فيقول:
لست هناكم ويذكر لهم النفس التي قتل بغير حق، فيستحيي ربه من ذلك، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول:
لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتونني فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين حتى أستأذن على ربي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد قل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع» ” الحديث.
وهذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا – صلى الله عليه وسلم – من بين سائر الأنبياء هي المرادة بقوله – صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهذه الشفاعة لأهل الموقف إنما هي لأجل حسابهم، ويراحوا من الموقف كما قاله القرطبي في تذكرته
وحكمة إلهام الناس التردد إلى غير النبي – صلى الله عليه وسلم – قبله، ولم يلهموا المجيء إليه من أول وهلة لإظهار فضله وشرفه – صلى الله عليه وسلم.
هذه الشفاعة العظمى مجمع عليها لم ينكرها أحد ممن يقول بالحشر، إذ هي للإراحة من طول الوقوف حين يتمنون الانصراف من موقفهم ذلك، ولو إلى النار
العلماء إذا ذكروا حديث الشفاعة وصلوا إلى موقف القيامة عدلوا وذكروا الشفاعة في إخراج العصاة من النار ولم يتكلموا في الشفاعة لإراحة الموقف، فما السر وما الحكمة؟.
جواب ذلك أن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث مقصودهم هو الرد على الخوارج والمعتزلة والزيدية الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي في النص الصريح في الرد عليهم في بدعتهم هذه المخالفة للأحاديث.
(ثانيها):
يشفع عند ربه في إدخال قوم من أمته الجنة بغير حساب، فإن هذه خاصة به أيضا – صلى الله عليه وسلم – كما قال القاضي عياض والإمام النووي، وتردد ابن دقيق العيد في الاختصاص، وتبعه الحافظ ابن حجر قال:
فإن الاختصاص إنما يثبت بالدليل، ولا دليل عليه انتهى
(ثالثها) الشفاعة لأهل الجنة في الإذن لهم في دخولها، ودليلهم ما في صحيح مسلم عن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول شفيع في الجنة).
(رابعها) وهي خاصة بأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودليلها ما ورد في طرق متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (إن أبا طالب يحميك ويذود عنك ويؤويك فهل نفعته؟ قال نعم وجدته في غمرات من نار فأخرجته منها إلى ضحضاح من نار يغلي منها دماغه)
وهذه تنفعه في تخفيف العذاب لا في إسقاط العذاب بالكلية
هل غير الأنبياء يشفعون.
والحاصل أنه يجب أن يعتقد أن غير النبي – صلى الله عليه وسلم – من سائر الرسل والأنبياء والملائكة والصحابة والشهداء والصديقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون، وبقدر جاههم ووجاهتهم يشفعون لثبوت الأخبار بذلك، وترادف الآثار على ذلك، وهو أمر جائز غير مستحيل، فيجب تصديقه والقول بموجبه لثبوت الدليل
الشفاعة في أهل الكبائر.
الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن دخلوا النار ليخرجوا منها وهذا أدلته متواترة
تواتر بهذا النوع الأحاديث من ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)
وهذه شفاعة تتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات كما ثبت في حديث أنس وأنه في المرة الأولى يقال: (أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان
وفي الثانية يقال له: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان
وفي الثالثة يقال له: أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان
وفي الرابعة يقال له: يقول لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله أو أخرج منها من قال: لا إله إلا الله)
أول من يشفع
قال – صلى الله عليه وسلم:
«أنا أول شافع، وأول مشفع» روى هذا اللفظ أبو هريرة – رضي الله عنه – رواه مسلم
شفاعة رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قالوا يا رسول الله سواك قال سواي قلت أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنا سمعته * (صحيح) المشكاة 5601، الصحيحة 2178
قال الفريابي: يقال: إنه عثمان بن عفان – رضي الله عنه.
جاء في تحفة الأحوذي:
وقال القاراء فقيل الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل أويس القرني وقيل غيره انتهى
قلت إن دل دليل على تعيين هذا الرجل فهو المتعين وإلا فالله تعالى أعلم به انتهى.
أقسام الناس في الشفاعة وشروط الشفاعة المثبتة
أقسام الناس في الشفاعة ثلاثة:
قسم غلوا في إثباتها فأثبتوها مطلقة وهم المشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وبعض الصوفية فأثبتوا شفاعة الأصنام والأوثان ويجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا.
وقسم غلوا في نفيها فنفوا شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر، وهم الخوارج والمعتزلة.
وقسم توسطوا وهم أهل السنة والجماعة فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وشفاعة غيره ويشترطون لها شرطين أخذوهما من النصوص:
أحدهما: إذن الله للشافع أن يشفع ودليله قول الله -تعالى -: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}
والثاني: رضى الله عن المشفوع له، ودليله قول الله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وينفون الشفاعة التي تكون للمشرك عملا بقول الله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ويوفون الشفاعة التي تكون للمشرك عملا بقول الله –تعالى-: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
الشفاعة التي ينكرها المعتزلة.
الشفاعة التي تنكرها المعتزلة، وتجحدها هي:
فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخلها
وفيمن دخلها منهم أن يخرج منها
فكذبت بها المبتدعة، ونفتها مع ثبوت أدلتها، وتضافر حججها مما يتعسر إحصاؤه، ويتعذر استقصاؤه
فعن عوف بن مالك الأشجعي يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون ما خيرني ربي الليلة قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة قلنا يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها قال هي لكل مسلم
(صحيح) أخرجه ابن ماجه.
وأخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: ” «إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة» ”
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححوه عن أنس – رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ” «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»
الأعمال الموجبة لشفاعته – صلى الله عليه وسلم
1_ أخرج البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:
«قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: ” ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه» ”
2_ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرجه البخاري وأخرج مسلم نحوه من حديث ابن عمرو.
3_ عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها وقال المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة) أخرجه مسلم
قال النووي: قال أهل اللغة اللاواء بالمد الشدة والجوع وأما الجهد فهو المشقة وهو بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور وحكي فتحها انتهى
4_ وأخرج الترمذي في السنن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها) وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أيوب السختياني.
5_ وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: ” أَلَكَ حَاجَةٌ؟ ” قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَاجَتِي قَالَ: ” وَمَا حَاجَتُكَ؟ ” قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: ” وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا؟ ” قَالَ: رَبِّي قَالَ: ” إِمَّا لَا، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ” أخرجه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة 2102
شبه المعتزلة.
مما احتجت المعتزلة لمذهبهم في نفي الشفاعة قوله تعالى: ({وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}) وقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، وزعموا أن من دخل جهنم يخلد فيها لأنه إما كافر أو صاحب كبيرة مات بلا توبة، هذا رأيهم ومن وافقهم، وهو رأي فاسد ومذهب باطل ترده الأخبار الصحيحة، والآثار الصريحة، وإجماع أهل الحق نسأل الله لهم التأييد … ، وأجابوا عن الآية الكريمة أن المراد بقوله تعالى: ({لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئَا}) الكفار للآيات الواردة، والأخبار الثابتة في الشفاعة، قال القاضي البيضاوي: تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، وأجيب بأنها مخصوصة للكفار، ويؤيد هذا أن ميثاق الخطاب معهم.
والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم. انتهى.
وعن قوله تعالى ({مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}) المراد بالظالمين الكفار، فإن الظالم على الإطلاق هو الكافر
وقالت المعتزلة في قوله تعالى ({إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}) – ({وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}) – ({وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَاذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}). ومن أخزاه الله لا يرتضيه، ومن ارتضاه لا يخزيه، قال تعالى: ({يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}) الآية.
والجواب عن الآية الأولى ما قال سيدنا أنس بن مالك – رضي الله عنه – خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معنى ({مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ}) من تخلد.
وقال قتادة: تدخل مقلوب تخلد. ولا نقول كما قال أهل حروراء: ” يعني الخوارج “، فعلى هذا قوله قد أخزيته على بابه من الهلاك أي: أهلكته وأبعدته ومقته، ولهذا قال سعيد بن المسيب: الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار، دليله قوله في آخر الآية ({وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}) أي الكفار، وإن سلم أن الآية في عصاة الموحدين فالمراد بالخزي الحياء، يقال: خزي يخزى خزاية إذا استحى، فهو خزيان، وامرأة خزيا، فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم من دخول النار ودار البوار مع أهل الشرك والكفار، ثم يخرجون بشفاعة النبي الكريم، ورحمة الرءوف الرحيم، ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب من خضوع، والنصرة ربما تبنى على المدافعة والممانعة والاستعلاء، على أنا نقول لا يسلم لهم زعمهم أن الفاسق
غير مرضي مطلقا، بل هو مرضي من جهة الإيمان والعمل الصالح، وإن كان مبغوضا من جهة الذنوب والعصيان وارتكاب القبائح، بخلاف الكافر فإنه ليس بمرضي مطلقا لعدم الأساس الذي تبنى عليه الحسنات والاعتداد بالكمالات وهو الإيمان.
انتهى جواب السفاريني
والحاصل أن الإيمان بالشفاعة واجب، وقد قدمنا من النصوص ما لعله يقلع شروش الاختلاج من خواطر من أذعن لها، وخلع من عنقه ربقة تقليد أهل الزيغ والاعوجاج، كيف والنصوص متواترة، والآثار متوافرة، والعقل الصحيح لا يحيل ذلك، والنقل الصريح ناطق بما هنالك، فدع عنك نحلة فلانة وفلان، واعقد قلبك على ما صح عن سيد ولد عدنان، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، فإنه الحق الذي لا عقل يحيله، ولا نقل يزيله، والله تعالى الموفق.
شروش: كلمة فارسية تعني ورق الشجر او قريب منها
الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم.
هذا مجمل فيه تفصيل؛ لأن التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم يراد به ثلاثة أمور أمران متفق عليهما بين المسلمين والثالث مختلف فيه
أما الأمران المتفق عليهما التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به وهو أصل الإيمان والإسلام.
الثاني: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته وهذا أيضا جائز ونافع يتوسل به من دعا له وشفع وهذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، ومن أنكر التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان الثاني أخفى من الأول التوسل بالنبي بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته هذا فرض أو التوسل بدعائه بمعنى أنه يدعو وأنت تؤمن كما في حياته وكما يكون يوم القيامة.
الثالث: التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية.
فالصواب: أن هذا ممنوع فإذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به هذا فرض التوسل بدعائه في حياته ويوم القيامة هذا أيضا جائز التوسل بذاته هذا ممنوع وكذلك التوسل بالجاه كأن يقول: أتوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو بحرمة فلان هذا ممنوع وهذا مبتدع. انتهى كلام الراجحي باختصار (شرح الطحاوية).